ندى الحاج

أعترفُ بأني قمتُ ألفَ مرة و لكلِّ مرةٍ ألفُ دهشةٍ ودهشة بأني كلما أزلتُ أشواكَ السياجِ أزهرت أغصانُ اللوزِ من راحتَيّ أعترفُ بأني لم أسترِ الرؤية في الألمِ وفرحتُ بالزرقة أنَّ الحياةَ داهمتني وطرتُ حتى الامِّحاء أعترفُ بالارتواءِ في حضن الغياب والسكنِ في دهاليز الخيال ماسكةً طرفَ الخيطِ في...
وردةٌ تكلمت وقالت لستُ وردةً ولم يلمسني الندى ولم ترتشفني نحلة ولم أرتعش لفراشة لستُ من تظنون ولا ما تتذوقون لستُ وردةً في بستان ولا وردةً في إناء ولا في قلب إنسان لا أسكنُ الريحَ ولا أنبتُ بين الصخور عاليةٌ تيجاني وخضراءُ أوراقي انا وردةُ الأعالي يكسوني الثلجُ وأذوبُ في البياضِ وينساني حتى...
هل أنتِ مَن طرَقَ بابي، يا ابنةَ الليل؟ - لمْ أشأ تعكيرَ هالتِكَ، سيدي القمر خلتُكَ تسكرُ بسحْرِكَ، ولا تنام - أسهرُ على سيْرِ الليل، وأسكرُ مثلكِ، بأحلامٍ لا تزول - تهزُّني، سيدي القمر، وتُعرّيني بصفوِكَ تنفضُ عني غلالَتي، وتوشِّحُني بغَمْرِكَ تنافسُ البحرَ على حبّي، وأختارُكَ في سِرّي تكتَّمْ...
كما أنا كما أنتَ لنختصِرِ الطريقَ ونحصِرِ الدائرة لنقطِفِ الثمارَ من أفواهِ الينابيع كانت لنا حياةٌ قبلَ أن نلتقي وكُنَّا هذه الحياة كانت لنا أصواتٌ تغمرُنا في النسيم وكُنَّا هذا النسيم كانت شعلتُنا تَقيْنا من برْدِ هذا العالم ونحنُ هذه الشُّعلة سماؤنا هنا، والأرضُ تعرفُنا من قبلِ مرورِنا… قبلَ...
أن تكونَ ما تكون وما يمكنك أن تصيرَه وما تحدسُ به وما ينحتُك ويرأفُ بك وترأفُ له هو ألوانُ الروح الخافقة وموجاتُ الريح التي تداعبُ صدرك ونفحاتُها التي تنقلك على سحابها دون وعيٍ منك على سرير غفوتك ونعومة دهشتك وإن تصفعك بحنينها، داوِها بقبلةٍ أو ضمة فلا تجرحك ولا تخدشها تلك الريحُ العارية ندى الحاج
لن أسترَ هذا الشيءَ الخفي المرتجِل دربه في الليل لن أخافَ أن أسميَه بأحرفه وأحواله وهفواته لن أحرقَ أوراقَه وأخلطَ أرقامَه وأرميَه لأنَ العصفورَ الذي فتحتُ له الشرفةَ وطار حررتُه من الانتظار وعاد الشوقُ أكبرُ من جناحيه والحنينُ أوسعُ من غنائه لن أغلقَ عليه القفص ولن يغنيَ لي وحدي سأتركُه وسطَ...
أحياناً تتمنى أن تكونَ سمكةً ومَحارة أو زهرةً في حائط كاتماً للصوتِ أو حصى أحياناً ترتجفُ من دون برْد وتبردُ في الحَر يختفي صوتكَ لا تعرفُ أين وتسيرُ خطواتكَ في غربةٍ عنك أحياناً تسهو ذاتُكَ فلا تعرفكَ ولا تعرفها أحياناً تعلقُ أناملُكَ فوق الهاوية كساحرٍ ينفخُ الريحَ وينجو أحياناً لا أدري أين...
ربما أكونُ في منعطفٍ أسرقُ النار أو قربَ نهرٍ أعتمرُ الشمس أو تحتَ جسرٍ من اللوز أو أرجوحةَ قمر ولا أسترقُ السمعَ للغةِ البشر ربما عرفتُ عمقَ البصر وتنشقتُ الإصغاءَ للحُب واختبرتُ الورَع وقابلتُ الغيابَ بلا قناع ربما أكونُ بخاراً من ماء تتلمَّسهُ زهرةُ البيلسان في كل صباحٍ ومساء ربما أتذوقُ...
سأمحو ما كان قَبلاً إذ وجدتني على مفترقٍ بين الوهمِ والغبطةِ ألملمُ شتاتي وأصحو على أغنيةٍ كانت لأسطورةٍ فيما مضى سأكترثُ لأن أنسى ما كان قَبلاً بين غيبوبةٍ وسَعي بين كمالٍ ونقصان سأمحو ما كان لأتذكرَ أني الآن هنا من أجل أن أسكنَ احتمالاً وأكترثَ لنداءٍ في وداعة الظل وألتفتَ لبرعمٍ هوى في يدي...
لمْ أَلتَهِ عن الدنيا كلُ ما في الأمر أني غفوتُ طويلاً قبلَ أن أُحب وفي الغفوة نضِجَ العنبُ والزبيبُ زيَّنَ المائدة كلُ ما في الأمر أني عرفتُ الحُبَ قوياً وأنَ الإعصارَ لمْ يعد يهُزّني وأني صرتُ ابنةَ الشمس صِنوَ العصفورِ وشذا القمر لمْ تعدْ الريحُ تستهويني ولا صوتها يخيفني صوتُ الوعدِ وحده...
وأنت ترى ما لا تبصرُ وتصغي لصخبِ رؤاك وتكتبُ الماءَ بالماء تمسحكَ يدٌ بالطيب تنشلكَ من عمق المحيط وتذيبُ فيكَ حرقةَ الجليد وأنتَ ترى ما لا يُرى تشربُ ذراتِ الأثير ولا ترتوي إلا بالينابيع ندى الحاج
حين تحيا للحب وتذوبُ في مروجه لوناً لوناً ذهباً ذهباً غامراً حاضناً متجلياً متدثراً رائياً كتوماً يجذبكَ النورُ الأكبر وينكشفُ لكَ السرُ العذبُ حرفاً حرفاً على لوح الكون ندى الحاج
كوني الحُبَ كوني الروضَ وإن أدماكِ الشوكُ كوني العطرَ وإن أرجفكِ البردُ كوني السرَ وارحلي، اِرحلي إلى سكينة القلبِ حيث تحومُ فراشةٌ حولكِ وتصيرُ أنتِ ندى الحاج
أدعوكَ لحفلٍ مهيب يليقُ بولائمِ شِعركَ تعالَ وذُق من يدي زبيباً عتَّقتهُ لكَ وارتوِ بكرومٍ عصرتُها براحتَي لم أستبدل الخوابي بضجيج الكؤوس وأدعوكَ لسلامٍ لحقتَه في البراري سُدًى تعالَ لمرةٍ آتية وأعِدكَ، لن تكونَ ماضياً ندى الحاج
تعالَ لأخبركَ، لستُ في حالةِ حب لكني أُحب لا وطنَ يحضنني لكنَ الكلمات أوطاني وإشاراتِ الحروف وما يعتريني بين زهدٍ وحنين بين شلالٍ وصحراء، بعضُ غبارٍ لا يمحو الآفاق تعالَ لأخبركَ، أنك معي وأكثر ندى الحاج

هذا الملف

نصوص
18
آخر تحديث

كتاب الملف

أعلى