أنس الرشيد - دقائق من عُمرِ تشرين ٢٠١٢م

ها نحن نستقبل تشرينَ مرةً أخرى يا حبيبتي،
هل تَذكرينَ الأولَ من تشرين عام ٢٠١٢م في عَمًّان؟


كانت الأرضُ تَتَفتَّق والسماءُ تتشقَّق؛ لتستقبِلَ حُبنا...؛ أمسكنا الشَّمسيةَ وتكوَّمنا كجسدٍ واحدٍ، فالتصقَ العِشق ُ بنا...!
قلتِ ضاحكةً: هي الآنَ مَطريّة وليست شمسيّة...!!
فقلتُ: وهي على مَرِّ الأزمان (عِشقيّة)؛ تُلصِق العُشَّاقَ بمؤامرةٍ استثنائيةٍ من السماءِ؛ لتُغري الأرضَ بالرقصِ معها.
رقصنا، حتّى رضيَ اللهُ عنَّا.


أما اليوم الثاني،
فهو يَومنا الذي تَواعدنا أن نُطِلَّ فيه على فلسطين..؛
ماذا كُنَّا نُريد أن نَرى؟
لا أدري...؛
لكنّي أذكر حينها أنِّي عَرَّفتُكِ على أغنيةِ (تَعالي دقائقَ نَحلُم فيها)، وتَعلَّقتِ فيها كأنَّها نافورةٌ العمر، التي تتدفَّق أملًا...؛ وظَلّت هِيَ أغنيتُنا الخاصّة التي إذا استمعنا لها في وقتٍ واحدٍ، يَنطَبِق الزمانُ على المكان...! ويَتحول العالمُ بين يدينا إلى معزوفة واحدة، نُصيّرها كيف شئنا.

كانت مَدينةُ (أم قيس) في إربد، هي الدَّقائقُ الَّتي سنحلم فيها، وتَجعلنا نَرى شَجرةَ التَّينِ في فلسطين...!
نعم؛ ربما كُنَّا نُريد أن نَرى شَجرةَ التِّين؛ فأنتِ قلتِ: [إنَّ ثَمرةَ التَّين هي الأرض، ولَم تُنبِت الحياةُ غيرها].
سَكتُّ مندهشًا من قَولكِ، وتَذكّرتُ أنًّ اللهَ أقسَمَ بها لمَّا أرادَ أن يَقول: [لقد خَلقنا الإنسانَ في أحسن تقويم]...!، فهل كَانَ هذا سَببُ قولكِ؟!
قلتِ: ربما،
وربما هي علامة أنًّ الصهيونيَّ احتلَّ المكانَ الذي سيفضحه بأنَّه في أسوأ تقويم.

كان جَوّ أم قيس، يَميل إلى (البرودةِ الدافئة)، وهذا وصفي الذي أحِبُّ أن أسمّي به مرحلةَ (تشرين الأول) التي ليست بباردةٍ ككانون وجيرانه، وليست بدافئةٍ كأيلول الخَريفيّ وصديقه نيسان الربيعي، وليست بحارةٍ كآبٍ وإخوته، إنَّه شَهر التَّفرد المَنَاخِي...!
ومع ذلك، أجبرتِني أن ألبَسَ شَاليَ الرماديَّ؛ لكيلا أُصَاب بلفحةِ هَواءٍ تَتَسَلَّل من عضلاتِ الرقبةِ إلى أعماقِ الجسد ...!!
لم يَكُن ذلك اليوم إلا غيمةً من تاريخٍ مجهولٍ لأرضٍ أُمطِرَت مرةً واحدةً، ثم تَركتِ الحياةَ بلا سَابقِ إنذار...،
جلسنا في الزاويةِ التي تُحيطُ بـعينٍ واحدةٍ (بحيرة طبريّة والجولان ونهر اليَرموك)، ثم تَلوتُ عَليكِ النَّصًّ الدرويشيَّ (الحياة حَتَّى آخِر قطرة)...؛
هذا النَصُّ كأنًّه شِعر فَيلسوفٍ أمَامَ مِقصلةِ الحياة، قيل له: "إنكَ تَموتُ اليومَ؛ فماذا أنتَ فاعل"؟
فلفظ نَفَسًا أخيرًا وقال: سَآكُلُ أرضِي.

التَفتِّ نَحوي التفاتَةَ الجَمالِ نفسِه، وقلتِ:
تُذكِّرني مقولةُ هذا المَيّت، بأيامٍ كنتُ فيها أمامَ الحياةِ مُباشَرةً، أُصارِعُها وتُصَارِعني كأنًّني عدوتُها الوحيدةُ، وأدخلتنِي مَعها إلى أرضٍ قاحلةٍ، كأنْ لَم يَكن لي أهلٌ ولا شَانُ...؛
وقد رافقني في تلك الأيام ديوانُ (أعراس)؛ لا أدري لماذا هذا الديوان تَحديدًا، أظنُّه صُدفةً مَحضَة، لكنَّ عينيَّ وقعت على قَولِ درويش:

"عاشقٌ يَأتي مِنَ الحَربِ إلى يومِ الزفافِ
يرتدي بدلتَه الأولى
ويَدخُل
حلبةَ الرقصِ حصانًا
من حَماسٍ وقُرنفل
وعلى حَبلِ الزغاريدِ يُلاقي فاطمه
وتغني لهما
كلُّ أشجار المنافي
ومناديل الحداد الناعمه"


فقرأتُ هَذا المَقطَعَ كَأنًّه يُخَاطِبُ اكتئابَ الكَونِ، وكأنَّ المَآتِمَ والأعراسَ وجهانِ لعُملَةٍ واحدةٍ، وكأنَّه فِي الوقتِ نَفسِه يُخَاطِبني ليَقول لي: إذا بَقيَ يَومٌ واحِدٌ فِي حَياتكِ، فاقضِيه في حَلبةِ الرقصِ المُغطَّاةِ بأشجارِ المنافي.
هذا اليَوم الأخير في الحياة يُعرينا بالتناقضِ؛ لأنَّنا لم نأكل التينَ كما ينبغي...!
التين هو الطين من (فلسطين)؛ فالتاء والطاء مُتجانِسان ويُدغَمانِ ببعضهما حين يلتقيان.
ففي ذات الديوان يقول درويش:
"أسَمّي التُرابَ امتدادًا لروحي..../واستلُّ من تينة الصَّدر غصنًا/ وأقذفه كالحجر/وأنسف دبابةَ الفاتحين"

توقًّفتِ عن الحديثِ، وكنتُ شَبِقا للمزيد، لكن ما سمعتُه أسكرني وأدخلني روضةَ الكلامِ الجديد،
سُكرًا بخمرِ اللسانِ العذبِ الوليد،

ثم استأذنتُكِ لأدون في دفتري هذا السطر:
الشِعرُ يَمرُّ بأشجارِ التينِ كُلِّهَا؛ كي يبحثَ عن ورقةٍ تستر عورة الحرب.

تعانقنا ومشينا قافلين من حيث أتينا...!

أما اليوم الثالث؛
فيَومٌ ذهبنا فيه إلى مدينة جَرش، ربما أردنا أن نجرشَ الأيامَ في قِدرٍ يتًّسع لزمانِ العاشقين، لكنَّنا وجدنا جَرش تُغني من السَّماء إلى السماء، هذا ما يراه العاشقون، وأما غيرهم فإنهم يرون الضجيج المُشابه لكل البلاد...!

ونحن في الطريقِ خاطبتُ دفتريَ الأزرقَ بما يفهمُني وأفهمه، وبما يعرفُ عنكِ جيدًا، قلتُ له:

هي امرأةٌ لمَّا كُشِفَ الغِطاءُ عَنها خُلِقَ القَمر؛ كأنَّ العالمَ يَعرفها منذ كُوِّرت الأرضُ، وأنبتَ الماءُ الزرعَ...؛

امرأةٌ شَاركَتِ الجَاذبيةَ في يَومِ خَلقِها؛ فقد خلقهَا اللهُ بيدٍ، والألفةَ والانسجامَ باليدِ الأُخرى.

امرأةٌ جذبتني لها صدفةُ المغناطيس حين يَرقصُ مع الحديد...!

امرأةٌ كنتُ غريبًا فآوتني، وأدخلتنِي كوكبَ الوجود، وفسَّرت لي تاريخَ الغربة...!

امرأةٌ شَربتُ من نَغمِ عينيْها وهي تَرفُّ بحنينِ الكون، ونهلتُ من معينِ جمالها، وتأملتُ فيها طفلةً تُشبِه مِشعلَ الأملِ البعيدِ في لحظاتِ فوضى الوجود وعربدته في حياتنا.

امرأةٌ كوردةٍ نبتت في شَاطئِ الوجودِ الأول، فأينعت الأرضُ عطرا.

كانَ جَمالُ مدينةِ جَرشَ ذلك اليوم، أن استجابت السَّماءُ لكِ، -وليس لها إلا أن تَستجيب- فأنزلَت غَيثًا على الأعمدةِ الرومانيّةِ، فتجلجلَت الأرضُ موسيقَى...!
رَفضتِ أن تَدخُلِي تَحتَ الشَمسيّةِ، أو المَطريّةِ كما تُسمّينَها بحسبِ الحَالةِ، وكُنتِ تُغنِّينَ:
[أنا مَن دعت، واستجمَعت أمرَ السَّماءِ ووعَت، بأنَّ فِي المَاءِ رقصةَ الرُّوحِ الأخيرة،
فكيف أختبِئ عن المَدد...!]

حين هَمستُ في أذنكِ:
"الأعمدةُ الرومانيّةُ تَرقصُ مَعنا"؛
لم أكُن أتخيَّل...!​
بل تَجسَّدَ الخَيالُ واقعًا، وهذا معنى أن يُستجَابَ لَكِ بأسلوبٍ إلهي فريد...!
أتذكرين من خلالكِ تَشَكّلَ أسلوبٌ إلهيٌ جديدٌ لاستجابةِ الدعوة.

فهل يُمكِن أن يُنسَى ذلك اليوم يا حبيبتي؛ وهو مِن غُرَرِ الدهر، وتَحوُّل الزمانِ إلى قارورةِ عطر من مادة العشق.

أما اليوم الرابع؛
فهو يَومٌ مَفتوحٌ على المَوعدِ المَجهولِ، هكذا اتفقنا...؛
تَوجًّهنا بالسَّيارةِ من جَرش باتجاهِ الشَّمال الغَربي، وهُناكَ لم يَكُن في صَفحةِ السَّماءِ إلا أنتِ وأنا...!
تُناطِح هامتَنا جبالُ عجلونَ الشاهقة.

في وسَطِ مدينة عجلون رأينَا الضَّجيجَ يَنحَسِر بِبُطءٍ كظلٍّ مِن أوًّلِ النهارِ حَتَّى آخِره، وكان ذلك اليوم يَتزامنُ مع خبرٍ قرأتُه في الجريدةِ، وهو حَلّ البرلمان، والسَّعي لعملِ انتخاباتٍ نيابيةٍ مبكرةٍ قبل نهاية العام، ولم أهتمَّ إلا لبرلمان الحُبِّ الذي يُطلِّ عليَّ من كوكبكِ يا أجمل النساء...؛ ولمَّا غَابَ الظِّلُ عن المدينة، وبَقيَ العشَّاقُ يتهامسون، علمنا أنَّ السماءَ نَزلت إلى الأرضِ، لا يَراها إلا أولئكَ الذين أنعم الله عليهم بقلبٍ كقلبِ زرقاء اليَّمامة...!

ظللتُ أُطِلُّ من نافذةِ الفندقِ؛ انتظارًا لخلوِّ الأرضِ من سُكًّانها، حتّى رأيتُ الملائكةَ تَفرِدُ أجنحتَها بين جبالِ عجلون، بمشهدٍ مهيبٍ، كأنَّها تَصنَع لغةً لا يَعرفها إلا الراسخون في العشق، لهذا بدأتُ أسمع همسات الهائمين في دربٍ لا زمَانَ له...؛ وأخذتُ بيدكِ ونَزلنا إلى الحَدائقِ والشَّوارعِ الهَادئةِ الجميلةِ، ولما خَلتِ الطُرقاتِ من الناسِ، مشينا كآخِر النَّاسِ في الأرضِ إلى ذلك الكوخِ الخَشبيّ -في الطبيعة العَجلونيّة- الذي حَجزناه لقضاءِ ليلتنِا الساحرةِ...؛
افترشنَا أولًا الأرضَ المُجاورةَ للكوخِ، واحتفلنَا بيومٍ خاصٍ بنا...؛ نُريد أن نرى الكوخَ الصغيرَ المضيءَ ككوكبِ الأرضِ ونحن في القَمر...، قَبّلتِني القُبلةَ التي غارت منها الأرضُ، وانشقَّ القمرُ؛ ليَعِدنا بميلادِ نبوةِ العشق المتجدد؛
ولمَّا مَشينا ببطءٍ نَحو الكوخِ أضَاءَ كشَمسٍ قبلَ موعدها، وأدخلنا في رحابِه المختلفةِ عن كُلِّ ما مَرَّ على حيواتِ الناس...!
رقصنا انتشاءً على نَغماتِ آلةِ (بُزقٍ) وصَوتِك، تُغنٍّين كفلسطينيّةٍ ولدت قَبلَ المسيح...، المَسيحِ الذي لم يَكن إلا الممسوح بدهنِ العِمارةِ المُقدَّسةِ،
وهذا ما أدركه في رومانسيته جبران خليل جبران، لكن بالمعنى المفتوحِ الذي يُشبِه يومنا هذا بين جبالِ عجلون....؛
فماذا يعني أن نَقرأ تلك الرسائل في مَزاجٍ جديدٍ، يَجمع السُّكونَ الكوني اللذيذ، والنسماتِ الباردة التي تدغدغ خصلاتِ شَعركِ البُنّي، وليلةً تَحرُسها ملائكةُ جبالِ عَجلون...؟
فِي أوّلِ صفحةٍ من الرسائل الزرقاء يَقول جبرانٌ لميٍّ: "أنتِ تَحيينَ فيَّ، وأنا أحيَا فيكِ، أنتِ تَعلمين ذلك وأنا أعلم ذلك" مع أنَّهما لا يلتقيان...! كأنَّهما جبلانِ يُطوِّقان (عجلون) ولا يلتحمون بمكوِّناتِ المدينة...!

وما أتذكّره جيدًا أنَّ السَّهر على ضَوءِ عينيكِ كان يُعيد ترتيبَ الوجودِ بين الجبالِ والمدينةِ والناس، كان يُعيد للحياةِ -المنفتحة على فضاءات العشقِ الحالم الأزلي- معنى العيش في مدينةِ عشَّاقٍ يأكلون الطعام ويمشون في الأسواق.

سهرنا بالنبيذ وضوءِ عينيكِ في ليلةٍ من ليالي العمر الفريد، التي استُلّت من روزنامةِ الأيام والليالي؛ لتكون رابع الآلهةِ التي غَيّرت تاريخ حياتي نحو المعنى الجديد.

أما اليوم الخامس؛
فيَومٌ عُدنَا فيه إلى عَمَّان؛ لكي نُغطِّيها بشالِكِ ومعطفكِ المُعطَّر بكِ مِن لَيلةِ الكُوخِ العَجلونِيّ...؛
نعم نُغطّيهَا، لتغدو عِشقًا وأمانْ...!.

حين دخلنا المَدينةَ -عَلى حينِ يَقظةٍ مِن أهلها- دعوتكِ إلى مطعم (ريم البَوادي)، أتعلمين لماذا ياظبيةَ الوادي؟!
لا لذاتِه ولا لنكهةِ طعامِه، بل لأنًّ اسمَه يُطرِبُ ويَخلقُ اللذةَ في ذاتِها...؛ وللأسماءِ تاريخٌ في تغييرِ الأشياء؛ لهذا أذكر جَيّدًا أننا تناقشنا ونحن في المطعم عن حيلةٍ قديمةٍ -لبَعضِ اليهود- يَخدعون بها مَلكَ المَوت؛ تَقوم هذه الحيلة على تغييرِ أسماءِ الأولاد إذا مرضوا؛ كيلا يَعرفَ ملكُ الموتِ لهم طريقًا.
وأذكر أنَّكِ سألتِ: لو لم يكن اسم هذا المطعم ريمَ البوادي، فهل سيتغيّر طعمُ أكلِه؟
قلتُ: نعم، ولن يكون هو نفسُه، وسَنتوه عن موقعِه كمثلِ مَلَك الموت.

مشينا إلى فُنْدقٍ قَريبٍ مِن المَطّعمِ، وكانَت تلكَ الخطوات تُشتَرى بأموالِ كُلِّ الشُيوخِ والبشوات..!؛
فقد عَقَدتِ يَدكِ اليُسرى فِي يَدي اليُمنَى على طول الطريق، وأملتِ رأسكِ نحوي، كأنَّكِ تُوصِينَ السماءَ بي، وكأنَّكِ تَعقُدينَ وعدًا بالمَطر...؛
لن يَفهمَكِ إلا سَحابٌ تَجَمَّع مِن أجلِ أن يَهلّ؛ ليَعقدَ العُشَّاقُ أيديَهم ببعض...!
ومِن بَعدُ، صَارت تِلكَ الحَركةُ خَبرًا للسَّمَاء، إذا فَعلَتـْهَا عاشِقةٌ بقلبٍ بَعيدِ الغَورِ، هلَّ الماء...!

ولما وصلنا إلى الفندقِ استقبلتنَا ربّتُه -على أنَّكِ نبيّة وأنا الحواري- ونقلتنا إلى سَماءِ الفندقِ؛ كي تُخاطِبي السَّماءَ بهدوءِ المتألهين العَاشِقين...!
أما أنا فكنتُ لكِ التلميذ الذي يستمع لإرادتكِ بأذنٍ مرهفة، ثم يَنقلها إلى الأدوار الأخرى...!

هذا اليوم كان استراحةً؛ لكي ننطلق غدًا فجرًا إلى البَحرِ الميت، لنُحييه...!

وبعد أن قضينا تلكَ الليلةِ في جناحنا الفندقي كليلةٍ من ألفِ ليلةٍ وليلة، رفعتيْنِي إلى سَحابةٍ، لتجعليني شريكُكِ في ماءِ السَّماء، وما كانت تلك اللحظةُ إلا تعميدًا لي بأنّي من أصفياء الجسدِ المُؤَله...!

في هذا اليوم يا نبيّةَ العِطر، عرفتُ معنى النوم.

أما اليوم السادس، فهو سِر بيني وبينكِ،
من أثر طيب الليلة الخامسة...، ولن أذكر منه إلا ما يُخلِّد المعنى الذي أردتيه...؛

عندما صحونا في السَّاعةِ السابعةِ صباحًا، نزلنا إلى كافيتيريا الفُندق؛ لنشربَ قهوتَنا، وعلى حين رشفةٍ جاءتنا فكرةٌ بها مَسٌّ من الجنون، وهي أن نَسير إلى البَّحرِ (المَيّت) كأنَّنا نُشَيّع الأرضَ إلى مثواها الأخير، ثم نعودُ بلا أرض، لتكوني أنتِ البحر والميناء.

وكانت الطريقة أن نسير بالسَّيارةِ ببطءٍ كأنَّنا نَحملُ جِنازةَ الأرضِ، ونسمع الموسيقى الراقصة،، ثم نَقِفُ بَينَ مَسافةٍ وأخرى، لنأكل ونشرب نخب انتصارنا على الأرض، ولنَأخذَ صورًا مَع الجنازة ونَحنُ ضاحكون...؛

لمَّا وصلنا إلى البَحرِ قذفنا الأرضَ إليه؛ كي تَغوصَ تَحتَ الأملاح المترسّبةِ في باطنها القديم...!، فرأينا الأرضَ تطفو فوق هذه البحيرة الملحية...!

ثم غادرنا إلى اللامكان...!

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى