ربّما لم يعمل الأخ خلدون النبواني في صرخته الصادقة : “لماذا لا يتفلسف العرب؟” إلا على التعبير عن الشعور الذي لا شكّ أنه انتاب كلا منّا خلال الأسابيع الصعبة السابقة، والذي ربّما حال دون كثير منّا والكتابة، بل ربّما منعنا حتى من التركيز والتفكير. وقد كانت الأسئلة التي طرحها من قبيل: كيف لنا نحن العرب أن نفكّر ونتأمّل ونحن نمتلئ غضبا وحقدا؟ كيف يمكن أن نمتلك العقل في رعب اللامعقول الذي نعيشه؟ كانت هذه الأسئلة دليلا لا على يأس من الفلسفة وإعمال الفكر فحسب، بل ربما يأس من الكتابة كيفما كان شكلها. لذا فهو سرعان ما عمّم وتساءل: كيف لنا أن نكتب ونحن مقموعون مخصيّون عاجزون ومقعدون؟
يطرح الأخ خلدون سؤالا ما فتئت الكتابة تطرحه على نفسها، وهي تؤكد طرحه كلما شعرت بلا جدواها، وكلما استشعرت عناد الواقع وصلابته، وأحسّت أنها نوع من “الخيانة للمعيش”.
سيكون من قبيل الكذب على الذات، وعلى الآخرين، محاولة الردّ على أسئلة الأخ خلدون بالتأكيد أنّ الكتابة بالضبط وليدة أزمات، وأن العقل لا يمكن أن يكون إلا مقاومة لللامعقول. حدود هذا النوع من الردود تكمن في كونه يغفل الجانب المزاجي في كلّ كتابة، فإذا كانت الكتابة نضالا ومقاومة و..و.. فهي أيضا، وربما أساسا لذّة وحبّ وعشق وافتتان.
لا يمكن للجواب عن أسئلة الأخ خلدون أن يكون إلا في مستوى صدق السؤال. وهو لن يكون كذلك إلا إذا استحضر الدوافع المتناقضة التي تكمن وراء الكتابة فتجعلها بين الذاتيّ والموضوعيّ، بين المعقول واللامعقول، بين الافتتان والفتنة، بين العقل والثورة، بين التوازن والاختلال.
ربما لن نجد جوابا مستفيضا يجمع كلّ هذا أكثر مما نعثر عليه في هذا النصّ الكثيف الذي أجاب فيه رولان بارط صحيفة ايطالية سألته سنة 1969 “ما جدوى الكتابة؟” فردّ قائلا :
” ليس في وسعي إلا أن أعدّد الأسباب التي أتصور أنني أكتب بدافع منها:
فأنا أكتب إشباعا للذة، وهي كما نعلم لذّة غير بعيدة عن الافتتان الايروتيكي.
أكتب لأنّ الكتابة تخلخل الكلام، وتهزّ الأفراد والأشخاص، وتقوم بعمل نعجز عن تبيّن مصدره.
أكتب كي أحقّق “موهبة”، وأنجز عملا مميِّْزا وأحقق اختلافا وأحدث فروقا.
أكتب كي يُعترف بي، وأكافأ وأكون موضع حبّ واحتجاج وتأييد.
أكتب كي أنجز مهام إيديولوجية، أو ضدّ الايديولوجيا.
أكتب بإيعاز إيديولوجيا متسترة، وتقسيمات مناضلة، وتقويمات مستديمة.
أكتب إرضاء لأصدقاء، ونكاية بأعداء.
أكتب مساهمة في إحداث شروخ في المنظومة الرمزية لمجتمعنا.
أكتب إبداعا لمعاني جديدة، أي لقوى جديدة، للتمكن من الأشياء بطريقة جديدة، ولخلخلة تسلط الدلالات والعمل على تغييره.
وأخيرا، أكتب إثباتا للقيمة العليا لفعالية تعددية لا دوافع من ورائها، ولا أهداف ترمي إليها، ولا تعميم تستهدفه، شأنها في ذلك شأن النص ذاته”.
يطرح الأخ خلدون سؤالا ما فتئت الكتابة تطرحه على نفسها، وهي تؤكد طرحه كلما شعرت بلا جدواها، وكلما استشعرت عناد الواقع وصلابته، وأحسّت أنها نوع من “الخيانة للمعيش”.
سيكون من قبيل الكذب على الذات، وعلى الآخرين، محاولة الردّ على أسئلة الأخ خلدون بالتأكيد أنّ الكتابة بالضبط وليدة أزمات، وأن العقل لا يمكن أن يكون إلا مقاومة لللامعقول. حدود هذا النوع من الردود تكمن في كونه يغفل الجانب المزاجي في كلّ كتابة، فإذا كانت الكتابة نضالا ومقاومة و..و.. فهي أيضا، وربما أساسا لذّة وحبّ وعشق وافتتان.
لا يمكن للجواب عن أسئلة الأخ خلدون أن يكون إلا في مستوى صدق السؤال. وهو لن يكون كذلك إلا إذا استحضر الدوافع المتناقضة التي تكمن وراء الكتابة فتجعلها بين الذاتيّ والموضوعيّ، بين المعقول واللامعقول، بين الافتتان والفتنة، بين العقل والثورة، بين التوازن والاختلال.
ربما لن نجد جوابا مستفيضا يجمع كلّ هذا أكثر مما نعثر عليه في هذا النصّ الكثيف الذي أجاب فيه رولان بارط صحيفة ايطالية سألته سنة 1969 “ما جدوى الكتابة؟” فردّ قائلا :
” ليس في وسعي إلا أن أعدّد الأسباب التي أتصور أنني أكتب بدافع منها:
فأنا أكتب إشباعا للذة، وهي كما نعلم لذّة غير بعيدة عن الافتتان الايروتيكي.
أكتب لأنّ الكتابة تخلخل الكلام، وتهزّ الأفراد والأشخاص، وتقوم بعمل نعجز عن تبيّن مصدره.
أكتب كي أحقّق “موهبة”، وأنجز عملا مميِّْزا وأحقق اختلافا وأحدث فروقا.
أكتب كي يُعترف بي، وأكافأ وأكون موضع حبّ واحتجاج وتأييد.
أكتب كي أنجز مهام إيديولوجية، أو ضدّ الايديولوجيا.
أكتب بإيعاز إيديولوجيا متسترة، وتقسيمات مناضلة، وتقويمات مستديمة.
أكتب إرضاء لأصدقاء، ونكاية بأعداء.
أكتب مساهمة في إحداث شروخ في المنظومة الرمزية لمجتمعنا.
أكتب إبداعا لمعاني جديدة، أي لقوى جديدة، للتمكن من الأشياء بطريقة جديدة، ولخلخلة تسلط الدلالات والعمل على تغييره.
وأخيرا، أكتب إثباتا للقيمة العليا لفعالية تعددية لا دوافع من ورائها، ولا أهداف ترمي إليها، ولا تعميم تستهدفه، شأنها في ذلك شأن النص ذاته”.