[SIZE=26px]Read Your Enemies written by James Walker[/SIZE]
مع دفع فكرة أثر المؤلف إلى سلة مهملات التاريخ، أصبحت فكرة "القراءة المطلوبة" للبشرية جمعاء أمرًا غريبًا. في قضية "ما بعد الحداثة"، وصولًا إلى تنقيح فكرة آثر المؤلف، تم إدخال روائع جديدة من الأصوات التي لم يُسمع بها من قبل، وقد تم تجاهلها أيضًا بشكل مجحف. وإنه من الأفضل الاعتراف بأننا جميعًا في رحلات فكرية مختلفة وأن لا أحد يستطيع أن يقول ما هو الاستهلاك الأدبي الأساسي للآخر.
هذه المشاعر مفهومة جزئيًا - ليس لدينا جميعًا سوى حياة واحدة نعيشها، حتى بالنسبة إلى أكثر القراء شراسة، فإن تلك المأدبة الأدبية الهائلة يستحيل الإتيان عليها. نحن نعرف، في مرحلة ما من حياتنا، أين تكمن اهتماماتنا وأي من المؤلفين يتحدثون إلينا؛ لذلك نتنازل عن كُتاب عظماء من أجل الوقت المحدود لدينا على هذا الكوكب. بالمعنى الأكاديمي أو المهني، تتجلى الحاجة إلى وضع قيود على الذات في التخصص. يبدو أن عصر تعدد الثقافات قد انتهى. ومن المفارقات، أن العالم الحديث يتطلب منا أن نعرف أكثر وأكثر حول أصغر الأشياء، لكن إذا كنا نرى التخصص والخبرات التي يتطلبها العالم المعاصر، بالطريقة ذاتها الذي يحدق بها الأعور، فإن ذلك يخفي عنا روائع تكمن خارج اهتماماتنا المباشرة.
إن رغبتنا في النقاء تُعتّم رؤيتنا للآخر. فقد يقع في اعتقادنا أن النبيذ مسمومًا؛ إذا كان صانع النبيذ رجلًا شريرًا، كما أن أحدنا قد يتلوَّث بالعنصرية، إذا شرب من كأس "ديفيد هيوم"، والأمر ذاته مع "مارتن هايدغر" بالنسبة لمعاداة السامية وهكذا دواليك. لذلك نحن نقتصر على تلك النصوص وأولئك المفكرين الذين تم تصنيفهم على أنهم "آمنون للاستهلاك" بإجماع الآراء الأدبية. إذا ما كنا نقرأ أولئك الخارجين على القانون الفكري، فإن ذلك يحدث بتركيزٍ أقل، كما يتطلب تظاهرنا بالتقوى. إن التخصص يجعل معرفتنا عميقة ولكن ضيقة، لذا فعالمنا الفكري يتقلص كلما توسع العالم. إن رغبتنا في النقاء الأخلاقيّ قد تسمح لنا أن نظل بعيدًا عن فساد أشرار التاريخ الأدبيّ، لكنها تتركنا أكثر بلادة، وفكرنا أكثر عقمًا في المقابل. بيد أن ضيق الأفق في عوالمنا الفكرية يظل، في كثير من الأحيان، حالة ذاتية. فالقراءة على نطاق واسع، خارج حدود خبرتنا، وخارج النصوص المعتمدة لأيديولوجيتنا، يمكن أن تكون حافزًا لتنشيط تفكيرنا بطرق قد لا نتوقعها. لأن قيمة القراءة على نطاق واسع لا توجد فقط في نقطة الخطاب الليبرالية التي من المهم أن "تعرَّف على أقوى حجة يمتلكها خصمك حتى تتمكن من طرح الحجة الخاصة بك" أو في الاعتقاد بأن التعليم الكلاسيكي الشامل واسع القاعدة هو أمرٌ جيد في حد ذاته. بل إن القراءة خارج حدودنا يمكن أن تنتج بهجة وفرحًا؛ عندما نجد أن حجة أو استعارة أو تشبيهاً من شخصٍ غريبٍ مثقفٍ، أو حتى عدو، قد تزرع حياة جديدة في حديقة فكرنا.
إن علم الأنساب الفكرية ليست شجرة عائلة مرسومة بدقة ـــــ الطريقة التي بها نتخيل أرسطو ينحدر من أفلاطون، وأفلاطون من سقراط ـــــ بقدر ما هو فوضى من الآباء المبعدين والأطفال اللقطاء الذين تفصل بينهم القرون، وتنتشر عبر مشهد أدبي وأكاديمي واسع. تجد نظرية "ديكارت" للأفكار الفطرية طريقها إلى لغويات "تشومسكي". ترك "كانط" بصمته على مفكري القرن العشرين بشكلٍ مختلفٍ عن "جان بول سارتر" و"كارل بوبر". في بعض الأحيان يتم تمرير التشابه العائليّ الانفرادي فقط ـــــ حجة واحدة أو إطارًا أو فكرة ـــــ من الوالد إلى السلف، لكن البصمة تظل حية بما فيه الكفاية. يبدو أن التأثير يظهر في المكان الذي لا يتوقعه المرء على الإطلاق، ومع ذلك فإن هذه الأصداء القادمة من بدايات عصرنا الحديث لم تكن لتُسمع لو تم تجاهلها باعتبارها خارج نطاق اهتمامات المرء، أو أنها عتيقة أو سامة للغاية بحيث لا يمكن لمسها.
كان الناقد الأدبي العظيم، الراحل "هارولد بلوم" هو الذي اعترف بالطبيعة الغريبة للتأثير واختبرها بشكل مباشر. في عمله الجوهريّ، "قلق التأثر: نظرية في الشعر"، لقد جادل بلوم بأنه ـــــ في خطوة تعكس "عُقدة أوديب"، لدى "فرويد"، ضد الأب ـــــ يتخلى الشعراء عن إعجابهم الأوْليّ بأسلافهم ويدخلون بدلاً من ذلك في المنافسة والصراع معهم. ومن المثير للاهتمام، أن نرى في عمل بلوم أصداء أب بعيد ـــــ فرويد ـــــ من مجال مختلف (علم النفس)، يتجلى في عمل الناقد الأمريكي العظيم؛ حيث يتم تمرير أفكار فرويد، في شكل تورية، في فضاءٍ فكريّ متميزٍ عن أصله (سواء كان بلوم يشارك بوعي، في الميتا نقد (نقد النقد أو ما وراء النقد)، مُختلقًا "قراءة خاطئة" للتأثير الأبوي المؤسس لإرثه الخاص، سوف نترك ذلك لخيال القارئ.)
يجب أن يذكرنا فهم بلوم للتأثر ـــــ باعتباره تنافسًا على قتل الأبوين ـــــ بأن هؤلاء الآباء والأمهات المجازيين يكرسون لأطفال مختلفين تمامًا عن أنفسهم. لقد وجدت الراديكالية النسوية الإلهام في "نيتشه" رغم كره النساء الواضح له. يتتبع المحافظون الجدد ميراثهم السياسي عبر أثر مجموعة صغيرة من التروتسكيين (نسبة إلى "ليون تروتسكي") وبالنسبة إلى الذرية الفكرية المتمردة، فإن أفكار أسلافهم ليست مجرد آثار من تاريخ عائلي مؤسف يتم تحطيمه أو التخلص منه، بل مثلها مثل البنادق التي تم الاستيلاء عليها والتي تجد نفسها في أيدي المتمردين ثم يتم إطلاقها على رجال الملك؛ فإنها موجودة من أجل إعادة استخدامها، وغالبًا ما تعيش حياة ثانية في معارضة ساخرة لنواياها الأصلية. من النادر حقًا أن يتم دعمنا أو رعايتنا عن طريق تأثيراتنا ولا يمكننا أن نتوقع أين يمكن أن نجدها. قد نعثر عليها، في الغالب، من خلال الحظ الغبي وأحيانًا، تكون الطريقة الوحيدة لمواجهتها هي المغامرة في منطقة أدبية مجهولة.
رابط المقال الأصلي:
https://quillette.com/2020/01/31/read-your-enemies
ترجمة: طارق فراج
لدى كلٌ منا "عقدة أوديب" في حياته، وهي لا تؤثر فقط على حياة الشخص، بل في الفن والموسيقى والأدب والفكاهة وطريقة تفكيرنا في وجود إله من عدمه، والعديد من الجوانب المقدسة الأخرى. في هذه المقالة يتحدث "جيمس ووكر"، الكاتب والناقد الأمريكي، عن أهمية قراءة الآخر حتى وإن كانت أفكاره ورؤاه خارج حدود اهتماماتنا الشخصية، ذلك لأن القراءة خارج النصوص المعتمدة لأيديولوجيتنا يمكن أن تزرع حياة جديدة داخل حديقة فكرنامع دفع فكرة أثر المؤلف إلى سلة مهملات التاريخ، أصبحت فكرة "القراءة المطلوبة" للبشرية جمعاء أمرًا غريبًا. في قضية "ما بعد الحداثة"، وصولًا إلى تنقيح فكرة آثر المؤلف، تم إدخال روائع جديدة من الأصوات التي لم يُسمع بها من قبل، وقد تم تجاهلها أيضًا بشكل مجحف. وإنه من الأفضل الاعتراف بأننا جميعًا في رحلات فكرية مختلفة وأن لا أحد يستطيع أن يقول ما هو الاستهلاك الأدبي الأساسي للآخر.
هذه المشاعر مفهومة جزئيًا - ليس لدينا جميعًا سوى حياة واحدة نعيشها، حتى بالنسبة إلى أكثر القراء شراسة، فإن تلك المأدبة الأدبية الهائلة يستحيل الإتيان عليها. نحن نعرف، في مرحلة ما من حياتنا، أين تكمن اهتماماتنا وأي من المؤلفين يتحدثون إلينا؛ لذلك نتنازل عن كُتاب عظماء من أجل الوقت المحدود لدينا على هذا الكوكب. بالمعنى الأكاديمي أو المهني، تتجلى الحاجة إلى وضع قيود على الذات في التخصص. يبدو أن عصر تعدد الثقافات قد انتهى. ومن المفارقات، أن العالم الحديث يتطلب منا أن نعرف أكثر وأكثر حول أصغر الأشياء، لكن إذا كنا نرى التخصص والخبرات التي يتطلبها العالم المعاصر، بالطريقة ذاتها الذي يحدق بها الأعور، فإن ذلك يخفي عنا روائع تكمن خارج اهتماماتنا المباشرة.
إن رغبتنا في النقاء تُعتّم رؤيتنا للآخر. فقد يقع في اعتقادنا أن النبيذ مسمومًا؛ إذا كان صانع النبيذ رجلًا شريرًا، كما أن أحدنا قد يتلوَّث بالعنصرية، إذا شرب من كأس "ديفيد هيوم"، والأمر ذاته مع "مارتن هايدغر" بالنسبة لمعاداة السامية وهكذا دواليك. لذلك نحن نقتصر على تلك النصوص وأولئك المفكرين الذين تم تصنيفهم على أنهم "آمنون للاستهلاك" بإجماع الآراء الأدبية. إذا ما كنا نقرأ أولئك الخارجين على القانون الفكري، فإن ذلك يحدث بتركيزٍ أقل، كما يتطلب تظاهرنا بالتقوى. إن التخصص يجعل معرفتنا عميقة ولكن ضيقة، لذا فعالمنا الفكري يتقلص كلما توسع العالم. إن رغبتنا في النقاء الأخلاقيّ قد تسمح لنا أن نظل بعيدًا عن فساد أشرار التاريخ الأدبيّ، لكنها تتركنا أكثر بلادة، وفكرنا أكثر عقمًا في المقابل. بيد أن ضيق الأفق في عوالمنا الفكرية يظل، في كثير من الأحيان، حالة ذاتية. فالقراءة على نطاق واسع، خارج حدود خبرتنا، وخارج النصوص المعتمدة لأيديولوجيتنا، يمكن أن تكون حافزًا لتنشيط تفكيرنا بطرق قد لا نتوقعها. لأن قيمة القراءة على نطاق واسع لا توجد فقط في نقطة الخطاب الليبرالية التي من المهم أن "تعرَّف على أقوى حجة يمتلكها خصمك حتى تتمكن من طرح الحجة الخاصة بك" أو في الاعتقاد بأن التعليم الكلاسيكي الشامل واسع القاعدة هو أمرٌ جيد في حد ذاته. بل إن القراءة خارج حدودنا يمكن أن تنتج بهجة وفرحًا؛ عندما نجد أن حجة أو استعارة أو تشبيهاً من شخصٍ غريبٍ مثقفٍ، أو حتى عدو، قد تزرع حياة جديدة في حديقة فكرنا.
إن علم الأنساب الفكرية ليست شجرة عائلة مرسومة بدقة ـــــ الطريقة التي بها نتخيل أرسطو ينحدر من أفلاطون، وأفلاطون من سقراط ـــــ بقدر ما هو فوضى من الآباء المبعدين والأطفال اللقطاء الذين تفصل بينهم القرون، وتنتشر عبر مشهد أدبي وأكاديمي واسع. تجد نظرية "ديكارت" للأفكار الفطرية طريقها إلى لغويات "تشومسكي". ترك "كانط" بصمته على مفكري القرن العشرين بشكلٍ مختلفٍ عن "جان بول سارتر" و"كارل بوبر". في بعض الأحيان يتم تمرير التشابه العائليّ الانفرادي فقط ـــــ حجة واحدة أو إطارًا أو فكرة ـــــ من الوالد إلى السلف، لكن البصمة تظل حية بما فيه الكفاية. يبدو أن التأثير يظهر في المكان الذي لا يتوقعه المرء على الإطلاق، ومع ذلك فإن هذه الأصداء القادمة من بدايات عصرنا الحديث لم تكن لتُسمع لو تم تجاهلها باعتبارها خارج نطاق اهتمامات المرء، أو أنها عتيقة أو سامة للغاية بحيث لا يمكن لمسها.
كان الناقد الأدبي العظيم، الراحل "هارولد بلوم" هو الذي اعترف بالطبيعة الغريبة للتأثير واختبرها بشكل مباشر. في عمله الجوهريّ، "قلق التأثر: نظرية في الشعر"، لقد جادل بلوم بأنه ـــــ في خطوة تعكس "عُقدة أوديب"، لدى "فرويد"، ضد الأب ـــــ يتخلى الشعراء عن إعجابهم الأوْليّ بأسلافهم ويدخلون بدلاً من ذلك في المنافسة والصراع معهم. ومن المثير للاهتمام، أن نرى في عمل بلوم أصداء أب بعيد ـــــ فرويد ـــــ من مجال مختلف (علم النفس)، يتجلى في عمل الناقد الأمريكي العظيم؛ حيث يتم تمرير أفكار فرويد، في شكل تورية، في فضاءٍ فكريّ متميزٍ عن أصله (سواء كان بلوم يشارك بوعي، في الميتا نقد (نقد النقد أو ما وراء النقد)، مُختلقًا "قراءة خاطئة" للتأثير الأبوي المؤسس لإرثه الخاص، سوف نترك ذلك لخيال القارئ.)
يجب أن يذكرنا فهم بلوم للتأثر ـــــ باعتباره تنافسًا على قتل الأبوين ـــــ بأن هؤلاء الآباء والأمهات المجازيين يكرسون لأطفال مختلفين تمامًا عن أنفسهم. لقد وجدت الراديكالية النسوية الإلهام في "نيتشه" رغم كره النساء الواضح له. يتتبع المحافظون الجدد ميراثهم السياسي عبر أثر مجموعة صغيرة من التروتسكيين (نسبة إلى "ليون تروتسكي") وبالنسبة إلى الذرية الفكرية المتمردة، فإن أفكار أسلافهم ليست مجرد آثار من تاريخ عائلي مؤسف يتم تحطيمه أو التخلص منه، بل مثلها مثل البنادق التي تم الاستيلاء عليها والتي تجد نفسها في أيدي المتمردين ثم يتم إطلاقها على رجال الملك؛ فإنها موجودة من أجل إعادة استخدامها، وغالبًا ما تعيش حياة ثانية في معارضة ساخرة لنواياها الأصلية. من النادر حقًا أن يتم دعمنا أو رعايتنا عن طريق تأثيراتنا ولا يمكننا أن نتوقع أين يمكن أن نجدها. قد نعثر عليها، في الغالب، من خلال الحظ الغبي وأحيانًا، تكون الطريقة الوحيدة لمواجهتها هي المغامرة في منطقة أدبية مجهولة.
رابط المقال الأصلي:
https://quillette.com/2020/01/31/read-your-enemies