قصة ايروتيكة جورج سلوم - فلسفة التعري

بدأت الحكاية في يومٍ من ذلك الزمان ... عندما خلعتِ الأزاهيرُ تويجاتها وتعرّتْ من الألوان ... وتطاير الشذا في كل مكان ..لكن لم يلق إليها أحدٌ بالا ً ... وكأنها حسناء تتعرى لوحدها في غرفة مظلمة .. ولو نزعت ثيابها قطعة قطعة ..

وعندما تتعرى الوردة من تويجاتها الملونة تصبح تافهة .. كعودٍ يحمل أوراقاً فقط .. لكن ما نوع الزهرة السابقة ؟ لست أدري .. قد تكون زهرة الشوك .. إذ أن الاثنتين تحملان أشواكاً على السيقان .

ولما أتى الخريف جرف أوراق الورد مع الأوراق الصفراء .. لم يميز بينها ..فهذا التعرّي برأيه هو نوع من الإفلاس .. كمقامرٍ ألقى أوراقه الأخيرة وخسر كلّ شيئ .. واستعدّ المستخدمون لإلقائه خارجاً .. لذا كان الخريف يعمل كمكنسة فقط !

ونفض العصفور أرياشه حتى تعرّى تماماً .. فأصبح فريسة سهلة لا يقوى على الطيران .. وفرحت البومة الشمطاء إذ أصبح أكله ألذّ وأكثر سهولة .. وعندما تتعرى الطيور تصبح متشابهة فالديك لا يختلف عن الدجاحة إن نتفت الاثنين معاً.. والطعم واحد في مقياس الصحون .

وانسلخت الأفعى أيضاً عن جلدها الضيق .. فخرجت أفعى جديدة أكبر حجماً وأكثر لمعاناً.. وأعظم هيبة .. فالأفعى تبقى ثعباناً إن تعرّت .. لا تنسَ ذلك

يومها استفاقت الشمس مترنّحةً.. سَكرى بخمر الليل الطويلْ.. حُبلى بأطياف النهارِ الجميلْ... جذلى بيومٍ لنْ يكونَ له مثيلْ....

أما حواء فلديها فلسفة أخرى.. إذ تتعرى جزئياً لزيادة الإثارة .. وأحياناً بطريقة التسلسل .. وهناك طريقة الخطف خلفاً .. أو طريقة نقض الفرض .. والضدّ يظهر حسنه الضدُّ

لذا برَدَت ساقيها حتى اللّمعانْ .. ودوّرت ثدييها كثمرة الرّمانْ ... ونادت أنا خُلِقتُ للحبِّ فهيّا أيها الفرسانْ ... وركن آدمُ حصانَه في المرآبْ .. وقوّم شاربيه بتِرياق الشبابْ .... ولم يبقَ إلا أن يطرق ذلك البابْ ..

وفجأة صاح الدّيك فأدرك شهرزاد الصباح.... وسكتتْ عن الكلام المُباح...

وكان شهريار متعرّياً تماماً طوال الليل .. إنه لا يختلف عن أي رجل بدون ثيابه .. وبدون تاجه .. وبدون صولجانه .. هكذا قالت شهرزاد..لذا لا يستطيع الظهور عارياً أمام الجماهير .. قد لا يعرفونه .. قد يكتشفون أنه مثلهم من الداخل .. وقد يكون أقل شأناً منهم في موازين الفراش

وسيافه مبروك لا يستطيع التعري أيضاً فهو يلبس سيفه .. وإن تعرى منه لن يبقى سيّافاً.. يعرفون أنه يعمل في القصر .. لكنه قد يكون طباخاً مثلاً يقطّع البطاطا والبصل .. ولا يقطع الرؤوس

والشرطي على الباب يلبَس مسدساً .. وقالت زوجته أنه ينام به إلى جانبها .. ليبقى شرطياً عليها في الفراش.. هي تعرفه من مسدسه .. وبدونه لا يختلف عن عشيقها

والطبيب يلبس مسماعاً في عنقه .. يعلّقه على باب الحمام خارجاً لو استحمّ في المشفى .. فيقولون إنه يجري حمّاماً طبياً !

والضابط ما هو إلا رتبة على الكتفين .. قد تكون نجوماً ..فهو عملياً رجل عادي قدماه على الأرض ورأسه بين النجوم

تعالوا نأخذ البشر جميعاً إلى شاطئ العراة .. بدون قلاداتهم وعوالقهم ورتبهم وأدواتهم .. بدون بطاقاتهم الشخصية والبنكية .. سيصبحون متساوين تماماً أمام البحر الهادر .. إنها الديمقراطية الحقيقية

لذلك من الخير لك أن تلقي سلاحك ... ثم تتعرّى كما خلقتكَ أمك ... وتسجد بين يدي آلهة الحب .. فيهونُ الزّمن الصّعب ... فتأكل حُبّاً وتشرب حباً وتموت حبا ...

ويعترض الفقراء على فلسفة التعري .. إذ يمارسونها بأشكال أخرى .. وقال أحدهم :

- أتنادي بالتعرّي ونحن نسكن العراءْ ؟.... وتشكو مَعِدتُنا الخواءْ؟... وتتفلسفُ وقد داهمَنا الغلاءْ؟... أصبحْنا عراةً عن الصحة .. وعن الطعام .. وعن الأخلاق .. وعن الكهرباءْ..

- نعم يا أخي أنادي بالتعرّي .. فهو فلسفة الحياة .. هو الحقيقة المطلقة .. سوف يجرّدونك من ثيابك فورَ موتِكَ .. وقد يغسلونك لتواجه ربك نظيفاً حقيقياً... ويُعرّونك على طاولة العمليات قبل أن يمزّقك مبضعُ الجرّاح... وتتعرى وتُعرّي على فراش الحب.. فتعود آدم الحقيقي وحواء الحقيقية ومنهما ينبثق المولود العاري...

وقد سبقني الى هذه الفلسفة أبو العلاء ... فسمى نفسه المُعرّي وليس المَعرّي... لأنه حلّل الكثير من القضايا .. وعرّاها.. فجسّ الحقيقة بيديه وبصيرته تاركاً البصر لأهل النّظر... أولئك الذين أطلق عليهم (النظريون) أي أصحاب النظريات ...

ولم يلجأ الناس في البلاد المتحضّرة إلى شواطئ العُراة رغبة بالجنس المبتذل الرّخيص.. فالجنسُ عندهم مُتاح .. بل على العكس اقترن البَغيُ بالظلام والغرف المغلقة بعيداً عن الشمس... نعم ذهبوا الى هناك ليواجهوا الأزمات المتفاعلة والمتراكمة في النفوس فيقلعوها عنهم .. ويعودوا إلى براءة الأطفال...

المُتعرّي لن يحملَ عليك مسدّساً أو سيفا .. أو حزاماً ناسفاً...فالمتعري مكشوفٌ كراحة اليد الممدودة للسلام ....

لذلك يا أهل بلدي أنتم الآن بأمسّ الحاجة للتعرّي .. وهكذا تُلقُون أسلحتكم...... وتغسلون أحقادكم .. وتفقِدون ذاكرتكم .. فتتبخّر أدران الشرّ من ثناياكم...

ثم تجلسون في عين الشمس أطهاراً ...

ربكم يعرفكم عراة .. مهما تزينتم .. ولبستم أقنعة

مهما تقلّدتم نياشين وأوسمة معدنية .. وتدلت منكم سيوف وخناجر مطعوجة .. ولبستم أحزمة حمراء أو سوداء كلاعبي الجودو والكاراتيه

بلدي الآن عارية ... مع أن رجالها ما زالوا باللباس الكامل... لباس القتال وجُعب الرّصاص... والأحزمة الناسفة... أما أمهم فعارية ..كعُري المخطوفة بعد الاغتصاب ... ذليلة بعد ان فقدت أعزّ ما تملك... نازفة بعد ان نكّل فيها النزلاء في (خان الربيع )... وتنتظر من يمسح دمعها.... ويعالج جرحها ... ثم يخلع عليها حلّة المجد...

د. جورج سلوم

**************

ملاحظة (قبل قلب الصفحة ):

الحيرة ركبتني كيف أصنّف هذه المقالة .. هل هي أدب ساخر أم أدب المناجم ؟.. فأنا حقيقة لا أعرف الفرق بينهما

يطيب لي أن أصنّفها أدباً إيروتيكياً .. ففيها تعري .. لكنه لايبعث على الإثارة بل يسبب ضعفاً جنسياً عصيّاً على العلاج

لماذا يطلب موقعكم تصنيفين فقط ؟... هذه المقالة تُجمِل كلَّ التصانيف .. وتصلح لكل البلدان العربية

وقد تصلح قصة قصيرة .. أو فصلاً أولاً من رواية طويلة .. أو مسرحية هزلية .. أو حلقة من مسلسل مدبلج سمج وطويل ومملّ .. نقطة انتهى .

******************

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى