أنتَ يا مَن تُمسِكُ قلماً وتستند بريشته على ورقتك البيضاء .. ترخي عليه أثقالك حتى ليكاد يغور في النسيج الورقي .. يترك أثراً ولا يرسم خطاً .. كأنه يبحث عن موطئ قدم .. يتلفت ذات اليمين وذات الشمال مستفهماً عن الهوامش التي يُسمح لك بالتحرك ضمنها ... انتبه لنفسك .. إذ أن الشطط خارجها ممنوع .. والشطب متعذّرٌ محوه.. ويترك تجاريحاً على الورق
لذا خفّف الوطء على قلمك فهو ليس وتداً تدقه في الأرض وتنصب جُنيبه خيمتك .. أو استعمله والغمد يغطي سنانه .. وهكذا يمر على الورق مرور الكرام .. فلا حبر يسيل .. ولا قلب يرتجف .. ولا رقيب يتابع مسلك يديك التائهتين ..
ابدأ بصفحتك من المنتصف كمن يدخل الدائرة من مركزها .. فكيفما دارت تدور وتبقى قريباً من المركز .. وعندما يشتد دوران الدائرة تبدأ القوة النابذة بطرد المحيط ولفظ المتطرفين .. فتكون بمنأى عن الرمي خارجاً
لا تضع ترويسة للصفحة .. دع الترويسة لهم
لا تصنف مقالتك .. دعهم يصنفونها لك
لا تبدأ بذكر الضيوف ولا كبار القوم ولا تحتفل بهم .. لأن كبار اليوم قد يصبحون صغاراً .. فتصغر مقالتك معهم وتضيع بضياعهم
إن ابتداءك من منتصف الصفحة .. يجعل لك الخيار بأن تضيف المقدمة المناسبة بحسب التيار السائد .. فلكل مقام مقال
ولا تضع تأريخاً لزمن المقالة .. فقد تتغير الحيثيات والظروف والمقدمات .. وهكذا تبقى مقالتك مناسبة لكل الأزمنة
لماذا اقتربت من الهامش الأيمن ؟.. هه هه كأنك ستكتب بالعربية !
الهامش الأيسر أكثر شيوعاً.. لمَ لا تبدأ منه ؟... على الأقل تكون أقل نشازاً وأقل لفتاً للأنظار .
وسّع هوامشك من الجانبين .. ودع سطورك قليلة الكلمات .. كلمتان فقط في السطر الواحد .. فتبدو كتاباتك مركزية .. لا يمينية ولا يسارية .. كشعر عمودي سطره كلمتان فقط ويمتد طويلا.. وهكذا تتفكك جُمَلك .. ويصبح الفاعل في سطر والمفعول بسطر آخر .. أو استعمل جملاً اسمية فقط فهي محدودة بكلمتين ( مبتدأ وخبر ).. ولا داعي للأفعال فتخفّ المسؤولية عنك..
أحسنت حتى الآن فأنت تنتبه للتعليمات ولم تكتب شيئاً .. وكتاباتك لا غبار عليها .. وصفحتك ناصعة بيضاء
ارفع رأسك عن الورقة .. لا تنكبَّ عليها .. أرى جبينك متعرقاً وقد يسيل عرقك المالح عليها فيعطيها طعماً مقززاً .. أو رائحة داخلية من روائحك المعروفة فيستدلون عليك .. بعض الكتاب تعرق أيديهم على صفحاتهم .. فترتسم ظلالٌ شيطانية بين كلماتهم المكتوبة .. اجعل ورقتك واقفة شامخة .. كلوحة الرسام مستندة إلى قائمتين ودعامة خلفية .. وهكذا يكتب الرسام بريشته واقفاً.. ولوحته واقفة وتقرؤها الجماهير وقوفاً .. هل شاهدت معرضاً للرسم واللوحات في مستوى الجالسين ؟.. لا يمكن لأن الرسم يفرض عليك الوقوف والاحترام .. واللوحة يعلقونها عالياً وتنظر إليها من أسفل ..
أما الأدب فهو أقل احتراماً .. لأن الورقة يستعملونها مضطجعة كالمرأة .. يتكئون عليها .. ينامون فوقها .. يجرحونها بأحبارهم السود .. وقد تنثقب بوزر وثقل سننهم الحادة
ارفع رأسك عن ورقتك يا هذا ..
كأني بك تبكي .. لا تسمح للدموع بتلويث صفحتك .. ويلك إن تَشْتَشَتْ أحبارك بدماميعك الكاذبة .. دع قلمك وحده يبكي على الورق .. اعصره ..فرّغ قنواته الحبرية .. أما دموعك فهي أحبار سرية ممنوعة عندنا
أحسنتَ حتى الآن .. تستمع للتعليمات ولم تكتب شيئاً .. الصفحة الفارغة أقوى وأجمل .. ويمكنها أن تقول ما لا يُقال
على كل حال انتهى الوقت المسموح لك بالكتابة .. ضع توقيعك على ورقتك البيضاء .. والله الموفق .. أظنك قد نجحت في الاختبار .. أصبحت الآن أديباً كبيراً .. لا داع لترجمة مقالاتك .. فهي عالمية ومفهومة .. وكتاباتك صالحة للنشر في كل الأصقاع !!
د. جورج سلوم
***********
لذا خفّف الوطء على قلمك فهو ليس وتداً تدقه في الأرض وتنصب جُنيبه خيمتك .. أو استعمله والغمد يغطي سنانه .. وهكذا يمر على الورق مرور الكرام .. فلا حبر يسيل .. ولا قلب يرتجف .. ولا رقيب يتابع مسلك يديك التائهتين ..
ابدأ بصفحتك من المنتصف كمن يدخل الدائرة من مركزها .. فكيفما دارت تدور وتبقى قريباً من المركز .. وعندما يشتد دوران الدائرة تبدأ القوة النابذة بطرد المحيط ولفظ المتطرفين .. فتكون بمنأى عن الرمي خارجاً
لا تضع ترويسة للصفحة .. دع الترويسة لهم
لا تصنف مقالتك .. دعهم يصنفونها لك
لا تبدأ بذكر الضيوف ولا كبار القوم ولا تحتفل بهم .. لأن كبار اليوم قد يصبحون صغاراً .. فتصغر مقالتك معهم وتضيع بضياعهم
إن ابتداءك من منتصف الصفحة .. يجعل لك الخيار بأن تضيف المقدمة المناسبة بحسب التيار السائد .. فلكل مقام مقال
ولا تضع تأريخاً لزمن المقالة .. فقد تتغير الحيثيات والظروف والمقدمات .. وهكذا تبقى مقالتك مناسبة لكل الأزمنة
لماذا اقتربت من الهامش الأيمن ؟.. هه هه كأنك ستكتب بالعربية !
الهامش الأيسر أكثر شيوعاً.. لمَ لا تبدأ منه ؟... على الأقل تكون أقل نشازاً وأقل لفتاً للأنظار .
وسّع هوامشك من الجانبين .. ودع سطورك قليلة الكلمات .. كلمتان فقط في السطر الواحد .. فتبدو كتاباتك مركزية .. لا يمينية ولا يسارية .. كشعر عمودي سطره كلمتان فقط ويمتد طويلا.. وهكذا تتفكك جُمَلك .. ويصبح الفاعل في سطر والمفعول بسطر آخر .. أو استعمل جملاً اسمية فقط فهي محدودة بكلمتين ( مبتدأ وخبر ).. ولا داعي للأفعال فتخفّ المسؤولية عنك..
أحسنت حتى الآن فأنت تنتبه للتعليمات ولم تكتب شيئاً .. وكتاباتك لا غبار عليها .. وصفحتك ناصعة بيضاء
ارفع رأسك عن الورقة .. لا تنكبَّ عليها .. أرى جبينك متعرقاً وقد يسيل عرقك المالح عليها فيعطيها طعماً مقززاً .. أو رائحة داخلية من روائحك المعروفة فيستدلون عليك .. بعض الكتاب تعرق أيديهم على صفحاتهم .. فترتسم ظلالٌ شيطانية بين كلماتهم المكتوبة .. اجعل ورقتك واقفة شامخة .. كلوحة الرسام مستندة إلى قائمتين ودعامة خلفية .. وهكذا يكتب الرسام بريشته واقفاً.. ولوحته واقفة وتقرؤها الجماهير وقوفاً .. هل شاهدت معرضاً للرسم واللوحات في مستوى الجالسين ؟.. لا يمكن لأن الرسم يفرض عليك الوقوف والاحترام .. واللوحة يعلقونها عالياً وتنظر إليها من أسفل ..
أما الأدب فهو أقل احتراماً .. لأن الورقة يستعملونها مضطجعة كالمرأة .. يتكئون عليها .. ينامون فوقها .. يجرحونها بأحبارهم السود .. وقد تنثقب بوزر وثقل سننهم الحادة
ارفع رأسك عن ورقتك يا هذا ..
كأني بك تبكي .. لا تسمح للدموع بتلويث صفحتك .. ويلك إن تَشْتَشَتْ أحبارك بدماميعك الكاذبة .. دع قلمك وحده يبكي على الورق .. اعصره ..فرّغ قنواته الحبرية .. أما دموعك فهي أحبار سرية ممنوعة عندنا
أحسنتَ حتى الآن .. تستمع للتعليمات ولم تكتب شيئاً .. الصفحة الفارغة أقوى وأجمل .. ويمكنها أن تقول ما لا يُقال
على كل حال انتهى الوقت المسموح لك بالكتابة .. ضع توقيعك على ورقتك البيضاء .. والله الموفق .. أظنك قد نجحت في الاختبار .. أصبحت الآن أديباً كبيراً .. لا داع لترجمة مقالاتك .. فهي عالمية ومفهومة .. وكتاباتك صالحة للنشر في كل الأصقاع !!
د. جورج سلوم
***********