وأنا أتوسطُ أوراقه ، لا أعَلم من مِنا عَثر على الأخَر أولاً - أنا أم ومضته - من وجدتني مُكتظَّة بين قوسيها العالقتين في مرآيا ذاكرته
" الفِكرة الحذِقة لا تُومضُ في الرأس مرتين ؛ وكذالك أنتِ فأشياؤنا الجميلة يا قلبي تَأتي فُرادى "
وجَدتُ جملته الرشيقة هذة مرسومة على هامش كتابي المَنْفيّ إليه، والذي أبدلته بالطريق ذاتَ يوم للُعبةٍ تقول : اختَر طريقًا ولا تسأل عن الوجهة والزمان ... القاعدة الأكثر إثارةً لي، وتعبًا له.
كُنا نَخرجُ من معالِمنا ونسير كما الريح بين مفالج الأبنية القديمة، نَقرعُ الأبواب والأجراس المُعلقة على مداخِل الأشياء ونركضُ هاربين بلهفَة الصِغار، نحو العبث الذي بدأ ينمو ويتكاثر كزهرة الهندِباء في صدى الأصوات البعيدة، أو ربما نحو ضوءٍ أُفلتَ في داخل كلٍ منا؛ يوقِدُنا طريقًا خَفياً للأغنيات...
كُنا كأرض الحكايات الناعسة، مُترفين بجلجة الأمنيات ودق الوشوم على وجه الفراغ رمزاً لقبيلةٍ جديدة، هاذئين ، نبيع الوقتَ والمنطق بخطوةٍ مفتوحة؛ ولا شيء كان يوقِف هذا التَرامِي سوى تَمدد الأسوار وتذمره.
(٢)
... قرأتُ مرةً أن الحكايات دائماً ما تبدأُ عندما تَنصِتُ الطبيعة لمَا نحنُ عليه، تماماً عِند تلك اللحَظة التي بدأ يتَأرجح فيها مطمئناً على حَافة هَذَياني؛ وأنا عالقة في سرد الأحاجي التي تَقْع في طريق عودتنا مساءً، لتُغازلنا الأشياء من حيث هي، في مشهدٍ تصوري خُلِق ليُعيد تَعريف ماهية الدَهشة للاعتْياد؛ تسلسل أن نصطاد الحديث من بَاحة الصمت اللانهائي وتنجاذب منطقه، وكيف للعَينين أن تَسحبا مجنوناً لأبَعد منهما، ولأنَه كان أزرق الصمت والعينين ... عَلقتُ هناك ...
وتتسع الحكاية، إلا أن نَقَرةً واحدة على نافِذة -الحكاية - كفيلة بطَرد العصافير من عليها، تعرفون، تِلك الحَركات الأُحادية والخاطفة من الحياة ... وخَزة سَريعة في القلب، الطلقة الأولى في الجَبهات ، والعُرب الارتجَالية في الغناء و صوتاً من خلف قائلاً " ستقتلني هذة البلاد حتماً ولكنني سأقاوم لأسقط عليها كنُدْفة ، فلا أنا وهي حِمل الارتطام " كان الصوت صوته، و أثر الكلمات لم تُغادر شفتاه بعد عندما التفتُ إليه، إلا أن شيئاً قد توغل في البعيد ...
قالها مؤكداً بلا مُقدمات ، كان المشهد يُرتب بعضه مرتبكاً، كنتُ أراقبه ونفسي وكيف للفجأةِ بكامل معناها أن تعَلق بيننا، أعرف أن للحياة مكَراً لا نستوعبُ غايته، ولكنني يومها أستطعت أن أستوقف اللحظة وأتحققتُ من سِعتها ؛ كانت أصغر من تتسع لهذا المشهد، أصغر من ألا تفيض وتُطفئ توهجاً يسندها، أصغر من أن تدرك ما عليها.
(٣)
مرت الأيام بيننا بطريقةٍ مستفزة، تركُل بطولِها كل ما هو ثابت نحوك بعبثية لا تُخطئ الظن ولا تُصبه ... كان الصمت يَصطادُ كِلانا لأبعد نقطة فيه ويتركنا نتحسس المعنى الأخر لمَ هو أتِ، أعلم أنه لم يَقل ما يستدعي كل هذا القلق ولكن نبرة صوته أنذرت، ملامحه وهو يقاتل فكرةً تلح بقوة، التوقيت والكَدمة التي على جَبينه ، كل ما حوله يدفعني لسحبه من معصمه وأساله ماذا هناك ؛ ولكنني لم أفعل، لن أستطيع سماع ما قد اسكته في عقلي مِراراً ، الرصاص وصوته صداه أبعد يكونوا مجرد كلمات.
(٤)
نهضتُ من الطاولة بأعجوبة، بدا الطقس أكثر إرتباكاً في اللحظة التي حاولتُ أن أميزه فيه أو ربما لأنني أنم جيداً منذ أن حط الغراب على سور الحكاية ، ها قد دخلت الحرب شهرها الثاني ولا شيء مبهر فيه سوى العبثية وطناطح النِعاج، اتصلت عليه وأنا اتوسل إلا يُجيبني الآلي بأن الشكبة غير متاحة الآن و .... ألو كيف حالك؟
وبعد ساعات التقينا عند محطة الحافلات، أخرجتُ هاتفي لأتفقد الرسائل، كانت الخامسة والربع عصراً، وكالعادة جذبه أحد البَاعة وهو يدندن بصوتٍ شجي " ياما شايلك فيني حايم
لا الليالي المخمرية
لا العمارات السوامق
لا الأسامي الأجنبية " فشاطره " تمحي من عيني ملامحك " رددها وهو يتابع تنقلاتي الغير متزنة بين التطبقات؛ رفعتُ رأسي لأسأله من صاحب هذة الكلمات؛ فإذا بنصف إبتسامة تعتمر وجهه قائلاً "حميد ، كتبها حميد)...
يومها أبت ملامحه الهادئة إلا أن تسرده بغير طريقة، شيء فيه كان يُؤخرني عن لحظته، عبث ما يفرد جِفيةً تقاطعات من الشوق والعقاب، اللهفة والخوف، الإبتعاد والإقتراب، كان وبكل تعقيد يرتدي التعب ذاته ، واللاشيء الذي يدعيه قد إمتصى كل العرق الذي كان يُندي جبينه وتركه بلا قطرةٍ تُعافيه ... تزحزح بحركة طفولية نحوي، بدت عيناه الغائرتان أكثر جاذبية، كنتُ أتتبع إرادته وهو يستجمع فيهما طاقته ويشعلهما بضوء خافت ليُسكن خوفي و صمتي؛ بسط كفي وغمرها بورقة صغيرة ، زحفت منه إبتسامة صافية لم ينل منها التعب غايته، كانت ورقته باردة كلونها الأبيض، مطوية بدقة مزعجة تفوح منها رائحة المُدن البعيدة وحمى النهايات ، تحدثنا كثير ولكن لم نقل ما كان يجب أن يُقال ..
(٥)
وبنفس زحمة البدايات، سنلتقي مِراراً ، مع كل رصاصة تخترق نافذةً ما سيرتطدم شيئاً بهذة الأرض ، شيئاً منّا نحسه ويحسنا.
" الفِكرة الحذِقة لا تُومضُ في الرأس مرتين ؛ وكذالك أنتِ فأشياؤنا الجميلة يا قلبي تَأتي فُرادى "
وجَدتُ جملته الرشيقة هذة مرسومة على هامش كتابي المَنْفيّ إليه، والذي أبدلته بالطريق ذاتَ يوم للُعبةٍ تقول : اختَر طريقًا ولا تسأل عن الوجهة والزمان ... القاعدة الأكثر إثارةً لي، وتعبًا له.
كُنا نَخرجُ من معالِمنا ونسير كما الريح بين مفالج الأبنية القديمة، نَقرعُ الأبواب والأجراس المُعلقة على مداخِل الأشياء ونركضُ هاربين بلهفَة الصِغار، نحو العبث الذي بدأ ينمو ويتكاثر كزهرة الهندِباء في صدى الأصوات البعيدة، أو ربما نحو ضوءٍ أُفلتَ في داخل كلٍ منا؛ يوقِدُنا طريقًا خَفياً للأغنيات...
كُنا كأرض الحكايات الناعسة، مُترفين بجلجة الأمنيات ودق الوشوم على وجه الفراغ رمزاً لقبيلةٍ جديدة، هاذئين ، نبيع الوقتَ والمنطق بخطوةٍ مفتوحة؛ ولا شيء كان يوقِف هذا التَرامِي سوى تَمدد الأسوار وتذمره.
(٢)
... قرأتُ مرةً أن الحكايات دائماً ما تبدأُ عندما تَنصِتُ الطبيعة لمَا نحنُ عليه، تماماً عِند تلك اللحَظة التي بدأ يتَأرجح فيها مطمئناً على حَافة هَذَياني؛ وأنا عالقة في سرد الأحاجي التي تَقْع في طريق عودتنا مساءً، لتُغازلنا الأشياء من حيث هي، في مشهدٍ تصوري خُلِق ليُعيد تَعريف ماهية الدَهشة للاعتْياد؛ تسلسل أن نصطاد الحديث من بَاحة الصمت اللانهائي وتنجاذب منطقه، وكيف للعَينين أن تَسحبا مجنوناً لأبَعد منهما، ولأنَه كان أزرق الصمت والعينين ... عَلقتُ هناك ...
وتتسع الحكاية، إلا أن نَقَرةً واحدة على نافِذة -الحكاية - كفيلة بطَرد العصافير من عليها، تعرفون، تِلك الحَركات الأُحادية والخاطفة من الحياة ... وخَزة سَريعة في القلب، الطلقة الأولى في الجَبهات ، والعُرب الارتجَالية في الغناء و صوتاً من خلف قائلاً " ستقتلني هذة البلاد حتماً ولكنني سأقاوم لأسقط عليها كنُدْفة ، فلا أنا وهي حِمل الارتطام " كان الصوت صوته، و أثر الكلمات لم تُغادر شفتاه بعد عندما التفتُ إليه، إلا أن شيئاً قد توغل في البعيد ...
قالها مؤكداً بلا مُقدمات ، كان المشهد يُرتب بعضه مرتبكاً، كنتُ أراقبه ونفسي وكيف للفجأةِ بكامل معناها أن تعَلق بيننا، أعرف أن للحياة مكَراً لا نستوعبُ غايته، ولكنني يومها أستطعت أن أستوقف اللحظة وأتحققتُ من سِعتها ؛ كانت أصغر من تتسع لهذا المشهد، أصغر من ألا تفيض وتُطفئ توهجاً يسندها، أصغر من أن تدرك ما عليها.
(٣)
مرت الأيام بيننا بطريقةٍ مستفزة، تركُل بطولِها كل ما هو ثابت نحوك بعبثية لا تُخطئ الظن ولا تُصبه ... كان الصمت يَصطادُ كِلانا لأبعد نقطة فيه ويتركنا نتحسس المعنى الأخر لمَ هو أتِ، أعلم أنه لم يَقل ما يستدعي كل هذا القلق ولكن نبرة صوته أنذرت، ملامحه وهو يقاتل فكرةً تلح بقوة، التوقيت والكَدمة التي على جَبينه ، كل ما حوله يدفعني لسحبه من معصمه وأساله ماذا هناك ؛ ولكنني لم أفعل، لن أستطيع سماع ما قد اسكته في عقلي مِراراً ، الرصاص وصوته صداه أبعد يكونوا مجرد كلمات.
(٤)
نهضتُ من الطاولة بأعجوبة، بدا الطقس أكثر إرتباكاً في اللحظة التي حاولتُ أن أميزه فيه أو ربما لأنني أنم جيداً منذ أن حط الغراب على سور الحكاية ، ها قد دخلت الحرب شهرها الثاني ولا شيء مبهر فيه سوى العبثية وطناطح النِعاج، اتصلت عليه وأنا اتوسل إلا يُجيبني الآلي بأن الشكبة غير متاحة الآن و .... ألو كيف حالك؟
وبعد ساعات التقينا عند محطة الحافلات، أخرجتُ هاتفي لأتفقد الرسائل، كانت الخامسة والربع عصراً، وكالعادة جذبه أحد البَاعة وهو يدندن بصوتٍ شجي " ياما شايلك فيني حايم
لا الليالي المخمرية
لا العمارات السوامق
لا الأسامي الأجنبية " فشاطره " تمحي من عيني ملامحك " رددها وهو يتابع تنقلاتي الغير متزنة بين التطبقات؛ رفعتُ رأسي لأسأله من صاحب هذة الكلمات؛ فإذا بنصف إبتسامة تعتمر وجهه قائلاً "حميد ، كتبها حميد)...
يومها أبت ملامحه الهادئة إلا أن تسرده بغير طريقة، شيء فيه كان يُؤخرني عن لحظته، عبث ما يفرد جِفيةً تقاطعات من الشوق والعقاب، اللهفة والخوف، الإبتعاد والإقتراب، كان وبكل تعقيد يرتدي التعب ذاته ، واللاشيء الذي يدعيه قد إمتصى كل العرق الذي كان يُندي جبينه وتركه بلا قطرةٍ تُعافيه ... تزحزح بحركة طفولية نحوي، بدت عيناه الغائرتان أكثر جاذبية، كنتُ أتتبع إرادته وهو يستجمع فيهما طاقته ويشعلهما بضوء خافت ليُسكن خوفي و صمتي؛ بسط كفي وغمرها بورقة صغيرة ، زحفت منه إبتسامة صافية لم ينل منها التعب غايته، كانت ورقته باردة كلونها الأبيض، مطوية بدقة مزعجة تفوح منها رائحة المُدن البعيدة وحمى النهايات ، تحدثنا كثير ولكن لم نقل ما كان يجب أن يُقال ..
(٥)
وبنفس زحمة البدايات، سنلتقي مِراراً ، مع كل رصاصة تخترق نافذةً ما سيرتطدم شيئاً بهذة الأرض ، شيئاً منّا نحسه ويحسنا.