د. علي خليفة - كتاب المسرح المبتدؤون وما يجب أن يتعلموه في البدايات...

يرى فريق كبير من النقاد أن أصحاب المواهب في الكتابة المسرحية يجب أن يتعلموا في البدايات أصول الكتابة المسرحية في شكلها الكلاسيكي المتوارث فحسب، فنعرفهم أن المسرحية تنقسم لكوميديا وتراجيديا، وأن الكوميديا تتناول أحداثا مبهجة، وتنتهي نهاية سعيدة، في حين أن التراجيديا تتناول أحداثا مأساوية، وتنتهي بعرض بعض الفواجع.
وكذلك يجب أن يتعلموا - حسب تلك القواعد الكلاسيكية للمسرح - أن تعبر المسرحية عن فكرة محددة تسمى المقدمة المنطقية، وأن تسير أحداث هذه المسرحية وفقها، وتنتهي بما تنتهي إليه هذه الفكرة أو المقدمة المنطقية.
وكذلك علينا أن نعلمهم - حسب هذه المبادئ الكلاسيكية - أن الحدث المسرحي يجب أن يكون مثيرا، ويستثير الجمهور المتلقي، وأن تكون الحبكة ضامنة الربط والترابط المنطقي بين الأحداث، وأن تحتوي المسرحية على الإثارة والتشويق من خلال وجود أزمات بها، تهيئ لأزمة كبرى، وذروة لهذه الأزمة، تتبعها انفراجة، تنتهي بها الأحداث، وتكون هذه النهاية غير متوقعة، وفي الوقت نفسه تكون متمشية مع أحداث المسرحية وغير دخيلة عليها.
وكذلك علينا أن نعلمهم - حسب تلك القواعد الكلاسيكية للمسرحية - أن يهتموا ببناء الشخصيات في المسرحيات التي يؤلفونها، ويكون لها أبعاد ثلاثة؛ هي: البعد المادي في الشكل والملامح، والبعد الاجتماعي في البيئة والوسط الاجتماعي، والبعد النفسي، وهو نتيجة البعدين الآخرين.
وكذلك علينا أن نعرفهم - وفق هذه المبادئ الكلاسيكية للمسرحية - أهمية مراعاة الزمان والمكان في أحداث المسرحيات التي يكتبونها، وأن يكون الحوار معبرا عن كل شخصية من الشخصيات بما يتناسب معها.
وفي رأيي أننا يجب أن نعلم كتاب المسرح الذين يخطون خطواتهم الأولى في الكتابة المسرحية كل هذه القواعد الكلاسيكية، ولكننا يجب - في الوقت نفسه - أن نعرفهم أن هذه القواعد ليست أسسا ثابتة لا يمكن الخروج عليها، وتجاوزها، وأيضا نعرفهم أن هناك مسرحيات حديثة تجاوزت كثيرا من هذه القواعد، وكسرتها، كالمسرح الملحمي ومسرح العبث.
ولا بد في الوقت نفسه أن نعرفهم أن من يقوم بكسر هذه القواعد الكلاسيكية في الكتابة المسرحية هم الذين تشبعوا بقراءة كثير من النصوص المسرحية، ومشاهدة عديدا من العروض المسرحية الرائعة عبر العصور.
وكذلك علينا أن نعرفهم أن من يقوم بكسر هذه القواعد الكلاسيكية للكتابة المسرحية - أو كسر بعضها - هم من وعوا جيدا الأسس المسرحية الكلاسيكية، وعرفوا كيف يمكنهم تجاوزها عن وعي وعلم، وليس عن جهل وتجريب أعمى.
ولو أننا اكتفينا بأن نعلم كتاب المسرح المبتدءون قواعد المسرح الكلاسيكية فقط في البدايات فإنهم سيشعرون أن ما يدرسونه ويتعلمونه من هذه القواعد في دائرة بعيدة عن العروض الحديثة التجريبية التي يشاهدونها، وعن النصوص المسرحية التي يقرءونها وتتجاوز هذه القواعد الكلاسيكية.
وخير سبيل في ذلك - كما ذكرت من قبل - أن نلمح ونعرف كتاب المسرح المبتدءون قواعد كتابة المسرحية في شكلها الكلاسيكي المتوارث، ونعرفهم في الوقت نفسه كيف تم تجاوز هذه القواعد في العصر الحديث، وأنه لا يجب على أي كاتب منهم أن يسعى لتجاوز هذه القواعد؛ حتى يهضمها جيدا؛ لتكون ثورته عليها - لو شاء ذلك - عن وعي، وحتى يكون تجاوزه لهذه القواعد في حدود تجعله مرتبطا بها ومتواصلا معها في الوقت نفسه.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى