أحسن القصص... (مختارات ولطائف من القصة القصيرة العربية لجيل الرواد)

أخذ صاحبي اللبق الذي عرفت فيه ظرفه وخفة روحه يمهد للحديث كعادته، ويستعد لرواية قصصه المثيرة ووقائعه المسلية. إلا أنه لم يكن هذه المرة يبدو مرحا كما تعودته، ولم يكن يستخفه الحديث فيسرف في القول أو يرسل النكت تباعا، ساخرا من الناس ومن الزمن، وحتى من نفسه أحيانا، لا يدخرها إن استدعت الظروف أن تأخذ...
لعلها حنقت على حينما تقدمت إليها في لوعة صامتة ثائرة ورجوتها أن تبكي وان تسرف في البكاء؛ ولعلها أنكرت مني أن أفاجئها في وحدتها وقد استنامت إلى أحزانها وأسلمت أفكارها إلى ذلك الفضاء الرحب الواسع الذي نود لو نفر إليه، وان كنا نجهل أين مكانه منا وأين السبيل إليه! لقد كنت اعلم يقيناً أن هذه...
قال مترددًا والكلمات تجرح حلقه المتيبس: «اعطني هويتك، انظر فيها قليلاً واعيدها». وبدا على جاره انه لم يفهم فعاد يقول مادًا يده بشيء من نقاد الصبر: «اقصد بطاقتك، بطاقة الهوية». وتحت عصبية اليد الممدودة اخرج الآخر محفظة متأكِّلة واخرج البطاقة ودفع بها اليه وقبل ان يخطو بها متجاوزًا العتبة مرق...
أتخذ قوم شجرة، وصاروا يعبدوها .. فلم يكد يقترب منها أحد حتى ظهر له "أبليس" حائلا بينه وبين ألشجرة، وهو يصيح به:مكانك أيها ألرجل .. لماذا تريد قطعها؟ - لأنها تضل ألناس. - وما شأنك بهم؟ دعهم في ضلالهم. - كيف أدعهم .. ومن واجبي أن أهديهم؟! - من واجبك أن تترك ألناس أحرارا، يفعلون ما يحبون. - أنهم...
دُق الباب فقامت إلى فتحه، وسألها الشاب عن ابنها في أدب واحترام، وأخبرته بأنه سافر إلى الدار البيضاء ولن يلبث أن يعود في هذا المساء كعادته.. وأظهر الشاب إلحاحا قويا في لقاء ابنها، فما كان منها إلا أن طلبت منه أن يدخل إلى البيت لينتظره، خاصة و أن المطر بدأ ينزل غزيرا.. وعندما جلس الشاب في...
(أنا سلطان السلاطين وملك الملوك، مانح التيجان للملوك على وجه البسيطة، ظل الله في الأرض،سلطان البحرين الأبيض والأسود، وخاقان البرين، وملك الروملى، والأناضول، وبلاد الكرمان، وبلاد الروم، وزلكدريا، وديار بكر، وكرستان، وآذربيجان، وفارس، ودمشق -حلب- القاهرة – ومكة المدينة-القدس، وكل البلاد...
هدير السيارة يزعج صمت الليل، لقد رست تماما، لكن هديرها ما زال يزعج الصمت، مدت المرأة يدها تحرك الرجل الذي ينام إلى جانبها. قال لها: إني لست نائما. قالت: سمعت ؟ قال: لقد جاء دوري إذن. في قلب الليل يحدث ذلك، يقومون بزيارات خاطفة ويمضون سريعا ... لكنهم يتركون آثارهم دائما. كان كل السكان الآن قد...
كانت السماء مطبقة على الأرض، والمطر يسح حثيثاً متداركاًنه يكاد من شدته يقشر القطران، والماء يسيل على جانبي الطريق ويتدافع ويرتفع له مثل الموج، وكان أمام نافذتي بوابة عريضة وقفت على عتبتها فتاة تتقي المطر في ظُلتها. وكانت ترتدي ثوباً مشرقاً بين الحمرة والبياض كأنما استعارت صبغته المزدوجة من...
لم يكن من طبيعتها الزهو والمباهاة، ولكنها تشعر الليلةَ بين لِداتها وصواحبها أنها قد بلغت مرتبةً من حقها أن تُزْهي بها وتفتخر؛ إنها خطيبة (سامي)، وهذا خاتم الخطبة في إصبعها يزهو ويتألَّق شعاعه؛ وأي صواحبها لم تعرف (سامي) أو تسمح به، وإنه من الشهرة وذيوع الصيت حديثُ كل فتىً ونجوى كل فتاة! وراحت...
مقدمة إلى الذين يحرقهم الشوق إلى العدل ، وإلى الذين يؤرقهم الخوف من العدل ، إلى أولئك وهؤلاء جميعا ، أسوق هذا الحديث . إلى الذين يجدون ما لا ينفقون ، وإلى الذين لا يجدون ما ينفقون ، يساق هذا الحديث . لا أجد لتصوير الحياة في مصر أثناء الأعوام الأخيرة من العهد الماضي أدقَّ من هذين الإهداءين...
كان هناك ما هو أقوى من الصمت بكثير يلف وجوده ووحدته وأرقه.‏ الفراش اللين يطرده، والهدوء الساكن يخاله صخباً وعنفاً مرعباً.‏ والجو. كل الجو المحيط به يظنه يريد أن يبتلعه ولا يبقي له أي أثر. ويسمع من بعيد عجلات القطار تتحرك.‏ ويمتد أمام المارد الأسود قضيبان، يبتعدان ويبتعدان إلى أن يصلا إلى منطقة...
كان ذلك في مصر، قبل أن تقوم الثورة. دخل علي بقامته المديدة ووقف أمامي فحال بيني وبين النور فدعوته للجلوس. كان من المتفيهقين الثرثارين الذين يحلو لهم أن يسرفوا في الحديث، وهو رجل قد تجاوز الخمسين، واسع الحيلة، شديد الإلمام بظروف الحياة وتقلباتها، عصبي الطبع، عركته الحياة وعركها، تلقى عليه...
صحا ميم ذات صباح ليحس ألما في رقبته وصداعا خفيفا في رأسه، قال: لعلي لم أضع رأسي في وضع مريح على الوسادة، ونسي الموضوع، لكنه عندما ذهب ليغسل وجهه وأحنى رأسه قليلا تحت صنبور المياه أحس الألم والصداع يشتدان، فعاد يتحسس رقبته لعله يحدد موضعه، فلما فشل قال في نفسه: لعله برد أصاب رقبتي، فقد تركت...
"كان لا بد من هزّة كبيرة، بل هي الرجّة الشاملة من الرأس إلى القدم، لكي نصحو من نوم القرون".. هكذا كان يتحدّث ذلك الرجل. لا أدري أين رأيته. أتراني رأيته فعلاً؟ هؤلاء الناس يتشابهون. البدلة الثمينة الجديدة، ربطة العنق المحكمة، القميص الأبيض الناصع، الشعر المسرّح بعناية، المشية المتّزنة،...
دعانى صديقي إلى أن أزور قريته معه لنقضي يوم الجمعة في أحضان الريف وليقضي بعض مصالحه، فذهبنا، وثم لقينا نضرة وسرورا. ولكن تلك النظرة التي تفتن ابن المدينة في لانهائية الريف، وذلك السرور الذي يغمر كيانه ووجدانه حين يرى الطبيعة تتهلل له أيان ولى وجهه، كانا مشوبين عندي بالرثاء للفلاحين أنصاف...

هذا الملف

نصوص
272
آخر تحديث

كتاب الملف

أعلى