صفاء ذياب - رائحة الوردي..

ربما كانت الروائح التي تنبعث من محل العطارة الذي اشتغل فيه حينما كان صبياً سبباً في طرده منها، لأنها جعلته يرغب بشم رائحة الكتب. حتى قرر أن يفتح محلاً صغيراً لحسابه الخاص ليبني من خلاله مكاناً هادئاً يقرأ فيه ابن خلدون الذي تأثر به وقرر أن يسير في طريقه ليصبح أهم عالم اجتماع في تاريخ العراق.
قبل أيام مر قرن على ولادة علي الوردي، وخلال هذا القرن تمكن من قراءة شخصية الفرد والمجتمع الذي ولد فيه، حتى وصل إلى تحليل مهم قال فيه: "إن الشعب العراقي منقسم على نفسه وفيه من الصراع القبلي والقومي والطائفي أكثر من أي بلد آخر. وليس هناك من طريق سوى تطبيق الديمقراطية, وعلى العراقيين أن يعتبروا من تجاربهم الماضية, ولو فلتت هذه الفرصة من أيدينا لضاعت منا أمداً طويلاً".
من خلال قراءتنا لكتب الوردي نلاحظ أنَّ تأثيرات كثيرة غيَّرت في تفكيره، لكنه مع هذا حاول أن يحافظ على أمرين مهمين؛ أولاً على انتمائه لمدينة الكاظمية من جهة، وثانياً ارتباطه بابن خلدون وتطويره لمنهجه في البحث والتفكير. هذان الجانبان جعلا من علي الوردي مفكراً وباحثاً اجتماعياً من طراز مميز.
وربما كان كتابه (أسطورة الأدب الرفيع) يشكل قراءة مهمة في الأدب العربي بشكل عام، والعراقي بشكل خاص. قرأ هذا الكتاب شخصية المثقف والكاتب بطريقة مغايرة، حتى أنه عُدَّ مفتتحاً للنقد الثقافي، مع عدم قصدية الوردي لهذا النقد، وهذا ما أشار إليه الكاتب كريم عبد ومن بعده عبد الله الغذامي.
وفي قراءته للأدب والتعليم، يرى الوردي أننا "بحاجة إلى طراز من المتعلمين يدركون بأنه لا فضل لهم فيما نالوا من نجاح أو علم أو أدب، وأنهم مخاليق وصنائع أنتجتهم العوامل الاجتماعية والنفسية التي أحاطت بهم من غير أن يكون لهم يد فيها"، وهذه المقولة تسحبنا إلى قراءة الغلو الذي نعيشه، الغلو الذي يجعلنا نهمل رموزاً أسسوا واشتغلوا على قراءة مجتمع كبير ومتعدد مثل مجتمعنا. الغلو هو ما جعلنا لا نفعل شيئاً بمئوية ولادة الوردي، وما زالت كتبه تطبع من دون حقوق أو مرجعيات طبعات شعبية من دور نشر لا نعرف مصدرها، ولا كيف حصلت على حقوق طباعتها.
بعد قرن من الزمن ماذا حلَّ ببيت علي الوردي، أين ذاك المحل الصغير الذي افتتحه ليقرأ فيه، وأين محل العطارة، مكان قراءته الأول؟


* عن الصباح

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى