صدرت رواية "الرفيق" في174 صفحة من القطع المتوسط، وتتوزع على 31 فصلا، عن مطبعة سليكي اخوين ـ طنجة، في طبعتها الأولى سنة 2024.
لوحة الغلاف:
هي لوحة تركيبية من إنجاز الفنان الحسين الحيان، أتت في مستطيل حاز المساحة الأكبر من صفحة الغلاف الأمامية، في الأعلى شمس حارقة كما لو كانت زوبعة حارقة تهدد الأسفل، هذا الأسفل الذي يتشكل من صخور ناتئة بعضها صخري، فلونه الأسود يعبر عن ذلك، وبين الأعلى والأسفل يقف رجل في يمين اللوحة غير واضح المعالم بلباس أسود من الرأس إلى القدمين، وهو يتأمل الأفق الممتد راميا نظره جهة اليسار، هذا الأفق الشبيه بصحراء مترامية الأطراف، تحمل ففي طياتها الخوف.
يحمل هذا الأفق عنوان الرواية مكتوبا باللون الأحمر المعبر عن انتماء تلك الشخصية المتأملة، في حين جاء الجزء الثاني والمكمل للعنوان مكتوبا بالأبيض المناقض للأسود الصخري؛ هذا الجزء المكمل يحمل مكان وزمان الأحداث: قتبيت سلطنة عمان، 1989_1990.
العنوان:
جاء باللون الأحر، وكلمة الرفيق ذات حمولة يسارية، مما يشي أن المؤلف سيتخذ منور اليسار في كتابته للعمل، بمعنى تحيزه للفكر اليساري القائم على نبذ الظلم والاستغلال، والرامي إلى تحقيق العدالة الاجتماعية والمساواة، إنه يعلن منذ البدء توجهه، ولا يخفيه بالمطلق.
وخارج اللوحة ذات الإطار المستطيل، نجد في الأعلى اسم المؤلف وفي الأسفل جنس العمل، وكتبا معا باللون الأبيض.
المؤلف:
بالنسبة لموسى مليح فهو مبدع مغربي ينتمي لمنطقة الحوز، اشتغل في التعليم إلى أن أحيل على التقاعد، وله إسهامات في الكتابة السردية والمسرحية والتربوية، وتعد روايته "الرفيق" باكورة أعماله في هذا الجنس.
التجنيس:
اختار المبدع جنس الرواية لعمله وهو تعاقد يستوجب من القارئ ان يتعامل مع العمل وفق شروط الكتابة الروائية، وأن لا يتعامل معها وفق أجناس أخرى حتى وإن اشتمل عليها من مثل السيرة الذاتية أو الغيرية أو الرسائل أو المذكرات؛ فهي أجناس جاءت لرفد السرد وإغناء الكتاب.
تتشكل الرواية من 31 فصلا كمثل عدد أيام شهر أكتوبر31 قصيرة الحجم في معظمها، وتبدو كأنها رحلة بحث عن الرفيق؛ وتحضر كلمة "رفيق" مرتين؛ مرة بوصفها اسما، ومرة بوصفها صفة، في الأولى هي اسم لموظف بسيط في مكتب المدير العام، وهي لشخص أسيوي، في حين جاء في الثانية معرفا بأل وهو صفة لرجل من أهل طفار يحمل بندقية صورته نشرت في مجلة فرنسية قصها السارد ووضعها ضمن ملفه الخاص بالمنطقة وسماه ب"الرفيق"؛ هذا الرفيق الذي صار مبحوثا عنه ومطلوبا من طرف السارد، إلى أن التقى به أو بمن يشبهه في مكان سوق لعرض المنتوجات المتنوعة.
الرفيق رجل مناضل يحمل فكرا ثوريا لا يبغي من ورائه سوى تحقيق العدالة الاجتماعية، وتحرير الإنسان من القهر والاستغلال، سيلفظ أنفاسه في آخر أنفاس الرواية، لكن بحث السارد عن الرفيق لم يكن بحثا عن شخص مادي بل كان بحثا عن شخص معنوي من خلال أفكاره الثورية التي تقف في وجه الرجعية العربية والإمبريالية الغربية التي تسعى إلى الهيمنة على العالم العربي واستغلال خيراته دون موجب حق، وتنصب حماة لها لتأمين مصالحها، ولعل المشروب الأسود كان هو رمز هذه الهيمنة التي وقفت في وجه أي فكر تنويري، وسعت إلى تأبيد الجهل والأمية لتضمن مصالحها. وليس غريبا أن يكون التعليم في قلب هذا الصراع؛ وهو ما حمل أعلى سلطة في سلطنة عمان إلى الرهان عليه بجلب أساتذة ذوي كفاءة عالية لتحقيق النهضة حتى يتعمم ولو في أقصى الحدود المتاخمة للربع الخالي، وأقصد منطقة قتبيت.
لم يمت الرفيق بل واصل حياته من خلال ابنته موسكو وبعض الأولاد الذين آمنوا بالفكر الثوري، وسعوا إلى إنجازه بمساندة جنوب اليمن اليساري الذي يتعرض لحملة شرسة من طرف الشمال المحكوم بسلطة رجعية مسنودة من الغرب الاستعماري.
تنهض جدلية الموت والحياة في المتن الروائي مشيرة إلى هذا الصراع القائم بين فكرين متضادين؛ واحد يبغي تحقيق العدالة الاجتماعية والمساواة، والثاني لا يريد سوى تأبيد مصالحه بضرب أي فكر تنويري.
وتتجلى قضية الموت والحياة في مجموعة من المؤشرات، ومنها عدد فصول العمل حيث يعد عدد 31 هو آخر يوم في الشهر الميلادي حيث سيعقبه شهر جديد يولد من رحمه، كما أن المساحة الزمنية للرواية تبلغ تسعة أشهر وهو عدد شهور الحمل، وليس غريبا أن يموت الرفيق في آخر أنفاس الشهر التاسع، وهي اللحظة التي التحق فيها بعض الأولاد بقيادة موسكو بجنوب اليمن.
مؤشر آخر طريف للغاية ويتجلى في مقبرة الكتب؛ فقد دفن الرفيق بعض الكتب الحمراء حماية لها من التدمير الذي قامت به السلطات، فتهريبها هو بمثابة حفاظ لها من الموت. وإذا كان الدفن يعبر عن الموت، فإن عملية إخراج الكتب هو بمثابة بعثها من جديد؛ فقد تكمن في الأرض كثمرة، ثم يحين زمن بعثها لتنهض من جديد. وإذا كانت الثورة قد تم إجهاضها وتم انتصار الفكر الرجعي؛ فإن ذلك مؤقت حتى لو استمر زمنا طويلا، وهذا ما نلاحظه خلال العقود السابقة حيث تم الزج ببعض الأقطار العربية في حروب خارجية وداخلية بخبث غربي بغاية تفكيكها وإعادة صياغتها بما يتناسب ومصالحها، وجاء الربيع كحلم سرعان ما انطفأ لأنه لم يكن مبنيا على أسس فكرية متينة ثم إنه كان بإشراف من تلك القوى وإن بشكل خفي. لكن مواجهة الفكر الصهيوني حربة الإمبريالية بالمقاومة بالرغم من عدم تكافؤ القوة جاء ليؤكد استمرارية الفكر الثوري بلبوس مختلف.
يقوم السارد الذي لقب ب"أبا خليل" برصد مختلف مظاهر المجتمع الجديد الذي انتقل إلى العمل به بعد انتقائه؛ فهو يرصد العادات والتقاليد المتمثلة في مظاهر شتى منها احترامهم للمرأة ص 15 وطريقة لباس الرجال ص 14 وأنواع منتوجات ظفار وبالأساس البخور...
وإذا بدت المرأة في بيئة قتبيت تقليدية فإن ذلك ليس صحيحا كليا، فقد أظهرت أم التلميذ عقيل تفتحا حين استضافت في خيمتها أساتذة ابنها ولم تختف بل كانت ظاهرة وتحدثهم بكل طلاقة حتى أثناء توظيفها للقاموس الجنسي، إذ لم تتحرج، ولم تشعر بأدنى خجل.
لكن وصول الطبيبة الهندية بلباسها المميز حرك في الأساتذة نوازع الجنس هم الذين ظلوا دون امرأة تؤنسهم طيلة السنة الدراسية.
وبالنسبة لموسكو ابنة الرفيق فقد تشبعت بفكر أبيها الثوري فتحررت كليا من كل الأعراف والتقاليد لدرجة أنها كانت تستحم عارية تماما. لكن ذلك لم يعن أنها متفسخة بل كانت تعيش صدقها النفسي وانسجامها مع الفكر الذي تحمله وما مالت لذكر من أجل إشباع رغباتها؛ فقد كان كل همها هو تحرير الإنسان حيث وجدناها تختار فئة من التلاميذ لتدربهم على حمل السلاح وانخرطت معهم في النضال مع أهل اليمن الجنوبي ضد الرجعية والاستعمار.
ويمكن إدراج الرواية ضمن الواقعية النقدية كونها ترصد مختلف مناحي التردي العربي؛ هذا العالم الذي لا يوحده سوى مكون واحد وهو القمع، وليس بدعا أن تكون كل شخصيات العمل معطوبة جراء ما وقع لها بوطنها أو بالوطن المجاور، لذا اتخذت الابتعاد ولو لفترة فرصة النجاة أو تأمل الواقع بعيدا عن إكراهاته السياسية بالأخص.
فهناك من تمت مطاردته بدعوى تعاونه مع قوى الاستعمار، وهناك من هرب خوفا من الملاحقة البوليسية، وهناك من هرب بعد ما تم اختطاف زوجته، وهناك من اختار الابتعاد طواعية وإن كان يشعر في قرارة نفسه بلعنة المطاردة وتأتي الرسائل التي توصل بها لتخبره باشتداد القمع وملاحقة أصحاب اليسار.
شخصيات مهزوزة نفسيا سيقودها ضعفها النفسي وحيرتها الوجودية إلى السقوط في شتى الأمراض العقلية والنفسية وبخاصة الأستاذ الأردني الذي وجد نفسه ملعونا من طرف الجميع إلا من زملائه الأساتذة الذين فهموا وضعه الفعلي فحملوه إلى المستشفى للعلاج.
على مستوى السرد نجد أن أبا خليل قد أمسك بدفته موجها لكنه لم يكن متسلطا بل فتح المجال لأصوات أخرى للتعبير عن نفسها، وبذا بدت الرواية احتفالية ذات أصوات متنوعة ومتعددة؛ تعدد الأجناس التي تضمنتها: كالسيرة الذاتية والغيرية والشعر والرواية وتحليلها ونقدها، والزجل والأغنية بمختلف أنواعها.. وهو تنوع اغنى العمل وجعله منفتحا على التعدد في القراءة والتأويل.
لوحة الغلاف:
هي لوحة تركيبية من إنجاز الفنان الحسين الحيان، أتت في مستطيل حاز المساحة الأكبر من صفحة الغلاف الأمامية، في الأعلى شمس حارقة كما لو كانت زوبعة حارقة تهدد الأسفل، هذا الأسفل الذي يتشكل من صخور ناتئة بعضها صخري، فلونه الأسود يعبر عن ذلك، وبين الأعلى والأسفل يقف رجل في يمين اللوحة غير واضح المعالم بلباس أسود من الرأس إلى القدمين، وهو يتأمل الأفق الممتد راميا نظره جهة اليسار، هذا الأفق الشبيه بصحراء مترامية الأطراف، تحمل ففي طياتها الخوف.
يحمل هذا الأفق عنوان الرواية مكتوبا باللون الأحمر المعبر عن انتماء تلك الشخصية المتأملة، في حين جاء الجزء الثاني والمكمل للعنوان مكتوبا بالأبيض المناقض للأسود الصخري؛ هذا الجزء المكمل يحمل مكان وزمان الأحداث: قتبيت سلطنة عمان، 1989_1990.
العنوان:
جاء باللون الأحر، وكلمة الرفيق ذات حمولة يسارية، مما يشي أن المؤلف سيتخذ منور اليسار في كتابته للعمل، بمعنى تحيزه للفكر اليساري القائم على نبذ الظلم والاستغلال، والرامي إلى تحقيق العدالة الاجتماعية والمساواة، إنه يعلن منذ البدء توجهه، ولا يخفيه بالمطلق.
وخارج اللوحة ذات الإطار المستطيل، نجد في الأعلى اسم المؤلف وفي الأسفل جنس العمل، وكتبا معا باللون الأبيض.
المؤلف:
بالنسبة لموسى مليح فهو مبدع مغربي ينتمي لمنطقة الحوز، اشتغل في التعليم إلى أن أحيل على التقاعد، وله إسهامات في الكتابة السردية والمسرحية والتربوية، وتعد روايته "الرفيق" باكورة أعماله في هذا الجنس.
التجنيس:
اختار المبدع جنس الرواية لعمله وهو تعاقد يستوجب من القارئ ان يتعامل مع العمل وفق شروط الكتابة الروائية، وأن لا يتعامل معها وفق أجناس أخرى حتى وإن اشتمل عليها من مثل السيرة الذاتية أو الغيرية أو الرسائل أو المذكرات؛ فهي أجناس جاءت لرفد السرد وإغناء الكتاب.
تتشكل الرواية من 31 فصلا كمثل عدد أيام شهر أكتوبر31 قصيرة الحجم في معظمها، وتبدو كأنها رحلة بحث عن الرفيق؛ وتحضر كلمة "رفيق" مرتين؛ مرة بوصفها اسما، ومرة بوصفها صفة، في الأولى هي اسم لموظف بسيط في مكتب المدير العام، وهي لشخص أسيوي، في حين جاء في الثانية معرفا بأل وهو صفة لرجل من أهل طفار يحمل بندقية صورته نشرت في مجلة فرنسية قصها السارد ووضعها ضمن ملفه الخاص بالمنطقة وسماه ب"الرفيق"؛ هذا الرفيق الذي صار مبحوثا عنه ومطلوبا من طرف السارد، إلى أن التقى به أو بمن يشبهه في مكان سوق لعرض المنتوجات المتنوعة.
الرفيق رجل مناضل يحمل فكرا ثوريا لا يبغي من ورائه سوى تحقيق العدالة الاجتماعية، وتحرير الإنسان من القهر والاستغلال، سيلفظ أنفاسه في آخر أنفاس الرواية، لكن بحث السارد عن الرفيق لم يكن بحثا عن شخص مادي بل كان بحثا عن شخص معنوي من خلال أفكاره الثورية التي تقف في وجه الرجعية العربية والإمبريالية الغربية التي تسعى إلى الهيمنة على العالم العربي واستغلال خيراته دون موجب حق، وتنصب حماة لها لتأمين مصالحها، ولعل المشروب الأسود كان هو رمز هذه الهيمنة التي وقفت في وجه أي فكر تنويري، وسعت إلى تأبيد الجهل والأمية لتضمن مصالحها. وليس غريبا أن يكون التعليم في قلب هذا الصراع؛ وهو ما حمل أعلى سلطة في سلطنة عمان إلى الرهان عليه بجلب أساتذة ذوي كفاءة عالية لتحقيق النهضة حتى يتعمم ولو في أقصى الحدود المتاخمة للربع الخالي، وأقصد منطقة قتبيت.
لم يمت الرفيق بل واصل حياته من خلال ابنته موسكو وبعض الأولاد الذين آمنوا بالفكر الثوري، وسعوا إلى إنجازه بمساندة جنوب اليمن اليساري الذي يتعرض لحملة شرسة من طرف الشمال المحكوم بسلطة رجعية مسنودة من الغرب الاستعماري.
تنهض جدلية الموت والحياة في المتن الروائي مشيرة إلى هذا الصراع القائم بين فكرين متضادين؛ واحد يبغي تحقيق العدالة الاجتماعية والمساواة، والثاني لا يريد سوى تأبيد مصالحه بضرب أي فكر تنويري.
وتتجلى قضية الموت والحياة في مجموعة من المؤشرات، ومنها عدد فصول العمل حيث يعد عدد 31 هو آخر يوم في الشهر الميلادي حيث سيعقبه شهر جديد يولد من رحمه، كما أن المساحة الزمنية للرواية تبلغ تسعة أشهر وهو عدد شهور الحمل، وليس غريبا أن يموت الرفيق في آخر أنفاس الشهر التاسع، وهي اللحظة التي التحق فيها بعض الأولاد بقيادة موسكو بجنوب اليمن.
مؤشر آخر طريف للغاية ويتجلى في مقبرة الكتب؛ فقد دفن الرفيق بعض الكتب الحمراء حماية لها من التدمير الذي قامت به السلطات، فتهريبها هو بمثابة حفاظ لها من الموت. وإذا كان الدفن يعبر عن الموت، فإن عملية إخراج الكتب هو بمثابة بعثها من جديد؛ فقد تكمن في الأرض كثمرة، ثم يحين زمن بعثها لتنهض من جديد. وإذا كانت الثورة قد تم إجهاضها وتم انتصار الفكر الرجعي؛ فإن ذلك مؤقت حتى لو استمر زمنا طويلا، وهذا ما نلاحظه خلال العقود السابقة حيث تم الزج ببعض الأقطار العربية في حروب خارجية وداخلية بخبث غربي بغاية تفكيكها وإعادة صياغتها بما يتناسب ومصالحها، وجاء الربيع كحلم سرعان ما انطفأ لأنه لم يكن مبنيا على أسس فكرية متينة ثم إنه كان بإشراف من تلك القوى وإن بشكل خفي. لكن مواجهة الفكر الصهيوني حربة الإمبريالية بالمقاومة بالرغم من عدم تكافؤ القوة جاء ليؤكد استمرارية الفكر الثوري بلبوس مختلف.
يقوم السارد الذي لقب ب"أبا خليل" برصد مختلف مظاهر المجتمع الجديد الذي انتقل إلى العمل به بعد انتقائه؛ فهو يرصد العادات والتقاليد المتمثلة في مظاهر شتى منها احترامهم للمرأة ص 15 وطريقة لباس الرجال ص 14 وأنواع منتوجات ظفار وبالأساس البخور...
وإذا بدت المرأة في بيئة قتبيت تقليدية فإن ذلك ليس صحيحا كليا، فقد أظهرت أم التلميذ عقيل تفتحا حين استضافت في خيمتها أساتذة ابنها ولم تختف بل كانت ظاهرة وتحدثهم بكل طلاقة حتى أثناء توظيفها للقاموس الجنسي، إذ لم تتحرج، ولم تشعر بأدنى خجل.
لكن وصول الطبيبة الهندية بلباسها المميز حرك في الأساتذة نوازع الجنس هم الذين ظلوا دون امرأة تؤنسهم طيلة السنة الدراسية.
وبالنسبة لموسكو ابنة الرفيق فقد تشبعت بفكر أبيها الثوري فتحررت كليا من كل الأعراف والتقاليد لدرجة أنها كانت تستحم عارية تماما. لكن ذلك لم يعن أنها متفسخة بل كانت تعيش صدقها النفسي وانسجامها مع الفكر الذي تحمله وما مالت لذكر من أجل إشباع رغباتها؛ فقد كان كل همها هو تحرير الإنسان حيث وجدناها تختار فئة من التلاميذ لتدربهم على حمل السلاح وانخرطت معهم في النضال مع أهل اليمن الجنوبي ضد الرجعية والاستعمار.
ويمكن إدراج الرواية ضمن الواقعية النقدية كونها ترصد مختلف مناحي التردي العربي؛ هذا العالم الذي لا يوحده سوى مكون واحد وهو القمع، وليس بدعا أن تكون كل شخصيات العمل معطوبة جراء ما وقع لها بوطنها أو بالوطن المجاور، لذا اتخذت الابتعاد ولو لفترة فرصة النجاة أو تأمل الواقع بعيدا عن إكراهاته السياسية بالأخص.
فهناك من تمت مطاردته بدعوى تعاونه مع قوى الاستعمار، وهناك من هرب خوفا من الملاحقة البوليسية، وهناك من هرب بعد ما تم اختطاف زوجته، وهناك من اختار الابتعاد طواعية وإن كان يشعر في قرارة نفسه بلعنة المطاردة وتأتي الرسائل التي توصل بها لتخبره باشتداد القمع وملاحقة أصحاب اليسار.
شخصيات مهزوزة نفسيا سيقودها ضعفها النفسي وحيرتها الوجودية إلى السقوط في شتى الأمراض العقلية والنفسية وبخاصة الأستاذ الأردني الذي وجد نفسه ملعونا من طرف الجميع إلا من زملائه الأساتذة الذين فهموا وضعه الفعلي فحملوه إلى المستشفى للعلاج.
على مستوى السرد نجد أن أبا خليل قد أمسك بدفته موجها لكنه لم يكن متسلطا بل فتح المجال لأصوات أخرى للتعبير عن نفسها، وبذا بدت الرواية احتفالية ذات أصوات متنوعة ومتعددة؛ تعدد الأجناس التي تضمنتها: كالسيرة الذاتية والغيرية والشعر والرواية وتحليلها ونقدها، والزجل والأغنية بمختلف أنواعها.. وهو تنوع اغنى العمل وجعله منفتحا على التعدد في القراءة والتأويل.