في الطريق إلى الزعتري رواية سورية تستبطن بدايات الثورة ومآلات النزوح
يترسّم الروائي السوري "محمد فتحي المقداد" في روايته الجديدة "في الطريق إلى الزعتري" إرهاصات الثورة السورية بعبقها وألقها وتوقها للحرية والإنعتاق قبل أن تتطاول الأيدي وتتشابك الخيوط، وجاءت الرواية الصادرة عن دار عمّار للنشر والتوزيع في عمّان كوثيقة اجتماعية شاهدة على حقبة هامة جداً، يستبطن فيها بأسلوب أدبي ماتع يوميات الخوف والقتل والإعتقال واليأس من الواقع الصعب، إضافة إلى البطالة نتيجة توقف عجلة الحياة ومآلات النزوح على لسان الناس البسطاء والمهمشين ومما لم تأت على ذكره نشرات الأخبار.
ولد الروائي المقداد في مدينة بصرى الشام بريف درعا 1964 وامتص دمه لون تربتها واكتسبت سحنته الغامقة اسمرارها من سواد حجارة "سرير بنت الملك" و"مئذنة العروس"- كما يقول لـ"زمان الوصل" مضيفاً أنه ولد سنة الصهاريج أيام العطش لأبوين انفصلا منذ شهوره الأولى فتوزعت مشاعره ما بينهما وبين أطلال بصرى وعاش مدارج طفولته الأولى، ووعاها قرية وتركها مدينة أواخر العام 2012 في تهجير قسري، وأردف المقداد الذي عمل كحلاق قبل الحرب أنه اصطحب ذاكرته المشحونة بتفاصيل بصرى باحثاً عن ملاذ آمن لأطفاله في مخيم الزعتري ( شمال الأردن) تاركاً شهادته الثانوية لا تزال معلقة هناك على جدار غرفته وأضاف بنبرة مؤثرة أن "لهيب الحزن أحرق نصف ذاكرتي باحتراق مكتبتي فخر ممتلكاتي الأثمن والأسمى".
بدأ المقداد بكتابة روايته (الطريق إلى الزعتري) قبل خروجه من منزله بمسافة زمنية، وتوزعت كتابتها-كما يقول-على امتداد ثلاث سنوات، قبل أن تطبع هذا العام 2018 وسبق هذه الرواية كتابة رواية عن الثورة بعنوان (دع الأزهار تتفتّح)، وقبلهما كانت روايته "بين بوابتين" التي جسدت ذاكرة المكان، والبوابتان هما (بوابة الهوى والبوابة النبطية)، وبعدها ولدت رواية (تراجانا) وهي فانتازيا تاريخية متزاوجة مع الواقع، إضافة لمجموعته القصصية القصيرة (زوايا دائرية)، ومجموعة في القصة القصيرة جداً بعنوان (سراب الشاخصات).
ولفت محدثنا إلى أن ولادته الأدبية الثانية كانت في عام 2015 مع باكورته في التأليف "شاهد على العتمة" وهو الكتاب الذي رأى النور في بغداد، ثم تكررّت ولادته الثالثة بصدور روايته (دوامة الأوغاد) العام 2016، ومع صدور كتابه (مقالات ملفقة) اختط الكاتب القادم من بصرى الشام أسلوباً جديداً في الكتابة على مبعدة من الرواية والقصة نوعاً ما.
اختار المقداد لروايته (الطريق إلى الزعتري) حيزاً مكانياً هو قرية (موج) وحول سبب تركيزه على هذه القرية كبنية مكانية في الرواية وعلاقته بها أوضح أن اختياره هذا جاء كمحاولة للخروج من دائرة التشخيص لأنه يعتبر كفاية الحدث–كما يقول- أعظم من جزئيّات التسميات، وأردف مؤلف الرواية أن فكرة الهروب إلى رمزية الاسم باختياره كلمة "موج" يرسخ دلالة على كل ما حدث في سورية من جنوبها إلى شمالها، ومن شرقها إلى غربها ومن أرضها إلى سمائها، وتابع محدثنا أن كلمة "موج" استقت فلسفتها من توتّر البحر الدائم النابض حياة دائمة وبأن الثورة تسير حثيثة إلى مبتغاها لتحقيق أهدافها ولو بعد حين.
ينقل المقداد في عالمه الروائي اليوميَ والآني برؤية جديدة وإحساس بكر، وحول قدرة التفاصيل الدقيقة والآنية على اكتساب ديمومة خاصة قابلة لتأويل الواقع وتقييمه أوضح محدثنا أن "الوعاء الروائي يتّسع للواقع بتفاصيله الدقيقة، وهو قادر على تجسيده إلى مادة مقروءة تتناقلها الألسن متناولة لها بالقراءة والنقد والحكم عليها أو لها، وما كُتِب سيقرأ لاحقًا إن لم يُنتَبه له حاضرًا، ومن هذا المعنى يكون قد اكتسب -كما يقول– صفة الخلود عندما تناقله الأجيال القادمة، واستدرك على لسان أحد الشعراء حينما سئل عن الفن الروائي بأن "الرواية هي انتقام الشعوب من حكامها" ولذلك أراد لروايته -كما يقول –أن تسجل حياة البسطاء الذين لا صوت لهم، فكانت صوتهم وصورتهم الصادقة بلا رتوشات وتزويقات.
وأبان مؤلف "في الطريق إلى الزعتري" أن نسج روايته جاء مزيجاً دراميًّا من الواقع والخيال الأدبي مما أتاح له–كما يقول-هامشاَ واسعًا مريحًا من حركة شخوص الرواية، وتعدديٍّة الأصوات في طيّات السّرد.
ولم يُخفِ المقداد قناعته بتراجع الأعمال الأدبية وبخاصة الرواية عن دورها في توثيق الثورة السورية رغم مرور 7 سنوات على اندلاعها عازياً ذلك إلى ضيق العيش وحياة القلق والخوف من المجهول بالنسبة للكتاب والروائيين داخل سورية وخارجها الأمر الذي منع-حسب قوله- انطلاق آفاق الكتابة والإبداع، وهذا لا يمنع من القول أن هناك العديد من الأعمال التي ولدت من رحم الثورة ولا زالت في نموّ مستمرّ، كما برزت أسماء جديدة لامعة استطابت الحياة في مناخ الحرية، فأبدعت.
وفيما يتعلق بمسألة الحرية في الإبداع وإلى أيّ مدى يمارس حريته الخاصة على الورق الأبيض لفت المقداد إلى أن ارتقاء الإبداع جزء لا يتجزأ من الحرية:"لا أستطيع أن أفكّر ما دام الرقيب يقف بالمرصاد لكلماتي، فالتحرر من إساره وقيوده، أطلق العنان لرؤاي لترتفع في سقف التفكير، وراحت تتلمّس حدود الكون من كافّة اتّجاهاته".
وأبان المقداد أن هناك اختلافاَ واضحاً للعيان بين مفهوم الحرية قبل وبعد الثورة على صعيد تجربته الروائية فالخروج عن إسار الرقيب تعني حكماً التفكير بلا حدود والإبداع بلا حدود وإخراج المكنونات المكبوتة في مجاهل الخوف إلى فضاء النور والحرية.
وتوزع حياة الكاتب السوري الذي يعيش في مدينة الكرك "جنوب الأردن" ما بين المطالعة لتجارب روائية مختلفة ما بين العربية والأجنبيةّ المترجمة، وما بين الكتابة كي لا تتطاير المعاني من حوزته-حسب تعبيره- ويعكف على عمل روائي جديد سيحمل عنوان (فوق الأرض) يدور في مدارات الثورة السورية
فارس الرفاعي-زمان الوصل:
-------
الطريق إلى الزعتري .. رواية سورية ترصد بدايات الثورة ومآلات النزوح
يترسّم الروائي السوري "محمد فتحي المقداد" في روايته الجديدة "في الطريق إلى الزعتري" إرهاصات الثورة السورية بعبقها وألقها وتوقها للحرية والإنعتاق قبل أن تتطاول الأيدي وتتشابك الخيوط، وجاءت الرواية الصادرة عن دار عمّار للنشر والتوزيع في عمّان كوثيقة اجتماعية شاهدة على حقبة هامة جداً، يستبطن فيها بأسلوب أدبي ماتع يوميات الخوف والقتل والإعتقال واليأس من الواقع الصعب، إضافة إلى البطالة نتيجة توقف عجلة الحياة ومآلات النزوح على لسان الناس البسطاء والمهمشين ومما لم تأت على ذكره نشرات الأخبار.
ولد الروائي المقداد في مدينة بصرى الشام بريف درعا 1964 وامتص دمه لون تربتها واكتسبت سحنته الغامقة اسمرارها من سواد حجارة "سرير بنت الملك" و"مئذنة العروس"- كما يقول لـ"زمان الوصل" مضيفاً أنه ولد سنة الصهاريج أيام العطش لأبوين انفصلا منذ شهوره الأولى فتوزعت مشاعره ما بينهما وبين أطلال بصرى وعاش مدارج طفولته الأولى، ووعاها قرية وتركها مدينة أواخر العام 2012 في تهجير قسري، وأردف المقداد الذي عمل كحلاق قبل الحرب أنه اصطحب ذاكرته المشحونة بتفاصيل بصرى باحثاً عن ملاذ آمن لأطفاله في مخيم الزعتري ( شمال الأردن) تاركاً شهادته الثانوية لا تزال معلقة هناك على جدار غرفته وأضاف بنبرة مؤثرة أن "لهيب الحزن أحرق نصف ذاكرتي باحتراق مكتبتي فخر ممتلكاتي الأثمن والأسمى".
بدأ المقداد بكتابة روايته (الطريق إلى الزعتري) قبل خروجه من منزله بمسافة زمنية، وتوزعت كتابتها-كما يقول-على امتداد ثلاث سنوات، قبل أن تطبع هذا العام 2018 وسبق هذه الرواية كتابة رواية عن الثورة بعنوان (دع الأزهار تتفتّح)، وقبلهما كانت روايته "بين بوابتين" التي جسدت ذاكرة المكان، والبوابتان هما (بوابة الهوى والبوابة النبطية)، وبعدها ولدت رواية (تراجانا) وهي فانتازيا تاريخية متزاوجة مع الواقع، إضافة لمجموعته القصصية القصيرة (زوايا دائرية)، ومجموعة في القصة القصيرة جداً بعنوان (سراب الشاخصات).
ولفت محدثنا إلى أن ولادته الأدبية الثانية كانت في عام 2015 مع باكورته في التأليف "شاهد على العتمة" وهو الكتاب الذي رأى النور في بغداد، ثم تكررّت ولادته الثالثة بصدور روايته (دوامة الأوغاد) العام 2016، ومع صدور كتابه (مقالات ملفقة) اختط الكاتب القادم من بصرى الشام أسلوباً جديداً في الكتابة على مبعدة من الرواية والقصة نوعاً ما.
اختار المقداد لروايته (الطريق إلى الزعتري) حيزاً مكانياً هو قرية (موج) وحول سبب تركيزه على هذه القرية كبنية مكانية في الرواية وعلاقته بها أوضح أن اختياره هذا جاء كمحاولة للخروج من دائرة التشخيص لأنه يعتبر كفاية الحدث–كما يقول- أعظم من جزئيّات التسميات، وأردف مؤلف الرواية أن فكرة الهروب إلى رمزية الاسم باختياره كلمة "موج" يرسخ دلالة على كل ما حدث في سورية من جنوبها إلى شمالها، ومن شرقها إلى غربها ومن أرضها إلى سمائها، وتابع محدثنا أن كلمة "موج" استقت فلسفتها من توتّر البحر الدائم النابض حياة دائمة وبأن الثورة تسير حثيثة إلى مبتغاها لتحقيق أهدافها ولو بعد حين.
ينقل المقداد في عالمه الروائي اليوميَ والآني برؤية جديدة وإحساس بكر، وحول قدرة التفاصيل الدقيقة والآنية على اكتساب ديمومة خاصة قابلة لتأويل الواقع وتقييمه أوضح محدثنا أن "الوعاء الروائي يتّسع للواقع بتفاصيله الدقيقة، وهو قادر على تجسيده إلى مادة مقروءة تتناقلها الألسن متناولة لها بالقراءة والنقد والحكم عليها أو لها، وما كُتِب سيقرأ لاحقًا إن لم يُنتَبه له حاضرًا، ومن هذا المعنى يكون قد اكتسب -كما يقول– صفة الخلود عندما تناقله الأجيال القادمة، واستدرك على لسان أحد الشعراء حينما سئل عن الفن الروائي بأن "الرواية هي انتقام الشعوب من حكامها" ولذلك أراد لروايته -كما يقول –أن تسجل حياة البسطاء الذين لا صوت لهم، فكانت صوتهم وصورتهم الصادقة بلا رتوشات وتزويقات.
وأبان مؤلف "في الطريق إلى الزعتري" أن نسج روايته جاء مزيجاً دراميًّا من الواقع والخيال الأدبي مما أتاح له–كما يقول-هامشاَ واسعًا مريحًا من حركة شخوص الرواية، وتعدديٍّة الأصوات في طيّات السّرد.
ولم يُخفِ المقداد قناعته بتراجع الأعمال الأدبية وبخاصة الرواية عن دورها في توثيق الثورة السورية رغم مرور 7 سنوات على اندلاعها عازياً ذلك إلى ضيق العيش وحياة القلق والخوف من المجهول بالنسبة للكتاب والروائيين داخل سورية وخارجها الأمر الذي منع-حسب قوله- انطلاق آفاق الكتابة والإبداع، وهذا لا يمنع من القول أن هناك العديد من الأعمال التي ولدت من رحم الثورة ولا زالت في نموّ مستمرّ، كما برزت أسماء جديدة لامعة استطابت الحياة في مناخ الحرية، فأبدعت.
وفيما يتعلق بمسألة الحرية في الإبداع وإلى أيّ مدى يمارس حريته الخاصة على الورق الأبيض لفت المقداد إلى أن ارتقاء الإبداع جزء لا يتجزأ من الحرية:"لا أستطيع أن أفكّر ما دام الرقيب يقف بالمرصاد لكلماتي، فالتحرر من إساره وقيوده، أطلق العنان لرؤاي لترتفع في سقف التفكير، وراحت تتلمّس حدود الكون من كافّة اتّجاهاته".
وأبان المقداد أن هناك اختلافاَ واضحاً للعيان بين مفهوم الحرية قبل وبعد الثورة على صعيد تجربته الروائية فالخروج عن إسار الرقيب تعني حكماً التفكير بلا حدود والإبداع بلا حدود وإخراج المكنونات المكبوتة في مجاهل الخوف إلى فضاء النور والحرية.
وتوزع حياة الكاتب السوري الذي يعيش في مدينة الكرك "جنوب الأردن" ما بين المطالعة لتجارب روائية مختلفة ما بين العربية والأجنبيةّ المترجمة، وما بين الكتابة كي لا تتطاير المعاني من حوزته-حسب تعبيره- ويعكف على عمل روائي جديد سيحمل عنوان (فوق الأرض) يدور في مدارات الثورة السورية
فارس الرفاعي-زمان الوصل:
-------
الطريق إلى الزعتري .. رواية سورية ترصد بدايات الثورة ومآلات النزوح