(4)
بسبب أهمية القضاء وخطورة المهمة التي أنيطت به، فقد بادر منذ القدم، الفيلسوف اليوناني أرسطو الى رسم صورة لاستقلال القضاة ودورهم في تحقيق العدالة، انها صورة الفتاة المعصوبة العينين وهي تحمل بيدها ميزان العدالة. فأرسطو يرى ان العدالة لكي تكون صادقة وغير متحيزة ينبغي ان تكون عمياء وفي نفس الوقت لها بصيرة نافذة أي ضمير حي لايقبل سوي تقرير الحقيقة كماهي. وكأنه اراد ان يقول ليكن الكل متساوين امام القاضي في أي وضع فكل من القريب والغريب والصديق والعدو في ميزان واحد وعدم التمييز ينهم أو المحاباة. وعند البحث في مفهوم استقلال القضاء، لابد من التمييز مآبين استقلال القضاء وبين حيدة القضاة. فاستفلال القضاء يعني التحرر من تدخل السلطات الأخرى في الشؤون القضائية. في حين ان حيدة القضاة تتعلق بقدرة القاضي نفسه على القضاء في اية دعوى دون أي تحيز شخصي ضد أي طرف من أطراف الدعوى. فمعاييره ورؤيته للأشخاص والأشياء والتعاطي معهما والحكم عليهما ينبغي الا تجري الا طبقاً للحقائق والقواعد القانونية. ولهذا السبب تسعى المجتمعات الحديثة التي تنشد إحقاق الحق والعدالة وضمان حرية المواطن الى التأكيد على مبدأ استقلال القضاء عبر القواعد والنصوص الدستورية. ولكن النصوص لا تكفي وحدها لتحقيق الاستقلال بل تكون أحيانا هي الوسيلة للقضاء علي قيمة الاستقلال .وهيمنة السلطتان التنفيذية والتشريعية علي التشريع قد تكون وسيلة للهيمنة علي القضاء عبر تدجينه وتوجيهه سواء عن طريق الهيمنة علي تعيين القضاة او محاسبتهم او عزلهم او تقنين المحاكم الخاصة والحد من حقوق الافراد في المحاكمة العادلة وغير ذلك من أشكال التأثير علي القضاء والقضاة، لذلك فأن مبدأ استقلال القضاء هو ركيزة مهمة من ركائز دولة القانون والعدالة. هذا يقودنا الي شرح القيم الست بتوسع غير ممل وايجاز غير مخل.
(القيمة الأولي)
الاستقلال:
قاعدة وجوب التزام القاضي بالاستقلال التام عن أي مؤثرات خارجية في ادائه لعمله القضائي من القواعد المهنية الست المهمة جدا التي تشكل دستورا وسياجا أخلاقيا للقاضي يحرره ويحميه من الخوف والطمع والميل العاطفي واستغلال الوظيفة لأي غرض وتتبع هذه القاعدة أو القيمة واجبات مهمة تفصيلها كما يلي:.
1/توجب هذه القاعدة على القاضي أن يصون استقلاله بذاته وأن يمارس قضاءه وفق تقديره الدقيق وفهمه العميق للوقائع الثابتة وتطبيقه للتشريعات السارية والاتفاقيات الدولية النافذة والاجتهادات القضائية، بعيداً عن أي مؤثراتٍ أو ضغوطٍ أو وعدٍ أو وعيدٍ أو تدخلٍ مباشر أو غير مباشر من أي جهة كانت أو لأي سبب كان، وبما يعزز الثقة في استقلاله ويحمي القاضي نفسه من المؤثرات والميول الذاتية فلاينساق نحو شعور خاص سلبي أو أيجابي تجاه الخصم أو ممثله القانوني ويقضي بناء عليه بل يتعين عليه كبح جماح عواطفه والسيطرة عليها أو إحالة الدعوي من أمامه ، فالقاضي حين ينقلب بعواطفه خصما لا يعود مؤهلا من الناحية الأخلاقية والمهنية كي يكون حكما .
2/من الواجبات التي تلقيها قاعدة الاستقلال واجب أن يمارس القاضي مهامه بفعالية مستقلاً برأيه عن زملائه القضاة، ولا يُعد طلب المشورة القانونية أو الفقهية بين الزملاء من قبيل التأثير ويستحسن أن تكون الاستشارة عامة دون الكشف عن الخصوم وبعد التأكد من أن المستعان به ليس له علاقة بالأطراف.
3/يمتنع على القاضي التأثير على زملائه بأي شكل من الأشكال في قضائهم وعلى كل قاضٍ أن يرفض بحزم التدخل المباشر أو غير المباشر في القضايا المنظورة أمامه من قبل زملائه أو من قبل الموظفين أو أي شخص وأن لا يعطي انطباعاً لأي منهم أنه بالإمكان التأثير في قضائه والتأثير المقصود هنا هو الفعل المتعمد للضغط علي القاضي لصالح أحد الأطراف سواء كان ذلك بالتوسط المباشر أو بمحاولة التأبير علي قناعة القاضي بأي شكل. والقاعدة هنا أن أي توجيه صريح أو ضمني للقاضي بأن يقضي علي نحو معين هو تأثير لا يقره القانون واعتداء علي قيمة استقلال القاضي حتي لو جاء من الرؤساء.
. 4/على القاضي في حال حصول هيمنة أو تأثير عليه من أحد زملائه القضاة أو ممن لهم مكانة أو وضعٍ خاص في عمله القضائي إبلاغ المسؤول الأعلى.
5/على القاضي الابتعاد عن أي تصرف يوحي أو يخلق انطباعاً لدى الآخرين بأن أفراد أسرته أو شخصاً ما له تأثير على عمله القضائي فمثل هذا التصرف يهز الثقة في القاضي والقضاء ومن واجبات القاضي أن يشرح لأفراد اسرته طبيعة عمله وان لا يسعوا للتدخل فيه بأي شكل من الأشكال
. 6/على القاضي أن يكون حريصا في كل ما يصدر عنه في محيط عمله و عدم الإتيان بأية ممارسات في قاعة المحاكمة تعطي انطباعاً بعدم استقلاليته وبشكل يهز ثقة المواطنين بالسلطة القضائية وان يحرص علي فرض سلوك منضبط علي جميع العاملين معه وان يراقب مسلكهم مع المتقاضين ولايسمح لهم باي ممارسات تسئ له وللقضاء وتحسب عليه.
على القاضي منع أي شخصٍ من الإتيان بأي تصرفٍ من شأنه الإيحاء للآخرين بإمكانية التأثير عليه سواء من الموظفين أو من الأشخاص المرافقين للمتقاضين واتخاذ الإجراء القانوني بحقهم ويجب أن يكون واضحا للجميع أن كل صاحب سلطة أو نفوذ حارج المحكمة تنتهي سلطته وينتهي نفوذه عندما يكون داخل جدران المحكمة ولايكون سوي مواطن مثل بقية المواطنين ولكن بلا غطرسة ولاتعال ولاتجاوز لحدود سلطة القاضي في ادارة محكمته. من قبل القاضي. فالحزم لا يعني الاستبداد وإهانة الناس .
القيمة الثانية
(النزاهة)
من القواعد والقيم السلوكية والأخلاقية الواجب توافرها في القاضي عند ترشيحه للعمل القضائي وعند قبوله فيه وعند ممارسته له هذه القيمة التي تتطلبها عظمة وهيبة وقدسية المهمة الموكولة اليه فكيف يحكم بالعدل من يفتقر إلي أهم ميزان من موازيين العدل وهو النزاهة أي القدرة علي تحمل أمانة التكليف والقيام بها علي أكمل وجه؟ يقول تعالي في سورة الرحمن:(والسماء رفعها ووضع الميزان(7) ألا تطغوا في الميزان(
وأقيموا الوزن بالقسط ولاتخسروا الميزان(9)) ففي هذه الآيات الكريمة يخبرنا المولي عز وجل أنه شرع العدل وأمر به الخلق جميعا لئلا يجاوزوا الحق والعدل، هذه دعوة للنزاهة وعدم الحيدة عن الحق ومغالبة الأهواء لذلك يجب أن يجسد القاضي في سلوكه الشخصي والمهني قيمة النزاهة ولايمكن بالطبع إحصاء كل صور النزاهة ولكن يمكن إيراد نماذج لها علي سبيل المثال لا الحصر كما يلي:.
.
. 1/على القاضي أن يؤكد في سلوكه في حياته الخاصة والعامة على أمانته واستقامته وأنه فوق الشبهات وصولاً إلى الثقة بنزاهته وعدالته بشكل ينعكس إيجاباً على احترام السلطة القضائية وان يشجع زملاءه القضاة على ذلك فالقاضي الذي لا يجسد قيمة النزاهة والاستقامة في مسلكه الشخصي لا يتوقع منه الناس إقامة عدل لم يقمه علي نفسه.
2/لا يجوز للقاضي استغلال منصبه القضائي لتحقيق مصالحه الشخصية أو مصلحة أحد أفراد أسرته أو أي فرد آخر وعليه أن يمنع الآخرين من استغلال صفته للحصول على منافع.
ه.
. 3/لايجوزالقاضي أو أحد أفراد أسرته أن يقبل أو يطلب هدية أو مكافأة ما كان ليحصل عليها لولا وظيفته القضائية
. 4/على القاضي أن يمتنع عن شراء أي مالٍ متنازع عليه أمام المحاكم ودوائر التنفيذ سواء باسمه أو باسم أحد أفراد أسرته أو باسم مستعار.
. 5/على القاضي الابتعاد عن مواطن الشبهات وأن يكون حريصاً في انتقاء الأماكن التي يرتادها.
. 6/يحظر على القاضي استيفاء أي مبالغ مالية من أي جهة كانت لقاء أي أعمال أو مهام توكل إليه إلا بعد الحصول علي موافقة رئاسته ومن المحظورات الاشتغال بالتجارة اثناء الخدمة القضائية..
(القيمة الثالثة )
المساواة
قلعدة التزام القاضي بقيمة المساواة من قواعد سلوك القضاة الجوهرية التي يجب أن يلتزم بها القاضي التزاما صارما في خلال ادائه لعمله القضائي. وذلك عملا بهذا
المبدأ "على القاضي تعزيز المسـاواة في سلوكه وإجراءاته و قراراته".
وهذه القيمة أو القاعدة من قواعد السلوك القضائي المستقرة عرفا هي قيمة مقررة في الأديان والفقه والقضاء في كل المجتمعات الإنسانية ولعل من تجلياتها قاعدة القانون العام القائلة ( ان العدالة يجب أن تري بضم الميم وهي تعمل بضم التاء.. ).
justice must not only be done but it must also be seen to be done.)
وورد المعني نفسه في رسالة سيدنا عمر بن الخطاب ( آس بين الناس في مجلسك ووجهك وقضائك) ووردت في القرآن قصة الخصمين ووجوب الاستماع اليهما الأثنين قبل الفصل في الخصومة في ذات المعني الذي تقرره قاعدة المساواة. وتتفرع من هذا المبدأ واجبات سلوكية عديدة علي القاضي احترامها ومنها مايلي:
1/على القاضي احترام التعدد والتنوع المجتمعي وأن يساوي في كلامه وسلوكه بين الأشخاص كافة، سواء أكانوا أطرافاً في المنازعة أم غيرهم دون تمييز بينهم لدين أو مذهب أو عرق أو لون أو جنس أو جنسية أو مكانة أو نفوذ أو أي سبب آخر وأن يؤكد على أعوانه التقيد بذلك.
2/ على القاضي في قاعة المحاكمة أن ينأى بنفسه عن الاستهزاء بالخصوم أو الشهود أو الوكلاء القانونيين أو إبداء أي ملاحظاتٍ أو الإدلاء بأية عباراتٍ من شأنها إعطاء الانطباع بعدم المساواة وبشكلٍ يُخل بحياده وبثقة المتقاضين والمواطنين في السلطة القضائية.
3/على القاضي أن يراعي في طريقة التخاطب مع فئة الأحداث والأشخاص غير الممثلين بمحامين مستوي فهمهم ويستخدم عبارات بسيطة أثناء جلسات المحاكمة وبطريقة لا تخرجه عن مبدأ المساواة بين الخصوم ولاتلقي في قلوب الخصوم الخوف أو الحرج ..
4/ التعامل بلطف مع خصم أو شاهده والتعامل بعنف وعدوانية وتشكك مع الخصم الآخر أو شهوده تعطي انطباعا بالتحيز وتعطي الشاهد لو كان صادقا شعورا بأن افادته غير مرغوب فيها من القاضي وقد تسبب له متاعبا وقد يتنصل منها تحت وطأة الرسالة الخاطئة التي وصلته. لايجب أن يكون القاضي عدوانيا مع الشهود والاطراف . وان يعاملهم علي قدم المساواة في كل شئ. حتي في توزيع السلام عليهم والتقطيب عليهم ومخاطبتهم بذات الصوت الحازم أو اللطيف ومساواتهم في الدخول والسماح بالجلوس وحق مخاطبة المحكمة بقدر متساوي وحق الرد والتعقيب
(القيمة الرابعة)
الحياد:
من القواعد السلوكية الست التي يجب علي القاضي التمسك بها قاعدة الحياد ، والحياد المقصود هنا ليس عدم اتخاذ قرار لصالح أحد الطرفين في الخصومة فعدم اتخاذ قرار وعدم الفصل في الخصومة موضوعا يعتبر إنكارا للعدالة، الحياد المطلوب هو مايلي:
أولا/ يجب علي القاضي ابتداء أن يكون طرفا محايدا بالنسية لطرفي الخصومة بمعني الا يرتبط بأي من الطرفين بعلاقة قربي أو مصاهرة أو نسب أو مصلحة تجارية أو أن يكون له مصلحة معروفة أو غير معروفة مباشرة أو غير مباشرة في النتيجة النهائية للخصومة المطروحة أمامه. بعبارة أدق المقصود بالحياد انتفاء أي مصلحة للقاضي في الخصومة المطروحة أمامه.
ثانيا/ الحياد يعني عدم وجود أي عداوة بين القاضي وأحد طرفي الخصومة من أي نوع ، مباشرة أو غير مباشرة. فوجود المصلحة أو العداوة تجعل القاضي غير مؤهلا لنظر الدعوي والفصل فيها لأن شبهة التحيز تظل قائمة وتنفي القدرة علي أن يكون محايداً.
ثالثا/ كذلك ينتفي حياد القاضي متي كانت له صلة بالوقائع موضوع المنارعة بصورة شخصية مباشرة أو غير مباشرة ، فذلك الاتصال بالوقائع والعلم المسبق بها يجعله غير مؤهل للفصل العادل في النزاع بناء علي الوقائع التي طرحت امامه دون وجود قناعات وعلم مسبق بها لذلك فأن القيمة المستقرة تقول ما يلي :.
على القاضي ان يراعي الحياد ويظهر الحياد في سلوكه واجراءاته وقراراته؛؛ ومعني ذلك" يتجسد فيما يلي:
1/على القاضي أن يكون متحرراً من الميل الشخصي فيما يُعرض عليه من خصومات وأن يبتعد عن أي سلوكٍ فيه محاباة أو تحامل أو تحيز وأن يساوي بين المتقاضين في تطبيق القانون في كل مراحل الاجراءات..
2/على القاضي التنحي من تلقاء نفسه عن نظر الدعوى في حال استشعار الحرج وتوافر أي من الأسباب القانونية المبررة والموجبة لذلك وهناك تص جديد في قانون الاجراءات المدنية السوداني تعديلات 2018 المجازة في 2019 يوجب علي القاضي التنحي ومعني الوجوب ان القاضي يحاسب علي عدم التنحي وعدم الافصاح عن وجود سبب للتنحي مع وجوده حتي تمت تنحيته بطلب الخصم..
. 3/على القاضي إعطاء المتقاضين فرص متكافئة لبسط دعواهم وتقديم حججهم ودفاعهم وأن يسمح لهم بإبداء وجهات النظر وتقديم ما يدعم دفوعهم من شهادة شهود ومستندات ويصون حقهم في الجابهة بالشهود والمستندات والاطلاع عليها وحضور تقديم الإفادات والمستندات وحق المناقشة ، وأن يصدر حكمه بعيداً عن معتقداته الفكرية والدينية والاجتماعية وأن يكون القانون أساس حكمه مسنودا بما هو ثابت بمحضر الدعوي ولايقضي بعلمه الشخصي .
4/على القاضي أن يحرص سواء بسلوكه أو بقوله على عدم التدليل على اتجاهه الباطني بشأن الفصل في القضية المعروضة عليه: فمثل هذا السلوك تعجل لا يليق بالقاضي ويدفع الخصم الي اليأس من العدالة والشعور بان جهوده تذهب ادراج الرياح مع قاض متحامل متعجل .: ..
.
5/على القاضي أن لا يتردد على الخصوم أو وكلائهم أو القيام باستقبالهم في بيته أو الالتقاء بهم خارج المحكمة، أو أن يستمع لأي من الخصوم أو وكلائهم بغياب الطرف الآخر خارج جلسات المحاكمة أو أن يضع نفسه موضعاً يعطي انطباعاً بانحيازه..
6/على القاضي في علاقته مع المحامين أو غيرهم ممن يمارسون أعمالاً في المحكمة التي يعمل فيها أو الخبراء أن يكون متوازنا بالقدر الذي يجنبه شبهة التحيز أو عدم الحياد.
7/على القاضي وعدم إبداء أي رأي أو تعليق بأي طريقة بشأن الدعاوى المعروضة عليه أو عرضت عليه قبل تنحيه أو رده أو تلك المعروضة على غيره من القضاة عدم افشاء سر المداولة قبل صدور الحكم وبعده. .
8/ علي القاضي عدم السماح بتواصل الخصوم معه بشأن دعاويهم خارج قاعة المحكمة أو داخلها في غير االمواعيد المحددة للجلسات المقررة بصورة عامة.
(القيمة الخامسة)
اللياقة والمظهر العام (التحفظ)
هذه قيمة مهمة جدا من قيم وقواعد سلوك القضاة وهي تشكل جهاز إنذار داخلي للقاضي يحدد له معايير مايجب عليه فعله من التصرفات وما لايجب عليه فعله وتحدد له قواعد سلوكه في كل مكان من الأمكنة حتي يتوافق ذلك السلوك مع طبيعة وظيفته وما يتوقعه الناس منه من مظهر ومسلك يليق بها.
المبدأ من حيث العبارة بسيط ولكن محتواه محتوي عظيم متجدد ومتنوع ويتطلب من القاضي فطنة واستشعارا لقيم مجتمعه وإدراكا للتصورات والمفاهيم السائدة فيه فالمبدأ يقول :"على القاضي ان يحافظ على لياقته ومظهره العام وأن يحافظ على وقاره في جميع تصرفاته متجنبا ما هو غير لائق ولا يتناسب مع مكانته وهيبته‘. اللياقة هنا المقصود بها ليس اللياقة البدنية / بل مقصود بها لياقة التصرف أو الفعل أو المظهر بما يجب أن يتصف به القاضي من صفات وسلوك وهل صدور مثل هذا الفعل منه كقاض مقبول من العامة؟ هل يهز الثقة في القاضي والمؤسسة التي ينتمي لها أم يشرف القاضي ومؤسسة القضاء؟ ووفقا للإجابة التي قبلها العقل يتعين علي القاضي اختيار واحد من أمرين إما إتيان الفعل إن كان لائقا ومقبولا صدوره عنه أو الإمتناع عنه إن لم يكن لائقاً.... المعيار هنا موضوعي وليس شخصي.
لهذا تسمي هذه القيمة (التحفظ) بمعني أن القاضي يجب أن يكون فطنا حذرا متحفظا في إتيان السلوك قبل الفعل، أي قبل حدوث الضرر ، فالقاضي يحاكم الناس وتصرفاتهم ويجب عليه أن يحاكم نفسه قبل أن يحاكم.
الأمثلة:
1/على القاضي أن يراعي في مظهره وتصرفاته ما يتناسب مع هيبته والاتزان في طريقة الجلوس في مجلس القضاء، والتقيد باللباس اللائق المناسب بألوانه للعمل القضائي وعدم المبالغة بالتزين.
. 2/على القاضي أن يحرص على هيبة المحكمة أثناء جلسات المحاكمة وخارجها وأن يكون وقوراً صبوراً حسن الاستماع محترماً ذاته وصفته واسع الصدر وطلق الوجه، معززاً بسلوكه ومظهره ومنطقه ثقة الناس بنزاهته ونزاهة السلطة القضائية.
. 3:على القاضي أن يتجنب الانفعال في تعامله مع المتقاضين و المحامين ومن يعمل معه وفي الأماكن العامة بما يحفظ هيبته..
4/بالنسبة للمحاكم التي تعمل بنظام الدوائر على القاضي أن يلتزم أصول المداولة بفاعلية وهدوء وفي عرض رأيه على زملائه وأن يكون حسن الاصغاء للرأي الآخر دون تعصب أو مقاطعة، وأن يكون أميناً دقيقاً في سنده ومؤيداته.
5. على القاضي التعامل مع رؤسائه ومرؤوسيه والعاملين تحت سلطته وفق مبدأ الاحترام والتعاون والذي يعكس هيبة القضاء وسمعته الايجابية.
6/على القاضي أن يدير المحاكمة بما يضمن النزاهة ومظهر الحياد والاستقلال والامتناع عن أي سلوك أو قول يخرج عن أصول التقاضي.
.
7/: ولا يجوز للقاضي الانتماء إلى الاحزاب والتكتلات والجمعيات السياسية أو المشاركة في أي من نشاطاتها.
8/ لايجوز للقاضي أن يتجاوز في تسبيب جكمه حدود الفصل في الخصومة ويتعداها الي نجريح الخصوم والتعريض بهم إلا بالقدر الضروري للفصل في الدعوي وإسباغ الوصف القانوني علي الفعل واسناده للشخص أو نفيه.
(القيمة السادسة)
الكفاءة والاجتهاد
من القيم المهمة جدا في العمل القضائي قيمة الكفاءة أو القدرة علي اداء العمل القضائي بكفاءة واقتدار وصبر ودراية ومعرفة، وهذه الكفاءة والقدرة والمعرفة ليست بحيرة راكدة ولا ماء آسناً ولا جبلا متحجراـ بل هي معرفة متجددة مثل مياه النهر في كل يوم وغنية بخبرات ومعارف جديدة بتجدد الحياة والتشريعات والأحكام والاجتهادات القضائية والفقهية لهذا إن القاضي مثل التطبيقات الإلكترونية يتم تحديث معارفه كل يوم وكل ساعة حتي يبقي كفوءا ً وقادراً، والمطلوب من القاضي أن يكون واسع الاطلاع متابعا لكل جديد في التشريع والفقه وأحكام القضاء، ملما بالمعارف التي يتطلبها عمله وزيادة عليها ملما بمصادر التشريعات وأصولها، وهو لايجلس مثل أسد في قفص منتظراً حضور من يطعمه بالمعارف بل يتعين عليه أن يسعي بنفسه لتطوير نفسه حتي لا يكون قاضيا قضي بغير علم فيكون في النار. فواجبات القاضي تتطلب منه الكفاءة والاطلاع الدائم .
واجبات القاضي المتفرعة عن هذه القاعدة من قواعد سلوك القضاة ما يلي:
. 1/على القاضي الالتزام بأحكام القانون في كافة اعماله القضائية والتقيد بالإجراءات والأصول القانونية المرعية وعدم التسرع في إصدار القرارات على حساب العدالة.
2/على القاضي بذل الجهد الكافي في الفصل في الدعاوى المعروضة أمامه ضمن مدة معقولة دون أي تأخير، وصولاً إلى تحقيق العدالة الناجزة وأن يتجنب تأجيل الجلسات لأسباب غير مبررة أو تلبية لطلب أحد الخصوم حال غياب الخصم الآخر القاضي كلما قل علمه تأخر فصله في القضايا وزاد لجوؤه لقمع المتقاضين وقل حبه للعمل وقلت بالتالي معارفه فالعمل هو منبع الخبرة والمعرفة..
3/على القاضي أن يكون قدوة في التزامه بأوقات الدوام الرسمي بما يتفق وعمله القضائي وأن يفتتح جلسات المحاكمة في الوقت المحدد لذلك.
. 4/على القاضي أن يولي عمله القضائي الصدارة ويمنحه الأولوية على أي نشاط آخر فلا ينشغل بالهاتف واستقبال المعارف وتناول الوجبات أثناء وقت العمل
. 5/على القاضي مواكبة التشريعات المستحدثة وكل اجتهادٍ قضائي يصدر عن المحاكم العليا وملاحظة الاجتهاد المستقر بشأن القضايا الخلافية .
6/على القاضي أن يسعى إلى تنمية وتحسين قدراته العلمية والعملية وأن يحرص على تطوير مهاراته الشخصية والعمل على كل ما من شأنه السمو بأهليته ورفع كفاءته ويعتمد علي نفسه في تطوير قدراته..
. 7/على القاضي أن يشارك في الدورات التدريبية والندوات وورش العمل التي تقيمها السلطة القضائية أوتوافق عليها..
8/على القاضي أن يقوم بالمهام التي توكل إليه من رؤسائه وفقاً لظروف العمل، ويحظر عليه رفض القيام بالمهام القضائية التي هي من صميم عمله .
9/على القاضي الاعتناء بعمله والتفاني فيه وإعداد مسودة الحكم قبل النطق به والاجتهاد في تسبيبه وصياغته وفق ما يستلزمه القانون مراعاة لحق الخصوم بالطعن.
10/"على القاضي ان يراعي عند التعبير عن تصرفاته أو سلوكه بأي وسيلة كانت ومن ضمنها وسائل التواصل الاجتماعي أن يتصرف ويعبر بما لا يؤثر على قدسية رسالته وبالكيفية التي تليق به كقاض سواء كان حسابه باسمه أو باسم مستعار.
نواصل في الجزء القادم شرح قواعد السلوك القضائي
الاربعاء الثالث من ابريل
صلاح الدين سر الختم علي كرم الله -
قاضي المحكمة القومية العليا
بسبب أهمية القضاء وخطورة المهمة التي أنيطت به، فقد بادر منذ القدم، الفيلسوف اليوناني أرسطو الى رسم صورة لاستقلال القضاة ودورهم في تحقيق العدالة، انها صورة الفتاة المعصوبة العينين وهي تحمل بيدها ميزان العدالة. فأرسطو يرى ان العدالة لكي تكون صادقة وغير متحيزة ينبغي ان تكون عمياء وفي نفس الوقت لها بصيرة نافذة أي ضمير حي لايقبل سوي تقرير الحقيقة كماهي. وكأنه اراد ان يقول ليكن الكل متساوين امام القاضي في أي وضع فكل من القريب والغريب والصديق والعدو في ميزان واحد وعدم التمييز ينهم أو المحاباة. وعند البحث في مفهوم استقلال القضاء، لابد من التمييز مآبين استقلال القضاء وبين حيدة القضاة. فاستفلال القضاء يعني التحرر من تدخل السلطات الأخرى في الشؤون القضائية. في حين ان حيدة القضاة تتعلق بقدرة القاضي نفسه على القضاء في اية دعوى دون أي تحيز شخصي ضد أي طرف من أطراف الدعوى. فمعاييره ورؤيته للأشخاص والأشياء والتعاطي معهما والحكم عليهما ينبغي الا تجري الا طبقاً للحقائق والقواعد القانونية. ولهذا السبب تسعى المجتمعات الحديثة التي تنشد إحقاق الحق والعدالة وضمان حرية المواطن الى التأكيد على مبدأ استقلال القضاء عبر القواعد والنصوص الدستورية. ولكن النصوص لا تكفي وحدها لتحقيق الاستقلال بل تكون أحيانا هي الوسيلة للقضاء علي قيمة الاستقلال .وهيمنة السلطتان التنفيذية والتشريعية علي التشريع قد تكون وسيلة للهيمنة علي القضاء عبر تدجينه وتوجيهه سواء عن طريق الهيمنة علي تعيين القضاة او محاسبتهم او عزلهم او تقنين المحاكم الخاصة والحد من حقوق الافراد في المحاكمة العادلة وغير ذلك من أشكال التأثير علي القضاء والقضاة، لذلك فأن مبدأ استقلال القضاء هو ركيزة مهمة من ركائز دولة القانون والعدالة. هذا يقودنا الي شرح القيم الست بتوسع غير ممل وايجاز غير مخل.
(القيمة الأولي)
الاستقلال:
قاعدة وجوب التزام القاضي بالاستقلال التام عن أي مؤثرات خارجية في ادائه لعمله القضائي من القواعد المهنية الست المهمة جدا التي تشكل دستورا وسياجا أخلاقيا للقاضي يحرره ويحميه من الخوف والطمع والميل العاطفي واستغلال الوظيفة لأي غرض وتتبع هذه القاعدة أو القيمة واجبات مهمة تفصيلها كما يلي:.
1/توجب هذه القاعدة على القاضي أن يصون استقلاله بذاته وأن يمارس قضاءه وفق تقديره الدقيق وفهمه العميق للوقائع الثابتة وتطبيقه للتشريعات السارية والاتفاقيات الدولية النافذة والاجتهادات القضائية، بعيداً عن أي مؤثراتٍ أو ضغوطٍ أو وعدٍ أو وعيدٍ أو تدخلٍ مباشر أو غير مباشر من أي جهة كانت أو لأي سبب كان، وبما يعزز الثقة في استقلاله ويحمي القاضي نفسه من المؤثرات والميول الذاتية فلاينساق نحو شعور خاص سلبي أو أيجابي تجاه الخصم أو ممثله القانوني ويقضي بناء عليه بل يتعين عليه كبح جماح عواطفه والسيطرة عليها أو إحالة الدعوي من أمامه ، فالقاضي حين ينقلب بعواطفه خصما لا يعود مؤهلا من الناحية الأخلاقية والمهنية كي يكون حكما .
2/من الواجبات التي تلقيها قاعدة الاستقلال واجب أن يمارس القاضي مهامه بفعالية مستقلاً برأيه عن زملائه القضاة، ولا يُعد طلب المشورة القانونية أو الفقهية بين الزملاء من قبيل التأثير ويستحسن أن تكون الاستشارة عامة دون الكشف عن الخصوم وبعد التأكد من أن المستعان به ليس له علاقة بالأطراف.
3/يمتنع على القاضي التأثير على زملائه بأي شكل من الأشكال في قضائهم وعلى كل قاضٍ أن يرفض بحزم التدخل المباشر أو غير المباشر في القضايا المنظورة أمامه من قبل زملائه أو من قبل الموظفين أو أي شخص وأن لا يعطي انطباعاً لأي منهم أنه بالإمكان التأثير في قضائه والتأثير المقصود هنا هو الفعل المتعمد للضغط علي القاضي لصالح أحد الأطراف سواء كان ذلك بالتوسط المباشر أو بمحاولة التأبير علي قناعة القاضي بأي شكل. والقاعدة هنا أن أي توجيه صريح أو ضمني للقاضي بأن يقضي علي نحو معين هو تأثير لا يقره القانون واعتداء علي قيمة استقلال القاضي حتي لو جاء من الرؤساء.
. 4/على القاضي في حال حصول هيمنة أو تأثير عليه من أحد زملائه القضاة أو ممن لهم مكانة أو وضعٍ خاص في عمله القضائي إبلاغ المسؤول الأعلى.
5/على القاضي الابتعاد عن أي تصرف يوحي أو يخلق انطباعاً لدى الآخرين بأن أفراد أسرته أو شخصاً ما له تأثير على عمله القضائي فمثل هذا التصرف يهز الثقة في القاضي والقضاء ومن واجبات القاضي أن يشرح لأفراد اسرته طبيعة عمله وان لا يسعوا للتدخل فيه بأي شكل من الأشكال
. 6/على القاضي أن يكون حريصا في كل ما يصدر عنه في محيط عمله و عدم الإتيان بأية ممارسات في قاعة المحاكمة تعطي انطباعاً بعدم استقلاليته وبشكل يهز ثقة المواطنين بالسلطة القضائية وان يحرص علي فرض سلوك منضبط علي جميع العاملين معه وان يراقب مسلكهم مع المتقاضين ولايسمح لهم باي ممارسات تسئ له وللقضاء وتحسب عليه.
على القاضي منع أي شخصٍ من الإتيان بأي تصرفٍ من شأنه الإيحاء للآخرين بإمكانية التأثير عليه سواء من الموظفين أو من الأشخاص المرافقين للمتقاضين واتخاذ الإجراء القانوني بحقهم ويجب أن يكون واضحا للجميع أن كل صاحب سلطة أو نفوذ حارج المحكمة تنتهي سلطته وينتهي نفوذه عندما يكون داخل جدران المحكمة ولايكون سوي مواطن مثل بقية المواطنين ولكن بلا غطرسة ولاتعال ولاتجاوز لحدود سلطة القاضي في ادارة محكمته. من قبل القاضي. فالحزم لا يعني الاستبداد وإهانة الناس .
القيمة الثانية
(النزاهة)
من القواعد والقيم السلوكية والأخلاقية الواجب توافرها في القاضي عند ترشيحه للعمل القضائي وعند قبوله فيه وعند ممارسته له هذه القيمة التي تتطلبها عظمة وهيبة وقدسية المهمة الموكولة اليه فكيف يحكم بالعدل من يفتقر إلي أهم ميزان من موازيين العدل وهو النزاهة أي القدرة علي تحمل أمانة التكليف والقيام بها علي أكمل وجه؟ يقول تعالي في سورة الرحمن:(والسماء رفعها ووضع الميزان(7) ألا تطغوا في الميزان(

.
. 1/على القاضي أن يؤكد في سلوكه في حياته الخاصة والعامة على أمانته واستقامته وأنه فوق الشبهات وصولاً إلى الثقة بنزاهته وعدالته بشكل ينعكس إيجاباً على احترام السلطة القضائية وان يشجع زملاءه القضاة على ذلك فالقاضي الذي لا يجسد قيمة النزاهة والاستقامة في مسلكه الشخصي لا يتوقع منه الناس إقامة عدل لم يقمه علي نفسه.
2/لا يجوز للقاضي استغلال منصبه القضائي لتحقيق مصالحه الشخصية أو مصلحة أحد أفراد أسرته أو أي فرد آخر وعليه أن يمنع الآخرين من استغلال صفته للحصول على منافع.
ه.
. 3/لايجوزالقاضي أو أحد أفراد أسرته أن يقبل أو يطلب هدية أو مكافأة ما كان ليحصل عليها لولا وظيفته القضائية
. 4/على القاضي أن يمتنع عن شراء أي مالٍ متنازع عليه أمام المحاكم ودوائر التنفيذ سواء باسمه أو باسم أحد أفراد أسرته أو باسم مستعار.
. 5/على القاضي الابتعاد عن مواطن الشبهات وأن يكون حريصاً في انتقاء الأماكن التي يرتادها.
. 6/يحظر على القاضي استيفاء أي مبالغ مالية من أي جهة كانت لقاء أي أعمال أو مهام توكل إليه إلا بعد الحصول علي موافقة رئاسته ومن المحظورات الاشتغال بالتجارة اثناء الخدمة القضائية..
(القيمة الثالثة )
المساواة
قلعدة التزام القاضي بقيمة المساواة من قواعد سلوك القضاة الجوهرية التي يجب أن يلتزم بها القاضي التزاما صارما في خلال ادائه لعمله القضائي. وذلك عملا بهذا
المبدأ "على القاضي تعزيز المسـاواة في سلوكه وإجراءاته و قراراته".
وهذه القيمة أو القاعدة من قواعد السلوك القضائي المستقرة عرفا هي قيمة مقررة في الأديان والفقه والقضاء في كل المجتمعات الإنسانية ولعل من تجلياتها قاعدة القانون العام القائلة ( ان العدالة يجب أن تري بضم الميم وهي تعمل بضم التاء.. ).
justice must not only be done but it must also be seen to be done.)
وورد المعني نفسه في رسالة سيدنا عمر بن الخطاب ( آس بين الناس في مجلسك ووجهك وقضائك) ووردت في القرآن قصة الخصمين ووجوب الاستماع اليهما الأثنين قبل الفصل في الخصومة في ذات المعني الذي تقرره قاعدة المساواة. وتتفرع من هذا المبدأ واجبات سلوكية عديدة علي القاضي احترامها ومنها مايلي:
1/على القاضي احترام التعدد والتنوع المجتمعي وأن يساوي في كلامه وسلوكه بين الأشخاص كافة، سواء أكانوا أطرافاً في المنازعة أم غيرهم دون تمييز بينهم لدين أو مذهب أو عرق أو لون أو جنس أو جنسية أو مكانة أو نفوذ أو أي سبب آخر وأن يؤكد على أعوانه التقيد بذلك.
2/ على القاضي في قاعة المحاكمة أن ينأى بنفسه عن الاستهزاء بالخصوم أو الشهود أو الوكلاء القانونيين أو إبداء أي ملاحظاتٍ أو الإدلاء بأية عباراتٍ من شأنها إعطاء الانطباع بعدم المساواة وبشكلٍ يُخل بحياده وبثقة المتقاضين والمواطنين في السلطة القضائية.
3/على القاضي أن يراعي في طريقة التخاطب مع فئة الأحداث والأشخاص غير الممثلين بمحامين مستوي فهمهم ويستخدم عبارات بسيطة أثناء جلسات المحاكمة وبطريقة لا تخرجه عن مبدأ المساواة بين الخصوم ولاتلقي في قلوب الخصوم الخوف أو الحرج ..
4/ التعامل بلطف مع خصم أو شاهده والتعامل بعنف وعدوانية وتشكك مع الخصم الآخر أو شهوده تعطي انطباعا بالتحيز وتعطي الشاهد لو كان صادقا شعورا بأن افادته غير مرغوب فيها من القاضي وقد تسبب له متاعبا وقد يتنصل منها تحت وطأة الرسالة الخاطئة التي وصلته. لايجب أن يكون القاضي عدوانيا مع الشهود والاطراف . وان يعاملهم علي قدم المساواة في كل شئ. حتي في توزيع السلام عليهم والتقطيب عليهم ومخاطبتهم بذات الصوت الحازم أو اللطيف ومساواتهم في الدخول والسماح بالجلوس وحق مخاطبة المحكمة بقدر متساوي وحق الرد والتعقيب
(القيمة الرابعة)
الحياد:
من القواعد السلوكية الست التي يجب علي القاضي التمسك بها قاعدة الحياد ، والحياد المقصود هنا ليس عدم اتخاذ قرار لصالح أحد الطرفين في الخصومة فعدم اتخاذ قرار وعدم الفصل في الخصومة موضوعا يعتبر إنكارا للعدالة، الحياد المطلوب هو مايلي:
أولا/ يجب علي القاضي ابتداء أن يكون طرفا محايدا بالنسية لطرفي الخصومة بمعني الا يرتبط بأي من الطرفين بعلاقة قربي أو مصاهرة أو نسب أو مصلحة تجارية أو أن يكون له مصلحة معروفة أو غير معروفة مباشرة أو غير مباشرة في النتيجة النهائية للخصومة المطروحة أمامه. بعبارة أدق المقصود بالحياد انتفاء أي مصلحة للقاضي في الخصومة المطروحة أمامه.
ثانيا/ الحياد يعني عدم وجود أي عداوة بين القاضي وأحد طرفي الخصومة من أي نوع ، مباشرة أو غير مباشرة. فوجود المصلحة أو العداوة تجعل القاضي غير مؤهلا لنظر الدعوي والفصل فيها لأن شبهة التحيز تظل قائمة وتنفي القدرة علي أن يكون محايداً.
ثالثا/ كذلك ينتفي حياد القاضي متي كانت له صلة بالوقائع موضوع المنارعة بصورة شخصية مباشرة أو غير مباشرة ، فذلك الاتصال بالوقائع والعلم المسبق بها يجعله غير مؤهل للفصل العادل في النزاع بناء علي الوقائع التي طرحت امامه دون وجود قناعات وعلم مسبق بها لذلك فأن القيمة المستقرة تقول ما يلي :.
على القاضي ان يراعي الحياد ويظهر الحياد في سلوكه واجراءاته وقراراته؛؛ ومعني ذلك" يتجسد فيما يلي:
1/على القاضي أن يكون متحرراً من الميل الشخصي فيما يُعرض عليه من خصومات وأن يبتعد عن أي سلوكٍ فيه محاباة أو تحامل أو تحيز وأن يساوي بين المتقاضين في تطبيق القانون في كل مراحل الاجراءات..
2/على القاضي التنحي من تلقاء نفسه عن نظر الدعوى في حال استشعار الحرج وتوافر أي من الأسباب القانونية المبررة والموجبة لذلك وهناك تص جديد في قانون الاجراءات المدنية السوداني تعديلات 2018 المجازة في 2019 يوجب علي القاضي التنحي ومعني الوجوب ان القاضي يحاسب علي عدم التنحي وعدم الافصاح عن وجود سبب للتنحي مع وجوده حتي تمت تنحيته بطلب الخصم..
. 3/على القاضي إعطاء المتقاضين فرص متكافئة لبسط دعواهم وتقديم حججهم ودفاعهم وأن يسمح لهم بإبداء وجهات النظر وتقديم ما يدعم دفوعهم من شهادة شهود ومستندات ويصون حقهم في الجابهة بالشهود والمستندات والاطلاع عليها وحضور تقديم الإفادات والمستندات وحق المناقشة ، وأن يصدر حكمه بعيداً عن معتقداته الفكرية والدينية والاجتماعية وأن يكون القانون أساس حكمه مسنودا بما هو ثابت بمحضر الدعوي ولايقضي بعلمه الشخصي .
4/على القاضي أن يحرص سواء بسلوكه أو بقوله على عدم التدليل على اتجاهه الباطني بشأن الفصل في القضية المعروضة عليه: فمثل هذا السلوك تعجل لا يليق بالقاضي ويدفع الخصم الي اليأس من العدالة والشعور بان جهوده تذهب ادراج الرياح مع قاض متحامل متعجل .: ..
.
5/على القاضي أن لا يتردد على الخصوم أو وكلائهم أو القيام باستقبالهم في بيته أو الالتقاء بهم خارج المحكمة، أو أن يستمع لأي من الخصوم أو وكلائهم بغياب الطرف الآخر خارج جلسات المحاكمة أو أن يضع نفسه موضعاً يعطي انطباعاً بانحيازه..
6/على القاضي في علاقته مع المحامين أو غيرهم ممن يمارسون أعمالاً في المحكمة التي يعمل فيها أو الخبراء أن يكون متوازنا بالقدر الذي يجنبه شبهة التحيز أو عدم الحياد.
7/على القاضي وعدم إبداء أي رأي أو تعليق بأي طريقة بشأن الدعاوى المعروضة عليه أو عرضت عليه قبل تنحيه أو رده أو تلك المعروضة على غيره من القضاة عدم افشاء سر المداولة قبل صدور الحكم وبعده. .
8/ علي القاضي عدم السماح بتواصل الخصوم معه بشأن دعاويهم خارج قاعة المحكمة أو داخلها في غير االمواعيد المحددة للجلسات المقررة بصورة عامة.
(القيمة الخامسة)
اللياقة والمظهر العام (التحفظ)
هذه قيمة مهمة جدا من قيم وقواعد سلوك القضاة وهي تشكل جهاز إنذار داخلي للقاضي يحدد له معايير مايجب عليه فعله من التصرفات وما لايجب عليه فعله وتحدد له قواعد سلوكه في كل مكان من الأمكنة حتي يتوافق ذلك السلوك مع طبيعة وظيفته وما يتوقعه الناس منه من مظهر ومسلك يليق بها.
المبدأ من حيث العبارة بسيط ولكن محتواه محتوي عظيم متجدد ومتنوع ويتطلب من القاضي فطنة واستشعارا لقيم مجتمعه وإدراكا للتصورات والمفاهيم السائدة فيه فالمبدأ يقول :"على القاضي ان يحافظ على لياقته ومظهره العام وأن يحافظ على وقاره في جميع تصرفاته متجنبا ما هو غير لائق ولا يتناسب مع مكانته وهيبته‘. اللياقة هنا المقصود بها ليس اللياقة البدنية / بل مقصود بها لياقة التصرف أو الفعل أو المظهر بما يجب أن يتصف به القاضي من صفات وسلوك وهل صدور مثل هذا الفعل منه كقاض مقبول من العامة؟ هل يهز الثقة في القاضي والمؤسسة التي ينتمي لها أم يشرف القاضي ومؤسسة القضاء؟ ووفقا للإجابة التي قبلها العقل يتعين علي القاضي اختيار واحد من أمرين إما إتيان الفعل إن كان لائقا ومقبولا صدوره عنه أو الإمتناع عنه إن لم يكن لائقاً.... المعيار هنا موضوعي وليس شخصي.
لهذا تسمي هذه القيمة (التحفظ) بمعني أن القاضي يجب أن يكون فطنا حذرا متحفظا في إتيان السلوك قبل الفعل، أي قبل حدوث الضرر ، فالقاضي يحاكم الناس وتصرفاتهم ويجب عليه أن يحاكم نفسه قبل أن يحاكم.
الأمثلة:
1/على القاضي أن يراعي في مظهره وتصرفاته ما يتناسب مع هيبته والاتزان في طريقة الجلوس في مجلس القضاء، والتقيد باللباس اللائق المناسب بألوانه للعمل القضائي وعدم المبالغة بالتزين.
. 2/على القاضي أن يحرص على هيبة المحكمة أثناء جلسات المحاكمة وخارجها وأن يكون وقوراً صبوراً حسن الاستماع محترماً ذاته وصفته واسع الصدر وطلق الوجه، معززاً بسلوكه ومظهره ومنطقه ثقة الناس بنزاهته ونزاهة السلطة القضائية.
. 3:على القاضي أن يتجنب الانفعال في تعامله مع المتقاضين و المحامين ومن يعمل معه وفي الأماكن العامة بما يحفظ هيبته..
4/بالنسبة للمحاكم التي تعمل بنظام الدوائر على القاضي أن يلتزم أصول المداولة بفاعلية وهدوء وفي عرض رأيه على زملائه وأن يكون حسن الاصغاء للرأي الآخر دون تعصب أو مقاطعة، وأن يكون أميناً دقيقاً في سنده ومؤيداته.
5. على القاضي التعامل مع رؤسائه ومرؤوسيه والعاملين تحت سلطته وفق مبدأ الاحترام والتعاون والذي يعكس هيبة القضاء وسمعته الايجابية.
6/على القاضي أن يدير المحاكمة بما يضمن النزاهة ومظهر الحياد والاستقلال والامتناع عن أي سلوك أو قول يخرج عن أصول التقاضي.
.
7/: ولا يجوز للقاضي الانتماء إلى الاحزاب والتكتلات والجمعيات السياسية أو المشاركة في أي من نشاطاتها.
8/ لايجوز للقاضي أن يتجاوز في تسبيب جكمه حدود الفصل في الخصومة ويتعداها الي نجريح الخصوم والتعريض بهم إلا بالقدر الضروري للفصل في الدعوي وإسباغ الوصف القانوني علي الفعل واسناده للشخص أو نفيه.
(القيمة السادسة)
الكفاءة والاجتهاد
من القيم المهمة جدا في العمل القضائي قيمة الكفاءة أو القدرة علي اداء العمل القضائي بكفاءة واقتدار وصبر ودراية ومعرفة، وهذه الكفاءة والقدرة والمعرفة ليست بحيرة راكدة ولا ماء آسناً ولا جبلا متحجراـ بل هي معرفة متجددة مثل مياه النهر في كل يوم وغنية بخبرات ومعارف جديدة بتجدد الحياة والتشريعات والأحكام والاجتهادات القضائية والفقهية لهذا إن القاضي مثل التطبيقات الإلكترونية يتم تحديث معارفه كل يوم وكل ساعة حتي يبقي كفوءا ً وقادراً، والمطلوب من القاضي أن يكون واسع الاطلاع متابعا لكل جديد في التشريع والفقه وأحكام القضاء، ملما بالمعارف التي يتطلبها عمله وزيادة عليها ملما بمصادر التشريعات وأصولها، وهو لايجلس مثل أسد في قفص منتظراً حضور من يطعمه بالمعارف بل يتعين عليه أن يسعي بنفسه لتطوير نفسه حتي لا يكون قاضيا قضي بغير علم فيكون في النار. فواجبات القاضي تتطلب منه الكفاءة والاطلاع الدائم .
واجبات القاضي المتفرعة عن هذه القاعدة من قواعد سلوك القضاة ما يلي:
. 1/على القاضي الالتزام بأحكام القانون في كافة اعماله القضائية والتقيد بالإجراءات والأصول القانونية المرعية وعدم التسرع في إصدار القرارات على حساب العدالة.
2/على القاضي بذل الجهد الكافي في الفصل في الدعاوى المعروضة أمامه ضمن مدة معقولة دون أي تأخير، وصولاً إلى تحقيق العدالة الناجزة وأن يتجنب تأجيل الجلسات لأسباب غير مبررة أو تلبية لطلب أحد الخصوم حال غياب الخصم الآخر القاضي كلما قل علمه تأخر فصله في القضايا وزاد لجوؤه لقمع المتقاضين وقل حبه للعمل وقلت بالتالي معارفه فالعمل هو منبع الخبرة والمعرفة..
3/على القاضي أن يكون قدوة في التزامه بأوقات الدوام الرسمي بما يتفق وعمله القضائي وأن يفتتح جلسات المحاكمة في الوقت المحدد لذلك.
. 4/على القاضي أن يولي عمله القضائي الصدارة ويمنحه الأولوية على أي نشاط آخر فلا ينشغل بالهاتف واستقبال المعارف وتناول الوجبات أثناء وقت العمل
. 5/على القاضي مواكبة التشريعات المستحدثة وكل اجتهادٍ قضائي يصدر عن المحاكم العليا وملاحظة الاجتهاد المستقر بشأن القضايا الخلافية .
6/على القاضي أن يسعى إلى تنمية وتحسين قدراته العلمية والعملية وأن يحرص على تطوير مهاراته الشخصية والعمل على كل ما من شأنه السمو بأهليته ورفع كفاءته ويعتمد علي نفسه في تطوير قدراته..
. 7/على القاضي أن يشارك في الدورات التدريبية والندوات وورش العمل التي تقيمها السلطة القضائية أوتوافق عليها..
8/على القاضي أن يقوم بالمهام التي توكل إليه من رؤسائه وفقاً لظروف العمل، ويحظر عليه رفض القيام بالمهام القضائية التي هي من صميم عمله .
9/على القاضي الاعتناء بعمله والتفاني فيه وإعداد مسودة الحكم قبل النطق به والاجتهاد في تسبيبه وصياغته وفق ما يستلزمه القانون مراعاة لحق الخصوم بالطعن.
10/"على القاضي ان يراعي عند التعبير عن تصرفاته أو سلوكه بأي وسيلة كانت ومن ضمنها وسائل التواصل الاجتماعي أن يتصرف ويعبر بما لا يؤثر على قدسية رسالته وبالكيفية التي تليق به كقاض سواء كان حسابه باسمه أو باسم مستعار.
نواصل في الجزء القادم شرح قواعد السلوك القضائي
الاربعاء الثالث من ابريل
صلاح الدين سر الختم علي كرم الله -
قاضي المحكمة القومية العليا