( سيامنيس هو قاضٍ فاسد ـ وفقًا لرواية هيرودوت ـ عاش أيام الملك الفارسي قمبيز الثاني. أُدين سيسامنيس بقبول رشوة لإصدار حكم ظالم، فحكم عليه الملك بأن يُسلخ جلده حيًا، ثم يتخذ من ذلك الجلد فرش للكرسي الذي سيجلس عليه أوتانيس ، ابن سيسامنيس، الذي خلف أباه في منصب القضاء )
يجدُ الكاتب والروائي في الأساطير القديمة وأيضا في حصاد الإبداع البشري المنقولُ إلينا مُدوناً أو مَسموعاً ما يستطيع من خِلاله أن يُطابق الواقع والمعاصر من الأحداث لِيُبين لنا أن الحياة البشرية لا تأتي بجديد ، لا في الأحداثِ ولا الشخصياتِ وأنّ هذا التراث الإنساني يحملُ لنا في طياتهِ الأسباب والنتائج ويُهدينا ذلك لمعالجةِ أي عَوارٍ قد يلحقُ بحركة المُجتمع.
****
التقط الكاتب والروائي المتميز أحمد عبد الله إسماعيل ... بذكاء القارئ والباحث المُدقق في التاريخ المُدون ؛ وبين رؤيتهِ الثاقبة لواقعٍ رصدهُ بدقةٍ وأدرك مدى التطابق بين المُدون وبين الواقع المعاصر الذي يعيشه فاستلَ قلمَهُ وأدواتَه وحِنكتَهُ وخِبراتَهُ؛ ليبعث لنا " سيسامنيس " ذلك القاضي الفاسد في صورة القاضي والمستشار ذو المكانة والوجاهة الاجتماعية المرموقة والذي يكفي اسمهُ ليدلل على سطوتهِ كإمبراطور يدير إمبراطورية ورثها ؛ والحِفاظُ عليها فقط لا يشغلهُ إنما توسيع رقعتها ونفوذها من خلال الثراء الفاحش المتمثل في عقارات وأراضٍ وأموال وكّمٍ من البشر يعملون تحت إمرتهِ لايعصون لهُ أمراً وهم له خادمون ومطيعون وبذكائه هُم له ساجدون يسبحون بحمده من خلال عطاءٍ سخيّ غير محدود فهو كريمٌ مِعطاٌ ، مدارس ومستشفيات وشهرياتٍ لأصحاب الحاجة وحفلات ومناسبات دينية تُذبحُ فيها العجول وتفرق فيها اللحوم ويجتمع فيها عِلية القوم وبسطائهم، يستمعون معهُ للقرآن الكريم والأناشيد والمواويل المعتادة والمعروفة والمحببة في هذه المناسبات ، رسم لنا كاتبنا المتميز وجهين لهذا القاضي الفاسد ، وجه الباشا المِعطاءُ الكريم صاحب النفوذ والسطوة والمحبوب ، و وجههُ الآخر الذي يُجاهد هو نفسهُ ليس فقط لإخفائه ولكن ليعرف كيف يعيشُ بهِ و وماهي أسبابهُ أهي وراثةٍ أم تراكمات نفسية لا يَعرفُ على وجه اليقين متى وكيف بدأت رغم مظاهر الحياة الراقية التي يعيشهما وأحاطت بهِ من الصغر ، و لكنه ينجحُ بالعيش بهما ، مع الوجه الأول و مع وجه السفاح ، والقاتل ، والقلب القاسي الذي لا يَعرفُ الحب ولا المشاعر أو الصفات الحميدة مثل الرحمة والعفو والمسامحة والود ، رسم أديبنا هذه الشخصية ذات الوجهين المتضادين بدقةٍ بالغةٍ في الأفعال والمشاعر وردود الأفعال، مُشيراً من خلال ذلك، ومن خِلال المنصب والصفة الوظيفية الرفيعة التي يحملها " قاضٍ بمرتبة مُستشار " وهو مركز وظيفي سامٍ، وفي جهة تُمثلُ أرفعُ مستويات إدارة الدولة وهو القضاء وكان اختيار الكاتب دقيقاً و واقعياً مُشيراً إلى أن الفسادِ والإفساد في كل طبقات المجتمع، وأسوأ مواقعهُ واكثرها تعظيماً لشروره حين يلحقُ بمؤسسة كُبرى كالقضاء .
إن هذا القاضي هو ذاتهُ " سيسا منيس " الفاسد الذي يُشدُ جلدهُ في النهاية حين يرى الهلاك يحوطهُ من كل جانب حين تشهدُ عليه كُل جرائمهِ وأدلتها و تُطبقُ عليه ؛ فلا تنفعهُ مكانتهُ وسلطاتهِ وحصاد ما جمعهُ من أموال وعقارات وحتى علاقات ، إن مشهد النهاية الذي ختم به الكاتب الرواية وذلك المنولوج الطويل وهو يستعرض فُتوتهُ ومجُونهُ وعربدتهَ وفسقهِ الذي فاق كل ما يمكن تخيُلهُ واستعراض نِعمٍ لاحصر لها تبدأ بمشاعر ما بين الحب والإحترام والتقدير وتنتهي بخيفةٍ وإذعانٍ وخضوعٍ لكلامه و أوامرهِ . وتلك مأساة تعمد الكاتب أن يفسحُ لها مساحةً ليؤكد لنا أن سيطرة أي قوة من قوى المجتمع تخضعُ في النهاية كما يحدثنا التاريخ بكل أساطيره وحكايتهِ المُدونة والمسْموعة أن الظلمَ والبطشَ والعدوان و الافتئات على الضعيف شخصاً او طبقةً مآلها السقوط المُدوي والانبطاح على سرير : سيسامنيس : لسلخ جلدهُ !
* يُدهشُنا كاتبنا بِقدراتهِ على رسم شخصية مركبة ومزدوجة ومن خلالها تتحرك وتتعدد المواقف التي تُظهر عبقرية الكاتب في سرد الأحداث والمواقف والمشاعر المختلفة والمتضاربة والمتصارعة ومدى الإرهاق النفسي الذي يُسيطرُ على الشخصيات المتعددة التي وظفها الكاتب لِيُبرزُ قوة رسمهِ للشخصية المزدوجة .
وهذه فقرة عن الوجه الآخر الذي أجاد الكاتب رسمها :
( إني لا أرجع عن حفر إلا برؤية الذهب، تعلمون أن الناس أحجام، وأنا أعرف حجمي بين الرجال جيدًا، ترتفع رأسي لتتجاوز الهرم الأكبر، وتدركون أن للأحداث مسارات، وأنا أعرف دروب كل الأحداث، وأتفقد موضع قدمي في كل درب قبل رفعها أو وضعها حتى أصل إلى مبتغاي، هذا القَسَم يجعلني أضع ثقتي الكاملة بكم، لكنه في الوقت نفسه يجبركم على السمع والطاعة، وعليكم بتنفيذ توجيهاتي وتعليماتي؛ فلا رادّ لأوامري، أما الآن فلنضع أيدينا على قلوبنا، ونقرأ الفاتحة بِنِية الإخلاص وعدم الغدر، والفاتحة مرة أخرى على الخائن وابن الحرام، نسأل الله التوفيق في هذا العمل، والله المستعان، عناية الله تحيط بنا، وهو خير الحافظين، أما من يُخطئ منكم، أو ينقض هذا العهد الذي قطعناه على أنفسنا أمام الله فلن يكلفني إلا رصاصة واحدة بين عينيه، نعم، طلقة طائشة لن يُدوّي ألمها إلا في قلبه، تخرج من مسدس كاتم الصوت وسط زراعات القصب، وتُقيد التهمة حينها ضد مجهول، وعدي لذوي الهمم، ووعيدي للمتخاذلين؛ إياكم وخيانة العهد؛ فلولا الخيانة ما سُلِّم المسيح إلى اليهود، مقابل ثلاثين قطعة من الفضة، قبل أن يردّ الخائن المال لليهود ويقتل نفسه؛ فإياكم والعبث معي، إياكم والوقوف أمام القطار السريع، إياكم وعصيان أمري؛ فإن أصدرت أمرًا وخالفه أحدكم، حلّ عليه غضبي، ونزل به عذابي، ولأجعلنه يتمنى الموت في كل وقت ولا يناله، وحينها لا تلوموني ولوموا أنفسكم)..
* كما كان تعدد الشخصيات في الرواية من وسائل قوة وبراعة رسم الشخصية الرئيسية للرواية ؛ فإنها أيضا أبرزت كيف يكون تأثير قوى البطش والسيطرة في تداعي قيم الحق والعدل والرحمة في طبقات المجتمع المختلفة والتحللُ منها امام إغراءات الجزرة وبطش العصا ، وها هو مصطفى في حيرتهِ يختار أن يخون صديقهُ :
(ضحك مصطفى بصوت عالٍ، ولم يجبه؛ لأنه لم يفهم مغزى سؤاله، بل ظن أنه يمازحه، ثم فقد النطق للحظة، وظل صدره يتقافز، ولا يدرك إن كان ما فعله خطأ أم صوابًا؛ لقد خان صديقه المقرب، لكن صوتًا بداخله يخبره أن هذا الرجل صاحب المقام الرفيع هو الحل الوحيد، يتردد الصوت في أذنه ويقول: هذا البيك هو الحل؛ مصباح علاء الدين الذي يحقق كل الأحلام في غمضة عين ! ) .
* يمتلكُ الكاتب مع القدرات السردية عنصر التشويق في بناء الأحداثِ والمواقف من خلال اللغةِ السهلة ذات الجُمل القصيرة فلا إسهابٍ أو اختزال يؤثر على الحدثِ او القارئ . .
( يدور المستشار بعينيه في كل اتجاه؛ فينطلق بصره في جولة دائرية استطلاعية، يترامى اللون الأخضر من حوله إلى منتهاه كالبساط الممتد، ويرى السماء كأنها ملتقية بالأرض، فضاء مفتوح يبهج القلب، ويُطيب الخاطر، ويبعث في النفس البهجة والطمأنينة، ويشم في الهواء روائح يألفها منذ نعومة أظفاره، وتتدفق في رأسه ذكريات أيام الصبا الجميلة كالسيل المندفع؛ فيطيل النظر في سعادة غامرة ) . .
* اعتنى الكاتب باستدعاء أسماء أو صفات مثل الباشا ، والقصر أو لوحة سيسامنيس أو تعبيرات حوارية من الماضى القريب أو البعيد؛ ليؤكد أن تاريخ أو وقائع الماضي أحداثهُ تتكرر بمفرداتٍ وأسماء وصفات جديدة تتشابه دائما ؛ وذلك في محاولةٌ منهُ جادة لإسقاطات يروُمها في رصده و تتبعه لمدى مِصداقية ... " أن لا جديد في حياة المجتمعات وما علينا حين يدلهمُ الظلام أن نتوقع أنه غير دائم وأنه إلى زوال "
ســيــد جــمــعــه
ناقد وفنان تشكيلي وأديب
13/ 11 / 2024 م
يجدُ الكاتب والروائي في الأساطير القديمة وأيضا في حصاد الإبداع البشري المنقولُ إلينا مُدوناً أو مَسموعاً ما يستطيع من خِلاله أن يُطابق الواقع والمعاصر من الأحداث لِيُبين لنا أن الحياة البشرية لا تأتي بجديد ، لا في الأحداثِ ولا الشخصياتِ وأنّ هذا التراث الإنساني يحملُ لنا في طياتهِ الأسباب والنتائج ويُهدينا ذلك لمعالجةِ أي عَوارٍ قد يلحقُ بحركة المُجتمع.
****
التقط الكاتب والروائي المتميز أحمد عبد الله إسماعيل ... بذكاء القارئ والباحث المُدقق في التاريخ المُدون ؛ وبين رؤيتهِ الثاقبة لواقعٍ رصدهُ بدقةٍ وأدرك مدى التطابق بين المُدون وبين الواقع المعاصر الذي يعيشه فاستلَ قلمَهُ وأدواتَه وحِنكتَهُ وخِبراتَهُ؛ ليبعث لنا " سيسامنيس " ذلك القاضي الفاسد في صورة القاضي والمستشار ذو المكانة والوجاهة الاجتماعية المرموقة والذي يكفي اسمهُ ليدلل على سطوتهِ كإمبراطور يدير إمبراطورية ورثها ؛ والحِفاظُ عليها فقط لا يشغلهُ إنما توسيع رقعتها ونفوذها من خلال الثراء الفاحش المتمثل في عقارات وأراضٍ وأموال وكّمٍ من البشر يعملون تحت إمرتهِ لايعصون لهُ أمراً وهم له خادمون ومطيعون وبذكائه هُم له ساجدون يسبحون بحمده من خلال عطاءٍ سخيّ غير محدود فهو كريمٌ مِعطاٌ ، مدارس ومستشفيات وشهرياتٍ لأصحاب الحاجة وحفلات ومناسبات دينية تُذبحُ فيها العجول وتفرق فيها اللحوم ويجتمع فيها عِلية القوم وبسطائهم، يستمعون معهُ للقرآن الكريم والأناشيد والمواويل المعتادة والمعروفة والمحببة في هذه المناسبات ، رسم لنا كاتبنا المتميز وجهين لهذا القاضي الفاسد ، وجه الباشا المِعطاءُ الكريم صاحب النفوذ والسطوة والمحبوب ، و وجههُ الآخر الذي يُجاهد هو نفسهُ ليس فقط لإخفائه ولكن ليعرف كيف يعيشُ بهِ و وماهي أسبابهُ أهي وراثةٍ أم تراكمات نفسية لا يَعرفُ على وجه اليقين متى وكيف بدأت رغم مظاهر الحياة الراقية التي يعيشهما وأحاطت بهِ من الصغر ، و لكنه ينجحُ بالعيش بهما ، مع الوجه الأول و مع وجه السفاح ، والقاتل ، والقلب القاسي الذي لا يَعرفُ الحب ولا المشاعر أو الصفات الحميدة مثل الرحمة والعفو والمسامحة والود ، رسم أديبنا هذه الشخصية ذات الوجهين المتضادين بدقةٍ بالغةٍ في الأفعال والمشاعر وردود الأفعال، مُشيراً من خلال ذلك، ومن خِلال المنصب والصفة الوظيفية الرفيعة التي يحملها " قاضٍ بمرتبة مُستشار " وهو مركز وظيفي سامٍ، وفي جهة تُمثلُ أرفعُ مستويات إدارة الدولة وهو القضاء وكان اختيار الكاتب دقيقاً و واقعياً مُشيراً إلى أن الفسادِ والإفساد في كل طبقات المجتمع، وأسوأ مواقعهُ واكثرها تعظيماً لشروره حين يلحقُ بمؤسسة كُبرى كالقضاء .
إن هذا القاضي هو ذاتهُ " سيسا منيس " الفاسد الذي يُشدُ جلدهُ في النهاية حين يرى الهلاك يحوطهُ من كل جانب حين تشهدُ عليه كُل جرائمهِ وأدلتها و تُطبقُ عليه ؛ فلا تنفعهُ مكانتهُ وسلطاتهِ وحصاد ما جمعهُ من أموال وعقارات وحتى علاقات ، إن مشهد النهاية الذي ختم به الكاتب الرواية وذلك المنولوج الطويل وهو يستعرض فُتوتهُ ومجُونهُ وعربدتهَ وفسقهِ الذي فاق كل ما يمكن تخيُلهُ واستعراض نِعمٍ لاحصر لها تبدأ بمشاعر ما بين الحب والإحترام والتقدير وتنتهي بخيفةٍ وإذعانٍ وخضوعٍ لكلامه و أوامرهِ . وتلك مأساة تعمد الكاتب أن يفسحُ لها مساحةً ليؤكد لنا أن سيطرة أي قوة من قوى المجتمع تخضعُ في النهاية كما يحدثنا التاريخ بكل أساطيره وحكايتهِ المُدونة والمسْموعة أن الظلمَ والبطشَ والعدوان و الافتئات على الضعيف شخصاً او طبقةً مآلها السقوط المُدوي والانبطاح على سرير : سيسامنيس : لسلخ جلدهُ !
* يُدهشُنا كاتبنا بِقدراتهِ على رسم شخصية مركبة ومزدوجة ومن خلالها تتحرك وتتعدد المواقف التي تُظهر عبقرية الكاتب في سرد الأحداث والمواقف والمشاعر المختلفة والمتضاربة والمتصارعة ومدى الإرهاق النفسي الذي يُسيطرُ على الشخصيات المتعددة التي وظفها الكاتب لِيُبرزُ قوة رسمهِ للشخصية المزدوجة .
وهذه فقرة عن الوجه الآخر الذي أجاد الكاتب رسمها :
( إني لا أرجع عن حفر إلا برؤية الذهب، تعلمون أن الناس أحجام، وأنا أعرف حجمي بين الرجال جيدًا، ترتفع رأسي لتتجاوز الهرم الأكبر، وتدركون أن للأحداث مسارات، وأنا أعرف دروب كل الأحداث، وأتفقد موضع قدمي في كل درب قبل رفعها أو وضعها حتى أصل إلى مبتغاي، هذا القَسَم يجعلني أضع ثقتي الكاملة بكم، لكنه في الوقت نفسه يجبركم على السمع والطاعة، وعليكم بتنفيذ توجيهاتي وتعليماتي؛ فلا رادّ لأوامري، أما الآن فلنضع أيدينا على قلوبنا، ونقرأ الفاتحة بِنِية الإخلاص وعدم الغدر، والفاتحة مرة أخرى على الخائن وابن الحرام، نسأل الله التوفيق في هذا العمل، والله المستعان، عناية الله تحيط بنا، وهو خير الحافظين، أما من يُخطئ منكم، أو ينقض هذا العهد الذي قطعناه على أنفسنا أمام الله فلن يكلفني إلا رصاصة واحدة بين عينيه، نعم، طلقة طائشة لن يُدوّي ألمها إلا في قلبه، تخرج من مسدس كاتم الصوت وسط زراعات القصب، وتُقيد التهمة حينها ضد مجهول، وعدي لذوي الهمم، ووعيدي للمتخاذلين؛ إياكم وخيانة العهد؛ فلولا الخيانة ما سُلِّم المسيح إلى اليهود، مقابل ثلاثين قطعة من الفضة، قبل أن يردّ الخائن المال لليهود ويقتل نفسه؛ فإياكم والعبث معي، إياكم والوقوف أمام القطار السريع، إياكم وعصيان أمري؛ فإن أصدرت أمرًا وخالفه أحدكم، حلّ عليه غضبي، ونزل به عذابي، ولأجعلنه يتمنى الموت في كل وقت ولا يناله، وحينها لا تلوموني ولوموا أنفسكم)..
* كما كان تعدد الشخصيات في الرواية من وسائل قوة وبراعة رسم الشخصية الرئيسية للرواية ؛ فإنها أيضا أبرزت كيف يكون تأثير قوى البطش والسيطرة في تداعي قيم الحق والعدل والرحمة في طبقات المجتمع المختلفة والتحللُ منها امام إغراءات الجزرة وبطش العصا ، وها هو مصطفى في حيرتهِ يختار أن يخون صديقهُ :
(ضحك مصطفى بصوت عالٍ، ولم يجبه؛ لأنه لم يفهم مغزى سؤاله، بل ظن أنه يمازحه، ثم فقد النطق للحظة، وظل صدره يتقافز، ولا يدرك إن كان ما فعله خطأ أم صوابًا؛ لقد خان صديقه المقرب، لكن صوتًا بداخله يخبره أن هذا الرجل صاحب المقام الرفيع هو الحل الوحيد، يتردد الصوت في أذنه ويقول: هذا البيك هو الحل؛ مصباح علاء الدين الذي يحقق كل الأحلام في غمضة عين ! ) .
* يمتلكُ الكاتب مع القدرات السردية عنصر التشويق في بناء الأحداثِ والمواقف من خلال اللغةِ السهلة ذات الجُمل القصيرة فلا إسهابٍ أو اختزال يؤثر على الحدثِ او القارئ . .
( يدور المستشار بعينيه في كل اتجاه؛ فينطلق بصره في جولة دائرية استطلاعية، يترامى اللون الأخضر من حوله إلى منتهاه كالبساط الممتد، ويرى السماء كأنها ملتقية بالأرض، فضاء مفتوح يبهج القلب، ويُطيب الخاطر، ويبعث في النفس البهجة والطمأنينة، ويشم في الهواء روائح يألفها منذ نعومة أظفاره، وتتدفق في رأسه ذكريات أيام الصبا الجميلة كالسيل المندفع؛ فيطيل النظر في سعادة غامرة ) . .
* اعتنى الكاتب باستدعاء أسماء أو صفات مثل الباشا ، والقصر أو لوحة سيسامنيس أو تعبيرات حوارية من الماضى القريب أو البعيد؛ ليؤكد أن تاريخ أو وقائع الماضي أحداثهُ تتكرر بمفرداتٍ وأسماء وصفات جديدة تتشابه دائما ؛ وذلك في محاولةٌ منهُ جادة لإسقاطات يروُمها في رصده و تتبعه لمدى مِصداقية ... " أن لا جديد في حياة المجتمعات وما علينا حين يدلهمُ الظلام أن نتوقع أنه غير دائم وأنه إلى زوال "
ســيــد جــمــعــه
ناقد وفنان تشكيلي وأديب
13/ 11 / 2024 م