إليهم… الذين أبحروا بلا خوف،
وجعلوا البحر مرآةً للشمس،
فلم تعد الأمواج عتمةً بل أشرعةً من لهبٍ وضوء.
إليهم… الذين حملوا جراح الأرض في كفوفهم،
وألقوها في حضن النهار لتولد من جديد.
إليهم… الغرباء الذين صاروا شموساً،
فأضاؤوا ذاكرة الشعوب،
ورسموا على صفحة الماء ملامح الخلود.
**
(البحر يستيقظ)...
يا ويحَ قمَّتِنا إذا انعقدتْ فما
تلدُ الجبالُ سوى صدى الأطيارِ
شجبٌ كثير ... والإدانة جمة
كالريحِ تعوي في ثقوبِ الدارِ
على المنابِرِ قد تَصاغُ خُطوبُنا
وكأنَّها زرع بلا إثمارِ
ما بينَ شجبٍ أو بيانٍ عابرٍ
ضاعَت شعوبٌ في ظلامِ النارِ
قممٌ تُعانقُ بعضَها في جلبة
وتذوب... مثل الريح في...
يا غائــبًا والحزنُ يَسكُنُ في الفؤادْ
والدمعُ يجري في المآقي كالمدادْ
يا صاحبَ الخُلقِ الرفيعِ، فمَن لنا
بعدَ ارتحالِكَ يُطفِئُ الجرحَ الوقادْ؟
يا من جعلتَ القَولَ صدقًا مُشرقًا
ما هُنتَ يومًا، ما ارتضيتَ بهُ انقيادْ
تبكيكَ أوطانٌ ذَوت في جرحِها
وتقولُ: قد رحلَ الذي أعطى وزادْ
كم كنتَ تجلو...
١ – رماد
في داخلي
مدنٌ مهجورةٌ
تتجوّلُ فيها أرواحٌ بلا وجوه.
الحزنُ عندي
ليس وجعاً عابراً،
بل قارةٌ غارقةٌ
في محيطٍ من عتمة،
تتنفّسُ من ثقوبِ صدري.
حين أنام،
يُفتحُ في قلبي ممرٌّ سرّي،
تتدفقُ منه ذئاب من دخان،
تنهشُ جدرانَ أحلامي
وتتركُ فوقها
وشوماً من رماد.
٢ – الغرق
أمشي كظلٍّ مكسور،...
١ – صباح أيلول
الضوءُ يخطو على غيمٍ خفيفٍ
اصوات العصافيرُ خافتةٌ
بين الأشجارِ
الندى يقطر على العشب الرقيقِ
ورائحةُ الأرض بعد اوائل المطر
تجيء من بعيد لتلمس الروحَ
الأوراقُ تتساقط برفقٍ
والهواءُ يحملُ همسَ صباحٍ حزينٍ
أحلامٌ لم تُقطف بعدُ
تنهضُ في صمتٍ ناعمٍ
يسري في القلبِ
٢ – مساء أيلول...
في مزرعة تُدعى "العروبة"،
(والاسمُ مجازيٌّ... تمامًا كالعروبة)
دُعِيَتْ الحيوانات إلى اجتماعٍ عاجلٍ
لـ “نُصرةِ الحقِّ، وإغاثةِ غزَّةْ”...
فامتلأَ المسرحُ بالجعجعةِ،
وخلَتِ الموائدُ من الفعلةْ.
نهضَ الأسدُ من سُباتٍ أبديٍّ،
وقد نامَ منذُ النكبةِ الأولى،
تثاءبَ قائلاً:
"هزّتني الأخبارُ...
لا تُسقِطِ البندقيَّةَ الآنَ...
فالخائنونَ على الرُّكَبْ
قد باعَـوا قُبَّرةَ الحقولِ
وشالَ أمٍّ...
ماتَ من عَتَبْ!
قد زَيَّنوا للعُهرِ فتواهمْ
وقالوا: "السِّلاحُ هو السَّبَبْ"،
وقالوا: "كفى... لا تُقاوِمْ،
دعونا نُفاوضُ مَنِ اغتَصَبْ!"
هل صارَ مَن سَرَقَ الدِّماءَ
وصاغَ مَجزَرَةَ الغَضَبْ...
جاعَتْ عروقُكِ يا غزّةْ... فاشتعلتْ
نيرانُ آهِكِ في أعماقِ منْ خذَلوا!
ماتَ الرضيعُ، ولم تهتز عاصمة
كأنَّ في قَلبِهمْ صخْرٌ قد انجَبلوا
أينَ العُروبةُ؟ تُجّارٌ، وأسئلَةٌ
في الصّمتِ يَبصِقُنا التاريخُ إن نَسلوا
تحاصرنا دباباتُ البغاث، وقد
سَدّوا المنافذَ... لا موتٌ ولا أملُ
تحاصرنا مِنابرُكمْ...
يا غزّةَ الجوعِ، هل في الجوعِ ما يُخفى؟
أم أنَّ صمتَ العارِ في الأرواحِ قد أُلِفَا؟
يا خبزَ أمٍّ سَكَبتْ دمعًا لتطعمهُ،
والطفلُ يصرخُ: “يا أُمّاهُ، هل يُشْفَى؟”
ناموا على الحجرِ الجائعينَ، فما
نامَ الضميرُ… لأنّ النومَ قد زَحفا
شفتاهُ تذبلُ، والعينانِ ساهيةٌ
تحتَ الحصارِ، جدارُ الوقتِ قد خطفا...