علي بنساعود

صدر للناقد الدكتور مسلك ميمون، أخيرا، كتاب موسوم بـ: "ما قبل السرد" وهو عبارة عن تصديرات لمجموعات قصصية، لمبدعين ومبدعات من الوطن العربي، في مجال القصة القصيرة جدا، ويعتبر المؤلف أن التصدير "علامة للذكرى والاستئناس، والتوعية العامة بهذا الجنس المنفلت والصعب والجميل والممتع... الذي استطاع فرض...
تكتسب الكتابة القصصية لزيد عبد الباري سفيان تميزها النصي من خصائصها البنيوية المتنوعة، وأساليبها المتعددة، وتيماتها المختلفة، وطرائقها المستحدثة، الشيء الذي يعد بجماليات إبداع قصصي متنوع وماتع... هذه الخلاصة انتهى إليها الدكتور مسلك ميمون بعد دراسة معمقة، رصينة في أعمال هذا القاص اليمني، وهي...
... بمجرد ما ظهر على الخشبة، انفجر زملائي وزميلاتي ضاحكين، لم يكن نبس بكلمة، أو قام بحركة، ضحكوا على وجهه وملبسه... على أنفه الكروي الكبير، وأحمر الشفاه الممتد إلى ما لا نهاية، ضحكوا على رأسه الأصلع بنتوءات شعر ملونة من كل جانب، على قبعته التي لا تتناسب وحجم رأسه، على ملابسه العشوائية المخططة...
لم أصدق عيني، ولا استطعت الحركة... كنت جالسة في غرفتي المعتمة، أتأمل انعكاس وجهي على صفحة المرآة، بدت لي بعض التشوهات عليه، أصابني الرعب... واصلت النظر، تواصل التغيُّر... أصبح وجهي من شمع، وجها غريبا لا يمت لي بِصِلَة... جف ريقي، تسارع نبضي، انتابتني شكوك في هوية الوجه أمامي، قلت: لعله انعكاس...
* قصة المرأة تُقْرَأُ في عينيها... وإن كنت كثير الهلاوس والتهيؤات، أتذكر جيدا أنني، حين التقيتها أول مرة، بدا لي أنها مُتعَبة، كشف لي ذلك صوتها المرهق، وعيناها الحزينتان، وملابسها المبعثرة... قلت لها مازحا: أتخيل أباك فظا قاسيا، يبرحك ضربا، من دون أن تعرفي السبب! قالت: وكانت قسوة أمي...
تعجبني طريقتك في الشرب... تُدني الكأس من شفتيك ببطء، تتناول رشفات صغيرة جدا، تتذوقها في فمك، تبتلعها... فتسري في ملامحك لذة، وتحلق في سمائك فراشات... هكذا قالت، وهي تضع كأسها فارغة على مائدة زجاجية تفصل بين أريكتينا، عليها قنينة «جاك دانييلز» ومرمدة وقارورة ماء... على حِجْرها كان «روكي» يضع رأسه...
كانت العتمة تخيم على البيت، أضواء خافتة ملونة مبثوثة في أركانه، صور ولوحات كثيرة معلقة على جدرانه، كان ينظر إليها بحب واستمتاع... حين تأملتها، بدا لي جلها عبارة عن بورتريهات لأطفال ونساء ورجال، توقعت أنها لبعض أهله وأصدقائه ومعارفه، غير أنه فاجأني بأنها لأشخاص مجهولين! اشتراها من سوق للأشياء...
طيلة عمري، كنت أبحث عن جذوري في اللامكان، أحاول أن أرسم خريطة تيه، لا تتسع له الجغرافية. كان حلمي، وما زال، أن أدخل مدينة، أطأ ترابها، أجوب دروبها، فتتعرف إلي، تحضنني وتقول: "أنا بيتك، هنا ينتظرك عمر آخر... لا يهمني أين درجت وتسكعت، ولا من رافقت أو عاشرت، ولا من أحببت أو كرهت، إن وقعتَ ساعدتك...

هذا الملف

نصوص
23
آخر تحديث

كتاب الملف

أعلى