ظافر الجبيري

في قرية الرَّهوة الوادعة بين الجبال التي يزينها حصن أبيض طلي قريباً، تنحدر الطرق والبيوت شرقاً حتى أطراف القرية المستقبِلة لشمسٍ ربيعيةٍٍ مُفْعمةٍ بالدفء . صباح الخميس، لا شيء يمنع أن يكون كغيره من أيامنا الهادئة، لولا أن توقّفت سيارةٌ غريبةٌ ، وهبط منها من هبط ، في أول الأمر قالوا نحن من...
الضوءُ كيقينٍ واهِن تحت أضواء المهرجان ومن قلب الضجيج في الملاهي، يشاهد صغارًا يتراكضون ،يتنادون بأسمائهم وأصواتهم الغضة ، كبار يحملون، بحبّ، معاطفَ وأحذيةَ صغارهم..، يتجوّل ذاهلًا عما حوله ،رفع نظره إلى السماء، فشاهد ضوءًا لامعًا، بدا صغيرًا ربما لأنه بعيد، تلمّس الأمر باهتمام واهن ، ربما...
لم ترسل شركةُ المصاعد المهندسَ الذي كانت ترسله كل مرة ،كان فرناندو مشغولا في عمل آخر ، وكان لابد من إرسال غيره لإصلاح مصعد الإدارة . (فراندو) ( هكذا استقر اسمه عند الفرّاشين كبار السن) ،كان وجها مألوفاً للكثيرين ،حتى لكبار السن ..يقدّمون له الشاي ، و يمازحونه بأحاديث ثقيلة عن النساء تنتهي بضحكات...
هلا وغلا ولدت لهما طفلتان ، توأم جميل ، دام الانتظار ثلاث سنوات ونصف ، كاد يُجَنُّ من إلحاف مورس عليه ، وكادت تجن من عدم الشعور بالأمان ، لكن الزهرتين ملأتا البيت فنسي ونسيت كل شيء ، إلا الاسم الذي أعده لإحداهما ( في حالة كونها بنت واحدة ) مع الحرم المصونة اتفق على اسم الاثنتين ، وقالت : اسم...
يقدم القاص الدكتور صالح السهيمي في مجموعته المعنونة (معارج البوح) قصصًا قصيرة جدّا أهداها إلى " الإشارات الجميلة في الحياة"، وكأني به أرادها منذ البدء إشارات إلى القيم الجميلة في سرد مكتنز في سطور قليلة، ومما زاد في ذكاء "الإشارة " مهادنة أهل الفن حين سمّى المجموعة على الغلاف (ق ق ج) ثم مارس...
القطةُ ذات الألوان الثلاثة ظلت طوال سنوات تقيم رابطًا شَرطيًّا بين فتح الباب والطعام الذي يأتيها من فائض أطعمة البيت. اقتربتْ اليومَ من سيارة العائلة، وانتظرتْ تحتها قليلًا، لم تجد من يناديها ليقدّم لها شيئًا مما اعتادت عليه، فألقتْ نظرةً بمواء حزين نحو الباب. ظِلال تدخل وتخرج، والقطة التي...
مرثية حين تقترب الشمس من رحيلها، تكسو المكان نقاباً أصفر ،يبدو معه ظلّ الحصن متهالكاً وممتداً بسموّ فوق بيوت القرية وأزقتها. تتقدم أقدام العجوز المشرَّخة بالحكايات والأشواك نحو الحصن، يقترب ، تستقبله حجارة متناثرة، تمتدّ في طريقه مبعثرةً في اتجاه المقبرة التي تحتضن نوماً قديماً، حجارة...
أسكن أحدُهم حيةً في بعض بيته . كان محبًّا للخير، فأشفق عليها ورقّ لحاجتها لدفء يخرجها من حياتها السابقة، مع سبب آخر تكشفه الأيام، كما يكشف المعدن عن أصله. ويمكن القول إنه أراد أن ينتشر الخيرُ في أرجاء بيته الواسع، حين شجّعه انجذابُه لملمسها الناعم وارتياحه البريء لرقة قشرتها الخارجية . أجرى...
في الاتصال الأسبوعي ، وحين تلتقط بعض حديثه مع ابنتيه الصغيرتين، تسمع حديثَ قلبٍ لم تهزمْه الأيام. البنت التي تقاسمُ الثالثةَ عشرة براءتها، العاشقة لفرقة ( بي تي إس) يطمئنُها بأنه ما زال متحمّسًا لتعلّمها اللغة الكورية، والأخرى الأصغر التي تسأل بحُرْقة عن صُورها وهي صغيرة، لم تخطئها...
قالت : - "خذني معك !" قبّلها ، واعتذرَ بظروف السفر وارتباطات كثيرة تنتظره : -"سأنشغل، ولن أجد وقتًا للتجوّل سويّا في تلك المدينة الغريبة !" - "طيّب ... هذي أول مرة تبعد عني أكثر من نهار .." كتَم بعض كلماتِها بشفتيه، وبقُبَل لم تتوقف، حاصر فمَها النابض بقلقها، وأجرى للخدين ما فاض بين الشفاه ، كان...
تجتمعُ الأسرةُ لمتابعة برامج الطبيعة في القناة العلمية، يتأملون صراع الكائنات لأجل البقاء، يدخل الإنسانُ إلى الغابات ويتسلّقُ الجبال، يرصد الشوارد والعجائب، يفتح المغامرون للعلم طُرقَا، الغاباتُ تتنفس نظريّاتِهم، والجبال تبوح بالكثير، عِلمُ الافتراس يتفكّك إلى صور وتعليقات ناجزة: يصمت الأبُ عند...
بعد أن توقّـفتْ ساعةُ الحائط المعلقة في المسجد ، تأمل المؤذن في حالها، شعر بافتقاد دوَران عقاربها المنتظمة ، فيما مضى ، يظلّ يرنو إليها كجزء من الحركة التي تدبُّ في المسجد مع كلّ صلاة ، لكنّه اليوم يفتقدها، ويفتقدُ سرًّا آخر لا يعلمه، لكنّه ينبعث من كل تفاصيلها. رجلٌ صالح جعلها وقفًا ، وطوال...
خيّم حزن مفاجئ على مرتادي القهوة ، شخصتْ أبصارُهم بصمت إلى القادمين من جهة البناء الجديد المجاور لبيت العمدة ، توقف البِناءُ وها إنّ كومة الطين في سبيلها إلى أن تجفّ، وقد مسح الطيّان عرقًا ممتدّا من الجبين حتى الأقدام. البنّاءُ فوق الجدار نفَضَ يديه من تراب الدّنيا ، وتراءت الأقدارُ من علٍ كشمس...
قدِمتْ من بلادها إلى بلاد جديدة ، وكأيّ كائن بشري، سيكون اسمُها العلامةَ الفارقةَ لوجودها، ولا ذنبَ لها أن تجده ملازمًا لها كنفَسها الذي تتنفّسه ،وكخطواتها التي تحملها أينما سارت . استقبلتْها الأسرةُ باستغراب من الاسم الذي لم يتعوّدوا عليه نطقا و لم يعرفوا له معنى ، هكذا راحوا ينادونها : إيروَس...
تسير مع زميلتها بثقة تشبه خُيلاء ملكة ، بطولها الفارع تأخرت قليلًا وتقدّمَتْها الزميلة إلى داخل العيادة، شهقت النظرات مع القَوام الممشوق ، وهي تمدّ يدها لتغلق الدِّرفة اليسرى للباب ، وصلت بدون جهد إلى السقاطة العليا ، ثم أكملت إغلاق اليمنى وراءها. وهي تغيب ، ندّتْ من أحدهم نَأْمةٌ سمعها...

هذا الملف

نصوص
23
آخر تحديث
أعلى