"أُوشْت أ ربي أُوشتْ"؟
كررت "ريف" العبارة بهمس مرة، وبجهر مرات حين عجزت عن فهم حقيقة الذي حصل لبلدتها الصغيرة التي حولتها الأمطار إلى مجرد دمار، وإلى مدينة غارقة في الوحل والماء، الأشغال التي راكمتها في الأشهر الأخيرة، وبسرعة فائقة، لم تكن سوى نَقْط عروس ليس إلا، استفاقت، بعدها، فإذا دنياها...
خرجت " س" من حمامها دافئة، منتشية، إنها، الليلة، مدعوة لحفل زفاف ابنة عمتها، ستكون ضيفة شرف، بل وصيفة لعروس عزيزة، في حفل مخملي أسطوري..
الحمام الخطوة الأولى للاستعداد، تلته رياضة تمطيط تجاعيد الوجه، ولتبدو في أحسن صورة فتحت دولاب مساحيق، وجلست على كرسي صغير قبالة مرآة ما كذبت يوماً على أحد...
لا أحد يماري، اليوم ، بأن إنسان الألفية الثالثة غدا حيواناً تلفزيونياً بامتياز، وعلى هذا الأساس فإن مقولة " الإنسان ابن وسائل إعلامه" تصح على غرار المقولة المشهورة" الإنسان ابن بيئته" ، التلفزة غدت أمه الثانية بالتبني أرضعته من حليبها وبالألوان ليشب على الطوق، ثم ليهيم بها حباَ وعشقاً متى كبر...
انتبهت فجأة لساعتها المعلقة على الحائط، ألفتها معطلة من "التيك تاك"، وما درت لماذا توقف عقربها عند الرقم 6 تحديداً، إنه رقم تتطير منه منذ بلغت السادسة ربيعاً، وربما خريفاً. ضربت كفاً بكف، وحرقت الأرم، شبكت كفيها، كمن يخبئ بينهما ما لا يقال، وحين حررتهما، وضعت الأيمن على قلب لا زال يخفق من هول...
قتيل، قتيلان، أكثر، أكثر... اللائحة في تصاعــد،
دماء، وآثار أنياب "تاجية" بادية على كل الجثـــث..
شاع في البلدة بأن " كورونا " هي المنجل الحاصـد..
البلدة حرثتها لعنة القتل الأعمى.. صارت كِفاتا لأموات ..
سكانها حملوا ما يسدون به الرمق ، وفي بيوتهم، اندسوا.
و" كورونا" تظهر مرة أخرى ..
عطشى...