د. يوسف إدريس

_ الليلة من ليالى الشتاء .. ليلة عجوز شمطاء .. البرد يكاد يمتص كل ما على وجه البسيطة .. برد قارس كئيب تفوح منه رائحة الفناء وتهب نسائمه فتلفح الوجوه التى انهكها سعى النهار . واحتواها ظلام الليل فتهرب منها الدماء مخلفة وراءها صفرة تقشعر لها الجلود المنهكة _ لم يسع المعلم عمر الا ان يقفل باب...
ما كاد آخرهم يخرج. ويفرغ العنبر محتوياته المكتظة كالقطار المزدحم حين يصل إلى محطة النهاية، حتى التفتت «مصمص» (وهو ليس اسم دلع ولكنه اسمها الحقيقي) إلى سكينة التفاتة حادة، وقالت بصوت عال: ـ بقى اسمعى يا.. واحتارت قليلا هل تقول لها يابت يا سكينة، أم سكينة فقط.. وسكينة كان اسمها سكينة وهى سكينة...
هبطتُ من القطار في العصر، ودائمًا أصل بلدنا في العصر، والمحطة على ناحية من السكة الحديد، وبلدنا على ناحية، والشمس صفراء، في صفرتها هدوء وسكون ومرض، وبلدنا أيضًا تقبع صفراء ببيوتها المصنوعة من الطين، وأشجارها، حتى قمم النخيل كانت تظلِّلها صفرة. ورمقني نفرٌ من دائمي الجلوس على كنبة المحطة؛ إذ هي...
فجأة، رأيت القمر .. وليست هناك خدعة ما في التعبير، فصحيح أن الإنسان أبدا لا يري القمر فجأة، فالقمر لا يظهر فجأة، والشمس لاتشرق فجأة، إذ المفاجأة دائما في العمل غير المنتظر، وشروق القمر وغياب الشمس أعمال لامفاجأة فيها ولا جديد. ولكنك بالتأكيد ستحس بصدمتي وأنا أري القمر فجأة في شريحة من شرائح...
بعد صلاة العشاء كانت خراطيم من الشتائم تتدفق بغزارة من فم عبدالكريم فتصيب آباء القرية وأمهاتها‏,‏ وتأخذ في طريقها الطنطاوي وأجداده‏.‏ والحكاية أن عبدالكريم ما كاد يخطف الأربع الركعات, حتي تسلل من الجامع ومضي في الزقاق الضيق وقد لف يده وراء ظهره وجعلها تطبق علي شقيقتها في ضيق وتبرم, وأحني صدره...
اﺧﺘﺎﺭ ﺃﻋﻠﻰ ﺑﻘﻌﺔ ﻭﺣﻂ .. ﻛﺎﻧﺖ ﺳﻠﻜﺎً .. ﻣﻜﺎﻧﺎً ﺑﻴﻦ ﻋﻤﻮﺩﻳﻦ ﻣﻦ ﺳﻠﻚ ﺍﻟﺘﻠﻔﻮﻥ .. ﻣﺨﺎﻟﺒﻪ ﺗﺸﺒﺜﺖ ﺑﺮﻓﻖ .. ﻫﺒّﺖ ﺍﻟﺮﻳﺢ ﻭﺻﻔﺮ ﺍﻟﺴﻠﻚ .. ﺗﻤﺎﻳﻞ , ﺗﺸﺒﺚ ﺃﻛﺜﺮ .. ﻫﻮ ﻻ ﻳﻜﻒ ﻋﻦ ﺍﻟﺤﺮﻛﺔ .. ﻭﺍﻟﺤﺮﻛﺔ ﻋﻨﺪﻩ ﻣﻔﺎﺟﺌﺔ , ﻓﺠﺄﺓ ﺗﺄﺗﻲ , ﻓﺠﺄﺓ ﺗﺤﺪﺙ , ﻓﺠﺄﺓ ﺗﺒﻠﻎ ﺃﻗﺼﻰ ﺍﻟﻤﺪﻯ .. ﻓﺠﺄﺓ ﺷﻘﺸﻖ .. ﻓﺠﺄﺓ ﺗﻠﻔّﺖ. ﻓﺠﺄﺓ ﺭﻓﺮﻑ .. ﻓﺠﺄﺓ ﺻﻮﺻﻮ .. ﺍﻧﺘﺸﻰ ﻓﺠﺄﺓ ...
في ليلة الدخلة والمرتبة جديدة وعالية ومنفوشة رقد فوقها بجسده الفارع الضخم واستراح إلى نعومتها وفخامتها وقال لزوجته التي كانت واقفة آذ ذاك بجوار النافذة: - انظري..هل تغيرت الدنيا؟ - لا لم لتتغير - فلأنم يوما إذن ونام أسبوعاً, وحين صحا كان جسده قد غور قليلاً في المرتبة فرمق زوجته وقال: انظري ..هل...
فى ليلة شتاء وجدها. ثالث شجرة قبل النفق وجدها. واحدة من أشجار " أم الشعور " القائمة على جسر النيل عند نهاية شارع القصر العينى. كان قد طفش. مرة أخرى طفش. جرب عربات القطار القديمة المركونة صدئة على القضبان لا تستعمل. و تحمل "العلق" التى كان الخفراء يوقظونه بها حتى هجر السكك الحديدية ، و جرب أسفل...
شب سامح على أطراف أصابعه و نط و دق الجرس ، و سمع صوتا طويلا ممدودا يقول : مين ؟ فاحتار و خاف و سكت. و فتح الباب ، و وقفت على عتبته سيدة ضخمة مهيبة ترتدى قميص نوم خفيف جدا ، لونه أصفر باهت كقشر الليمون، و وجم سامح و كاد يجرى ، و لكنه تماسك و عرف أن التى فتحت هى أم فاتن ، رغم وجهها الخالى من...
كان غريبا أن تسأل طفلة صغيرة مثلها إنسانا كبيرا مثلي لا تعرفه، في بساطة وبراءة أن يعدل من وضع ما تحمله، وكان ما تحمله معقدا حقا ففوق رأسها تستقر صينية بطاطس بالفرن. وفوق هذه الصينية الصغيرة يستوي حوض، قد انزلق رغم قبضتها الدقيقة التي استماتت عليه حتى أصبح ما تحمله كله مهددا بالسقوط . ولم تطل...
غير بعيد شجرة فى حالة خريف دائم، أوراقها مصفرة الاخضرار، مخضرة الترابية، معلقة بغصنها برباط ما … شجرة كلما هب الريح انتزع منها أكثر من بضع أوراق حتى لتخالها فى نهاية اليوم ستقف جرداء عارية، ولكنها أبداً هكذا لا تنقص أوراقها ولا تزيد. دائمة الخضرة مستمرة الاخضرار المصفر المترب، لا ثمر لا ولا زهر...
ما كادت الفاتحة تقرأ ويسترد يده من يد الرجل، ومبروك! ويتأمل مليًـا البقرة التي حصل عليها، ثم يتوكل ويسحبها خارجًا، حتى بعد خطوات قليلة وضع فلاح شاب طويل مهول يده فوق اليد الممسكة بالحبل، وبقوة الضغط والعضلات أوقفه قائلاً: - ألا قول لي يا شيخ.. بالذمة والأمانة والديانة.. وقعت بكام؟ وحتى لو لم...

هذا الملف

نصوص
27
آخر تحديث

كتاب الملف

أعلى