هل المبدع مجنون؟ وكما يقولون الفنون جنون. هذا سؤال يحيلنا الى قضية شائكة جدا وهي معيار العقلانية ومعيار الجنون. ما هو المقياس القياسي الذي يمكن ان نميز به بين الجنون واللا جنون. فلنتفق على ان نشاطنا المادي او الفكري هو ما يتم على اساسه تقييمنا كعقلاء او كمجانين. ولا اتحدث هنا عن الجنون المطبق ، ذلك الذي لا جدال حوله. وانما على تلك الدرجة التي تفصل بين العقلانية واللا عقلانية. في الواقع ان الجماعة هي التي غالبا ما تميل الى نفي العقلانية عن كل نشاط لا يتفق مع قواعدها الراسخة... لذلك ليس من الغريب ان تعتبر الجماعة شخصا ما مجنونا ان ادعى تلقيه رسالة من الله. هذا اذا كانت مبادئ هذه الجماعة مبادئ مادية. وعلى العكس ، قد يكون ادعاء النبوة امرا طبيعيا جدا لدى مجتمعات اخرى ؛ فبالرغم مما يشاع عن الكم الهائل للاديان في الهند الا ان افريقيا تعج بالعديد من الانبياء والرسل ، او من يعتبرون انفسهم على اتصال بالقوى السماوية وارواح الاسلاف وخلافه. واذا كانت الجماعة هي التي تحدد ما هو عقلاني وما يدخل في اطار الجنون ، فإن هذا يحيلنا مباشرة الى نسبية الجنون. فلنتابع هذا الحوار الطريف المتخيل بين مجنونين:
- الحذاء طار قبل السياسيين.. انا افهم هذا.
- اعتمد علي.. فالسمكة بداية ومشوية.
نلاحظ في هذا الحوار والذي يبدو كعبثية صمويل بيكيت واقرب الى ما يسمى بالشعر الحداثوي ، نلاحظ ان هناك مجنونان يتحاوران. نعم .. فليس غريبا ان نشاهد ونسمع مجنونين يتحدثان الى بعضهما. كما هو الحال عندما نسمع طفلين يتحدثان الى بعضهما بجمل غير مفهومة ومع ذلك يتواصل حوارهما على نحو مشوق جدا. الم يستوقفك من قبل مجنون ليحاورك... تتحدث اليه بمنطق ثم تكتشف انه في عالم آخر. حدث هذا معي شخصيا. يصمت المجنون حين تتحدث وكأنه يفهم كلامك .. غير ان ما يحدث هو ان دماغه يستقبل كلماتك بشكل مختلف عن استقبالك انت لكلمات الاخرين. فكلمة منزل تتحول لسمكة.. وكلمة طار تتحول لنافذة ... وهكذا... ولذلك لو تم وضعك مع مجموعة مجانين فستتحول انت الى مجنون وليسوا هم.. فهم من سيضعوا معايير التحاور والتفاهم بينهم. ربما ليس هذا تسطيحا لأمراض الدماغ شديدة التعقيد بقدر ما هو محاولة لتبسيط قدرتنا على تخيل نسبية العقلانية. فاذا اقررنا هذه النسبية ، فمن الطبيعي يوما ما ان ينعتك الاخرون بالجنون ، ومن الطبيعي ان نعتبر الشعر الحداثوي جنونا مفارقا للعقلانية ، ومن الطبيعي ايضا ان يكون الفن جنونا عند البعض. لكن اذا حاولنا التعمق اكثر في مسألة ما اذا كان المبدع مجنونا ام لا ؛ فسنجد ما يدهشنا حقا ؛ فالمبدع او الفنان عموما لديه استقبال دماغي اعلى للمعطيات الكونية. فإذا كان الانسان العادي يتلقى الزهرة باعتبارها نبات ملون ذو رائحة . فإن المبدع لا يتلقاها على ذات المستوى. فالزهرة عنده تعني اشياء كثيرة ، فقد تعني الحب ، الانفتاح ، الحرية ، التأقيت والفناء الحياة ، روح الله او السماء ، او القبلة ..الخ. ان الفنان لا يستقبل الاشياء كما نستقبلها نحن العاديين ، فهو يمتلك حساسية زائدة ، وهذا يعني ان الفنان يتمتع بوعي اكبر بالوجود من الشخص العادي. وهذا ما قد يقلب المعادلة رأسا على عقب. فالانسان غير الفنان هو في الواقع لديه افتقار في الوعي. والافتقار في الوعي قد يعني الجنون. او درجة من درجات الجنون. لأن النقص سلبي والزيادة ايجابية دائما. واذا كانت كلمة جنون كلمة سلبية المفهوم فلا يمكن ان نطلقها على الفنان الأعلى وعيا من الشخص العادي وانما العكس. او هكذا احسب.
- الحذاء طار قبل السياسيين.. انا افهم هذا.
- اعتمد علي.. فالسمكة بداية ومشوية.
نلاحظ في هذا الحوار والذي يبدو كعبثية صمويل بيكيت واقرب الى ما يسمى بالشعر الحداثوي ، نلاحظ ان هناك مجنونان يتحاوران. نعم .. فليس غريبا ان نشاهد ونسمع مجنونين يتحدثان الى بعضهما. كما هو الحال عندما نسمع طفلين يتحدثان الى بعضهما بجمل غير مفهومة ومع ذلك يتواصل حوارهما على نحو مشوق جدا. الم يستوقفك من قبل مجنون ليحاورك... تتحدث اليه بمنطق ثم تكتشف انه في عالم آخر. حدث هذا معي شخصيا. يصمت المجنون حين تتحدث وكأنه يفهم كلامك .. غير ان ما يحدث هو ان دماغه يستقبل كلماتك بشكل مختلف عن استقبالك انت لكلمات الاخرين. فكلمة منزل تتحول لسمكة.. وكلمة طار تتحول لنافذة ... وهكذا... ولذلك لو تم وضعك مع مجموعة مجانين فستتحول انت الى مجنون وليسوا هم.. فهم من سيضعوا معايير التحاور والتفاهم بينهم. ربما ليس هذا تسطيحا لأمراض الدماغ شديدة التعقيد بقدر ما هو محاولة لتبسيط قدرتنا على تخيل نسبية العقلانية. فاذا اقررنا هذه النسبية ، فمن الطبيعي يوما ما ان ينعتك الاخرون بالجنون ، ومن الطبيعي ان نعتبر الشعر الحداثوي جنونا مفارقا للعقلانية ، ومن الطبيعي ايضا ان يكون الفن جنونا عند البعض. لكن اذا حاولنا التعمق اكثر في مسألة ما اذا كان المبدع مجنونا ام لا ؛ فسنجد ما يدهشنا حقا ؛ فالمبدع او الفنان عموما لديه استقبال دماغي اعلى للمعطيات الكونية. فإذا كان الانسان العادي يتلقى الزهرة باعتبارها نبات ملون ذو رائحة . فإن المبدع لا يتلقاها على ذات المستوى. فالزهرة عنده تعني اشياء كثيرة ، فقد تعني الحب ، الانفتاح ، الحرية ، التأقيت والفناء الحياة ، روح الله او السماء ، او القبلة ..الخ. ان الفنان لا يستقبل الاشياء كما نستقبلها نحن العاديين ، فهو يمتلك حساسية زائدة ، وهذا يعني ان الفنان يتمتع بوعي اكبر بالوجود من الشخص العادي. وهذا ما قد يقلب المعادلة رأسا على عقب. فالانسان غير الفنان هو في الواقع لديه افتقار في الوعي. والافتقار في الوعي قد يعني الجنون. او درجة من درجات الجنون. لأن النقص سلبي والزيادة ايجابية دائما. واذا كانت كلمة جنون كلمة سلبية المفهوم فلا يمكن ان نطلقها على الفنان الأعلى وعيا من الشخص العادي وانما العكس. او هكذا احسب.