خالد جهاد - ظلال حافية

أرجوك لا تفتح نافذتي.. لا تعري حزني أمام الناس.. جسدي لا يتسع لمزيدٍ من الرصاص.. دعني أركض خلف رأسي لأعيده مكانه.. تعبت من النوم على درجاتٍ كان ينبغي أن أصعدها عندما ضاقت بي الملاجىء.. لا زال قلبي برغم الشجن يحلم.. هناك فوق التلة البعيدة.. يتوارى عن الأنظار ألماً وخوفاً.. يعرف أنه سيتلاشى كفقاعةٍ.. حالما تلمحه أعين البشر.. عمره قصيرٍ كالنغمة.. كالبسمة.. كالفرحة.. كالعيد الذي يقرع الأبواب ويختفي قبل أن نفتحها.. كالفتات الذي لا يسد رمق جائع.. كالخيمة التي لا تستر بؤس لاجىء.. كالعناق الذي لا يشبع دهراً من الوحشة.. كالحرف الذي ينوء بثقل عمرٍ مر في صمت..

لماذا تنظر الي هكذا؟ أنا لا أنتمي لعالمكم.. لدي الكثير من الأسماء التي لا أعرفها ولا يهمني أن أعرفها.. أنا في المنتصف بين الحقيقة والخيال.. لن تجدني في أيٍ من الصور التي ضحكت فيها.. أنا ممثلٌ تعب من التمثيل.. من جمهورٍ يحتقر الصدق.. يريد نصاً من ريش النعام.. من حبر الزيف والرماد.. يداعب مخيلته ولا يعيش معه.. يمر من أمامه ولا يمر به.. يلوح بخطيئته دون أن يقترفها.. يراوده عن نفسه ولا يريه نفسه.. يتسلى به كقطٍ يداعب الفئران في لحظة ملل.. يردد أجوبته على أسئلةٍ يخاف منها ليعيره بها.. يطلب التوقيع على ورقةٍ بيضاء.. على أحلام العمر.. على أفكاري ومشاعري.. فلهم قاموسهم الضيق ولي أبجدية بحجم الكون.. لا داعي للعد العكسي.. ستدور الكاميرا من حولي.. ستقترب من طيفي.. ستصور تفاصيلي لكنها لن تنفذ إلى روحي.. ستلتقط ايماءاتي الغريبة.. تعبيراتي الصاخبة.. لكنها ستقف عاجزةً أمام ما تشي به نظراتي.. ستخاف منها.. من مخالبها.. مع أن لغتها هي السكوت في زمنٍ لا يتقن أبنائه سوى الثرثرة..

الحنين إلى المستحيل موت بطىء.. قاتل لا يدينه أحد.. لا يترك بصماتٍ خلفه.. أتفاجأ كل يومٍ به وكأنه خيبتي الأولى.. تختلط في ذاكرتي الأصوات والصور.. ترعبني الرموز والأرقام.. تذكرني بواقعٍ يشبه الكوابيس.. بروايةٍ مبعثرة الفصول.. تتمرد فيها الشخصيات على الكاتب.. تحرف رؤيته.. تعتدي عليه.. تنتصر لمنطقها الهمجي.. لحقها المزعوم.. لغريزتها المتوحشة وسط غابةٍ من السيقان الشاهقة.. تسحق بها كل من لا يتقن الرقص ويقرع أنخاب الدم.. تحذف مشاهد وتضيف أخرى.. ليس من بينها مشهدٌ واحد لبريءٍ يحترق في خيمته.. لأجسادٍ لا تجد دموعاً تطفأ بها صرختها.. أو لطفلٍ يبحث عن وجه أمه بين ذرات الرمال..


سأكسر قلمي.. سأطفأه كأعقاب السجائر.. سأعاقب الشخوص وأحاكم الجماهير.. تلك التي نبذت صورتها في مرآةٍ لا تدغدغ رغباتها.. فمن يملك خريفه لا يهاب الشتاء.. وهناك من يختار الوهم وهناك من يتوهم أنه يختار.. ما جدوى حرفٍ لا ينصف روحاً تصارع لأجل البقاء.. العبث يلتحف الضباب.. يتنصل من بشريته ويرتدي ظلاً.. يركض خلف قطارٍ يسافر إلى الحقيقة.. دون تذكرةٍ أو حذاء.. حافي القدمين والقلب.. فلا القطار
توقف من أجله.. ولا هو كان أهلاً لفرصةٍ أخرى..

#خالد_جهاد

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى