صبيحةَ هذا اليوم (الأربعاء 25/11/2015) تذكّرتُ أمّي.
تذكّرتُها وقلتُ: ما أسعدها!
لم تمت مذبوحةً، أو مُعلّقةً في حبلِ مشنقة.
لم تُعانِ من عذابِ الـجَـلدِ أو الرجم، ولم يَتَهدَّدها أحدٌ بالاغتصاب.
لم يَتَفتّتْ لحمها بقذيفةٍ، ولا دُفِـنتْ حيّـةً تحت أنقاضِ مدرسةٍ أو ملجأ.
ماتت لأن الموتَ أَدركَها...
رصاصة في القلب.. رصاصة في الدفتر..
رصاص في السرير.. رصاص على الارصفة..
وتحت الرصاص تحت الرصاص رجال مبعثرون ينهمكون في البحث عن مستندات لاثبات الالم..
مستندات لائقة لاثبات الحب..
جواهر لائقة لاثبات صحة الموتى.. كل على طريقته..
كل على أرض دساتيرها ومقتضيات فرائسها..
عدالات تشيخ...
أريد أن أسأل العصافير كيف تبكي حين تدركها الطَلَقة؟
أريد أن أسأل أشجارَ الغابةْ
كيف تتأوَّهُ حين يُخضِعها الحطابون ويرغمونها على النوم؟
حتى الحجارةُ، وهي تتفتَّت،
أريد أن أعرف مشاعرها الحقيقية،
والنواقيسُ.. كيف لا تسيل دماً أو بكاءً؟
أريد أن أسأل ديدانَ الأرض
عن الظلمات الشديدةِ الكثافة والبردِ...
يا مريمُ العذراء
إحبسي وحيدَكِ في أحشائكْ!
دعيهِ يختنقْ في هيولى بطنكِ الآمن
وهناءةِ مائِكِ الحنونْ.
ولا تُصدّقي أحداً!
لا ملاكاً، ولا طائراً، ولا نجمةَ مجوس.
صدّقيني أنا. وصدّقي حيرةَ قلبِكْ:
إن كان هنالك ربّ
فما حاجةُ العالم إلى ربٍّ إضافيّ ؟
ما حاجتُهُ إلى قبرٍ إضافيّ، وندمٍ إضافيّ، وآلامِ...
هكذا تعوَّدت: أترك بابي مفتوحًا.
في النهار وفي الليل، في الصيف وفي الشتاء، وعلى مدار العهود والأيام، أتركه مفتوحًا، وأعيش، وأنام، وأصحو، ولا أخاف شيئًا.
ذات يوم، وبابي مفتوح، وأنا أتنعَّم بدفء منزلي ودفء نفسي، وأسبح في نور منزلي ونور نفسي، سمعتُ صوت امرأة، حزينًا وحنونًا، يأتي من ظلام الهواء...