شهادات خاصة ناجي ظاهر - روائي مُبدع... اسمه غُراب

عاش الكاتب السارد الروائي الصحفي العربي المصري، حياة قصيرة، لكنها حافلة بالعطاء، عامرة بالإنتاجات المُهمة الغزيرة، وتُعتبر قصة حياته اشبه ما تكون برواية كتبها القدر، واخرجتها مُعجزة، وقفت وراءها تحدّيات كبيرة ومواجهات شخصية، تدُل على عظمة متأصلة، وقُدرة خارقة تجلت فيما بعد، في العديد من الاعمال القصصية الروائية التي ملأت الدنيا وشغلت الناس، وكونت بالتالي حكاية يمكن روايتها بافتخار واعتزاز لإنسان كاتب أراد ان يكون فكان.
الكاتب أمين يوسف غُراب (31 اذار عام 1912/ 27 كانون الأول عام 1970)، ولد في قرية المحلة، بعدها انتقل برفقة اسرته للاقامة في قرية دمنهور، المصرية، وكانت ولادته لعائلة موسرة. أبوه كان يعمل في التجارة، لهذا تركه يعيش طفولته وينعم بها، بعيدًا عن مقاعد الدراسة، وهو بهذا لم يجلس على مقاعد الدراسية، ولا عاما واحدًا، وكما يحدث في القصص، عندما تجاوز عمر الابن امين، الخامسة عشرة بقليل، أفلس الوالد وتوفي تاركًا ابنه وعائلته دون مُعيل او مموّل، الامر الذي دفع الابن، أمين، للعمل مساعدًا لسائق قطار(عطشجي). وعندما قاربَ عمرُ هذا الابن السابعة عشرة، صادف أن رآه نائب دمنهور وهو يمارس ذلك العمل الصعب الشاق، وتذكر أن والده التاجر المعروف في حينها، كان واحدًا من داعميه ومؤيديه السياسيين، فاقترح عليه أن ينتقل للعمل في مكتبة دمنهور العامة، عاملَ نظافةوصيانة فيها. كونه لم يتعلّم القراءة والكتابة!!.
ابتدأ أمين العمل في المكتبة عاملًا بسيطًا، إلى أن وقعت له حادثة ستغيّر حياته تغييرًا جذريًا، وسوف تضعه في مُواجهة مع نفسه. تمثلت تلك الحادثة في أن إحدى رائدات المكتبة، طلبت منه أن يُعيرها، أو يناولها، كتاب الأيام للكاتب الشهير طه حسين، فما كان منه إلا أن ناولها كتابًا آخرَ، كونه لا يعرف القراءة والكتابة، فسخرت منه تلك الرائدة، قائلة له كيف تعمل في مكتبة وانت لا تعرف القراءة؟.. أثّرَ ما قلته تلك الرائدة في الفتى أمين، فما كان منه إلا أن توجّه إلى مُعلّم يقوم بتعليم الطلاب عبر دروس خصوصية، وطلب منه أن يعلّمه القراءة والكتابة.
بعد عام واحد فقط، من الدراسة المُركّز والمُكثّفة كان أمين، قد تمكّن من اللغة العربية قراءةً وكتابةً، وشرع في قراءة أمهات الكتب، في المستويين الاجنبي والعربي. بعد قراءات دائبة ومتواصلة، استمرت مدة ثلاث سنوات، شرع أمين يوسف غُراب، في العشرين من عمره، في الكتابة السرّدية، وكان أن قرأ في تلك الفترة عن مسابقة في كتابة القصة القصيرة، أعلنت عنها مجلة روز اليوسف المنتشرة شديدة الانتشار، فتقدّم إليها بإحدى قصصه، ليفوز بالجائزة الأولى في تلك المسابقة، وليبتدئ بالتالي رحلته مع الكتابة حتى أيامه الأخيرة.
يتبين مما توفّر عن كاتبنا من معلومات، أنه أرسل إحدى مجموعاته القصصية الأولى، إلى الكاتب طه حسين، المُكنى بلقب عميد الادب العربي، مُقترحًا عليه قراءتها، وفوجئ بعد فترة وجيزة، بسائق سيارة يطرقُ بابَه ويطلب منه مُرافقته للقاء بالعميد. خلال ذلك اللقاء الذي سيجعله كاتبا مرموقا منذ البداية، أعرب العميد عن إعجابه بالكاتب الشاب، وأخبره انه سيقوم باقتراح نشرها ضمن سلسلة مرموقة، كما سيطلب من مُترجم فرنسيّ أن يقوم بترجمتها إلى الفرنسية، ولم ينسَ العميد أن يقول له، في ذلك اللقاء، انه يكتب القصة باقتدار واحترافية واضحين.
بإمكان مَن يطّلع على ما أنتجه كاتبُنا خلال عمره الادبي الوجيز نسبيًا، أقل مِن ثلاثة عقود من الزمان، سواء في مجال الكتابة السردية-قصة قصيرة ورواية، أو الكتابة السينمائية التي أبدع فيها أيّما ابداع، نقول بإمكانه التأكد مما قاله العميد لكاتبنا الشاب، فهو كاتبٌ مُقتدرٌ يُقدّم سرديته، ضمن حَبكة مُحكمة، قوية جدًا وتحبس الانفاس، مُطعّمة بمعرفة مُتعمّقة للنفس الإنسانية، في شتى حالاتها ووضعياتها، سواء كانت قوةً أو ضعفًا، وبإمكانه أيضًا، مُلاحظة أن كاتبنا يدير سرّديته بخبرة ودراية، لا تقلّ براعةً وابداعًا عن تلك التي اتصف بها كبار الكتّاب في العالم. فهو يُقدّم ويؤخّر في الاحداث، ويشدُّ قارئه منذ السطر الأول حتى الكلمة الأخيرة، ومَن يقرأ أيًا من اعماله الروائية أو القصصية، أو حتى يشاهدها مُقدّمةً على الشاشة السينمائية، يتأكد تمام التأكد مما نقوله ونذهب إليه.
أنتج كاتبُنا خلال عمره الادبي، العشرات مِن الروايات، لعلّ أشهرها شباب امرأة وسنوات الحب، والمجموعات القصصية اللافتة، منها الساعة تدق العاشرة و ثم لا شيء، كما قام بالتعامل مع الفن السابع، فكتب سيناريوهات العديد من الأفلام التي تربّت على مشاهدتها وتعشقتها الأجيال، ومما عُرف عنه تلك الغزارة في الإنتاج، ويقول المتوفّر عنه من معلومات، في هذا السياق، إنه كان يضع في بعض الأعوام، في أوائل الستينيات تحديدًا، السيناريوهات لفلمين أو ثلاثة في العام الواحد. وبإمكان من يُودّ التوسّع في المزيد من المعرفة عن كاتبنا، التوجّه إلى شبكة البحث العنكبوتية الالكترونية العالمية جوجل، ليرى إلى أي عطاء ثريّ وسخيّ قدّم هذا الكاتب.
صفوة القول إن حياة وكفاح هذا الكاتب، يُقدّمان نموذجًا مُعبّرًا عن الإرادة والتحدي، ويُمكن أن يكون بوجوده اللافت، قدوةً ومثالًا لمن يسلك طريق الابداع الادبي، السردي خاصة، علمًا أنه عملَ في الصحافة أيضا وقدم إنجازات ملموسة فيها، وحصل عام 1964 على جائزة الدولة التقديرية لقاء عطائه السرديّ الرائع.. في الرواية عامة والقصة القصيرة خاصة.

تعليقات

[... ابتدأ أمين العمل في المكتبة عاملًا بسيطًا، إلى أن وقعت له حادثة ستغيّر حياته تغييرًا جذريًا، وسوف تضعه في مُواجهة مع نفسه. تمثلت تلك الحادثة في أن إحدى رائدات المكتبة، طلبت منه أن يُعيرها، أو يناولها، كتاب الأيام للكاتب الشهير طه حسين، فما كان منه إلا أن ناولها كتابًا آخرَ، كونه لا يعرف القراءة والكتابة، فسخرت منه تلك الرائدة، قائلة له كيف تعمل في مكتبة وانت لا تعرف القراءة؟.. أثّرَ ما قلته تلك الرائدة في الفتى أمين، فما كان منه إلا أن توجّه إلى مُعلّم يقوم بتعليم الطلاب عبر دروس خصوصية، وطلب منه أن يعلّمه القراءة والكتابة.
بعد عام واحد فقط، من الدراسة المُركّز والمُكثّفة كان أمين، قد تمكّن من اللغة العربية قراءةً وكتابةً، وشرع في قراءة أمهات الكتب، في المستويين الاجنبي والعربي. بعد قراءات دائبة ومتواصلة، استمرت مدة ثلاث سنوات، شرع أمين يوسف غُراب، في العشرين من عمره، في الكتابة السرّدية، وكان أن قرأ في تلك الفترة عن مسابقة في كتابة القصة القصيرة، أعلنت عنها مجلة روز اليوسف المنتشرة شديدة الانتشار، فتقدّم إليها بإحدى قصصه، ليفوز بالجائزة الأولى في تلك المسابقة، وليبتدئ بالتالي رحلته مع الكتابة حتى أيامه الأخيرة.
يتبين مما توفّر عن كاتبنا من معلومات، أنه أرسل إحدى مجموعاته القصصية الأولى، إلى الكاتب طه حسين، المُكنى بلقب عميد الادب العربي، مُقترحًا عليه قراءتها، وفوجئ بعد فترة وجيزة، بسائق سيارة يطرقُ بابَه ويطلب منه مُرافقته للقاء بالعميد. خلال ذلك اللقاء الذي سيجعله كاتبا مرموقا منذ البداية، أعرب العميد عن إعجابه بالكاتب الشاب، وأخبره انه سيقوم باقتراح نشرها ضمن سلسلة مرموقة، كما سيطلب من مُترجم فرنسيّ أن يقوم بترجمتها إلى الفرنسية، ولم ينسَ العميد أن يقول له، في ذلك اللقاء، انه يكتب القصة باقتدار واحترافية واضحين.]
 
أعلى