الاعجاز اللغوي للقرآن- ملاحظة صغيرة
يلاحظ الحديث المتواصل عن الاعجاز اللغوي للقرآن ؛ وتحديه لفطالحة العرب أن يأتوا بسورة من مثله ، وفشلهم في ذلك... وتحدث آخرون عن مسائل نحوية ومسائل بلاغية ، وافرطوا في الامر افراطا شديدا. ثم على الوجه المقابل ؛ بحث الكثيرون من أعداء القرآن عن أخطأء لغوية نحوية ، ورد عليهم الأول بما لم يثلج صدر أي من الطرفين ، فالمسألة اللغوية شديدة التعقيد.
سأقدم هنا وبشكل عام ملاحظتين:
الملاحظة الأولى: هو تساؤل سيظل مطروحا: هل في القرآن تناص ثقافي؟ لقد قال دكتور نصر حامد أبو زيد في مقدمة كتابه مفهوم النص أن القرآن نتاج ثقافة عربية. هذا القول ألب عليه العديد من الجماعات الدينية ، وكنت أنا أيضا -لعدم فهي لكلامه- منكرا لذلك. ولكني أعتقد أن سبب خلطنا السبق في فهم جملة ابو زيد هو إستخدامه (هو) شديد العمومية لكلمة ثقافة. أعتقد أن التساؤل كان ليكون أكثر دقة ومقبولية إن كان على النحو التالي: (هل هناك تناص ثقافي في القرآن؟).
ما أقصده بالتناص الثقافي ليس بعيدا عن مجمل فكرة التناص كما أوضحتها جوليا كرستيفا ؛ فأحد أنواع التناص هو أننا عندم نتكلم إنما نستخدم موروثنا اللغوي من ثقافتنا ، وعلى هذا الأساس فالجملة ليست أكثر من استخدام إبدالي مستمر للدوال والعلامات. نحن نستخدم كلمة سارق من ثقافتنا ، وكلمة سرق من ثقافتنا ، واللغة في حقيقتها تواضع جمعي على علامات اعتباطية في الأصل. هكذا يكون بالفعل القرآن منتجا للثقافة العربية باعتباره تناصا ثقافيا ؛ وهو ما أكده القرآن نفسه: (إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (3) الزخرف). فهو مجعول عربيا ؛ اي باستخدام تباديل الدوال العربية ، وبالتالي فهو تناص لغوي. وهنا نكون أمام تساؤلات أخرى هامة:
- إذا كان القرآن تناصا ثقافيا ؛ فكيف يكون معجزا لغويا؟ وذلك من جانبين:
أولا: إن اللغة عربية أو غير عربية هي منتج بشري ؛ والقرآن منتج إلهي ؛ وبالتالي فالحديث عن كون تطابق او الاستخدام الأقصى لضوابط اللغة هو اعجاز فيه تقليل من شأن القرآن كمنتج أعلى من اللغة نفسها التي هي منتج بشري ؛ فالحق أن اللغة هي التي يجب أن تسخر لتتطابق مع القرآن وليس العكس. فلا يمكن للأعلى ان يستمد قوته من الأسفل ؛ والمقدس من الوضعي.
ثانيا: إن كانت اللغة عملا وضعيا محضا ؛ والقرآن تناص ثقافي ؛ فهذا ينفي تماما إمكانية أن يكون القرآن فد تجاوز حدود هذا التناص وإلا فقد قدرته على تحقيق التواصل بين العقل الكلي والعقل النسبي المحدود (البشر المخاطبون بالقرآن). فحتى بالنسبة للحروف المقطعة ك ألف لام ميم فهي لها أصلها في الأبجدية اللغوية ، وإن غمض ما عناه الله بها فذلك لا يعني أنها عكست خروجا عن التناص الثقافي للقرآن بأي حال من الأحوال.
ثالثا: إن كنا ننكر أي اعجاز لغوي للقرآن لمبرر التناص الذي ينفي اغتراب القرآن عن ثقافته ومن ثم ينفي ضعفه في تحقيق التواصل المستهدف منه كخطاب غير متعال من الله ومن ثم ينفي استحالة استخدام ذات الثقافة لاجتراح نصوص مماثلة. فهذا يعني أن اعجاز القرآن يكمن في مسألة أخرى. ولعل الإعجاز هنا هو إعجاز وسيلة الخطاب نفسه باعتباره انتقالا متواترا شفهيا من جماعة عظيمة إلى أخرى بحيث لا يمكن أن نفترض تواطؤهم على الكذب لما يزيد عن ألف واربعمائة عام. والمعروف أن النقل الشفاهي هو أضعف وسائل الحفاظ على أي نص من التحريف والتبديل.
يلاحظ الحديث المتواصل عن الاعجاز اللغوي للقرآن ؛ وتحديه لفطالحة العرب أن يأتوا بسورة من مثله ، وفشلهم في ذلك... وتحدث آخرون عن مسائل نحوية ومسائل بلاغية ، وافرطوا في الامر افراطا شديدا. ثم على الوجه المقابل ؛ بحث الكثيرون من أعداء القرآن عن أخطأء لغوية نحوية ، ورد عليهم الأول بما لم يثلج صدر أي من الطرفين ، فالمسألة اللغوية شديدة التعقيد.
سأقدم هنا وبشكل عام ملاحظتين:
الملاحظة الأولى: هو تساؤل سيظل مطروحا: هل في القرآن تناص ثقافي؟ لقد قال دكتور نصر حامد أبو زيد في مقدمة كتابه مفهوم النص أن القرآن نتاج ثقافة عربية. هذا القول ألب عليه العديد من الجماعات الدينية ، وكنت أنا أيضا -لعدم فهي لكلامه- منكرا لذلك. ولكني أعتقد أن سبب خلطنا السبق في فهم جملة ابو زيد هو إستخدامه (هو) شديد العمومية لكلمة ثقافة. أعتقد أن التساؤل كان ليكون أكثر دقة ومقبولية إن كان على النحو التالي: (هل هناك تناص ثقافي في القرآن؟).
ما أقصده بالتناص الثقافي ليس بعيدا عن مجمل فكرة التناص كما أوضحتها جوليا كرستيفا ؛ فأحد أنواع التناص هو أننا عندم نتكلم إنما نستخدم موروثنا اللغوي من ثقافتنا ، وعلى هذا الأساس فالجملة ليست أكثر من استخدام إبدالي مستمر للدوال والعلامات. نحن نستخدم كلمة سارق من ثقافتنا ، وكلمة سرق من ثقافتنا ، واللغة في حقيقتها تواضع جمعي على علامات اعتباطية في الأصل. هكذا يكون بالفعل القرآن منتجا للثقافة العربية باعتباره تناصا ثقافيا ؛ وهو ما أكده القرآن نفسه: (إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (3) الزخرف). فهو مجعول عربيا ؛ اي باستخدام تباديل الدوال العربية ، وبالتالي فهو تناص لغوي. وهنا نكون أمام تساؤلات أخرى هامة:
- إذا كان القرآن تناصا ثقافيا ؛ فكيف يكون معجزا لغويا؟ وذلك من جانبين:
أولا: إن اللغة عربية أو غير عربية هي منتج بشري ؛ والقرآن منتج إلهي ؛ وبالتالي فالحديث عن كون تطابق او الاستخدام الأقصى لضوابط اللغة هو اعجاز فيه تقليل من شأن القرآن كمنتج أعلى من اللغة نفسها التي هي منتج بشري ؛ فالحق أن اللغة هي التي يجب أن تسخر لتتطابق مع القرآن وليس العكس. فلا يمكن للأعلى ان يستمد قوته من الأسفل ؛ والمقدس من الوضعي.
ثانيا: إن كانت اللغة عملا وضعيا محضا ؛ والقرآن تناص ثقافي ؛ فهذا ينفي تماما إمكانية أن يكون القرآن فد تجاوز حدود هذا التناص وإلا فقد قدرته على تحقيق التواصل بين العقل الكلي والعقل النسبي المحدود (البشر المخاطبون بالقرآن). فحتى بالنسبة للحروف المقطعة ك ألف لام ميم فهي لها أصلها في الأبجدية اللغوية ، وإن غمض ما عناه الله بها فذلك لا يعني أنها عكست خروجا عن التناص الثقافي للقرآن بأي حال من الأحوال.
ثالثا: إن كنا ننكر أي اعجاز لغوي للقرآن لمبرر التناص الذي ينفي اغتراب القرآن عن ثقافته ومن ثم ينفي ضعفه في تحقيق التواصل المستهدف منه كخطاب غير متعال من الله ومن ثم ينفي استحالة استخدام ذات الثقافة لاجتراح نصوص مماثلة. فهذا يعني أن اعجاز القرآن يكمن في مسألة أخرى. ولعل الإعجاز هنا هو إعجاز وسيلة الخطاب نفسه باعتباره انتقالا متواترا شفهيا من جماعة عظيمة إلى أخرى بحيث لا يمكن أن نفترض تواطؤهم على الكذب لما يزيد عن ألف واربعمائة عام. والمعروف أن النقل الشفاهي هو أضعف وسائل الحفاظ على أي نص من التحريف والتبديل.