( السؤال الأساسي للعدمية هو ما جدوى ذلك ).. نيتشيه
لماذا كان ثمة عدم ولم يكن بالأحرى وجود؟ هل لأن العدم أسهل من أي شيء؟ وكيف أضحى يتحكم في فعل الكينونة؟ وما الذي يجعل عصرنا عصراً عدميا؟
مهما يكن الجواب عن هذه الأسئلة مدهشاً، فالأوان قد آن للتفكير في الحقيقة من خلال العقلانية الرشدية، بعدما استنفدت كل زمانها في التسول الصوفي والكلامي، وأغرقت الروح في الخرافة والشعوذة. ولذلك فإن الروح التي تسود قد فقدت شعلتها ولم تعد تلمع كمنارة للحضارة، بل كتمثال للفوضى الكونية، عدمية مقدسة، تمتزج عناصر الزمن في خليط قديم، توقفت عند تهافت الفلاسفة، هكذا جاء سؤالها عن العدم أعمق من سؤالها عن الوجود، مادام أن الفكر الذي ينبغي أن يفكر اختفى في هذه الفوضى المطلقة، وحيث نقول إن العدمية تسود، ومن خلالها تتحدد الرؤية للعالم، فمعنى ذلك أن الزمن ظل ثابتا في مكانه، لا يتحرك، إنه الأزلي الذي يتحدث عنه الفكر اللاهوتي. أما الزمان باعتباره ممزقا للكينونة إلى ماض وحاضر ومستقبل، فإنه يظل هو الغائب الأكبر، لأن الميتافيزيقا رحلت برحيل الفلسفة.
وفي أعماق هذا النشيد الذي أبدعته الميتافيزيقا تتعرف الروح على هويتها وتأمل أن تظهر ثورة عقلانية في هذا البلاد من المذهب الرشدي واكتماله «فالروح قد تجاوزت الآن الحياة الجوهرية التي عاشتها من قبل في عنصر الفكر، أي أنها تجاوزت مباشرة الإيمان وتجاوزت أيضا رضا اليقين والسكينة. وما كان للوعي الذاتي من رضى باليقين وسكينته، بل ترغب توافقها مع وجودها الجوهري».
بإمكان هذه الروح التي اعتقلت في سجن الأشاعرة والمتصوفة، أن تبحث عن حريتها في العقلانية الرشدية، وتؤسس لوجودها في الفكر التنويري، ولذلك فإنها مطالبة بأن تجعل من حياتها حكمة للميتافيزيقا. لأن ما حرر من الميتافيزيقا هو نفسه الميتافيزيقا فالضد يتعرف على ضده في الوحدة التي تكاد تجمعها. وربما أن الذين يجعلون من حكمة الميتافيزيقا حماقة هذا العالم، فهم مجانين ولا يمكن أن نسير في طريقهم، الذي يقود إلى الانهيار. لكم الحق في الجنون، وليس لكم الحق في الحكم علينا بالجنون، لأن السكن في الأرض نفسها ليس معناه الانتماء إلى الأنطولوجيا نفسها، خاصة أن نسيان الوجود يؤدي إلى الإقامة الشقية في العدم.
في قمة هذا الانتشاء بنعمة الوجود، تقف الفلسفة باعتبارها دهشة تحرض الإنسان على الإقامة الشعرية في أسئلة الوجود والزمان، إذ ليس هناك من سبيل إلى بلوغ مقام الدهشة إلا بالصعود في طريق المدهش من خلال سؤال الوجود. والفيلسوف وحده يستطيع أن يصل إلى هذا المقام، ولذلك نجد أفلاطون يقول: «هذا الانفعال أو العاطفة، يعني الدهشة، يميز الفيلسوف حقا، وليس للفلسفة أصل سواه». فالأصل يسود وينتج الأشياء، إنه بذرة شجرة الفلسفة: «ومن خلال الدهشة بدأ الناس الآن وفي أول الأمر يتفلسفون، كما قال أرسطو».
والحال أن الدهشة تحولت إلى قدر يخترق الإنسان أينما كان، ويسمو به إلى روعة السؤال الأنطولوجي، هكذا اخترق هذا السؤال كينونة ابن رشد، وحمله معه إلى مراكش، وقام بغرس شجرة الفلسفة، بيد أن الأيام تنكرت له، وحل السخط بالفلاسفة وصارت كتبهم ترمى في النار، ولم يعد بإمكان الإنسان الحكيم أن يشتغل بالفلسفة إلا في السر، وربما كون قدر الرشدة الحزن، ولذلك فإن عودتها إلى المغرب استقبلت بالدسائس والتهم الملفقة، ولم تستطع الصمود. ولعل ما نقوم به الآن مجرد إعلان عن الرشدية العقلانية.
ومع ذلك فإن الحقيقة تقتل، أو بالأحرى تقتل نفسها حين تتعرف على الأوهام كأساس لها. لأنها زائدة ومعشوقة لذاتها، تصطحب نقاء العقل، والعدل، يتبعها الاعتدال، ولا تستقر إلا حين يلمع الرجال الذين يحبون الحكمة والحرية، وتفر عندما تكتشف إنها في مجتمع العبيد، إذ ليست هناك حقيقة بدون فلسفة. كما أن الفلسفة تموت بمجرد هروب الحقيقة.
فأين ما كان الإنسان هناك الفلسفة، والإنسان أزلي، يوجد في كل مكان من الوجود، لكن للفلسفة صفات محددة في الإنسان الذي تبحث عنه، منها سهولة التعلم، وقوة الذاكرة، والشجاعة، وكبر النفس: «فإذا اكتملت هذه الصفات لشخص، الا يكون منذ حداثته أبرز أقرانه، وخاصة إذا كانت صفاته الجسمية متمشيه مع صفاته الروحية «. ومن المحتمل أن يكون هذا الحذر السقراطي، يسعى إلى حماية الفلسفة من تلك الأرواح النمطية الوضعية التي تتآمر على الفلسفة، من أجل تدميرها، والحكم على الفيلسوف بالحقيقة الرحيل أو الإعدام : «وهكذا، يقول سقراط، تترك الفلسفة وحيدة وكأنها فتاة تخلى عنها أقرب الناس إليها، ذلك أن ذوي الطبائع الضعيفة ممن أثبتوا براعتهم في حرفهم الوضعية يجدون المجال هنا مفتوحاً أمامهم على اقتحام دارها وتلطيخ شرفها «. هكذا تكبر معاناة الفلسفة إلى أن تصير محنة للفيلسوف.
الفلسفة والفيلسوف وجهان مشرقان لمستقبل أفضل، بيد أن قيمة هذا المستقبل لا يمكن أن يعرفها سوى العقلاء الأصفياء، أما البهائم فتنغمس في اللذات الحسية، لأن الحمير تفضل القش على الذهب. ولذلك نجد الفلسفة مزدهرة في شمال البحر المتوسط، ومنبودة في جنوبه، بل إن الجنوب يصدر الفلاسفة إلى الشمال سواء كانوا أحياء او أمواتاً. فبأي معنى يمكن إثارة تراجيديا الفلسفة الآن؟ ومن سيسمع لهذا النداء؟ ألا تكون هذه الأمة تبحث عن الشعير أكثر ما تبحث عن الحكمة؟ ألا يكون غياب الحكماء أفضل من عودتهم؟
ومع مجيء روح العصر الذي ننتظره تصبح النهضة العقلانية مشروعاً ممكنا، ويتم تجاوز المصير التاريخي، عندما تمتزج الروح بالزمان، لأن الزمان كما يقول هيغل هو ضرورة الروح ومصيرها: «الروح التي تصل إلى حقيقتها تنكسر كشعاع من النور في الماضي والحاضر والمستقبل، وما أن تبلغ الروح المعرفة المطلقة حتى تمحو الزمان وتطفئه «. وبلغة رائعة، فإن التاريخ يتوقف حين يتحقق، خاصة كلما لبس الروح ثوب الوعي الذاتي وتجلت من خلال مصيرها، ودمرت صور وجودها الماضية، وانتقلت من الذاكرة والتكرار إلى الإبداع والعظمة، إنها الروح المفكرة والحضارة.
بإمكان الفلسفة تفسير العالم وتغييره في الآن نفسه، ولذلك فإن الثورة الفلسفية تتحرك بواسطة التنوير، من أجل تحقيق السعادة بعد القضاء على التناقضات التاريخية، مادام أن بنية العالم القديم تحمل في جوفها جدلية العبد والسيد، لأن هذا الطابع الجدلي هو المحرك الأول للوعي التاريخي، الذي ينطلق نحو الممارسة من خلال التنظير. فما معنى الوجود لما هو تاريخي؟ وكيف يصبح التاريخ هو مصير الإنسان؟ وكيف يستطيع الفكر الجدلي أن ينفلت من الوجود إلى التاريخ؟ والحال أن مفهوم الأنطولوجي للحياة هو الغائب الأكبر عند تلك الشعوب الشقية، التي يقول عنها هيغل بأنها سعيدة لعدم ملكيتها للوعي التاريخي، بيد أن هذه السعادة البدائية لم تخضع للتراكم المعرفي، مادام أنها بعيدة عن المفهوم الأنطولوجي للحياة، مقتصرة على المفهوم الأسطوري لهذه الحياة. يحاصرها التفسير التقليدي للنص المقدس، هكذا تكون السماء مقدسة والأرض مدنسة، ولذلك لم يعد الوعي الذاتي هو المشترك بين الفكر والوجود، بل ذلك الوعي البائس الذي يعبر عن فقر الحياة هو السائد.
فتاريخ الوجود، عند الفلاسفة، ليس شيئاً آخر سوى نشوء وتطور ناتج عن الحركة، وبعبارة هيغل، الحركة بوصفها طابعاً جوهرياً للوجود، تتغلغل في مفهومه الأنطولوجي للحياة. وبما أن الحاجة إلى الفلسفة تكون في مرحلة الاضطرابات، فإن حياة الإنسان بدون فلسفة تظل عديمة الأهمية، خاصة أن الحياة هي « التي منها يبدأ وإليها يعود» تتأسس حول الانقسام الذي هو مصدر الحاجة إلى الفلسفة ، من حيث أنها ثقافة العصر، وتجل المطلق عن المطلق.
لماذا كان ثمة عدم ولم يكن بالأحرى وجود؟ هل لأن العدم أسهل من أي شيء؟ وكيف أضحى يتحكم في فعل الكينونة؟ وما الذي يجعل عصرنا عصراً عدميا؟
مهما يكن الجواب عن هذه الأسئلة مدهشاً، فالأوان قد آن للتفكير في الحقيقة من خلال العقلانية الرشدية، بعدما استنفدت كل زمانها في التسول الصوفي والكلامي، وأغرقت الروح في الخرافة والشعوذة. ولذلك فإن الروح التي تسود قد فقدت شعلتها ولم تعد تلمع كمنارة للحضارة، بل كتمثال للفوضى الكونية، عدمية مقدسة، تمتزج عناصر الزمن في خليط قديم، توقفت عند تهافت الفلاسفة، هكذا جاء سؤالها عن العدم أعمق من سؤالها عن الوجود، مادام أن الفكر الذي ينبغي أن يفكر اختفى في هذه الفوضى المطلقة، وحيث نقول إن العدمية تسود، ومن خلالها تتحدد الرؤية للعالم، فمعنى ذلك أن الزمن ظل ثابتا في مكانه، لا يتحرك، إنه الأزلي الذي يتحدث عنه الفكر اللاهوتي. أما الزمان باعتباره ممزقا للكينونة إلى ماض وحاضر ومستقبل، فإنه يظل هو الغائب الأكبر، لأن الميتافيزيقا رحلت برحيل الفلسفة.
وفي أعماق هذا النشيد الذي أبدعته الميتافيزيقا تتعرف الروح على هويتها وتأمل أن تظهر ثورة عقلانية في هذا البلاد من المذهب الرشدي واكتماله «فالروح قد تجاوزت الآن الحياة الجوهرية التي عاشتها من قبل في عنصر الفكر، أي أنها تجاوزت مباشرة الإيمان وتجاوزت أيضا رضا اليقين والسكينة. وما كان للوعي الذاتي من رضى باليقين وسكينته، بل ترغب توافقها مع وجودها الجوهري».
بإمكان هذه الروح التي اعتقلت في سجن الأشاعرة والمتصوفة، أن تبحث عن حريتها في العقلانية الرشدية، وتؤسس لوجودها في الفكر التنويري، ولذلك فإنها مطالبة بأن تجعل من حياتها حكمة للميتافيزيقا. لأن ما حرر من الميتافيزيقا هو نفسه الميتافيزيقا فالضد يتعرف على ضده في الوحدة التي تكاد تجمعها. وربما أن الذين يجعلون من حكمة الميتافيزيقا حماقة هذا العالم، فهم مجانين ولا يمكن أن نسير في طريقهم، الذي يقود إلى الانهيار. لكم الحق في الجنون، وليس لكم الحق في الحكم علينا بالجنون، لأن السكن في الأرض نفسها ليس معناه الانتماء إلى الأنطولوجيا نفسها، خاصة أن نسيان الوجود يؤدي إلى الإقامة الشقية في العدم.
في قمة هذا الانتشاء بنعمة الوجود، تقف الفلسفة باعتبارها دهشة تحرض الإنسان على الإقامة الشعرية في أسئلة الوجود والزمان، إذ ليس هناك من سبيل إلى بلوغ مقام الدهشة إلا بالصعود في طريق المدهش من خلال سؤال الوجود. والفيلسوف وحده يستطيع أن يصل إلى هذا المقام، ولذلك نجد أفلاطون يقول: «هذا الانفعال أو العاطفة، يعني الدهشة، يميز الفيلسوف حقا، وليس للفلسفة أصل سواه». فالأصل يسود وينتج الأشياء، إنه بذرة شجرة الفلسفة: «ومن خلال الدهشة بدأ الناس الآن وفي أول الأمر يتفلسفون، كما قال أرسطو».
والحال أن الدهشة تحولت إلى قدر يخترق الإنسان أينما كان، ويسمو به إلى روعة السؤال الأنطولوجي، هكذا اخترق هذا السؤال كينونة ابن رشد، وحمله معه إلى مراكش، وقام بغرس شجرة الفلسفة، بيد أن الأيام تنكرت له، وحل السخط بالفلاسفة وصارت كتبهم ترمى في النار، ولم يعد بإمكان الإنسان الحكيم أن يشتغل بالفلسفة إلا في السر، وربما كون قدر الرشدة الحزن، ولذلك فإن عودتها إلى المغرب استقبلت بالدسائس والتهم الملفقة، ولم تستطع الصمود. ولعل ما نقوم به الآن مجرد إعلان عن الرشدية العقلانية.
ومع ذلك فإن الحقيقة تقتل، أو بالأحرى تقتل نفسها حين تتعرف على الأوهام كأساس لها. لأنها زائدة ومعشوقة لذاتها، تصطحب نقاء العقل، والعدل، يتبعها الاعتدال، ولا تستقر إلا حين يلمع الرجال الذين يحبون الحكمة والحرية، وتفر عندما تكتشف إنها في مجتمع العبيد، إذ ليست هناك حقيقة بدون فلسفة. كما أن الفلسفة تموت بمجرد هروب الحقيقة.
فأين ما كان الإنسان هناك الفلسفة، والإنسان أزلي، يوجد في كل مكان من الوجود، لكن للفلسفة صفات محددة في الإنسان الذي تبحث عنه، منها سهولة التعلم، وقوة الذاكرة، والشجاعة، وكبر النفس: «فإذا اكتملت هذه الصفات لشخص، الا يكون منذ حداثته أبرز أقرانه، وخاصة إذا كانت صفاته الجسمية متمشيه مع صفاته الروحية «. ومن المحتمل أن يكون هذا الحذر السقراطي، يسعى إلى حماية الفلسفة من تلك الأرواح النمطية الوضعية التي تتآمر على الفلسفة، من أجل تدميرها، والحكم على الفيلسوف بالحقيقة الرحيل أو الإعدام : «وهكذا، يقول سقراط، تترك الفلسفة وحيدة وكأنها فتاة تخلى عنها أقرب الناس إليها، ذلك أن ذوي الطبائع الضعيفة ممن أثبتوا براعتهم في حرفهم الوضعية يجدون المجال هنا مفتوحاً أمامهم على اقتحام دارها وتلطيخ شرفها «. هكذا تكبر معاناة الفلسفة إلى أن تصير محنة للفيلسوف.
الفلسفة والفيلسوف وجهان مشرقان لمستقبل أفضل، بيد أن قيمة هذا المستقبل لا يمكن أن يعرفها سوى العقلاء الأصفياء، أما البهائم فتنغمس في اللذات الحسية، لأن الحمير تفضل القش على الذهب. ولذلك نجد الفلسفة مزدهرة في شمال البحر المتوسط، ومنبودة في جنوبه، بل إن الجنوب يصدر الفلاسفة إلى الشمال سواء كانوا أحياء او أمواتاً. فبأي معنى يمكن إثارة تراجيديا الفلسفة الآن؟ ومن سيسمع لهذا النداء؟ ألا تكون هذه الأمة تبحث عن الشعير أكثر ما تبحث عن الحكمة؟ ألا يكون غياب الحكماء أفضل من عودتهم؟
ومع مجيء روح العصر الذي ننتظره تصبح النهضة العقلانية مشروعاً ممكنا، ويتم تجاوز المصير التاريخي، عندما تمتزج الروح بالزمان، لأن الزمان كما يقول هيغل هو ضرورة الروح ومصيرها: «الروح التي تصل إلى حقيقتها تنكسر كشعاع من النور في الماضي والحاضر والمستقبل، وما أن تبلغ الروح المعرفة المطلقة حتى تمحو الزمان وتطفئه «. وبلغة رائعة، فإن التاريخ يتوقف حين يتحقق، خاصة كلما لبس الروح ثوب الوعي الذاتي وتجلت من خلال مصيرها، ودمرت صور وجودها الماضية، وانتقلت من الذاكرة والتكرار إلى الإبداع والعظمة، إنها الروح المفكرة والحضارة.
بإمكان الفلسفة تفسير العالم وتغييره في الآن نفسه، ولذلك فإن الثورة الفلسفية تتحرك بواسطة التنوير، من أجل تحقيق السعادة بعد القضاء على التناقضات التاريخية، مادام أن بنية العالم القديم تحمل في جوفها جدلية العبد والسيد، لأن هذا الطابع الجدلي هو المحرك الأول للوعي التاريخي، الذي ينطلق نحو الممارسة من خلال التنظير. فما معنى الوجود لما هو تاريخي؟ وكيف يصبح التاريخ هو مصير الإنسان؟ وكيف يستطيع الفكر الجدلي أن ينفلت من الوجود إلى التاريخ؟ والحال أن مفهوم الأنطولوجي للحياة هو الغائب الأكبر عند تلك الشعوب الشقية، التي يقول عنها هيغل بأنها سعيدة لعدم ملكيتها للوعي التاريخي، بيد أن هذه السعادة البدائية لم تخضع للتراكم المعرفي، مادام أنها بعيدة عن المفهوم الأنطولوجي للحياة، مقتصرة على المفهوم الأسطوري لهذه الحياة. يحاصرها التفسير التقليدي للنص المقدس، هكذا تكون السماء مقدسة والأرض مدنسة، ولذلك لم يعد الوعي الذاتي هو المشترك بين الفكر والوجود، بل ذلك الوعي البائس الذي يعبر عن فقر الحياة هو السائد.
فتاريخ الوجود، عند الفلاسفة، ليس شيئاً آخر سوى نشوء وتطور ناتج عن الحركة، وبعبارة هيغل، الحركة بوصفها طابعاً جوهرياً للوجود، تتغلغل في مفهومه الأنطولوجي للحياة. وبما أن الحاجة إلى الفلسفة تكون في مرحلة الاضطرابات، فإن حياة الإنسان بدون فلسفة تظل عديمة الأهمية، خاصة أن الحياة هي « التي منها يبدأ وإليها يعود» تتأسس حول الانقسام الذي هو مصدر الحاجة إلى الفلسفة ، من حيث أنها ثقافة العصر، وتجل المطلق عن المطلق.