كوجيطو المعدم: أنا أموت إذن أنا موجود
الجوع أيضا أسلوب في مقاومة الموت، تقنية في البقاء حيّا. في رواية " في بلد الأشياء الأخيرة " لبول استر، كتبت آنّا بلوم لصديقها :" .. لولا جوعي لما استطعت أن أستمرّ. على المرء أن يتعوّد على الاكتفاء بأقلّ قدر ممكن. فكلّما قلّ ما يريده، رضي بالقليل، وقلّت...
رمَحه الوجع بنصل مضاء مرّ بين فِقَر العمود كالخِياط يرتِق فراغات ما بينها لمّا كان يجادل ظهره المحنيّ في الاستواء فيتأبّى كأنّما قوس غصن هو وقد شاخ على جذعه العاري إلاّ من صدار قطنيّ وبنطال من الدّجينز مهترئ.
رفع المسحاة يقطع العمل. كوّر كفّه اليسرى على المقبض وأسند إلى ظهرها المرفقَ الثّاني...
لمّا تمكّن الشّتاء من الأيّام، كانت خيمة ناصعة السّواد تنتصب على ذروة الصّقيع من الحيّ الجبليّ الكابي، وعُقرَها قبع زوجان لم يمض على زواجهما غير بضعة أيّام وحَبْل الصّمت الممدود بينهما يرتخي ويشتدّ. كان منصور يَسُوم أحلام العودة إلى البيت الكبير بعد أن لم يبق من الغنم ما يرعى ، بينما اِلْتفعت...
-1-
– سالمة هلاّ أرحت هذا الجسد يكاد فخّاره يشّقّف من نصب الحركة الشَّرُود فتهْوَيْن كِسَرا لا تلتئم..؟
أقلّي عليك هذا الشّقاء ولو راحة قصيرة.
حدجت سالمة الجالسات نظرة وَقَدا أوقعت فيهنّ وفي أختِها خيفة نُكْرا. كانت تسند المكنسة إلى الجدار، وتهمّ ترشّ السّاحة ماء مترعا بمحلول “الجافال”...
- .. ولا عثرتُ على شيء منها سيّدتي وإن شِلْوًا ينزع، أو ضراعة تتعلّق بتلابيب النّجاة.
صوتي عتيّ الوثوق ترضرض على أحرف الاعتراف الحِداد، وأناخ عاتقي ذلاّ لوِزْر الخيبة الكشيفة فيما تضايق قلبي يظنّ أنّ جهاز استخبارات ما اطّلع على خياناته فتُفعل به فاقرة الآن أو بعد نصر مجيد.. لقد كان اللّعين يرقّ...
من أيّة نكسة وعبد الله رجِلا يمشي المسافات الوجيعة فلا يصل ولا يقطع..؟
كم سنة تجتاف تخلّفت إثره حتى هذا القلبِ المقبرةِ الأخيرة..؟
قطع السّير الهزيل. كرّت عليه كلاب تداعت على دمه الغريب. فرقع سلك الحديد من خلفه يبطش فيها ففرّت إلى جوانب الأمن تتحيّن نهزات الانقضاض. وضع إلى قدمه كيسا يخش خش...
أقبل.
الخطى مستقيمة، قصيرة، سريعة، تخفخف على صفحة المعبّد المجدور. طرفا البنطال القصير يصطفقان فوق كاحليه على رقصة المشي الهرْوَلة، وإلى ما بعد المرفق بثنيّات باهتة اللّون يتعالى كُمّ السّترة، وتنكمش قماشته عند منعطف يد دأبت ترفع على سارية السّاعد جريدة مطويّة لا تُستبدل حتى ينتشها القِدم...
اِتّخذتُ مكاني المعهود من قارعة الانتظار ومقعد الصّبر المتهالك يتخلخل تحتي وأمواج البحر تتضرّم كأشواقي.
كان موعد تلاقينا الخامسة تماما من مساء الرّابع من ماي سنة أربع وألفيْن . ثلاث سنوات مرّت على افتراقنا. أحسب أنّي لو رأيته الآن لظننت أنّي لم أغادره إلاّ غيبة وعي قصيرة وأنّي بَعْدُ إلى جانبه...