[HEADING=3]كيف أكتب عن مصطفي الأسمر ،وكيف يطاوعني قلمي بعد فقده أن يخط حرفا أو فاصلة في علاقتنا التي كانت مضرب الأمثال ، إذ كنت أجلس يوميا معه في معرضه علي كورنيش النيل والذي أصبح كبيت العنكبوت بعد أن كان مضرب الكتاب والأدباء والمثقفين من أرجاء مصر وخارجها فيه التقيت ببنت الشاطئ وخيري شلبي ويسري العزب وعبد العال الحمامصي ومحمد جبريل ومحمد مستجاب وأحمد سويلم وبشير الديك ويسري الجندي ومحمد أبو العلا السلاموني وكثيرين كثيرين ……[/HEADING]
كانت تجمعنا في جلسة الصباح اليومية بعد توصيلي لأولادي للمدرسة ندوة مكونة من النبوي سلامة بعجلته الشهيرة والمرحوم يوسف القط نجم القصة القصيرة في الستينات والذي انسحب من الحياة وعاش في حجرة في فندق في سنواته الاخيرة وتلك قصة اخري كان ينتحي جانبا من المعرض ولا يشاركنا الا بعد إلحاح منا وحين كانت تأتيه رغبة نادرة في الكلام كانت كلماته عميقة ودالة كالتوقيعات وكان طفلنا المدلل عمنا السيد الغواب برباعياته ومشاهداته وقفشاته ونقده الساخر اللاذع وضجره ومحاولة استئثاره الدايم بالحديث رغم أنه كان أكبرنا سنا وكان ينضم إلينا بدون انتظام عمنا محمد العتر وحسين البلتاجي ومصطفي العايدي وسمير الفيل حسب جداولهم الدراسية والعملية
كان مصطفي المضيف الدايم وكان كوب الشاي بأربعة من ملاعق سكر ينتظرني مع تفكه الجماعة علي هذا الإسراف في تعاطي السكر والذي لازمني طوال حياتي
وحتي ينتظم جمعنا كان مصطفي يعرض علي ما كتبه بخطه الدقيق المنمنم وفي ورق يحوله لأعمدة كأعمدة الجرائد كانت كتابته كشفرة سرية كثيرا ما كنا نتراهن علي فك طلاسمها كنت قارئه الأول لكثير من أعماله وكنت أعرض عليه أشعاري لا كقارئي الأول ولكن كناقدي الأول كانت لديه حاسة نقدية رغم قلة مداخلاته والتزامه الصمت مع اجادة الاستماع كان يتشمم المواهب ويشجعها ويشيد بها في ندوة رواد الأدبية وفي ندوته اليومية بالمعرض والتي مر عليها كل أدباء دمياط
عرفت مصطفي الأسمر كنجم للقصة القصيرة في دمياط عام ١٩٦٤وسعيت إليه بقصة كتبتها ليقدمها في طاولة رواد الأدبية في الجامعة الشعبية للثقافة والتي يحتل حزب الأحرار الأن مكانها وكان رئيسها اأستاذ سعد عبد الرازق وأمين المكتبة الأستاذ كامل الدابي أمد الله في عمره
وكانت المفاجأة أن الأستاذ مصطفي قدم قصتي كقصيدة شعرية لأنها كانت موزونة
كانت الأطر الفنية للأنواع الأدبية من قصة شعر ومسرح وقتها حادة وصارمة ولمين واردا ولا مسموحا بتداخل النصوص ولم تكن القصة الشعرية ولا شعرية القصة قد ظهرت ومن ثم وجهني الأستاذ مصطفي الأسمر الي كتابة الشعر لأكتب أول قصيدة لي وأرسلها لتنشر في مجلة الأدب لأستاذنا أمين الخولي في مايو ١٩٦٥ وقد كانت في حقيقتها قصة تفعيلية وبمقدمة نثرية
وظل مصطفي الأسمر يعاني عقدة الذنب أنه أبعدني عن كتابة القصة رغم انه نشر خبر حصولي علي جائزة القصة القصيرة بالأز هر بنشرة رواد الأدبية نفس العام ١٩٦٥
ظلت علاقتي بمصطفى الأسمر طوال سنوات دراستي بالجامعة كنت أعود إليه بحنين الابن والتلميذ المحب لكل القيم النبيلة والعطاء اللامحدود فمصطفي بتلقائيته يدخلك ويحتل وجدانك بابتسامة مشرقة وحنان أبوي صوفي توارثه عن جده أبو المعاطي وتظل أسيرا له وهو يستمع إليك مقبلا ومشجعا وحانيا حتي في ملاحظاته وتوجيهاته يحترز ويشير علي استحياء كما لو كان هوالمخطيء لا انت
ومع ذلك لم يضحك علي أحد لم ينافق أو يداهن فيما كان يعتقد أنه الصواب
كان يعتز بعلاقة والده الحاج أحمد الأسمر بجمال عبد الناصر الذي طلب لقاءه عندما جاء إلي دمياطً عام ١٩٥٨ لأنه كان يمثل المصري الفصيح الذي يراسل الرئيس ويكتب إليه مشاكل الناس وهمومهم رغم انه كان يملك ورشة لتصنيع الموبيليا ومعرضا وكثير من تجار الموبيليا الآن كانوا عمالا في ورشته
لكن مصطفي الذي أدركته حرفةالأدب رغم تشربه لحرفة أبيه بعد انقطاعه عن التعليم
لمرض عضال ألم به لم يكن في براعة أبيه للحفاظ علي الورشة والمعرض الذي آلت إليه مسؤوليتهما ولم يستطع أن يواكب عصر الانفتاح بأساليبه في الفهلوة والصناعة الخفيفة والمبالغة في الأسعار وتحول مصطفي الأسمر من تاجر إلي كاتب يعبر عن هموم العمال والحرفيين وسائر طبقات المجتمع الدمياطي في بدايته ككاتب قصة واقعية ثم مالبث ان استهوته فكرة التجريب فكتب قصصا فانتازية وما عرف بعد ذلك بالواقعية السحرية والواقعية الأسطورية في حكاية زيد وعبيد والتي انتهج فيها تداخل وتوازي الأحداث مع ابتداع تقسيمات داخلية كثيرة من أرقام وحروف تحتاج لتركيز القارئ إلا أن مشروعه الروائي الضخم والذي سماه فعلا المشروع العظيم كان الروايات الخمس الأخيرة والتي مثلت مشوار حيأته لا كسيرة ذاتية كما اصر علي ذكر أسمه فيها ولكن كأعمال روائية طويلة تعدت ألف صفحة بكثير والتي صدرت تباعا بعد موته
ومن باب الإنصاف لا بد أن أذكر وأشكر ابنه الروائي أيمن الأسمر الذي ظل مثابرا علي أن تصدر تلك الروايات تباعا بعد موت أبيه بثماني سنوات
لم يكن مصطفي الأسمر مجرد صديق لي لكنه كان الأب والأخ والصديق والمعلم ورفيق الدرب كان سندي وعزوتي وأهلي وجماعتي كان الرمز والمثال والحقيقة والخيال والبهاء والحضور الذي ينتظم العقد الذي انفرط وتساقطت حباته : السيد الغواب حسين البلتاجي محمد النبوي سلامة محمد العتر يوسف القط مصطفي كامل
آه ما أقسي الغياب …………دعيد صالح
كانت تجمعنا في جلسة الصباح اليومية بعد توصيلي لأولادي للمدرسة ندوة مكونة من النبوي سلامة بعجلته الشهيرة والمرحوم يوسف القط نجم القصة القصيرة في الستينات والذي انسحب من الحياة وعاش في حجرة في فندق في سنواته الاخيرة وتلك قصة اخري كان ينتحي جانبا من المعرض ولا يشاركنا الا بعد إلحاح منا وحين كانت تأتيه رغبة نادرة في الكلام كانت كلماته عميقة ودالة كالتوقيعات وكان طفلنا المدلل عمنا السيد الغواب برباعياته ومشاهداته وقفشاته ونقده الساخر اللاذع وضجره ومحاولة استئثاره الدايم بالحديث رغم أنه كان أكبرنا سنا وكان ينضم إلينا بدون انتظام عمنا محمد العتر وحسين البلتاجي ومصطفي العايدي وسمير الفيل حسب جداولهم الدراسية والعملية
كان مصطفي المضيف الدايم وكان كوب الشاي بأربعة من ملاعق سكر ينتظرني مع تفكه الجماعة علي هذا الإسراف في تعاطي السكر والذي لازمني طوال حياتي
وحتي ينتظم جمعنا كان مصطفي يعرض علي ما كتبه بخطه الدقيق المنمنم وفي ورق يحوله لأعمدة كأعمدة الجرائد كانت كتابته كشفرة سرية كثيرا ما كنا نتراهن علي فك طلاسمها كنت قارئه الأول لكثير من أعماله وكنت أعرض عليه أشعاري لا كقارئي الأول ولكن كناقدي الأول كانت لديه حاسة نقدية رغم قلة مداخلاته والتزامه الصمت مع اجادة الاستماع كان يتشمم المواهب ويشجعها ويشيد بها في ندوة رواد الأدبية وفي ندوته اليومية بالمعرض والتي مر عليها كل أدباء دمياط
عرفت مصطفي الأسمر كنجم للقصة القصيرة في دمياط عام ١٩٦٤وسعيت إليه بقصة كتبتها ليقدمها في طاولة رواد الأدبية في الجامعة الشعبية للثقافة والتي يحتل حزب الأحرار الأن مكانها وكان رئيسها اأستاذ سعد عبد الرازق وأمين المكتبة الأستاذ كامل الدابي أمد الله في عمره
وكانت المفاجأة أن الأستاذ مصطفي قدم قصتي كقصيدة شعرية لأنها كانت موزونة
كانت الأطر الفنية للأنواع الأدبية من قصة شعر ومسرح وقتها حادة وصارمة ولمين واردا ولا مسموحا بتداخل النصوص ولم تكن القصة الشعرية ولا شعرية القصة قد ظهرت ومن ثم وجهني الأستاذ مصطفي الأسمر الي كتابة الشعر لأكتب أول قصيدة لي وأرسلها لتنشر في مجلة الأدب لأستاذنا أمين الخولي في مايو ١٩٦٥ وقد كانت في حقيقتها قصة تفعيلية وبمقدمة نثرية
وظل مصطفي الأسمر يعاني عقدة الذنب أنه أبعدني عن كتابة القصة رغم انه نشر خبر حصولي علي جائزة القصة القصيرة بالأز هر بنشرة رواد الأدبية نفس العام ١٩٦٥
ظلت علاقتي بمصطفى الأسمر طوال سنوات دراستي بالجامعة كنت أعود إليه بحنين الابن والتلميذ المحب لكل القيم النبيلة والعطاء اللامحدود فمصطفي بتلقائيته يدخلك ويحتل وجدانك بابتسامة مشرقة وحنان أبوي صوفي توارثه عن جده أبو المعاطي وتظل أسيرا له وهو يستمع إليك مقبلا ومشجعا وحانيا حتي في ملاحظاته وتوجيهاته يحترز ويشير علي استحياء كما لو كان هوالمخطيء لا انت
ومع ذلك لم يضحك علي أحد لم ينافق أو يداهن فيما كان يعتقد أنه الصواب
كان يعتز بعلاقة والده الحاج أحمد الأسمر بجمال عبد الناصر الذي طلب لقاءه عندما جاء إلي دمياطً عام ١٩٥٨ لأنه كان يمثل المصري الفصيح الذي يراسل الرئيس ويكتب إليه مشاكل الناس وهمومهم رغم انه كان يملك ورشة لتصنيع الموبيليا ومعرضا وكثير من تجار الموبيليا الآن كانوا عمالا في ورشته
لكن مصطفي الذي أدركته حرفةالأدب رغم تشربه لحرفة أبيه بعد انقطاعه عن التعليم
لمرض عضال ألم به لم يكن في براعة أبيه للحفاظ علي الورشة والمعرض الذي آلت إليه مسؤوليتهما ولم يستطع أن يواكب عصر الانفتاح بأساليبه في الفهلوة والصناعة الخفيفة والمبالغة في الأسعار وتحول مصطفي الأسمر من تاجر إلي كاتب يعبر عن هموم العمال والحرفيين وسائر طبقات المجتمع الدمياطي في بدايته ككاتب قصة واقعية ثم مالبث ان استهوته فكرة التجريب فكتب قصصا فانتازية وما عرف بعد ذلك بالواقعية السحرية والواقعية الأسطورية في حكاية زيد وعبيد والتي انتهج فيها تداخل وتوازي الأحداث مع ابتداع تقسيمات داخلية كثيرة من أرقام وحروف تحتاج لتركيز القارئ إلا أن مشروعه الروائي الضخم والذي سماه فعلا المشروع العظيم كان الروايات الخمس الأخيرة والتي مثلت مشوار حيأته لا كسيرة ذاتية كما اصر علي ذكر أسمه فيها ولكن كأعمال روائية طويلة تعدت ألف صفحة بكثير والتي صدرت تباعا بعد موته
ومن باب الإنصاف لا بد أن أذكر وأشكر ابنه الروائي أيمن الأسمر الذي ظل مثابرا علي أن تصدر تلك الروايات تباعا بعد موت أبيه بثماني سنوات
لم يكن مصطفي الأسمر مجرد صديق لي لكنه كان الأب والأخ والصديق والمعلم ورفيق الدرب كان سندي وعزوتي وأهلي وجماعتي كان الرمز والمثال والحقيقة والخيال والبهاء والحضور الذي ينتظم العقد الذي انفرط وتساقطت حباته : السيد الغواب حسين البلتاجي محمد النبوي سلامة محمد العتر يوسف القط مصطفي كامل
آه ما أقسي الغياب …………دعيد صالح