لم يكن يروي قصته لزميله الجالس أمامه وهو يصغي إليه كل الإصغاء، ولم يكن يلقي قصته على الجندي الواقف في حراستهما - وقد أغمض جفنيه كي يشعر بأنه غير مسئول إذا سأله سائل عن سبب سماحه لهذين السجينين بالحديث - وإنما كان يروي قصته للطبيعة التي تحوّطه، وللسماء الزرقاء، وللشمس التي كانت تلفحه بنارها في...
(1)
حتى هذه اللحظة لا أدرى لماذا حدث لي كل ذلك ، و لم اعثر على تعليل مقنع و حاسم يبرر ما قام به الرجل ذو النظارة السوداء من أعمال غير مألوفة ، كما لا أعرف حتى الآن ، كيف احتملت كل إساءاته و أذاه بهدوء و صبر .
(2)
– أأنت الاستاذ “خ”؟
– نعم .
– و تعمل فى المدرسة المجاورة لهذا المقهى ؟
– نعم...
أخذت فرائصه ترتعش..وجسده يرتعد ،اتسعت حدقتا عينيه ، فتح شفتيه ضاغطا على أسنانه ،لا يقوى على التـّـنفس ، ترنـّـح قليلا.. ثمّ وقع.. ضغط على معدته بكلتا يديه ، فتح شفتيه من جديد فسال لعابه على ذقنه التي لم تعرف الحلاقة منذ أيام ، حاول جاهدا أن يقف ، فاتكأ على جانب السرير ووقف منحني الظهر يسعل...
كان في انتظارنا أمام الفندق عربة "كارو" فخمة، يجرها حصان أشهب تتدلى على صدره قلادات نحاسية، بعضها فضي، وأجراس ونواقيس صغيرة صفراء اللون، و"عثكال" من ريش الطاووس أو النعام فوق رأسه وما بين أذنيه، مرفوع بأبهة. كان الحصان رائعاً، يشبه حصان الإمام أحمد (الرعد) المشهور الذي كان يصول به ويجول وسيفه...
مخطئ من يظن أن سالم الزرزور مجرد مختار تسلق على أكتاف هذه المهنة أباً عن جد، فقد كان سالم مختاراً على الأصول أو كما يقولون مختاراً بأربعة وعشرين قيراطاً، فأهل القرية ما زالوا يذكرون المعركة الحامية التي نشبت بينه وبين محمد الأزعر وعلي الفار على المخترة قبل ثلاث سنوات، فعندما استبدلت الحكومة...
محمد المسلاتي
الاسم: محمد عبد السلام المسلاتي. تاريخ الميلاد: 29/12/1949 بمدينة بنغازي. بدأ نشر أول كتاباته القصصية بصحيفة الرقيب أواخر عام 1968 ف. وتحصل على الجائزة الثالثة في مسابقة القصة القصيرة عام 1972ف التي نظمتها إدارة الشباب والرياضة/ليبيا. صدر له: الضجيج قصص قصيرة 1977م. الدوائر قصص...
كانت لي مدينة لها بحر تنام فيه الشمس كل مساء .... كانت لها أبنية متواضعة تأخذ مكانها تحت السماء الزرقاء فلا تتطاول لتنطح السماء بحجارتها وأعمدتها .... حول مدينتي كانت مزارع , ومنذ الأزل , كانت تلال رمل لها لون أشقر ... حول مدينتي كانت تتناثر بيارات برتقال لثمارها مذاق منعش ولأزهارها رائحة عطرة ...
[1]
تلفتت كروان يساراً قليلاً يميناً قليلاً ثم استدارت باتجاه الصوت الأغنّ وقد عبث بوقارها المهذب الذي اعتاده الحي كله، وامتطى كبريائها في تحدّ فظّ.. حدّقت في الوجه اليافع، تمعنت فيه، بحرّت.. ربما إنه راق لها، ربما أعجبها فقط..، لكنها قالت: استح.. يا ابن الشرمو [..]. فالفتى صبّ تغزّله على...
على غير ما اعتدتُ من مرأى؛ في تلك الّليلة شاهدت عند رجوعي من خارج البيت أعواد الحطب في التّنّور القابع قرب الجدار وقد بدت شعلة خجولة مع رائحة دخّانٍ تصاحبها من خيوط بيضاء صاعدة.
لحظات مرّت، وإذ بالوالدة-رحمة الله عليها- تخرج حاملة “صونيّة من الألومنيوم” مغطاة بسفرة من الألومنيوم هى الأخرى...
مات أبو رشدي!
لم يكتب أحد نعياً في جريدة!
ولم تُرسل أكاليل زهور!
ولم تصل برقية تعزية!
ولم تُلق على قبره كلمة رثاء!
مات في صمت، ومضى بهدوء مثلما عاش.. دون أن يحس به أحد، أو يكترث له أحد.. والذين ساروا في جنازته هم قلة من الأقرباء، وبعض الجيران، ممن دفعهم الشعور بالواجب لعدم...
(...)
البرْد الرّاتع في غرفتي التي تنفتح على الشّارع، ونافذتي التي لا تنغلق... مخّي السّارح الحاضِر متى إذنْ ستكون بَغْلا بشكل أقلّ؟ رأسي، لُقْيَتِي، حافظةُ أوراقي، وجدّي الذي نبشتُ قبره لأعرف إن كان قد غيّرَ مكَانَه، الموتُ الذي يَرفضني، أنا عَفِن، أنا لِحاءُ الشّجرة العجوز المهووسة، دمي أو...
ألقى أخونا هذا المساء بجسده المرهق والمتوتر جدا على مقعده الخشبي المفضل الذي يجلس عليه دائما كل مساء، حين يعود من عمله الشاق ليتناول عشاءه مع زوجته وأولاده الثلاثة الصغار، على تلك الشرفة الشمالية المفضلة من تلك الشقة الضيقة التي يسكنها بالأجرة الباهظة منذ أكثر من خمس سنوات.. ألقى أخونا نفسه على...
كان شكله مضحكا وغريبا وهو يتحرك هكذا فى وسط أشجار الجنينة. وحوله كل شوارع الميدان وقد ملأها صراخ الناس والعربات والباعة. فى مثل هذا الوقت من الصباح يكون كل الناس الذين يتحركون فى الشوارع نشطين وذاهبين إلى أعمالهم
يصل إلى هناك، حيث الحائط المائل، والأعمدة الخشبية الطويلة. فيتكئ على السور ويغرز...
قالت زهرة لأخواتها:
(ما أتمنّاه أن تكون الحديقة، التي سيحملوننا إليها، مواتية لنا: شمس دافئة وهواء طلق!).
أيّدتها زهرة متفتّحة حديثاً:
(وعندئذ نُعطيهم أحسن ما عندنا من رائحة طيبة).
فاعترضت على قولها زهرة أخرى:
(أتظنّن أن حديقة بين البيوت يمكن أن يتوافر فيها، من الهواء والشمس، مثل ما لقيناه...
كنت أسمع يتكلم.. لكنني لم أعد افهم.. ما يقول..؟!
تنبهت من سرحة طويلة.. وقد حلّ الصمت بيننا.. فقلت:
- غبت عنك..
- أعرف.. قال مبتسما وهو يمدّ مسلما.. وقد وقف يلملم أغراضه التي تناثرت أمامه على طول الحديث الذي كان..
- بكّير. قلت..
- لا أعتقد..
- متى أراك؟
- لا أعرف.
- هل نعود فنلتقي؟
ضحك...