د. أحمد الحطاب - هل يوجد ناطقون رسميون باسم الله خارجَ الأنبياء والرسل؟

الناطق الرسمي هو الشخص الذي ينطق أو يتحدَّث باسم جهةٍ معيَّنة وبتكليفٍ مُقرَّرٍ من هذه الجهة. فإذا كان الناطق يتحدَّث باسم مؤسسة عمومية، أي تُشرف عليها الدولة، كاالحكومة، فهو ناطقٌ رسمي باسم هذه الحكومة. وإذا كان الناطق يتحدَّث باسم مؤسسة خاصة، فهو ناطقٌ رسمي باسم هذه المؤسسة الخاصة.

إذن، الناطق الرسمي لا ينطق من تلقاء نفسه. بل لا بدَّ له من تكليفٍ صادرٍ عن جهةٍ معينةٍ. ولهذا، بُوصف ب"ناطقٍ رسمي". عادة، الناطق الرسمي له دراية بفن الإعلام art de l'information والتواصل communication وله، كذلك، درايةٌ بمجال العلاقات العامة.

والناطق الرسمي، سواءً كان حكوميا أو خاصا، فدورُه الأساسي هو تبليغ ما دارَ من أشغال في مختلف الاجتماعات وما أسفرت عنه هذه الأشغال من نتائج. فهو، إذن، صلةُ وصلٍ، من حهة، بين الحكومة أو المؤسسة الخاصة وعامة الناس، من جهة أخرى. وهذا يعني أن الناطقَ الرسمي تمَّ اختيارُه على أساس استعداداته ses aptitudes للقيام بمهمَّة التبليغ.

بعد هذه التَّوضيحات، الضرورية، بإمكاني، الآن، أن أُجيبَ على السؤال الذي هو عنوان هذه المقالة. الأنبياء والرُّسل ناطقون رسميون باسم اللهِ، سبحانه وتعالى، لأنه هو الذي اختارهم، من بين كثير من البشر، ليُبلِّغوا للناس الرسالات السماوية التي أراد، عزَّ وجلَّ، من خلالها هدايةَ الناس إلى ما لهم فيه خيرٌ. والقرآن الكريم، خارجَ بعثِ الرسل والأنبياء، لا توجد فيه إشارات تبيّن بأنه، سبحانه وتعالى، كلَّف ناسا آخرين، خارج هؤلاء الرسل والأنبياء، بنشر رسالاتِه السماوية.

فما بالُكم بناس نصَّبوا أنفسَهم ناطقين رسميين باسم الله، سبحانه وتعالى، وذلك، دون تكليف لا من الله، عزَّ وجلَّ، ولا من أية جهة، ولا حتى من الفئة المستهدفة بالتَّبليغ. فمَن هم هؤلاء الناطقون الرسميون باسم الإله؟

إنهم فئةٌ عريضة من علماء وفقهاء الدين الذين أرادوا ولا يزالوا يريدون تنصِيبَ أنفسِهم كصِلة وصلٍ بين الخالق، سبحانه وتعالى، والكائنات البشرية. وكأن الدبنَ مِلكٌ لهم، بينما الدينُ دين الله، سبحانه وتعالى، الذي أراده لجميع الناس. بل بعث أنبياءَ ورسلاً لتبليغه إلى هؤلاء الناس.

قد يقول قائلٌ إن اللهَ، سبحانه، أشار ل"الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ" في الآية رقم 162 من سورة النساء وفي الآية رقم 7 من سورة آل عمران. نعم، اللهُ، سبحانه وتعالى، أشار لهم في هاتين الآيتين، لكنه لم يكلِّفهم بالنُّطق باسمه، كما هو الشأن للأنبياء والرسل.

وكلمة "علم"، الواردة في القرآن الكريم، لا تشمل فقط الأمورَ الدينية، كما يزعم علماء وفقهاء الدين. بل كلمة "عِلم" وردت بصيغة المفرد. وهذا دليلٌ لا جدالَ فيه بأن علمَ الله، سبحانه وتعالى، علمٌ شاملٌ. أي أن علمَه، عزَّ وجلَّ، يُحيط بكل الأشياء، كما هو مُشارٌ إليه في الآية الموالية : "جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَامًا لِّلنَّاسِ وَالشَّهْرَ الْحَرَامَ وَالْهَدْيَ وَالْقَلَائِدَ ذَٰلِكَ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ" (المائدة، 97).

في هذه الآية، يقول، سبحانه وتعالى : "...لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ…". وما يوجد في السماوات والأرض أشياءٌ ماديةٌ choses matérielles وظواهر فيزيائية phénomènes physiques لا يمكن إدراجها في الأمور الدينية. بل لها علاقة بكيفية اشتغال الكون، والتي توصَّل العلمُ الحديث إلى وصفِها وتفسيرِها. بل الله، سبحانه وتعالى، يختم هذه الآية ب : "...وَأَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ". وشيء، في هذه الآية، تعني كا ما هو موجود في الكون، مادياً كان أو معنويا.

إذن، الراسخون في العلم لا تعني، على الإطلاق، أنه كلَّف علماءَ وفقهاءَ الدين بالنطق باسمه، وخصوصا، بعد وفاة آخر الرسل والأنبياء، محمد (ص).

بعد وفاة جميع الرسل والأنبياء، الناطق الرسمي، باسم الله، هو القرآن الكريم، الذي بعث، من أجل نشره بين الناس، آخرَ الرسل والأنبياء، محمد (ص) والذي قال، في شأنه، سبحانه تعالى :

-"إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (الحجر، 9).

-"وَمَا مِن دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُم مَّا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِن شَيْءٍ ثُمَّ إِلَىٰ رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ (الأنعام، 38).

العقل وهبه الله، سبحانه وتعالى، لجميع الناس، بما فيهم علماء وفقهاء الدين، ليس ليُنصِّبوا أنفسَهم ناطقين رسميين باسم الله، ولكن ليَجتَهِدوا فكريا ويُنْتِجُوا ما ينفع البلادَ والعبادَ.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى