منذر ابو حلتم

غَزَّةُ لَم تَكُ أَرْضًا، بَلْ وَشْمَ خُلُودٍ فِي الجَبِينْ. فِي السَّابِعِ مِنْ شَهْرِ التَّرَقُّبِ، حِينََ تَوَقَّفَتِ السَّاعَاتُ عَـلَى حَافَّةِ الْهَاوِيَةِ الزَّرْقَاءِ، انسَلَّ الْفَجْرُ خِلْسَةً، لَا ضَوْءَ يَحْمِلُ، بَلْ رَعْشَةَ حُرِّيَةٍ تَشُقُّ عِظَامَ الْجِدَارِ العَنِيدْ...
إليهم… الذين أبحروا بلا خوف، وجعلوا البحر مرآةً للشمس، فلم تعد الأمواج عتمةً بل أشرعةً من لهبٍ وضوء. إليهم… الذين حملوا جراح الأرض في كفوفهم، وألقوها في حضن النهار لتولد من جديد. إليهم… الغرباء الذين صاروا شموساً، فأضاؤوا ذاكرة الشعوب، ورسموا على صفحة الماء ملامح الخلود. ** (البحر يستيقظ)...
بِئسًا لكم… لم يَبقَ في قاموسِكم غيرُ رمادٍ يَتناثرُ من أفواهِ المعاجم، كأنَّ الكلماتِ صارتْ عظامَ طيورٍ محنّطة في متحفٍ بلا زائرين. أنتم، تَغزِلونَ حِبالَ القَيْدِ بمغازلٍ مُعتَّقةٍ بالذلِّ، ثمَّ تُعلّقونَها على جُدرانِكم كما تُعلَّقُ لوحاتُ العُرسِ، وتُهْدونَ أطفالَكُمُ الأصفادَ كأساوِرَ من...
يا ويحَ قمَّتِنا إذا انعقدتْ فما تلدُ الجبالُ سوى صدى الأطيارِ شجبٌ كثير ... والإدانة جمة كالريحِ تعوي في ثقوبِ الدارِ على المنابِرِ قد تَصاغُ خُطوبُنا وكأنَّها زرع بلا إثمارِ ما بينَ شجبٍ أو بيانٍ عابرٍ ضاعَت شعوبٌ في ظلامِ النارِ قممٌ تُعانقُ بعضَها في جلبة وتذوب... مثل الريح في...
يا غائــبًا والحزنُ يَسكُنُ في الفؤادْ والدمعُ يجري في المآقي كالمدادْ يا صاحبَ الخُلقِ الرفيعِ، فمَن لنا بعدَ ارتحالِكَ يُطفِئُ الجرحَ الوقادْ؟ يا من جعلتَ القَولَ صدقًا مُشرقًا ما هُنتَ يومًا، ما ارتضيتَ بهُ انقيادْ تبكيكَ أوطانٌ ذَوت في جرحِها وتقولُ: قد رحلَ الذي أعطى وزادْ كم كنتَ تجلو...
١ – رماد في داخلي مدنٌ مهجورةٌ تتجوّلُ فيها أرواحٌ بلا وجوه. الحزنُ عندي ليس وجعاً عابراً، بل قارةٌ غارقةٌ في محيطٍ من عتمة، تتنفّسُ من ثقوبِ صدري. حين أنام، يُفتحُ في قلبي ممرٌّ سرّي، تتدفقُ منه ذئاب من دخان، تنهشُ جدرانَ أحلامي وتتركُ فوقها وشوماً من رماد. ٢ – الغرق أمشي كظلٍّ مكسور،...
١ – صباح أيلول الضوءُ يخطو على غيمٍ خفيفٍ اصوات العصافيرُ خافتةٌ بين الأشجارِ الندى يقطر على العشب الرقيقِ ورائحةُ الأرض بعد اوائل المطر تجيء من بعيد لتلمس الروحَ الأوراقُ تتساقط برفقٍ والهواءُ يحملُ همسَ صباحٍ حزينٍ أحلامٌ لم تُقطف بعدُ تنهضُ في صمتٍ ناعمٍ يسري في القلبِ ٢ – مساء أيلول...
قِفَا نَبْكِ مِنْ ذِكْرَى عُرُوبَةِ هَزْلَةٍ تُباعُ إلى السّاداتِ بيعَ المُهمَّلِ وَدارٍ مضى فيها الفخارُ كأنّهُ سَرابٌ تَوارى في متونِ الأرْحُلِ بَكَتْها الرِّمالُ السّمرُ حينَ تَفَرَّقتْ جُموعُ بنيها بينَ كَفِّ المُذلِّلِ إذا ذُكرتْ أمجادُها، قامَ شاعرٌ يُجَرِّدُ أحرفَهُ كسيفٍ مُعَطَّلِ...
غزّةُ وحدَها تعلِّقُ موتاها على حبلِ غَسيلِ المساءِ، كي تراهم سماءٌ بلا غيمٍ، وتصرخُ صوتاً يَخرقُ طبلةَ الخلود: "هؤلاءِ موتاي… أعيدوهم إليَّ، وخُذوا ما تبقّى من عروبتكم إلى المزاد." غزّةُ وحدَها تفتحُ صدرَ الرياح، وتزرعُ في فُتاتِ البيوتِ سنابلَ ملح، وتضحكُ للريحِ ضحكَ المفلسِ من كلِّ شيء، إلّا...
في مزرعة تُدعى "العروبة"، (والاسمُ مجازيٌّ... تمامًا كالعروبة) دُعِيَتْ الحيوانات إلى اجتماعٍ عاجلٍ لـ “نُصرةِ الحقِّ، وإغاثةِ غزَّةْ”... فامتلأَ المسرحُ بالجعجعةِ، وخلَتِ الموائدُ من الفعلةْ. نهضَ الأسدُ من سُباتٍ أبديٍّ، وقد نامَ منذُ النكبةِ الأولى، تثاءبَ قائلاً: "هزّتني الأخبارُ...
لا تُسقِطِ البندقيَّةَ الآنَ... فالخائنونَ على الرُّكَبْ قد باعَـوا قُبَّرةَ الحقولِ وشالَ أمٍّ... ماتَ من عَتَبْ! قد زَيَّنوا للعُهرِ فتواهمْ وقالوا: "السِّلاحُ هو السَّبَبْ"، وقالوا: "كفى... لا تُقاوِمْ، دعونا نُفاوضُ مَنِ اغتَصَبْ!" هل صارَ مَن سَرَقَ الدِّماءَ وصاغَ مَجزَرَةَ الغَضَبْ...
ماتوا جياعًا... وخبزُ الريحِ يسألُنا هل الشَّهيدُ يُرى؟ أم أنّنا العَدَمُ؟ ماتوا جياعًا... وخبزُ الأرضِ ينظرُهمْ بعينِ حقلٍ شكا للموتِ ما احتُرِمُوا تَساقَطُوا جوعَ أفلاكٍ بلا قَمَرٍ وفي العيونِ، احتراقُ الموتِ والسَّقَمُ نامَ الهلالُ على أشلاءِ أعينِهمْ كأنّهُ خجلٌ أعمى بهِ الحُـلُمُ تَذوبُ...
جاعَتْ عروقُكِ يا غزّةْ... فاشتعلتْ نيرانُ آهِكِ في أعماقِ منْ خذَلوا! ماتَ الرضيعُ، ولم تهتز عاصمة كأنَّ في قَلبِهمْ صخْرٌ قد انجَبلوا أينَ العُروبةُ؟ تُجّارٌ، وأسئلَةٌ في الصّمتِ يَبصِقُنا التاريخُ إن نَسلوا تحاصرنا دباباتُ البغاث، وقد سَدّوا المنافذَ... لا موتٌ ولا أملُ تحاصرنا مِنابرُكمْ...
يا غزّةَ الجوعِ، هل في الجوعِ ما يُخفى؟ أم أنَّ صمتَ العارِ في الأرواحِ قد أُلِفَا؟ يا خبزَ أمٍّ سَكَبتْ دمعًا لتطعمهُ، والطفلُ يصرخُ: “يا أُمّاهُ، هل يُشْفَى؟” ناموا على الحجرِ الجائعينَ، فما نامَ الضميرُ… لأنّ النومَ قد زَحفا شفتاهُ تذبلُ، والعينانِ ساهيةٌ تحتَ الحصارِ، جدارُ الوقتِ قد خطفا...
أمدُّ السجادةَ الحمراءَ تحتَ حوافرِ خيلِ العدوِّ... لأزفَّهُ باسمِ البلاد أخي كانَ يشربُ نَفْطَ الخليجِ ويحلمُ أنْ يستعيدَ الخلافة فباعَ الحدودَ بخُوذةِ شيخٍ يُجيدُ التوقيعَ باسمِ النياشينِ و"البيتِ الأبيض" جلستُ على العَتبةِ المهجورة أراقبُ رايةَ صلحٍ تُخاطُ منَ الغيمِ فوقَ المذابح وتُهدى...

هذا الملف

نصوص
86
آخر تحديث

كتاب الملف

أعلى