منذر ابو حلتم

يبدو أن الصيف قد انتهى فجأة .. ففي الأمس فقط كان الشارع دبقاً حاراً ، وتحت أشجاره القليلة الجامدة كالتماثيل ، كان يتجمع الناس في انتظارهم للباصات وسيارات الأجرة .. نعم .. يبدو أن الصيف قد انتهى ، فها هي ريح أواخر أيلول تحرك أغصان الأشجار بقوة .. وغيوم داكنة تمتد شيئاً فشيئاً لتغطي المساحة...
كان وحيداً.. مثل نخلة في الصحراء، وحيداً تماماً.. فراغ بارد غريب يشعر به في أعماقه.. قال لنفسه: اشعر وكأن الريح تصفر في داخلي – سار دون هدف .. وجد نفسه قريباً من الجبل ..سار صعوداً ، ثم جلس على صخرة ناتئة وكأنها خنجر مغروس في خاصرة الجبل . كانت السهول تمتد أمامه على مد البصر .. سهول غبارية اللون...
ثمل بشعورك بالملل، تسير في الشارع المزدحم ووجهك تضيئه مصابيح السيارات المنطلقة بين لحظة وأخرى. وهذا الجو الشتائي الكئيب يجبرك على السير بمحاذاة الأبواب الزجاجية المقفلة. وجوه كثيرة تمر قربك. يخيل إليك أنها حزينة.‍‍ الليلة ستنتهي. نعم، لا يمكن أن يطول الأمر اكثر من ذلك‍! تمر سيارة مسرعة. ينطلق...
حارس المنارة يصعد الدرجات على مهل يتوقف كل درجة او درجتين يلهث هامسا : هي المنارة تزداد طولا كل يوم ضاحكا يلهث .. ويجوب الأفق بعينية الكليلتين *** كالعادة .. لا شراع يخفق في المدى لكنه وبحكم العادة ربما يشعل سراجه الزيتي العتيق ثم ينزل لاهثا على مهل مترنما باغنية عتيقة تحكي عن عروس البحر ...
هناك شيء خطأ .. شيء غير طبيعي .. يشبه رائحة غريبة تتسرب في الهواء ، وتخترق الجدران .. ! صمت غريب يلف المدينة وشوارعها .. لا أعرف كم ساعة نمت .. لكنني استيقظ الآن وشعور بالغربة يجتاحني .. أنظر في ساعتي .. إنها متوقفة .. كم الساعة الآن ؟!.. انظر من النافذة نحو الجبل البعيد .. وراء المدينة ، حيث...
نظرت إلى ساعتها للمرة الرابعه .. ونظرت حولها .. عدد قليل من الناس يجلسون على الطاولات الأنيقة .. المغطاة بقماش أزرق جميل وموسيقى هادئة تنبعث في أرجاء الصالة الواسعه .. السمفونيه الأربعون لموزارت .. أغمضت عينيها .. إنها تحب هذه المقطوعة بالذات لقد أهداها إياها قبل شهر على شريط كاسيت .. ومنذ ذلك...
التعب بدأ يسري في ساعديه مثل الخدر .. والشمس مصرة على العبث معه .. فكلما وضع لوح الصاج في مواجهة الشمس ، تعود وتدور لتطل عليه من جديد ..بوجهها الملتهب . وضع المطرقة الثقيلة والأزميل على الأرض وحرك ذراعيه .. مد ذراعيه ثم ثناهما عدة مرات .. ونظر إلى حركة السيارات الكثيفة على الشارع الذي يبعد عنه...
صوت سقوط القطرات يتوالى برتابة قاتلة .. هذه القطرات الصغيرة اللعينة تتساقط منذ ايام على رأسي .. فأشعر بها تضرب دماغي بقوة وعنف احدق في العتمة الرمادية المحيطة بي .. احاول تحريك رأسي يمنة ويسرة .. لكن الألم يعتصر عنقي فأغمض عيني مستسلماً لضربات القطرات المستمرة .. احاول ان اريح تفكيري فربما تمكنت...
الجو قاتم تماماً .. غيوم سوداء كثيفة تلبد السماء .. تتدحرج كتل الرعد كجبال صخرية تتقافز فوق الغيوم ..وبين لحظة وأخرى تتصل السماء بالأرض بلمعان البرق المتفجر ، فترتسم على الجبال البعيدة ظلال من الغموض والرهبة .. والبحر .. ذلك الحالم الساكن .. الأزرق الذي تحوم فوقه أسراب النوارس وتسبح في سمائه سحب...
صوت القطار يتوالى بانتظام رتيب يبعث على النعاس .. ومن النافذة المغلقة تبدو سهول بيضاء لا نهائية تمتد في كل الاتجاهات ..سهول شاسعة مغطاة بالثلوج .. والسماء ملبدة بغيوم كثيفة رمادية اللون ..! منظر الغيوم والثلج يشعرني بالبرد .. فأحكم اغلاق المعطف حول جسدي .. واكور يدي امام فمي .. وانفخ ببطء بحثاً...

هذا الملف

نصوص
55
آخر تحديث

كتاب الملف

أعلى