عبدالرحيم التدلاوي - دين الحب.. قراءة في مجموعة "كتاب الحب" لمحمد الشرادي - الجزء الأول

يدعونا القاص محمد الشرادي في كتابه "كتاب الحب" إلى الاستحمام في ماء الحب مرات ومرات لنتطهر من أدران الكراهية والحقد، لكي نغتسل بماء الحب؛ العاطفة الإنسانية السامية، لنكون في المستوى الراقي الذي يدخلنا باب الإنسانية بجمال.
الكتاب ليس مجموعة قصصية، بل هو رواية متنوعة الفصول، ومختلفة الشخصيات، القاسم المشترك بينها هو المحبة والعشق؛ إن هذه العاطفة السامية هي العمود الفقري لمختلف القصص، والتجلي الأسمى والأبلغ لرسالة القاص بعد أن شاهد عالما غاصا بالكره والحقد، عامر بالحروب، مما يهدد الحياة.
القاص محمد الشرادي يسير على نهج من كرس حياته للحب، وأنتج كتبا لتشيد به وتعلي من شأنه، لتوقظ الإنسان فينا، إنه على غرار صاحب كتاب "طوق الحمامة" وصاحب كتاب "فقه الحب" وغيرهما، يرسل لنا رسالة ذات أهمية للإقبال على الحياة والاحتفاء بها بالاحتفاء بالآخر، ومعانقته بدل نبذه، وإقصائه، ومن ثم محقه ومحوه.
إن كتاب الشرادي لا يخجل من طرح هويته الواضحة غير المواربة البتة، إنها كتابة تعرف خصمها وتشير إليه؛ هذا الخصم ينتمي إلى فئة من لا يحتكم البتة إلى لغة العقل و الحوار و الاعتراف بالآخر. و بهذا فأن الكتابة عند الشرادي ذات وظيفة، والثَّيمة في قصصه لتطغى على سائر عناصر القص الأخرى ، وهو عندما يبصر على امتداد ساحة الرؤية كلّ هذا الرماد و الحرائق و العويل والانكسارات لا يمانع بالمجازفة بالكثير من أجل أن يقول كلمته، كلمته النظيفة في زمن القذارات والقمع والإلغاء و كتم الأنفاس حتى وان كان مثل هذا ما يدفع بنصّه لمتاخمة بيارات الحكائية، وضمن الحيّز الذي يشي بتألق الحساسية إلى جانب مهارات عديدة، مائزة تسجّل للقاص أيضاً. 1
إبراهيم اليوسف - هذه القصص هذا القاص..!: مقدمة مجموعة - على ضفاف الخابور- للقاص ماهين شيخاني

ما يلاحظ على هذا الكتاب كونه محفوفا بعتبات من بدايته حتى نهايته، كما أن تلك العتبات تحف بالنصوص مفردة وجمعا، بل وتخترق بعضها، والبارز أنها ذيلت بمصدرها وبصاحبها بدقة. والناظر إلى أسماء من منحوا قولهم للكتاب سيجد أن أغلبهم من الصوفية، مما يعني أن البعد الصوفي هو الأكثر حضورا والأبرز تأثيرا؛ فالصوفية عشق ومحبة وانفتاح على الآخر، ولا أدل على ذلك من قولة ابن عربي التي تسع كل الأديان، لتصير الحب أسمى دين.
من البداية:
غلاف وردي يستغرق الضفتين معا، ليعانق العالم، وكأن هذا الأخير صورة مصغرة في الكتاب، أو أن الكتاب رحيق العالم، بحيث صار روحا تتلبسه، إنها جدلية التداخل بين الخارج والداخل، حيث يشير الداخل إلى الخارج، وحيث يحضر الخارج في الداخل بشكل مكثف. لون وردي يعبر عن الحلم، وعن الحب، ينتقل من الأصغر إلى الأكبر الذي هو العالم، وينتقل هذا العالم إلى الداخل بكثافته ليشرق قصصا تشيد بالحب، وتقول: إن العالم في بدئه ومنتهاه حب.
وبلونين كتب الحب؛ الأسود والأبيض، كنوع من الجدل أو الصراع بينهما، فالسواد لا يكون إلا صورة عن الكره المنبوذ، والأبيض بصفائه الحليبي لا يعبر إلا عن الحب، فهو الطهر والصفاء، والنبل والإنسانية. ولذا، نجد صورة لقلبين متعانقين، أو بدقة، متداخلين، كحلقتي سلسلة لا انفصام بينهما، وفوقهما ملاك المحبة، ذلك الذي يحمل قوسا ويوجه سهامه للقلبين العاشقين. أما اسم المؤلف، فقد أتى بالأبيض كدلالة على ارتباطه بالصفاء الذي يمثله الحب؛ إنه ينتصر له لا للسواد. كما أن التجنيس أتى بهذا اللون الرائع، لتقول: إن ما تتضمنه من قصص ستكون كلها مناصرة للحب، رافضة للكراهية.
وفي ظهر الغلاف، الوردي، هو الآخر، مقتطف يخبرنا القاص من خلاله عن الهدف أو الرهان من الكتاب؛ رهان محو الصورة السيئة عن الحب، بمصالحته مع الفرح، والنهايات السعيدة.
وحين نفتح الكتاب نجد أنفسنا مع إهداء لا للأسرة الصغيرة، بل لأمراء العشاق الذين فاضت قلوبهم حبا، والذين يدخلون قائمة الشهداء بتضحياتهم.
أما الصفحات الثلاث الموالية فتضمن مقتطفات أو قصص تتمحور حول الحب، من آدم إلى يومنا هذا.
آدم أحب بقوة حواء، وصار ذلك سنة في نسله، فالأصل هو المحبة، والفرع ما يناقضها، وسار على هذا الدرب سيدنا إبراهيم في حبه لهاجر، وما كان معنى قوله سبحانه، لا تحملنا ما لا طاقة لنا به، إلا الحب. ليأتي جلال الدين الرومي موضحا أن الحب دين البشرية قاطبة؛ وهو الطريق النوراني المفضي إلى الله. ليكون المقتطف الأخير نشيد حب، حيث الآخر والأنا، في وحدة وانسجام.
رحلة مع النصوص:
هي مجموعة من ثلاثة عشر نصا، تحمل العناوين التالية:
دموع الفرح سكر.
موقع استراتيجي.
Naja Naja
صنعتك لنفسي.
كيمياء الحب.
على كل شيء قدير.
دعه يمر، عده يعمل.
جبل التوباد.
أنوار موطئي القدمين.
زهرة الجوري.
طين بهي، نور سني.
أراه، فأراني.
نور أنّى تراه.




محمد الشرادي.jpg

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى