المؤمنون في كلّ الأديان يستقون إيمانَهم من منبع مشترَك هو الحقّ، وإن تجلّى لكلّ منهم في صور تتنوّع بتنوُّعِ دياناتِهم، وبصمةِ بيئاتِهم، غير أنَّهم يعيشون التجاربَ الروحيَّةَ الملهِمةَ للطّمأنينة والسكينة والسلام ذاتها. الإيمانُ حقيقةٌ يتجلَّى فيها جوهرُ الأديان، والأرضيةُ المشتركة التي تتوحّد في...
ضياع الرُّوح
انتقلتُ شابًّا حَدَثًا إلى القاهرة مُفَعَّمًا بطاقةِ التعلُّم، ممتلئًا عن آخري بإرادة واحدة؛ وهي أن أتعلّم علومَ الإسلام، وبالفعل لم تكد تُلامِسُ قدماي حيَّ الدرَّاسَةِ بالقاهرة القديمة إلَّا والتمستُ سَكَنًا لي بجانب الجامع الأزهر، وصار برنامجي اليوميّ رتيبًا بعض الشيء إلى أن...
دراسةُ أثر كلّ دين وأنماطِ التديُّن التي تتشكّلُ في فضائه تتطلّبُ أن يعتمدَ الدارسُ معادلةً مثلثةً للفهم، إذ لا بدّ أن يعاينَ الدارسُ ذلك الدين بوصفه نصًّا مقدّسًا أوَّلًا، ويتعرّفَ ثانيًا على شخصيَّة الإنسانِ المُعْتَقِد بهذا النصِّ فَرْدًا ومُجْتَمَعًا، ويكتشفَ طبيعةَ الواقع الذي يعيش فيه هذا...
في التصوّف قيمٌ إنسانيةٌ كونيةٌ أبدية، كالمحبّةِ والتراحم والشفقة والسلام، والصدق والأمانة، والخيرِ والحقّ والعدل والتكافل، وتذوّقِ التجليات الوجودية للجمال الإلهي. هذه القيمُ الإنسانيةُ هي ما يبقى من تراث التصوّف وغيره في كلِّ زمان ومكان.كلُّ ما هو مرآةٌ للعصر الذي ظهر فيه من التراث، وما فرضته...
تصوُّف الاسْتِعبادِ يعني أن يتطوَّعَ الإنسانُ بوضعِ كلِّ شيءٍ في حياته تحتَ وصايةِ شيخِه. هذه بدايةُ محوِ الذَّات الفرديَّة، وإنتاج نسخ متماثلة من المتصوِّفة، تظهر متطابقةً في الخارج، تتشابهُ في كلِّ شيءٍ كأنَّها روبوتات. نشأ تصوُّفُ الاسْتِعباد من إساءةِ فهمِ وتطبيقِ معاني القضاءِ والقدرِ،...
تألفت جماعة من الكتاب والمترجمين والمثقفين في إيران حول أحمد فرديد في فترة مبكرة، تضم: داريوش آشوري، أمير حسين جهانبگلو، أبو الحسن جليلي، شاهرخ مسكوب، داريوش شايغان، رضا داوري، جلال آل أحمد، نجف دريابندري، إحسان نراقي، داريوش مهرجويي، وغيرهم. أطلق على هذه الجماعة حلقة أو محفل الـ "فرديدية"...
في المكتبة كتاباتٌ متنوعة عن “المثقف” عربية ومعربة، وبحدود مطالعاتي لم أعثر على كتابات حاولت تحديدَ مفهوم “المثقّف الديني النقدي” وتشكّله في مجتمعنا، وكيفية ولادة هذا المفهوم كبذرة منتصف القرن الماضي، وكيف أن هذه البذرةَ سرعان ما أُجهضت فماتت قبل استنباتها ونموّها في المجتمع العراقي.
بعد نشر...
بعد ربع قرن تقريبا من العيش في المنفى، عدت الى وطني العراق أواخر حزيران 2003، فوجئت بحجم الخراب الذي أنهك بلدي، لم أعثر على العراق الذي ولدت ونشأت وأمضيت طفولتي وفتوتي ومراهقتي وبدايه شبابي فيه.. كل شيء جميل اختفى، كل شيء متميز تلاشى، كل شيء مضيء انطفأ، كل شيء منظم تبعثر، كل شيء عميق تسطح، كل...
الأخلاقُ والعواطفُ الصادقة إكسيرُ العملية التربوية والتعليمية. تخفق التربيةُ والتعليم عندما يفتقرُ الأستاذُ للذكاء العاطفي، ويعجزُ عن التعامل مع تلامذته بأبوة أخلاقية مشفِقة. أحيانًا تكون الكلمةُ سرَّ الحياة، وأحيانًا تكون الكلمةُ رصاصةً قاتلة. تشجيعُ التلميذ والاعترافُ بمنجزه مهما كان ضئيلًا،...
التسميات ليست محايدة
كلُّ تسميةٍ تفرضُ سلطتَها، التسمياتُ ليست محايدةً، تسميةُ "علم الكلام المعاصر" تحاول تحوير موضوع علم "علم الكلام الجديد"، وتشدّد على توجيه غاياته بعيدًا عن غاياته التي ينشدها، وتحاول سكبه في قوالب علم الكلام القديم، واستدعاء مناهجه وموضوعاته ومسائله وطرائق التفكير فيه ولغته...
تسود المجتمعات العالقة في تاريخها، ومنها مجتمعنا، حالة من الشغف بالكلام، تصل لدى البعض حد الهذيان. إذ يتكلم الكل في كل شئ، فبعض الزعماء السياسيين يتحدث في: الفلسفة واللاهوت والفقه والتفسير والتاريخ والسياسة..الخ. بتكرار أسماء فلاسفة ومفكرين، لا يعرف عنهم في الغالب شيئا يتجاوز الاسم، وربما يتلفظ...
كرّس الشيخ جودت سعيد حياتَه لمناهضة كلّ أشكال العنف. وظل يتحدثُ ويكتبُ عن أن اللاعنفَ ضرورةٌ تسبقُ كلَّ عملية بناء للإنسان والعيش المشترك وسلام المجتمعات والأوطان. كان مصرًا على مواقفه يكرّرها بلا ملل في مختلف المناسبات، وهو يستضيء بقول محمد إقبال: "ولحرفٍ واحد ألف مقال"، ويؤسّس عليه ليقول...
التراثُ بحرٌ يغرقُ فيه مَنْ لا يعرفُ السباحةَ أو يستسلمُ لكلِّ ما يطفو على سطحه. التراثُ متاهةٌ يتخبّط في كهوفها المتعرّجة أولئك الذين لم يتشبّعوا بمناخاته، ولم يتعرّفوا على أنظمة إنتاج المعنى فيه، ولم يقفوا على مدياته القصية، ومَنْ يفتقرون لعقلٍ نقدي ينجيهم من أن تغيّبهم أنفاقُه عن عصرهم...