إبراهيم الديب - "عم احمد "احد نصوص كتابي" على مرمى البصر"

"عم أحمد"
أحد أفراد فوج العمرة ،لم يسبق لنا الحديث سويا، منذ أن غادرنا دمياط، واقترب موعد مغادرتنا لمكة. عند عودتي للفندق، بعد صلاة الظهر بمفردي سمعت من: ينادي على قبل أن اتناول مفتاح غرفتي من: الموظف فشاهدته يجلس على الأنتريه بالقرب من إدارة الفندق، عم احمد رجل وإن تخطى السبعين أو قضم من العقد الثامن عدة سنوات وفارقه الشباب، ولكن الحركة والنشاط ،والإقبال على الحياة والتخطيط لغده يبدأ من يومه كل ذلك لم؛ يفارقه بعد، وكأنه "يعيش ابدا" تطبيقا للحديث الشريف، عرفني الرجل على نفسه : فقد سبق له العمل هنا في السعودية في نهايات ستينيات القرن الماضي، و ادى مناسك الحج عام ١٩٧٠وبما أننا في عام ٢٠٠١ يكون مر على مغادرته السعودية لدمياط ٣٠عاما ١٩٧١ ومن يومها يخطط للعودة إليها مرة أخرى، قبل أن يغيبه الموت على حد قوله ،وأخذ يقص من ذكرياته وانا منصت بشغف لحكايات عن تلك، وكأنها كانت بالأمس قالها: ولم اعقب، و مضي في حديثه متعجباً متسائلاً لنفسه وكأنه لا يحدث: لغيره من الناس: ما كل هذا التغير المذهل الذي طرأ على المملكة العربية السعودية ؛ بزحف الرقعة السكانية على الصحراء فتغيرت الجغرافيا بسبب ذلك ؛بعد تشييد مجموعة كبيرة من المدن ، وأصبح الحرم أكثر اتساعاً وأشد إضاءة وتضخمت الفنادق بعد بساطة ، ومنها البرج الشاهق الذي نقيم فيه، وتعقدت الحياة بعد سهولة.

1728463833057.png

واخذت السنون تطلب ، بعضها بعضاً ، وعام بعد الآخر يقول لنفسه : زيارة السعودية العام القادم, ثم ارجئه للسنة القادمة وانهمكت في عملي ومصدر رزقي ؛بعد أن وسع الله على من فضله وراج نشاطي: في ورشة التنجيد التي امتلكها في سبعينيات القرن الماضي والعصر الذهبي لدمياط، ولم استطع الحضور ؛الا في عامي هذا نحمد الله على كل حال ثم فترة صمت وتأمل... طيب والله العظيم زي ما يكون امبارح. واستدعى الرجل اماكن ؛ لم تخطها قدمي في المملكة ، وحدثني عن أشخاص لم اسمع بهم من قبل،واحداث لم أكن شاهدا عليها، ونوادر كثيرة تخبر أنه: صاحب تجربة حياتية عريضة: مع فئات عديدة من البشر ،لم يستطع النسيان لها محوا من ذاكرته، بت أكثر انصانا بشغف مستمتعا ؛لكل ما يتفوه به الرجل ، ثم صمت مال بعدها ؛برأسه للجهة الاخرى، لم يعد هنام شك ان عم احمد ينتمي لفئة من البشر مهمتها الأساسية توزيع البهجة والسعادة على من تلتقي به من خلق الله: واكبر اظن انه لا ؛يدرك أنه يتمتع بهذه الصفة التي ؛ تشيع جوا من البهجة في أي مكان يخل به, لتتسلل البهحة بعد ذلك وتغمر من ينصت إليه، امدتني حكايات الرجل بطاقة حيوية : فبما إني تخطيت الثلاثين بأربع سنوات، وهو تخطى السبعين، فقد أعطاني أملا، في حالة وصولي لهذه السن إذا قدر الله أن اظل على: علاقة متينة بالحياة متمتعا بصحة جيدة، وحضور ذهني، وقدرة على التعبير عن نفسي ، لاعتقادي ؛سابقآ أن من يتخطى الاربعين يستعد لمغادرة الحياة...
وكمن تذكر اه :تعرف لم تكون المواصلات في الماضي بهذه السهولة ،لقد ذهبت من هنا يوم :التروية لجبل عرفة ماشيا: ليس بخلا , ولا توفيراً للنقود ،ولكن العافية كانت هبلة و مجنونة، و أتعجب في هذه الفترة من يقول: أنه مريض، ولا يقوى على العمل ،و اسخر منه في نفسي ، تعرف أن المسافة التي تفصل بين الحرم وجبل عرفات ٢٥ كيلو متر ،ولما اعطت ملامحي للرجل ؛ أنني غير مصدق قال : والله العظيم حقيقة وليس كذبا عليك ما ذكرته صحيح، وصمت.. أو لم أجد ما أقوله للرجل ، ثم مضى في حديثه : وعدت من هناك أيضاً : قاطعا نفس المسافة للكعبة مرة أخرى ؛على قدمي : لطواف الوداع , على فكرة أنا سألت على كل ما كانت بيني وبينه علاقة وذهبت إليهم في: جدة مكان عملي والله نسيت اقولك: للأسف غادرت منهم مجموعة : كبيرة الحياة ,وقابلت من بقي منهم: ما أجمل لقاء من تعرف بعد ٣٠ عاما لقد شملوني بعطفهم، وحملوني الكثير من الهدايا :لأولادي الصغار فذكرت لهم أن حضوري ليس من أجل: ذلك , فقالوا: هذه هديتنا لهم وما عليك الا حملها، واخبرتهم أن الاولاد كبروا وتزوجوا ،و منهم من رزقهم الله بأطفال ، ثم أردف عندما وجدني انصت اليه: فمنذ وصولي لمكة استقل تاكسي يوميا وأبحث عن أي شخص كانت تجمعني به علاقة في الماضي، تعرف أن أجمل ليلية قضيتها هنا في رمضان هي ليلة القدر طبعاً شاهدت :يا ابراهيم الاعداد الضخمة التي تحييها من: المسلمين كتير أوي ،وشكلهم يفرح وهما مجتمعين ،يا سلام لو يتحدوا مع بعض, ولا تقولي شارون الذي: لا نكف عن الدعاء عليه خلف امام الحرم، صدقني لا توجد حينها: قوة على ظهر الأرض تستطيع التحكم في بلادنا أو الاستهانة بنا ، أو في مجرد التفكير في الاعتداء علينا ،أنا مش قادر انسى مشهد محمد الدرة وهو يختبئ خلف والده، ولكن ؛جيش الاحتلال أصر على قتله، في مشهد :يدمي القلوب ،وفترة صمت اخرى، سألني بعدها معلهش أنت قلتلي"اسمك إيه معلهش اصلي نسيت "فأخبرته.
وواصل: أنا الحمد زرت أغلب الاماكن التي تجولت فيها هنا سابقا ،وقابلت غالبية من تبقى على قيد الحياة ، ولكن يبقى مكانا أتمنى القاء نظرة عليه قبل ما اموت ،ثم هم واقفاً تيجي معايا وهو يتجه للخروج من باب الفندق ،ودون أن أعرف المكان الذي يرغب في زيارته قلت: اجي معاك وركبنا أول تاكسي من: شارع خالد بن الوليد لينطلق بنا لجبل عرفات وهذا هو المكان ،وأخذ يشرح لي بعد نزولنا من التاكسي، هنا بت ليلتي في العراء، لا مش هنا بالظبط هناك أيوه والله العظيم ،وكان معايا فلان وابن عمه وجمعت الحصوات لرجم ابليس من: هنا أيوه فعلاً من هنا تمام ، وطلب مني أن نستقل التاكسي وطلب من السائق أن يتوجه بنا لمسجد نمرة وقال وهو يرفع وأشار: كنت اجلس هنا لسماع خطبة عرفات في هذا المكان تحديداً وجلس بعه عدة دقائق وهو يمعن النظر في السماء ،وكان الطقس شديد الحرارة ولكن عم احمد في عالم أخر، وبعدها طلب من السائق أن يعود بنا للفندق وهو يتمتم لسة ناسي ايه يا احمد تعمله قبل ما ترجع مصر ،قول معايا يا إبراهيم..

تعليقات

لا توجد تعليقات.

هذا النص

ملف
أدب الرحلة
المشاهدات
138
آخر تحديث
أعلى