حينما اقترح (تاديوز كاوزان) جدوله القاضي باندحار الملفوظ اللساني(النص) إزاء مكونات خطاب العرض المسرحي ومكملاته، هيمنت الأنساق السمعية والبصرية والحركية، ومنها: جسد الممثل، بوصفه كتلة متحركة ، وعلامة مهيمنة من ابرز علامات خطاب العرض، أما الكلمات فذات تأثير محدود، إذ أن السمع والرؤية بالعيون.
وعلى حد قول(يفرينوف):(تلعب الكلمات دوراً مساعداً على خشبة المسرح، لأننا نسمع بعيوننا، أكثر مما نسمع بآذاننا).ويأخذ جسد الممثل حصة الأسد من حيث، التأثير في ذائقة المتلقي وبمؤازرة الأنساق الأخرى المؤتلفة ضمن فضاء خطاب العرض، وأن الدعوة إلى المسرحة تعني – بالضرورة – منح جسد الممثل أدواراً فاعلة في التأثير ، بما يختزنه من رموز وإشارات وتلميحات وأفعال حركية متنوعة، عبر أدواته التعبيرية(الفطرية والمكتسبة).
إنّ الرؤية المعاصرة للخطاب المسرحي، قد أفرغت جسد الممثل من محتواه المحاكاتي وزجّت به وسط المنظومة البصرية، أو ضمن الإنشاء الصوري للمشهد المسرحي، باعتبار أن الجسد يقسم على قسمين هما:
أولاً. الجسد المحاكاتي.
ثانياً.
الجسد التعبيري (الإيمائي) المشبع بالرموز والإشارات.
ولقد أخذ جسد الممثل مفاهيم متعددة ومتنوعة لدى رجالات المسرح المعاصر وكالآتي:
آرتو الجسد حسي
ستانسلافسكي الجسد شعور نفسي جروتوفسكي الجسد لعب
برخت الجسد موقف، قضية، فكرة كريج الجسد رقص رمزي
وحينما يكون جسد الممثل ضمن سينوغرافيا العرض المسرحي، لايعني ذلك ، إفراغه من محتواه، أو عدّه جزءًا تشكيلياً ضمن منظومة صورية حسب ، بل أن جسد الممثل يمثل العلامة الأكبر ضمن علامات العرض المتعددة وكما يقر ذلك(رولان بارت).
وحينما نقر بذلك، فهذا يعني – بالضرورة – التسيِّد أو هيمنة الجسد على سائر العلامات بما يحويه من طاقات مخزونة بحاجة إلى أن تُستَثَار لتفجر بما يصعد الطاقة التأثيرية المنعكسة على عين ونفس وذائقة المتلقي، بالشكل الذي يضفي على ذات وجسد الممثل الشمول والحيوية والتنوع.
إذًا ، لم يكن جسد الممثل مجرد كتلة صمّاء، هامدة، وإنما شعلة متوهجة تضيء فضاء العرض بالإشعاع الجمالي والفكري من فرط حركيتها الساحرة، والجمال المنبعث منها .
إن جسد الممثل ينطلق من الذات إلى الآخر، أي لم يكن الجسد مغلقاً على نفسه أو ذاته ، بل يتسع فيشمل الصوت الآخر، والظاهرة الأخرى، أو الصورة المغايرة ، كما الحال في المسرح الملحمي ومسرح العبث واللامعقول، على الضد من وضعية الجسد في المسرح الكلاسيكي، فالجسد يعبر عن موقف أخلاقي، له بعد سلوكي تطهيري، كما في كلاسيكيات المسرح الإغريقي، وأن رائعة الشاعر المسرحي سوفوكليس(أوديب ملكًا) خير مثال على ذلك.
وبهذا، يكون جسد الممثل، هو البطل الذي يحدد العلاقة الوجدانية الواعية مع المتلقي، لاسيما في مسرح (جروتوفسكي) الذي يعد من ابرز المشتغلين على جسد الممثل والمؤسسين لـ(المعمل المسرحي) الذي تفرد من بين التجارب المسرحية المعاصرة ، والذي اتخذ من جسد الممثل بؤرة في الاشتغال المسرحي التعبيري.
ثمة عروض مسرحية فقيرة بأنساقها الديكورية، لكنها غنية بانشغالاتها على أجساد الممثلين، عقب التأثيرات التي أحدثتها الاتجاهات المسرحية المعاصرة التي مثلها: جروتوفسكي، برخت، شاينا ، بورشرت ، مايرهولد، كريج، أبيا )... وآخرون.
بمعنى أدق، أن العرض المسرحي الحديث أصبح يعرى من كل شيء، إلا من جسد الممثل، منبع الحركات والتكوينات، والإشارات، فهو منتج العرض وصانع الجمال فيه.
ثمة العديد من العروض المسرحية التي قدمت على خشبات مسارح العاصمة بغداد والمحافظات، كانت أجساد الممثلين فيها صاحبة الثقل الرئيس كما في عروض المخرج العراقي المغترب ( طلعت السماوي) والمخرج العراقي المغترب أيضاً(قاسم البياتي)، وهي عروض راقصة تعول على اجساد الممثلين في ابتكار التكوينات والكتل الفنية المتحركة المنتجة للدراما الراقصة.
وفي تلك العروض، تُستفز طاقات الممثلين إلى أقصاها، بقصد تحقيق البعد الجمالي الناتج من بناء الأجساد المتحول بحسب الخطة الإخراجية وضرورات الفعل الدرامي والذائقة الجمالية.
من العروض العراقية التي وظّفت أجساد الممثلين عرض(شكراً لساعي البريد) الذي وازن فيه المخرج د. سامي عبد الحميد بين لغة الحوار ولغة الجسد ، بوساطة أدوات جسدية ذات بعد إيحائي ، وكذلك عرض(هللويا) الذي ينتمي إلى مسرح القسوة، إذ أحال المخرج(أسامة السلطان) عرضه إلى احتفال مأساوي والشخصيات فيه تماهت مع بعضها وحتى جذع الشجرة المتيبس كان بمثابة جسد منخور، إنه عرض متحرك.
أما عرض(نار من السماء) سيناريو وإخراج علي طالب، فقد كان مثالاً رائعاً لتوظيف الأجساد التي كانت أبرز العلامات السيمائية في العرض التعبيري حتى استحال العرض إلى نص أدائي مترع بالحركات والإيماءات الجسدية.
وكذلك العرض الموسوم(نقطة الفراغ) تأليف ضياء سالم وإخراج قاسم السومري، وفيه راح الممثلون يسبحون في الفضاء مخترقين المكان وأطره التقليدية من خلال تلك الأجساد التي شغلت حيزاً فيزيائياً في الفراغ فاكتسبت وجودها الفيزيقي والروحي معاً.
وفي عرض(الطريق) تأليف وإخراج منعم سعيد يكون هذا العرض الصامت من أبلغ العروض التي اشتغلت على جسد الممثل بمصاحبة الموسيقى واللون، وأن كل عروض(البانتومايم) يكون رأسمالها جسد الممثل. وفي عرض مسرحية(الحر الرياحي) إخراج كريم رشيد يكون جسد الممثل العلامة الكبرى فكانت أجساد الممثلين، بمثابة المعصرات التي أمطرت العرض بممكنات الوعي الجمالي، فكان عرضاً تجريبياً بامتياز.
د. باسم الأعسم
* عن الصباح
وعلى حد قول(يفرينوف):(تلعب الكلمات دوراً مساعداً على خشبة المسرح، لأننا نسمع بعيوننا، أكثر مما نسمع بآذاننا).ويأخذ جسد الممثل حصة الأسد من حيث، التأثير في ذائقة المتلقي وبمؤازرة الأنساق الأخرى المؤتلفة ضمن فضاء خطاب العرض، وأن الدعوة إلى المسرحة تعني – بالضرورة – منح جسد الممثل أدواراً فاعلة في التأثير ، بما يختزنه من رموز وإشارات وتلميحات وأفعال حركية متنوعة، عبر أدواته التعبيرية(الفطرية والمكتسبة).
إنّ الرؤية المعاصرة للخطاب المسرحي، قد أفرغت جسد الممثل من محتواه المحاكاتي وزجّت به وسط المنظومة البصرية، أو ضمن الإنشاء الصوري للمشهد المسرحي، باعتبار أن الجسد يقسم على قسمين هما:
أولاً. الجسد المحاكاتي.
ثانياً.
الجسد التعبيري (الإيمائي) المشبع بالرموز والإشارات.
ولقد أخذ جسد الممثل مفاهيم متعددة ومتنوعة لدى رجالات المسرح المعاصر وكالآتي:
آرتو الجسد حسي
ستانسلافسكي الجسد شعور نفسي جروتوفسكي الجسد لعب
برخت الجسد موقف، قضية، فكرة كريج الجسد رقص رمزي
وحينما يكون جسد الممثل ضمن سينوغرافيا العرض المسرحي، لايعني ذلك ، إفراغه من محتواه، أو عدّه جزءًا تشكيلياً ضمن منظومة صورية حسب ، بل أن جسد الممثل يمثل العلامة الأكبر ضمن علامات العرض المتعددة وكما يقر ذلك(رولان بارت).
وحينما نقر بذلك، فهذا يعني – بالضرورة – التسيِّد أو هيمنة الجسد على سائر العلامات بما يحويه من طاقات مخزونة بحاجة إلى أن تُستَثَار لتفجر بما يصعد الطاقة التأثيرية المنعكسة على عين ونفس وذائقة المتلقي، بالشكل الذي يضفي على ذات وجسد الممثل الشمول والحيوية والتنوع.
إذًا ، لم يكن جسد الممثل مجرد كتلة صمّاء، هامدة، وإنما شعلة متوهجة تضيء فضاء العرض بالإشعاع الجمالي والفكري من فرط حركيتها الساحرة، والجمال المنبعث منها .
إن جسد الممثل ينطلق من الذات إلى الآخر، أي لم يكن الجسد مغلقاً على نفسه أو ذاته ، بل يتسع فيشمل الصوت الآخر، والظاهرة الأخرى، أو الصورة المغايرة ، كما الحال في المسرح الملحمي ومسرح العبث واللامعقول، على الضد من وضعية الجسد في المسرح الكلاسيكي، فالجسد يعبر عن موقف أخلاقي، له بعد سلوكي تطهيري، كما في كلاسيكيات المسرح الإغريقي، وأن رائعة الشاعر المسرحي سوفوكليس(أوديب ملكًا) خير مثال على ذلك.
وبهذا، يكون جسد الممثل، هو البطل الذي يحدد العلاقة الوجدانية الواعية مع المتلقي، لاسيما في مسرح (جروتوفسكي) الذي يعد من ابرز المشتغلين على جسد الممثل والمؤسسين لـ(المعمل المسرحي) الذي تفرد من بين التجارب المسرحية المعاصرة ، والذي اتخذ من جسد الممثل بؤرة في الاشتغال المسرحي التعبيري.
ثمة عروض مسرحية فقيرة بأنساقها الديكورية، لكنها غنية بانشغالاتها على أجساد الممثلين، عقب التأثيرات التي أحدثتها الاتجاهات المسرحية المعاصرة التي مثلها: جروتوفسكي، برخت، شاينا ، بورشرت ، مايرهولد، كريج، أبيا )... وآخرون.
بمعنى أدق، أن العرض المسرحي الحديث أصبح يعرى من كل شيء، إلا من جسد الممثل، منبع الحركات والتكوينات، والإشارات، فهو منتج العرض وصانع الجمال فيه.
ثمة العديد من العروض المسرحية التي قدمت على خشبات مسارح العاصمة بغداد والمحافظات، كانت أجساد الممثلين فيها صاحبة الثقل الرئيس كما في عروض المخرج العراقي المغترب ( طلعت السماوي) والمخرج العراقي المغترب أيضاً(قاسم البياتي)، وهي عروض راقصة تعول على اجساد الممثلين في ابتكار التكوينات والكتل الفنية المتحركة المنتجة للدراما الراقصة.
وفي تلك العروض، تُستفز طاقات الممثلين إلى أقصاها، بقصد تحقيق البعد الجمالي الناتج من بناء الأجساد المتحول بحسب الخطة الإخراجية وضرورات الفعل الدرامي والذائقة الجمالية.
من العروض العراقية التي وظّفت أجساد الممثلين عرض(شكراً لساعي البريد) الذي وازن فيه المخرج د. سامي عبد الحميد بين لغة الحوار ولغة الجسد ، بوساطة أدوات جسدية ذات بعد إيحائي ، وكذلك عرض(هللويا) الذي ينتمي إلى مسرح القسوة، إذ أحال المخرج(أسامة السلطان) عرضه إلى احتفال مأساوي والشخصيات فيه تماهت مع بعضها وحتى جذع الشجرة المتيبس كان بمثابة جسد منخور، إنه عرض متحرك.
أما عرض(نار من السماء) سيناريو وإخراج علي طالب، فقد كان مثالاً رائعاً لتوظيف الأجساد التي كانت أبرز العلامات السيمائية في العرض التعبيري حتى استحال العرض إلى نص أدائي مترع بالحركات والإيماءات الجسدية.
وكذلك العرض الموسوم(نقطة الفراغ) تأليف ضياء سالم وإخراج قاسم السومري، وفيه راح الممثلون يسبحون في الفضاء مخترقين المكان وأطره التقليدية من خلال تلك الأجساد التي شغلت حيزاً فيزيائياً في الفراغ فاكتسبت وجودها الفيزيقي والروحي معاً.
وفي عرض(الطريق) تأليف وإخراج منعم سعيد يكون هذا العرض الصامت من أبلغ العروض التي اشتغلت على جسد الممثل بمصاحبة الموسيقى واللون، وأن كل عروض(البانتومايم) يكون رأسمالها جسد الممثل. وفي عرض مسرحية(الحر الرياحي) إخراج كريم رشيد يكون جسد الممثل العلامة الكبرى فكانت أجساد الممثلين، بمثابة المعصرات التي أمطرت العرض بممكنات الوعي الجمالي، فكان عرضاً تجريبياً بامتياز.
د. باسم الأعسم
* عن الصباح