لا أخالني في معرض المكاشفة الفلسفية للعبارة – العنوان " أنا أتفلسف إذاً أنا موجود " على الصعيد العربي، إنما في عراء المقاربة النقدية لها كمفهوم، حيث إن محفّز الكتابة فيها/ عنها، يستند إلى مسوّغات تمثّلها " أو هكذا أرى "، وهي أن الكلام عن التفلسف عربياً يسيء إلى أصل الفلسفة، إلى الفلسفة المأثورة في قياماتها، بما أن الذين انشغلوا بها ماضياً وحاضراً، لم يعايشوا من خلال ذلك، المخاضَ الذي يتلبس المرء في امتداد حياته الواعية، أي:
حيث يتوقف الزمن المعهود بتقسيماته: الماضي، الحاضر والمستقبل، وتكون الأبدية هي " المغذي " للكلام المشار إليها، وربما جاز القول أن هناك ثراء هائلاً للزمن في الكتابات العربية وتفريعات، ولكنه لا يُحتَسب على الفلسفة، لانعدام الحاضن الاجتماعي والروحي للفلسفة، وكيفية التحرر من " ربقة " الزمان " وأثقاله من التبعيات الكبرى، وهنا تكمن مصائد النحو عربياً .
حيث لا تكون الذات التي يجري تنويرها وتأطيرها هي بيت القصيد في الفلسفة المتاحة، وبوصفها فلسفة، من خلال اقتصاد الكلمات المطلوب طبعاً، إنما ذات واهمة، متوهمة ليست قادرة على التعبير الصراح عن الفكر الذي يلغي شاطئه بمقدار ما يستغرق في محيط لا تُرى حدوده، أي ذات شخصية عامرة، قادرة على الكلام والكتابة دون النظر في نقاط المراقبة من حولها، ودون أن تستشعر انقساماً: الذات- الموضوع، وهي ثنائية لطالما مارست إعدام كل لحظة تنبىء بمجيء كائن فلسفي يتكلم لغة مائزة، يتكلم العربية دون أن يُتلمَّس فيها حضور الآخر المستلَف أو المستعان به كثيراً. لنصارح: ثمة استعارة " قضيبية " للآخر لإثبات فحولة معلنة، إنما تكون محكومة بعدم الإنجاب جرّاء هذا الفعل الاحتوائي بالآخر " الجليل- المهيب ".
حيث يشهد التراكم المعرفي على وجود هويات فلسفية وليست هوية واحدة، وجود من يتنفسون الفلسفة دونما اعتبار لما هو قائم من موانع" طواطم، تابوات، أو وصائيات "، إذ إن ما يحدُّ الكلام الفلسفي هو نفسه، أي ما يلغي كل حدود، ومن يسمح بالعبور ويكون هناك الداخل والخارج وعسْر التواصل بين العالمين . أكاد أجزم هنا أن ليس لدينا أي تراكم معرفي رغم مئات الأطاريح التي تزعم أنها ذات سلالة فلسفية، وذلك من خلال الإشارة إلى آلاف مؤلفة من الكتب الناطقة بالعربية أماً وأباً، ولكن مجرد الرهان على مقولة كهذه، حتى ينهار كل دعم للفكرة أساساً، كون الحديث عن التراكم المعرفي يفصح عن سلوكيات رائعة، مدهشة من الذوات التي تتفاعل مع بعضها بعضاً، ولكل منها سلطة تمنحها حق ممارسة الوجود بالطريقة التي تبرز فيها الذات المتفلسفة وكأنها ولِدت دون أب، وتترعرع دون أن تجسّد فكرة الأبوة حتى يتاح لها التحرك البري- البحري- الفضائي، ويكون كل الموجود مسخراً في خدمة ما ترمي إليه، وانطلاقاً من تلك الممارسة النقدية التي لا تحتاج تفويضاً مباشراً أو غير مباشر لاستدراج أي موضوع، وقد انعدم " الفوق- التحت، وجهاتهما " انعدم أخذ الموجود بالقوة الراهبة سلطوياً بالحسبان، مع إيمان معمق مسبق بأن الناقد في النقد منقود ليكتسب انتماء في الوجود .
الكلام في نطاق " أنا أتفلسف إذاً أنا مفقود " مقرَّر من داخله، وبمجرد التفوه بالجملة/ العبارة، حتى تتبدى المأساة المريعة لحقيقة ما ليس فلسفياً، أي عندما تكون المأساة أرضية كبرى للفلسفة، دون وجود أسياد وعبيد فيها، بمقدار ما يكون وعي الذات، وحرية الذات المؤمَّمة مسبقاً من أي مرجعية ضاغطة/ لاجمة، هو المرجع الرئيس في ذلك .
نعم، يمكننا الحديث عن مئات المؤلفات التي تطرَح سنوياً وفي نطاق " الكتابة الفلسفية "، إنما هل حقاً تحمل تلك جنسية الفلسفة وما فيها من النظر اللامتناهي إلى العالم من حولها ؟ أي عمق ذاتي يعزز في مقولة الاسم: المؤلف، ويعترف بملكية الفكرة المطروحة لديه وما إذا كانت مسروقة، أو مستلفة وغير معمول عليها لتحميلها بصمة الكاتب المؤلف، أو تكون مهجنة ولكن دون وجود ما يفصح عن قابلية الهضم والخلوص إلى كينونة تتكلم بلسان فصيح، وكسلطة نافذة؟
لحظة النظر في الجاري، يُلاحَظ هذا الحضور المفتوح، حضور يلغي الزمن وعمقه النهري " لا نهر في الكتابة الزاعمة أنها فلسفية عربياً، إنما هناك مسيل مائي سرعان ما يجف ، هناك أمطار موسمية، بالسرعة التي تنهمر فيها تختفي كما لو أنها لم تكن جهة الفاعلية، بينما النهر فهو مشدود بين منبع لا يُتحكَم بدفقه، بانتبثاقه، ومصب يوسّع النطاق الذي يتمثله ويضطرد عمقاً مع الزمن، حيث كتابته تخرج عن محمية الزمن " بتاريخ كذا " وتكون رحالة كأنها وليدة للتو.
إذ ثمة ما هو نسَبي فظيع جهة السلطة المخوّلة لهذه الكتابات التي تسمى بالفلسفية: نسب أبوي، محكوم بما هو عائلي، تقليدي، مذهبي محجّر. كون الكلام الفلسفي منزوع الأب، وفي الوقت الذي يكون أباً، أي قدرته على الإنجاب، في الوقت الذي يكون المأخوذ بالفلسفة رحماً يستغرقه وما في ذلك من نشوة معايشة القول الفلسفي، ويقبل موته عندما يحين موعده، حين يتم قتل هذا الأب، وهو مجازي، من جهة من يقرأه ويقبل على كتابته، ولكنه لكي ينحّيه جانباً ويبقيه داخلاً يهضمه، فيكون أكاله، وهو ابنه السعيد به، ليصبح من جهته الأب الموعود فالمقتول باحترام.
ولكم كنت أتمنى من خلال كتابات لي " أكثر من مؤلف لي في هذا المجال " أن أعثر على هذا الكلام الذي ما إن تسمعه حتى تشعر بالحضور الفلسفي المفتوح المدى، فكنت أحبَط، كان ظني يخيب، ومصدر الخيبة في واقع أمره هو في وجود نماذج كتابية كثيرة: طويلة وقصيرة، ومتوسطة، وتقدَّم فلسفياً، ولكن مجرد تهجئة عدة عبارات حتى تختفي الذات المتكلمة تلك التي تعي خصوصيتها، وتعرف الآخر ذاك الذي يكون حضوره في عملية التفاعل محكاً لعمران فلسفي مشترك، إذ إن الذي يعايَن في هذه الكتابات هو التأثر السلبي، هو التقليد الذي يعدم الساعي إلى التجديد، هو الافتتان بالآخر والذي لا يكف عن الصمت أو عن الحضور في مجمل ما يصاغ ويشكل مفهوم " النص الفلسفي ". إذ بعيداً عن الأمثلة، فهي من الكثرة، إلى درجة أن مجرد الاستعانة ببعض منها" هنا " ربما يوحي بأن المقصود هو ما أشير إليه، والحال أن المقصد في الكلام/ الكتابة هو ما يضعنا إزاء تنويعات شعورية لها أبويات استحكامية: أحدهم يتكلم في الفلسفة وهو مقيد ومعمم ومأخوذ من الداخل بزاوية نظر واحدة: مذهبية دينية وذات مرجعية آبائية تلغي كل اعتراف بالآخر. أحدهم يتكلم في الفلسفة وبمزيد من النشوة كما توحي عباراته، ولكن حضور الآخر الطاغي بموضوعاته، بعجره وبجره، كما لو أنه " اللوح المحفوظ "، في المرجعية والاتكاء، يحول دون حصوله على أي " ترخيص " بالممارسة الفلسفية في أرض بوار، أو جراءد، أو تكثر فيها العقارب والحيات الشديدة السمّية: عادات وتقاليد. أحدهم يتكلم بلسان الفلسفة، بلسان ذرب، ولكن إمعان النظر فيه، يصدم، لأن هناك ما هو قار في بنيته، ما يكون خميرتَه، وجزيرته وجريرته، إن جاز التعبير، حيث يمارس تمويهاً، ويتكلم الآخر بلغته الأم، بأقوال وإشادة بلسلوكيات وهو دونه مقاماً، أعني كلاماً ....
في ضوء هذا المتحرَّك به، لا ينبغي الحديث عن فكرة التناقضات وجماليتها على مستوى التفكير الناجم عنها، لأن الموجود منبن على هذه المفارقات ليعيش جديده المستمر، هناك النقائض ببعدها الشعر الهجائي الإقصائي " حيث يعيش متكلم الفلسفة هنا جريراً والفلسفة "، إن المعايشة الشعرية القائمة على الصور والانفعال والنظر الحدودي التقطيعي ينفي انتساباً له إلى ما هو فلسفي حيث تصبح الذات أكثر من كونها ذاتها في صيرورتها المثمرة .
بالتالي، ليس هناك من حوار يمكننا التوقيع عليه، لأن الحوار تأكيد الديناميات الكبرى لذوات حرة، طليقة، تعيش كل منها ذلك الوجود الذي لا ينفك يتهدد موجوده إن بقي " مستنقعياً " مؤطراً، لا يعيش مغامرة اللاتناهي والثراء بالآخر دائماً .
وفي مجتمع يعرَف بنفسه، أو يعرَّف به على أنه لم يشب عن طوق المفهوم: المجتمع الفعلي، لم يحقق نصاب المجتمع ليكون مدنياً، مؤسساتياً، أكاديمياً في علومه ومعارفه، وما في ذلك من ولادات لا تسجَّل أمنياً، مجتمع يتقاتل، ويراهن على شيء وحيد: موته المستمر، من خلال عصبياته التي تتكاثر وتتناثر: اجتماعية، سياسية، تربوية، ثقافية وفنية....الخ.
فكيف يصح الكلام في الكلام الفلسفي وهو محكوم بداية ونهاية وما بينهما. في مجتمع الأبوات الظاهرة: السلطوية وأجهزتها الردعية والرقابية المختلفة، والأفضح: الخفية من خلال " أولي أمر التفلسف المزعوم " يغدو كل كلام عن الفلسفة تشهيراً بها، إنما في الآن عينه تعرية ذاتية لذات مشوهة، عوراء، تعيش قصوراً مزمناً في روحها المبدعة !
حيث يتوقف الزمن المعهود بتقسيماته: الماضي، الحاضر والمستقبل، وتكون الأبدية هي " المغذي " للكلام المشار إليها، وربما جاز القول أن هناك ثراء هائلاً للزمن في الكتابات العربية وتفريعات، ولكنه لا يُحتَسب على الفلسفة، لانعدام الحاضن الاجتماعي والروحي للفلسفة، وكيفية التحرر من " ربقة " الزمان " وأثقاله من التبعيات الكبرى، وهنا تكمن مصائد النحو عربياً .
حيث لا تكون الذات التي يجري تنويرها وتأطيرها هي بيت القصيد في الفلسفة المتاحة، وبوصفها فلسفة، من خلال اقتصاد الكلمات المطلوب طبعاً، إنما ذات واهمة، متوهمة ليست قادرة على التعبير الصراح عن الفكر الذي يلغي شاطئه بمقدار ما يستغرق في محيط لا تُرى حدوده، أي ذات شخصية عامرة، قادرة على الكلام والكتابة دون النظر في نقاط المراقبة من حولها، ودون أن تستشعر انقساماً: الذات- الموضوع، وهي ثنائية لطالما مارست إعدام كل لحظة تنبىء بمجيء كائن فلسفي يتكلم لغة مائزة، يتكلم العربية دون أن يُتلمَّس فيها حضور الآخر المستلَف أو المستعان به كثيراً. لنصارح: ثمة استعارة " قضيبية " للآخر لإثبات فحولة معلنة، إنما تكون محكومة بعدم الإنجاب جرّاء هذا الفعل الاحتوائي بالآخر " الجليل- المهيب ".
حيث يشهد التراكم المعرفي على وجود هويات فلسفية وليست هوية واحدة، وجود من يتنفسون الفلسفة دونما اعتبار لما هو قائم من موانع" طواطم، تابوات، أو وصائيات "، إذ إن ما يحدُّ الكلام الفلسفي هو نفسه، أي ما يلغي كل حدود، ومن يسمح بالعبور ويكون هناك الداخل والخارج وعسْر التواصل بين العالمين . أكاد أجزم هنا أن ليس لدينا أي تراكم معرفي رغم مئات الأطاريح التي تزعم أنها ذات سلالة فلسفية، وذلك من خلال الإشارة إلى آلاف مؤلفة من الكتب الناطقة بالعربية أماً وأباً، ولكن مجرد الرهان على مقولة كهذه، حتى ينهار كل دعم للفكرة أساساً، كون الحديث عن التراكم المعرفي يفصح عن سلوكيات رائعة، مدهشة من الذوات التي تتفاعل مع بعضها بعضاً، ولكل منها سلطة تمنحها حق ممارسة الوجود بالطريقة التي تبرز فيها الذات المتفلسفة وكأنها ولِدت دون أب، وتترعرع دون أن تجسّد فكرة الأبوة حتى يتاح لها التحرك البري- البحري- الفضائي، ويكون كل الموجود مسخراً في خدمة ما ترمي إليه، وانطلاقاً من تلك الممارسة النقدية التي لا تحتاج تفويضاً مباشراً أو غير مباشر لاستدراج أي موضوع، وقد انعدم " الفوق- التحت، وجهاتهما " انعدم أخذ الموجود بالقوة الراهبة سلطوياً بالحسبان، مع إيمان معمق مسبق بأن الناقد في النقد منقود ليكتسب انتماء في الوجود .
الكلام في نطاق " أنا أتفلسف إذاً أنا مفقود " مقرَّر من داخله، وبمجرد التفوه بالجملة/ العبارة، حتى تتبدى المأساة المريعة لحقيقة ما ليس فلسفياً، أي عندما تكون المأساة أرضية كبرى للفلسفة، دون وجود أسياد وعبيد فيها، بمقدار ما يكون وعي الذات، وحرية الذات المؤمَّمة مسبقاً من أي مرجعية ضاغطة/ لاجمة، هو المرجع الرئيس في ذلك .
نعم، يمكننا الحديث عن مئات المؤلفات التي تطرَح سنوياً وفي نطاق " الكتابة الفلسفية "، إنما هل حقاً تحمل تلك جنسية الفلسفة وما فيها من النظر اللامتناهي إلى العالم من حولها ؟ أي عمق ذاتي يعزز في مقولة الاسم: المؤلف، ويعترف بملكية الفكرة المطروحة لديه وما إذا كانت مسروقة، أو مستلفة وغير معمول عليها لتحميلها بصمة الكاتب المؤلف، أو تكون مهجنة ولكن دون وجود ما يفصح عن قابلية الهضم والخلوص إلى كينونة تتكلم بلسان فصيح، وكسلطة نافذة؟
لحظة النظر في الجاري، يُلاحَظ هذا الحضور المفتوح، حضور يلغي الزمن وعمقه النهري " لا نهر في الكتابة الزاعمة أنها فلسفية عربياً، إنما هناك مسيل مائي سرعان ما يجف ، هناك أمطار موسمية، بالسرعة التي تنهمر فيها تختفي كما لو أنها لم تكن جهة الفاعلية، بينما النهر فهو مشدود بين منبع لا يُتحكَم بدفقه، بانتبثاقه، ومصب يوسّع النطاق الذي يتمثله ويضطرد عمقاً مع الزمن، حيث كتابته تخرج عن محمية الزمن " بتاريخ كذا " وتكون رحالة كأنها وليدة للتو.
إذ ثمة ما هو نسَبي فظيع جهة السلطة المخوّلة لهذه الكتابات التي تسمى بالفلسفية: نسب أبوي، محكوم بما هو عائلي، تقليدي، مذهبي محجّر. كون الكلام الفلسفي منزوع الأب، وفي الوقت الذي يكون أباً، أي قدرته على الإنجاب، في الوقت الذي يكون المأخوذ بالفلسفة رحماً يستغرقه وما في ذلك من نشوة معايشة القول الفلسفي، ويقبل موته عندما يحين موعده، حين يتم قتل هذا الأب، وهو مجازي، من جهة من يقرأه ويقبل على كتابته، ولكنه لكي ينحّيه جانباً ويبقيه داخلاً يهضمه، فيكون أكاله، وهو ابنه السعيد به، ليصبح من جهته الأب الموعود فالمقتول باحترام.
ولكم كنت أتمنى من خلال كتابات لي " أكثر من مؤلف لي في هذا المجال " أن أعثر على هذا الكلام الذي ما إن تسمعه حتى تشعر بالحضور الفلسفي المفتوح المدى، فكنت أحبَط، كان ظني يخيب، ومصدر الخيبة في واقع أمره هو في وجود نماذج كتابية كثيرة: طويلة وقصيرة، ومتوسطة، وتقدَّم فلسفياً، ولكن مجرد تهجئة عدة عبارات حتى تختفي الذات المتكلمة تلك التي تعي خصوصيتها، وتعرف الآخر ذاك الذي يكون حضوره في عملية التفاعل محكاً لعمران فلسفي مشترك، إذ إن الذي يعايَن في هذه الكتابات هو التأثر السلبي، هو التقليد الذي يعدم الساعي إلى التجديد، هو الافتتان بالآخر والذي لا يكف عن الصمت أو عن الحضور في مجمل ما يصاغ ويشكل مفهوم " النص الفلسفي ". إذ بعيداً عن الأمثلة، فهي من الكثرة، إلى درجة أن مجرد الاستعانة ببعض منها" هنا " ربما يوحي بأن المقصود هو ما أشير إليه، والحال أن المقصد في الكلام/ الكتابة هو ما يضعنا إزاء تنويعات شعورية لها أبويات استحكامية: أحدهم يتكلم في الفلسفة وهو مقيد ومعمم ومأخوذ من الداخل بزاوية نظر واحدة: مذهبية دينية وذات مرجعية آبائية تلغي كل اعتراف بالآخر. أحدهم يتكلم في الفلسفة وبمزيد من النشوة كما توحي عباراته، ولكن حضور الآخر الطاغي بموضوعاته، بعجره وبجره، كما لو أنه " اللوح المحفوظ "، في المرجعية والاتكاء، يحول دون حصوله على أي " ترخيص " بالممارسة الفلسفية في أرض بوار، أو جراءد، أو تكثر فيها العقارب والحيات الشديدة السمّية: عادات وتقاليد. أحدهم يتكلم بلسان الفلسفة، بلسان ذرب، ولكن إمعان النظر فيه، يصدم، لأن هناك ما هو قار في بنيته، ما يكون خميرتَه، وجزيرته وجريرته، إن جاز التعبير، حيث يمارس تمويهاً، ويتكلم الآخر بلغته الأم، بأقوال وإشادة بلسلوكيات وهو دونه مقاماً، أعني كلاماً ....
في ضوء هذا المتحرَّك به، لا ينبغي الحديث عن فكرة التناقضات وجماليتها على مستوى التفكير الناجم عنها، لأن الموجود منبن على هذه المفارقات ليعيش جديده المستمر، هناك النقائض ببعدها الشعر الهجائي الإقصائي " حيث يعيش متكلم الفلسفة هنا جريراً والفلسفة "، إن المعايشة الشعرية القائمة على الصور والانفعال والنظر الحدودي التقطيعي ينفي انتساباً له إلى ما هو فلسفي حيث تصبح الذات أكثر من كونها ذاتها في صيرورتها المثمرة .
بالتالي، ليس هناك من حوار يمكننا التوقيع عليه، لأن الحوار تأكيد الديناميات الكبرى لذوات حرة، طليقة، تعيش كل منها ذلك الوجود الذي لا ينفك يتهدد موجوده إن بقي " مستنقعياً " مؤطراً، لا يعيش مغامرة اللاتناهي والثراء بالآخر دائماً .
وفي مجتمع يعرَف بنفسه، أو يعرَّف به على أنه لم يشب عن طوق المفهوم: المجتمع الفعلي، لم يحقق نصاب المجتمع ليكون مدنياً، مؤسساتياً، أكاديمياً في علومه ومعارفه، وما في ذلك من ولادات لا تسجَّل أمنياً، مجتمع يتقاتل، ويراهن على شيء وحيد: موته المستمر، من خلال عصبياته التي تتكاثر وتتناثر: اجتماعية، سياسية، تربوية، ثقافية وفنية....الخ.
فكيف يصح الكلام في الكلام الفلسفي وهو محكوم بداية ونهاية وما بينهما. في مجتمع الأبوات الظاهرة: السلطوية وأجهزتها الردعية والرقابية المختلفة، والأفضح: الخفية من خلال " أولي أمر التفلسف المزعوم " يغدو كل كلام عن الفلسفة تشهيراً بها، إنما في الآن عينه تعرية ذاتية لذات مشوهة، عوراء، تعيش قصوراً مزمناً في روحها المبدعة !