لا ينتهي الكلام في حضرتها فكلما تحدثنا عنها تذكرنا أن هناك الكثير ليحكى فيها ويروى كحالةٍ متفردةٍ تسبح ضد التيار ولا تشبه أحداً، وكما تعقد المقارنات بين ألمع الأسماء وأبرزها خلال عقود الخمسينات والستينات والسبعينات كزمنٍ لم يشهد بعده أيقوناتٍ تعانق الخلود وبين المرحلة الحالية، جاءت فكانت الإستثناء الذي كسر القاعدة ليضع قاعدةً جديدة يصعب مجاراتها، ووضعت الكثير من النظريات في مأزقٍ حقيقي بإثباتها بشكلٍ عملي أن الموهبة هي الأساس، مؤكدةً الإحساس كسيدٍ للموقف وليتحول كل ما يلي ذلك إلى مجرد تفاصيل، أما التفاصيل فلا ينازعها أحدٌ بإلتقاطها، كعين صقرٍ ترى من علوها ما لا يراه الناس لتعيده على الشاشة في صورة شخصياتٍ نابضةٍ بالحياة، تشبهها حد التطابق وتلتصق بها وكأنها تولد مع كل دور امراةً جديدة نعرفها ولا نعرفها، لها من اسمها نصيب هي.. سمر سامي..
وجودها كفيلٌ بزرع فوضىً في الحواس، فهي بسيطة ٌ حد التعقيد، شفافةٌ كبزوغ الفجر، وتملك من الحضور الطاغي ما يجعلها تمسك بتلابيب مشهدها وإن لم تنبس ببنت شفة، وتملك من جماليات الأداء ما يجعلها وجهاً آخر من وجوه الطبيعة وإحدى صورها التي تتحد معها وتنصهر فيها لتكرس نفسها كواحدةٍ من مفرداتها التي تحير من يراها، فهي متواريةٌ عن الأنظار رغم أننا نجد من روحها ما يشبهها في كل مكان ليترسخ في الوجدان حضورها الآسر الذي لا تدري معناه بين الناس..
فالناس عكس ما نرى اليوم تنظر إليها بشكلٍ منفرد يحمل الكثير من التقدير، ويضعها بمعزلٍ عن من يتصدرون المشهد العام ولا يقبلون مقارنتها بأحد حتى من غير المتابعين لما يعرض بإنتظام عبر الشاشة، فهم من حيث لا يدرون كما لا تدري فنانتنا يطلق عليها بالمعنى المحبب والعفوي في ثقافتنا الشعبية كلمة (بنتنا) أو (واحدة منا)، بحيث تلامسك وإن كانت تؤدي دور سيدةٍ أرستقراطية تعيش حالةً من البذخ والرفاه دون أن تستفز مشاعر الناس كما نرى كثيراً، كونها تعكس الحال الذي نعيشه فتلامسه بحرفية دون المتاجرة به تحت مسمى (الواقعية)، فتقدم حياة هذه الإنسانة أو تلك دون أن تغتنم الفرصة (لتقديم نفسها) وهذه إحدى أهم نقاط القوة في أدائها وعلامةٌ هامة على النضوج والثقافة والإمتلاء الروحي والثقة بالنفس دون الحاجة إلى شرح ذلك..
كما نرى من خلال اختياراتها ذلك الأسلوب الإنتقائي الذي لا يهتم بالتواجد الدائم أو المساحات الكبيرة على الشاشة قدر ترك بصمةٍ لدى متابيعها كجزءٍ من احترامها لهم ولنفسها ولمسيرتها، وكجزءٍ من شعورها بالمسؤولية عن ما تقدمه وهو ما نفتقده كثيراً كحالةٍ عامة حيث عودت الجميع على مستوىً عالٍ من الأعمال جعلها بوصلةً للفن الراقي والمنتج الجيد بعيداً عن السطحية والإستسهال والإنسياق خلف ثقافة (التريند) التي لا يمكن أن تجتمع مع إسمٍ برقي اسمها، فهي لطالما كانت تشبهنا بمختلف حالاتنا قبل أن يزيف البشر واقعهم وتستمر بصمود في (تقديمنا) رغم رحيل الكثير منا عن نفسه..
فاليوم يكاد أن يصبح انتماء الغالبية من أبنائنا إلى ثقافة ٍغربية رغم وجوده على أرضه، بينما قدمت صورةً جميلة معاكسة لهذه الصورة الحالية في دورٍ مثل دورها في مسلسل (جريمة في الذاكرة) وهو المسلسل الأول الذي شاهدتها فيه في زمنٍ لم تكن الدراما السورية فيه تصل بتوزيعها إلى مختلف الدول العربية بسهولة، فكانت مثالاً للشابة البسيطة المتواصلة مع هويتها والمتقنة للهجتها رغم أنها عاشت في أقاصي الأرض عكس من لا يتقنون لغتهم وهم بيننا، واستمرت في تقديم تدرجات الشخصيات والتباين في تفاصيلها بعيداً عن الأداء النمطي والقوالب الجاهزة وردات الفعل المحفوظة سلفاً، فتكاد تكون الفنانة العربية الوحيدة التي جسدت الإنفعالات النفسية بعيداً عن الإفتعال أو المبالغة ودون زيادةٍ أو نقصان وكأنها متعمقةٌ في علم النفس والنفس البشرية، وهنا لا أشهد بذلك كأحد محبيها بل أتحدث من منطلق ٍ علمي بحت كقارىءٍ في علم النفس وكممرضٍ عايش الحالات المرضية عن قرب وعايشت تلك المشكلات بشكلٍ شخصي وضمن مجال عملي، والتي كان الكثير من انفعالاتها داخلياً مما يزيد صعوبة ملاحظتها وكانت أبعد ما يكون عن أغلب ما قدمته الشاشات وانفردت سمر سامي بتقديمه، حيث لم يقدمها أحدٌ بمنتهى الإبداع والثقافة والحس كما قدمتها وباتت هذه التركيبة الخاصة مرتبطةً بها، فقدمت النفس البشرية على طبقٍ من ذهب لمن يود أن يتأمل فيها وبشكلٍ منصف للإنسان المرهف المتعب الذي يعاني من مشكلات ٍ لا تؤدى بالصراخ أو الأذى أو تحطيم الأشياء بل بتكثيف الشعور وتعميقه بالوجع الإنساني لتغوص فيه معها داخل آباره العميقة حيث لا يمكن أن يأخذك أحد..
ولربما اعتقدت سمر سامي أن الأدوار الصادقة التي جسدتها تجعلها ذات صورةٍ حزينة في الأذهان، لكن المفاجأة أن اسمها رافقته البسمة عند ذكره لدى أشخاصٍ ينتمون إلى فئاتٍ من خلفيات اجتماعية وثقافية متنوعة بينما أعد للكتابة عنها، ورغم عدم اجادتهم للتعبير بدقة عن رأيهم لكن كلمات مثل (القديرة، الراقية، المحترمة، الحساسة، العملاقة، صاحبة الأدوار ذات الثقل والعمق) كانت محصلة ما قاله الكثيرون، وأكدوا جميعاً على نقطةٍ هامة هي شعورهم بأنها ( لا تستهر بعقولهم أو عواطفهم بل تحترمها) وهو ما جعل بينها وبين المشاهدين حالةً من الود والإحترام والثقة فضلاً عن المحبة والتقدير التي يكنونها لها..
وكون الأداء عموماً مرتبطٌ بالقدرة على التعبير وإيصال الشعور وبالأخص في تفاصيل خاصة كنظرات الأعين أو نبرة الصوت أو طريقة المشي، صنعت سمر سامي خطاً خاصاً بها حيث من النادر أن تستطيع تمييز أداءٍ صامت لشخصٍ لا يواجه عدسة الكاميرا بوجهه ليقوم بتقديم مشهدٍ كامل تتعرف فيه على هوية من يمثله دون أن يعرف عن نفسه وكأنها تتبارى مع نفسها في تقديم روح الإنسان متنازلةً عن كل الزينة والبهرجة التي يبني الكثيرون مجدهم عليها، فتصنع في مكانٍ آخر شيئاً هاماً يغيب عن ملامح الفترة التي نعيشها ألا وهو الأمان..
فتأتي سمر حاضرةً بكل تفاصيلها لتذكرنا بتفاصيل شكلت وجداننا وصنعت أيامنا وكانت مصدر سعادتنا، فسمر التي تشبهنا وتشبه كل جزءٍ أصيل في بيوتنا تذكرنا بذلك الدفىء الذي غاب عنا، تذكرنا بإجتماع العائلة، تذكرنا بالبيوت العامرة بالألفة والمحبة، تذكرنا بالستائر التي تنسدل على نوافذنا بنعومةٍ كل ليلة، بالصمت الآمن الذي يخيم على البيوت بعد أن ينام أهلها، بأشعة الشمس التي تتسرب بهدوءٍ لتنير القلب قبل السماء، بصوت الحساسين في آذاننا كل صباح، برائحة الحقول بعد المطر، بلمسة حبيب وإخلاص صديق ورقة طفلة لا زالت تلهو وتلعب الغميضة بطمأنينة مع بقية الأطفال.. نحبها لأنها تشبه حلمنا بعودة الماضي ولأنها تشبه سوريا العظيمة بمنتهى التواضع، فيحل الربيع اذا ما ابتسمت وتهب على القلوب رياح الشام.. تلك الرياح المحملة بالحنين إلى الذات وإلى كل ما يشبهنا ويشبه أنقى ما فينا..
وجودها كفيلٌ بزرع فوضىً في الحواس، فهي بسيطة ٌ حد التعقيد، شفافةٌ كبزوغ الفجر، وتملك من الحضور الطاغي ما يجعلها تمسك بتلابيب مشهدها وإن لم تنبس ببنت شفة، وتملك من جماليات الأداء ما يجعلها وجهاً آخر من وجوه الطبيعة وإحدى صورها التي تتحد معها وتنصهر فيها لتكرس نفسها كواحدةٍ من مفرداتها التي تحير من يراها، فهي متواريةٌ عن الأنظار رغم أننا نجد من روحها ما يشبهها في كل مكان ليترسخ في الوجدان حضورها الآسر الذي لا تدري معناه بين الناس..
فالناس عكس ما نرى اليوم تنظر إليها بشكلٍ منفرد يحمل الكثير من التقدير، ويضعها بمعزلٍ عن من يتصدرون المشهد العام ولا يقبلون مقارنتها بأحد حتى من غير المتابعين لما يعرض بإنتظام عبر الشاشة، فهم من حيث لا يدرون كما لا تدري فنانتنا يطلق عليها بالمعنى المحبب والعفوي في ثقافتنا الشعبية كلمة (بنتنا) أو (واحدة منا)، بحيث تلامسك وإن كانت تؤدي دور سيدةٍ أرستقراطية تعيش حالةً من البذخ والرفاه دون أن تستفز مشاعر الناس كما نرى كثيراً، كونها تعكس الحال الذي نعيشه فتلامسه بحرفية دون المتاجرة به تحت مسمى (الواقعية)، فتقدم حياة هذه الإنسانة أو تلك دون أن تغتنم الفرصة (لتقديم نفسها) وهذه إحدى أهم نقاط القوة في أدائها وعلامةٌ هامة على النضوج والثقافة والإمتلاء الروحي والثقة بالنفس دون الحاجة إلى شرح ذلك..
كما نرى من خلال اختياراتها ذلك الأسلوب الإنتقائي الذي لا يهتم بالتواجد الدائم أو المساحات الكبيرة على الشاشة قدر ترك بصمةٍ لدى متابيعها كجزءٍ من احترامها لهم ولنفسها ولمسيرتها، وكجزءٍ من شعورها بالمسؤولية عن ما تقدمه وهو ما نفتقده كثيراً كحالةٍ عامة حيث عودت الجميع على مستوىً عالٍ من الأعمال جعلها بوصلةً للفن الراقي والمنتج الجيد بعيداً عن السطحية والإستسهال والإنسياق خلف ثقافة (التريند) التي لا يمكن أن تجتمع مع إسمٍ برقي اسمها، فهي لطالما كانت تشبهنا بمختلف حالاتنا قبل أن يزيف البشر واقعهم وتستمر بصمود في (تقديمنا) رغم رحيل الكثير منا عن نفسه..
فاليوم يكاد أن يصبح انتماء الغالبية من أبنائنا إلى ثقافة ٍغربية رغم وجوده على أرضه، بينما قدمت صورةً جميلة معاكسة لهذه الصورة الحالية في دورٍ مثل دورها في مسلسل (جريمة في الذاكرة) وهو المسلسل الأول الذي شاهدتها فيه في زمنٍ لم تكن الدراما السورية فيه تصل بتوزيعها إلى مختلف الدول العربية بسهولة، فكانت مثالاً للشابة البسيطة المتواصلة مع هويتها والمتقنة للهجتها رغم أنها عاشت في أقاصي الأرض عكس من لا يتقنون لغتهم وهم بيننا، واستمرت في تقديم تدرجات الشخصيات والتباين في تفاصيلها بعيداً عن الأداء النمطي والقوالب الجاهزة وردات الفعل المحفوظة سلفاً، فتكاد تكون الفنانة العربية الوحيدة التي جسدت الإنفعالات النفسية بعيداً عن الإفتعال أو المبالغة ودون زيادةٍ أو نقصان وكأنها متعمقةٌ في علم النفس والنفس البشرية، وهنا لا أشهد بذلك كأحد محبيها بل أتحدث من منطلق ٍ علمي بحت كقارىءٍ في علم النفس وكممرضٍ عايش الحالات المرضية عن قرب وعايشت تلك المشكلات بشكلٍ شخصي وضمن مجال عملي، والتي كان الكثير من انفعالاتها داخلياً مما يزيد صعوبة ملاحظتها وكانت أبعد ما يكون عن أغلب ما قدمته الشاشات وانفردت سمر سامي بتقديمه، حيث لم يقدمها أحدٌ بمنتهى الإبداع والثقافة والحس كما قدمتها وباتت هذه التركيبة الخاصة مرتبطةً بها، فقدمت النفس البشرية على طبقٍ من ذهب لمن يود أن يتأمل فيها وبشكلٍ منصف للإنسان المرهف المتعب الذي يعاني من مشكلات ٍ لا تؤدى بالصراخ أو الأذى أو تحطيم الأشياء بل بتكثيف الشعور وتعميقه بالوجع الإنساني لتغوص فيه معها داخل آباره العميقة حيث لا يمكن أن يأخذك أحد..
ولربما اعتقدت سمر سامي أن الأدوار الصادقة التي جسدتها تجعلها ذات صورةٍ حزينة في الأذهان، لكن المفاجأة أن اسمها رافقته البسمة عند ذكره لدى أشخاصٍ ينتمون إلى فئاتٍ من خلفيات اجتماعية وثقافية متنوعة بينما أعد للكتابة عنها، ورغم عدم اجادتهم للتعبير بدقة عن رأيهم لكن كلمات مثل (القديرة، الراقية، المحترمة، الحساسة، العملاقة، صاحبة الأدوار ذات الثقل والعمق) كانت محصلة ما قاله الكثيرون، وأكدوا جميعاً على نقطةٍ هامة هي شعورهم بأنها ( لا تستهر بعقولهم أو عواطفهم بل تحترمها) وهو ما جعل بينها وبين المشاهدين حالةً من الود والإحترام والثقة فضلاً عن المحبة والتقدير التي يكنونها لها..
وكون الأداء عموماً مرتبطٌ بالقدرة على التعبير وإيصال الشعور وبالأخص في تفاصيل خاصة كنظرات الأعين أو نبرة الصوت أو طريقة المشي، صنعت سمر سامي خطاً خاصاً بها حيث من النادر أن تستطيع تمييز أداءٍ صامت لشخصٍ لا يواجه عدسة الكاميرا بوجهه ليقوم بتقديم مشهدٍ كامل تتعرف فيه على هوية من يمثله دون أن يعرف عن نفسه وكأنها تتبارى مع نفسها في تقديم روح الإنسان متنازلةً عن كل الزينة والبهرجة التي يبني الكثيرون مجدهم عليها، فتصنع في مكانٍ آخر شيئاً هاماً يغيب عن ملامح الفترة التي نعيشها ألا وهو الأمان..
فتأتي سمر حاضرةً بكل تفاصيلها لتذكرنا بتفاصيل شكلت وجداننا وصنعت أيامنا وكانت مصدر سعادتنا، فسمر التي تشبهنا وتشبه كل جزءٍ أصيل في بيوتنا تذكرنا بذلك الدفىء الذي غاب عنا، تذكرنا بإجتماع العائلة، تذكرنا بالبيوت العامرة بالألفة والمحبة، تذكرنا بالستائر التي تنسدل على نوافذنا بنعومةٍ كل ليلة، بالصمت الآمن الذي يخيم على البيوت بعد أن ينام أهلها، بأشعة الشمس التي تتسرب بهدوءٍ لتنير القلب قبل السماء، بصوت الحساسين في آذاننا كل صباح، برائحة الحقول بعد المطر، بلمسة حبيب وإخلاص صديق ورقة طفلة لا زالت تلهو وتلعب الغميضة بطمأنينة مع بقية الأطفال.. نحبها لأنها تشبه حلمنا بعودة الماضي ولأنها تشبه سوريا العظيمة بمنتهى التواضع، فيحل الربيع اذا ما ابتسمت وتهب على القلوب رياح الشام.. تلك الرياح المحملة بالحنين إلى الذات وإلى كل ما يشبهنا ويشبه أنقى ما فينا..