ذات يوم شكا عباس محمود العقاد من مرض فى معدته لم يتركه إلا بعد حين. فجاء إليه الدكتور جمال بحيرى ( وكان أستاذاً للجراحة والباطنة فى مستشفى قصر العينى) وبعدما دخل عليه سأله:
-- " فين المغص يا أستاذ"؟
-- رد متنهداَ:
" آه.. هنا..( وأشار إلى جنبه الأيمن) ثم زادت التنهيدة إلى اثنتين عندما التفت للطبيب وقال:
"آه..آه..وهنا"( وأشار إلى جنبه الأيسر)
-- رد الطبيب بعدما وضع السماعة على أذنيه:
" يعنى المغص فين بالظبط يا أستاذ"؟
-- رد من غير تنهيدة هذه المرة:
" هنا يا مولانا..هنا" ( وأشار إلى وسط البطن)!
•••
بعد لحظات نظر الطبيب فيها إلى سقف الحجرة ثم إلى كتاب - لم يذكر اسمه - كان بجوار العقاد ثم مد يده وامسك بكوب ماء على ترابيزة صغيرة كانت بجوار السرير وسأله:
" تشرب ميه يا أستاذ"؟
رد بصعوبة واضحة:
" لا..لا بس المغص هنا"!
ثم بدأ العقاد - وليس الطبيب - يشخص المرض بنفسه لنفسه وللطبيب معاَ.
فقال الطبيب متسائلاَ:
" تمام...وماذا أخذت من العلاج"؟
-- رد :" أخذت كذا..وشربت كذا"!
سكت الطبيب ولم يعلق
•••
بعد حديث قصير دار بينهما خرج الطبيب وهو يبتسم.. ومعه صديقه أنيس منصور الذى جاء به ليعالجه وفى الصالة جلسا سوياَ فسأله أنيس منصور:
" لماذا لم تشخص المرض"؟
-- مرض إيه يا أنيس؟
-- مرض الأستاذ يا جمال!.
--- الأستاذ شخص مرضه بنفسه؟
-- وأنت موافق على تشخيصه؟
-- عايز الحق؟
-- آه
-- موافق طبعاَ
-- ولماذا لم تكتب له علاج؟
-- علاج إيه يا أنيس؟
-- علاج الأستاذ يا جمال
-- الأستاذ كتب الروشتة لنفسه بنفسه!.
وأنت موافق على علاجه لنفسه؟
-- عايز الحق ؟
-- آه
-- موافق طبعاَ
فهز أنيس رأسه وقال:
" لقد لاحظت أنك كنت تهز رأسك بالموافقة وراه فى كل كلمة ونحن بجواره"!
-- نعم.. لأن كل ما كتبه لنفسه من علاج وجدته" فى منتهى الدقة"
-- بتتكلم جد
-- "طبعاً...طبعاً"
قال الدكتور ذلك وغادر البيت فيما كان العقاد قد هدأ الألم فى بطنه قليلاَ وقام من سريره.
•••
بعد دقائق شرب فيها أنيس منصور فنجان قهوته فى صالة المنزل خرج عليه العقاد من حجرة نومه وسأله:
" يا مولانا..أنت لسه مروحتش"؟
التفت أنيس منصور وقال:
" قلت أطمئن عليك يا أستاذ.. والحمد لله اطمأننتُ" ثم ودعه وفى ذهنه السؤال التالى:
" هل ما فعله العقاد - ويفعله كثيراَ عندما يمرض حيث يعالج نفسه بنفسه - كان سببه (العناد) أم سببه (العلم) أم سببه (عدم ثقته بالأطباء ) ؟!
وحتى مات العقاد بعد ذلك بسنوات لم يعرف أنيس منصور لذلك إجابة؟
•••
وإن كان الاختيار الأخير فى السؤال الذى يُعنى عدم ثقته فى الأطباء - لاحظ أننا نتحدث عن أطباء عام 1960 - هو الإجابة المتوقعة منه ؛ فماذا لو كان قد زاره طبيب من( أطباء) هذه الأيام؟
......
......
...طبعاً..( مش كل الأطباء) !
خيري حسن
----------‐--
•• الأحداث حقيقية والسيناريو من خيال المؤلف.
•• المصدر:
كتاب:"عاشوا فى حياتى"- المكتب المصرى الحديث - طبعة الأهرام 1989.
الصورة:
عباس محمود العقاد
-- " فين المغص يا أستاذ"؟
-- رد متنهداَ:
" آه.. هنا..( وأشار إلى جنبه الأيمن) ثم زادت التنهيدة إلى اثنتين عندما التفت للطبيب وقال:
"آه..آه..وهنا"( وأشار إلى جنبه الأيسر)
-- رد الطبيب بعدما وضع السماعة على أذنيه:
" يعنى المغص فين بالظبط يا أستاذ"؟
-- رد من غير تنهيدة هذه المرة:
" هنا يا مولانا..هنا" ( وأشار إلى وسط البطن)!
•••
بعد لحظات نظر الطبيب فيها إلى سقف الحجرة ثم إلى كتاب - لم يذكر اسمه - كان بجوار العقاد ثم مد يده وامسك بكوب ماء على ترابيزة صغيرة كانت بجوار السرير وسأله:
" تشرب ميه يا أستاذ"؟
رد بصعوبة واضحة:
" لا..لا بس المغص هنا"!
ثم بدأ العقاد - وليس الطبيب - يشخص المرض بنفسه لنفسه وللطبيب معاَ.
فقال الطبيب متسائلاَ:
" تمام...وماذا أخذت من العلاج"؟
-- رد :" أخذت كذا..وشربت كذا"!
سكت الطبيب ولم يعلق
•••
بعد حديث قصير دار بينهما خرج الطبيب وهو يبتسم.. ومعه صديقه أنيس منصور الذى جاء به ليعالجه وفى الصالة جلسا سوياَ فسأله أنيس منصور:
" لماذا لم تشخص المرض"؟
-- مرض إيه يا أنيس؟
-- مرض الأستاذ يا جمال!.
--- الأستاذ شخص مرضه بنفسه؟
-- وأنت موافق على تشخيصه؟
-- عايز الحق؟
-- آه
-- موافق طبعاَ
-- ولماذا لم تكتب له علاج؟
-- علاج إيه يا أنيس؟
-- علاج الأستاذ يا جمال
-- الأستاذ كتب الروشتة لنفسه بنفسه!.
وأنت موافق على علاجه لنفسه؟
-- عايز الحق ؟
-- آه
-- موافق طبعاَ
فهز أنيس رأسه وقال:
" لقد لاحظت أنك كنت تهز رأسك بالموافقة وراه فى كل كلمة ونحن بجواره"!
-- نعم.. لأن كل ما كتبه لنفسه من علاج وجدته" فى منتهى الدقة"
-- بتتكلم جد
-- "طبعاً...طبعاً"
قال الدكتور ذلك وغادر البيت فيما كان العقاد قد هدأ الألم فى بطنه قليلاَ وقام من سريره.
•••
بعد دقائق شرب فيها أنيس منصور فنجان قهوته فى صالة المنزل خرج عليه العقاد من حجرة نومه وسأله:
" يا مولانا..أنت لسه مروحتش"؟
التفت أنيس منصور وقال:
" قلت أطمئن عليك يا أستاذ.. والحمد لله اطمأننتُ" ثم ودعه وفى ذهنه السؤال التالى:
" هل ما فعله العقاد - ويفعله كثيراَ عندما يمرض حيث يعالج نفسه بنفسه - كان سببه (العناد) أم سببه (العلم) أم سببه (عدم ثقته بالأطباء ) ؟!
وحتى مات العقاد بعد ذلك بسنوات لم يعرف أنيس منصور لذلك إجابة؟
•••
وإن كان الاختيار الأخير فى السؤال الذى يُعنى عدم ثقته فى الأطباء - لاحظ أننا نتحدث عن أطباء عام 1960 - هو الإجابة المتوقعة منه ؛ فماذا لو كان قد زاره طبيب من( أطباء) هذه الأيام؟
......
......
...طبعاً..( مش كل الأطباء) !
خيري حسن
----------‐--
•• الأحداث حقيقية والسيناريو من خيال المؤلف.
•• المصدر:
كتاب:"عاشوا فى حياتى"- المكتب المصرى الحديث - طبعة الأهرام 1989.
الصورة:
عباس محمود العقاد