بسمة الشوالي - شرنقة النعيم.. أقاصيص

فاعل خير
تلمّست تعرّجاته،انتصابه الفاره، منخفضاته، حدباته، ربطة فُوّهته المحكمة، تلمُّس مغرم منهك هدّه اللّهاث خلف الغاية. كان الفرح الذي تسوّلت مدى أشهر فيما تطرق الأبواب جميعها: المنازل، الدّكاكين، الأنهج، الزّناقي، معطوبي الكلى، سلال المهملات..
- لله يا محسنين غطاء قارورة..
غداً تسلم الجمعيّة الكيس المحشوّ أغطية ووعودا وتستلم الكرّسيّ المتحرّك. غدا تتّسع دائرة الحريّة في حياة ابنتها المصابة بشلل دماغيّ.
باكرا، كانت تتكوّم مرهقة يخضّها النّعاس المتقطّع على باب الجمعيّة من قبل أن تفتح بابها. في فناء المقرّ تلمّست انتصابه الفاره من جديد وخرّت مذهولة.
- هذا الكيس لي، وقد تركته في المنزل. من جاء به ولم أسلّمه بعد لأحد..؟
- فاعل خير.
- والكرسيّ؟
- اِستلمه ليتصدّق به.

رحمة
كانت طفلة شوارع التّيه. التقطاها من على رصيف بارد للضّياع، ما بين ناب بشريّ ومخلب كلبيّ. أحسنا كساءها وغذاءها وحبّها حتى تفتّق ورد حسنها في حدائق العمر البهيج. لم يرسلاها إلى المدرسة. خشيا إن تعلّمت جنّحت خارج القضبان. شبّت. زوّجاها ممّن اختارا لها وأكرما. هنئت. حملت بوعد صبيّ أو بنت سيّان. يكفي أن تنجب لوالديها بالتبنّي خلفا يسرّ حضنهما العقيم. من خلف غمام البياض المترف للمصحّة أفاقت الأمّ الشّابة على وحدة الجنب، ورزمة فواتير موزورة. الصّبيّ الذي أنجبت توفّي. وعليها خلاص مصاريف المصحّة.
- وأبي؟ وأمّي..؟ ألم يأتيا لزيارتي اليوم؟
- وحيدة جئت، وبلا وثائق للهويّة.
لم تكن تعرف ما به يوثّق لحياتها السّابقة. كان حدث الولادة مناسبة الخروج الأولى من شرنقة النّعيم.

لوحة
يرمي حفنة بِذار على يمينه. ترمي حفنة على شمالها. تنتصب آماله سوق سنابل مكتنزة. وعلى خطوط اليسار تنجب البذور أطفالا يتصايحون في رأسها المشغول بهم على الدّوام. يحتكّ كيسا الخيش الممتلئين حّبّا. هو يعلّق كيسه إلى جنبه الأيسر ويرسل أصابعه تتحرّش بكيسها المعلّق إلى جنبها الأيمن، وهي لا ترفع به قضيّة في التحرّش. من حين إلى آخر يميل أحدهما على أحدهما قصدا ولا يعتذر. تتبادل ربْوتا الكتفين قُبلا خفيفة وكلاما يخرج عن السكّة. يزدهر السّقوط ذات اليمين وذات الشّْمال وفي أثلام الروح التي اختطتها سكّة التّعب.
عند طرف الحقل، يقفز هو على المساحة المبذورة إلى جهة أبعد في يمينه، وتقفز هي إلى يسار آخر.


* قاصة من تونس.

* نقلا عن قاب قوسين

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى