محمد مهدي الجواهري - يا أُمَّ عوفٍ..

يا أم عوف عجيبات ليالينا = يدنين أهواءنا القصوي ويقصينا
في كل يومٍ بلا وعيٍ ولا سببٍ = يُنزِلنَ ناساً علي حُكمٍ ويعلينا
يدّفِن شَهدَ ابتسام في مراشِفنا = عذباً بِعَلقَمَ دمعٍ في مآقينا
ويقترِحنَ علينا أن نُجَرَعهُ = كالسُمِ يجرَعهُ سُقراطُ توطينا

يا أم عوفٍ وما يُدريكِ ما خبأت = لكِ المقاديرُ من عُقبي ويدرينا
أني وكيف سيرخِي مِن أعِنْتنا = تطوافنا ... ومتي تُلقي مراسينا
أزري بأبياتِ أشعارٍ تقاذفنا = بيتٌ منَ الشَعَرِ المفتولِ يؤوينا
عِشنا لها حِقباً جلي نُدَلِلُها = فتجتوينا .. ونعليها فتُدنينا
تقتاتُ من لَحمنا غَضاً وتُسغِبُنا = وتستقي دَمّنا مَحضاً وتُظمينا

يا أم عوفٍ حُرِمنا كُلُ جارحةٍ = فينا لنُسرِجَ هاتيك الدواوينا
لم يدر أنا دفنّا تحتَ جامِحها = مطالعاً .. يتملاها براكينا
يا أم عوف بِلوح الغيبِ موعدُنا = هنا.. وعِندَكِ أضيافاً تلاقينا
لم يبرح العامُ تِلو العام يقذِفُنا = في كلِ يومٍ بموماةٍ ويرمينا
زواحِفاً نرتمي آناً.. وآوِنَةً = مُصَعَدِّين بأجواءٍ شواهينا
مُزعزعين كأن الجِنَ تسلِمنا = للريحِ تنشُرنا حيناً وتطوينا
حتي نزلنا بساحٍ مِنكِ مُحتَضَنٌ = رأد الضُحي والندي والرّمل والطِينا
مفيئٌ بِالجواءِ الطَلقِ مُنصَلِتٌ = للشَمسِ تجدَعُ مِنهُ الشمسُ عَرنينا
خِلتَ السماءَ بها تهوي لتلثُمه = والنجمُ يسمَحُ من أعطافِه لِينا
فيه عَطفنا لميّدانِ الصِبا رَسناً = كادَ التصَرُّمُ يلويه ويلوينا

يا أم عوفٍ وما آهٍ بِنافعةٍ = آهٍ علي عابِثٍ رُخصٍ لماضينا
علي خَضيل أعرتهُ طلاقتها = شمسُ الربيعِ وأهدتهُ الرياحينا
سالت لِطافاً به أصباحُنا ومشت = بالمنّ تنطُف والسلوي ليالينا
سَمحٌ نَجُرُ بِه أذيالنا مرحاً = حيناً .. ونَعثر في أذياله حينا
آهٍ علي حائرٍ ساهٍ ويُرشِدُنا = وجائرُ القصدِ ضِلّيلٌ ويهدينا
آهٍ علي مَلعَبٍ أن نَستَبِدَ بِه = أو يستَبِدَ بِنا أقصي أمانينا
مِثلَ الطيورِ وما رِيشت قوادِمُنا = نطيرُ رهواً بما اسطاعت خوافينا
مِنْ ضَحكَةِ السحَرِ المشبوبِ ضَحكَتَنا = ومِن رفيفِ الصِبا فيهِ أغانينا

يا أُم عَوّفٍ وكادَ الحلم يسلِبُنا = خيرَ الطِباعِ وكادَ العقلُ يُردينا
خمسونَ زُمّتْ مليئاتٌ حقائبها = من التجاريبِ بِعناها بِعِشرينا
إذ نَحنُ مِنْ هذهِ الدُنيا ضَراوتَها = وإذ مغاني الصِبا فيها مَغانينا
يا أُم عَوّفٍ بريئاتٌ جرائرُنا كانت = وآمِنة العُقبي مهاوينا
نستلهِمٌ الأمرَ عفواً لا نُخرّجه = من الفحاوي ولا ندري المضامينا
ولا نُعاني طوياتٍ مُعَقدَةٍ = كما يحِلُ تلاميذٌ تمارينا
نأتي المآتي من تَلقاءِ أنفُسنا = فيما تصرفنا مِنها وتُثنينا
إنْ نندفِع فبِعفوٍ مِن نوازعِنا = أو نَرتَدِع فبِمَحضٍ مِنْ نواهينا
ما أن يرَيّنَ علينا خَوفَ مُنقَلَبٍ = ولا نُراقِبُ ما تُجزي جوازينا
لا الأرضُ كانت مُغواةٌ تلقفنا = غدراً.. ولا خاتلٌ فيها يُداجينا
إذا ارتكسنا اغاثتنا مغاوينا = أم إرتكضنا أقلتنا مذاكينا
أو إنصببنا علي غايِ نُحاوِلُها = عُدنا غُزاةً وإن طاشت مرامينا
كانت محاسنِنُنا شتي وأعظمها = أنا نخافُ عليها مِن مساوينا
واليومُ لمْ تأل تستشري مطامِحُنا = وتقتفيها علي قدرِ معاصينا
فما نُعالجُ خَرقاً مِنْ مهازِلنا = إلا بأوسعَ منه في مآسينا

يا أُم عوّفٍ أدال الدهرُ دولَتنا = وعاد غمزاً بِنا ما كانَ يزهونا
خبا من العمر نوءٌ كان يرزِمُنا = وغاب نجمُ شبابٍ كان يهدينا
وغاض نبع صفاء كنا نلوذ به = في الهاجرات فيروينا ويصفينا

يا أُم عوفٍ وقد طال العناءُ بنا = آهٍ علي حِقبَةٍ كانت تُعانينا
آهٍ علي أيمن من رَبعِ صَبوتِنا = كُنا نَجولُ بهِ غُراً ميامينا
كانت تَجِدُ لنا الأيامُ حاشيةً = مذهوبةً كُلما قُصت حواشينا
كنا نقولُ إذا ما فاتنا سَحَرٌ = لا بد من سحرٍ ثانٍ يواتينا
لا بُدَّ مِنْ مَطلَعٍ لِلشَمسِ يُفرِحُنا = ومِنْ أصيلٍ علي مَهلٍ يواتينا
واليومَ نرقَبُ في أسحارِنا أجلاً = تقومُ مِن بَعدِه عَجلي نواعينا

يا أُم عَوّفٍ كوادٍ أنتِ نازلةً = دمثاً فسيحاً ندياً كان وادينا
في مِثل رَملتِكِ الحمراءَ زاهيةً = كانت تَخُبُ عفاريتاً مهاوينا
ومِثلَ خيمَتِكُ الدكناءُ فارهةً = كانت تَرِّفُ علي رَملٍ صوارينا

يا أُم عَوّفٍ وما كنا صيارفةً = فيما نَحِبُ ولا كُنا مُرابينا
لمّ نَدرِ سوقَ تِجارٍ في عواطِفهِم = ومُشترينَ موّداتٍ ىوشارينا
لا نَعرِفَ الوّدَ إلا إنهُ دَنَفٌ = مِنَ الصبابةَ يعتادَ المُحِبينا
فما نُصابِحُ إلا من يُماسينا = ولا نُراوِحُ إلا مَنْ يُغَادينا

يا أُم عَوّفٍ ولا تُغرِرك بارِقةٌ = منا ولا زائفٌ مِنْ قَول مُطرينا
غُفُلاً أتيناكَ لمْ تَعلَق بِنا غُرّرٌ = ولا حجولٍ وإن رَفْت هوادينا
إنا أتيناكِ مِنْ أرضٍ ملائكُها = بالعُهرِ ترجُمُ أو تُرضي الشياطينا
إن لَمْ يَلٌح شبحٌ للخوفِ يُفزِعُنا = فيها يلُح شَبَحٌ للذُلِ يُصمينا

يا أمُ عَوّفٍ أأوهامٌ مُضَللِةٌ = أمِ الأساطيرَ يُبْدِعنَ الأساطينا
مِنْ عَهدِ آدمَ والأقوامُ مُزجِيةٌ = خوّفَ الشرورِ الضحايا والقرابينا
أكلما ابتدعَ الإنسانُ آلهةً = للخير صيّرها شرٌ ثعابينا

يا أُم عَوّفٍ سئمنا عَيشَ حاضِرةٍ ٠٠٠ ترب سقطين شريراً ومسكينا
وحش وإن روّض الإنسيُ جامِحَها = قفرٌ وإن مٌلئت ورداً ونسرينا
ضحاكةُ الثَغِرِ بُهتاناً وحاملةٌ = في الصدرِ للشرِ أو للبؤسِ تنينا
وخانقاً مٍن قراميدٍ يحوطُنا = حَوّطَ السجينِ مناكيداً مساجينا
ران الخمولُ عليه واستبد به = جذبَ الجواذِب من هُنا ومِن هينا
ولُقمةً ردها ما نسترِقُ بِه = وما نُكافِحُ زُقوماً وغِسلينا

يا أُم عوف وقب شِبنا بٍمُعتَرَكٍ = نرعي المقاييس مٍنه والموازينا
عُمياً ندورُ علي مَرمي حوافِرهُ = معقودةً بتواليه نواصينا
ما انفك فحشٌ تظنيه يُلاحِقُنا = حتي عُدينا بفحشٍ في تظنينا
فما نصَدِق أفواهاً بألسِنةٍ = ما لم يُقِمَن عليهِنَ البراهينا
ولا بأفئدةٍ حتي تعاهدنا = بأن أنياطها ليست ثعابينا
وقد بشمنا بموب من مراتِعِنا = يغشي النفوسَ وموّبٌ من مراعينا

لا يلمَسَ الروحَ فينا من يُصاحِبُنا = ولا تحِدُ حُدودٌ من يعادينا
ولا يَنِمُ بِسرِ من يُضاحِكُنا = ولا يُرِفُ بِجَفْنٍ من يُباكينا
ولا تَسيلُ علي اللَباتِ أنفُسُنا = إلا ذماً ثُمَ تغشاها غواشينا

وآنسٌ إن بَئسنا فهو مادِحُنا = أغمّه أن نَعِمنا فَهوَ هاجينا
يضوي لِئامتهُ شَرٌ يُحِيقُ بِهُ = حِقداً ويَسمِنُها خيرُ يواتينا
لَمْ يَدرِ أنا علي الحاليّن يرمِضُنا = من بؤسَ خَلق سوانا ما يُعنينا
وأننا حين يروي الناسُ نَبعَهمُ = نروي بِنَبعِ هُمومٍ فُجرت فينا
وأننا نَحَسبُ الخالين مِن ألمٍ = غَرثي عُفاةٍ وإن كانوا قوارينا
لَمْ يدرِ إنَ النُفوس العامرات بنا = تبقي علي نَكَدِ الدُنيا عَناوينا

يا رَمْلةًاللهِ رُدي عَنْ تَِحيتنا = بِخير ما فيكِ مِنْ لُطْفٍ وحيينا
وسامرينا فَقدْ ألوي بِنا سَمَرٌ =٠ وطارحينا فَقدْ عَيّت قوافينا
رُدي بِما وَهبَتهُ الشاء مِنْ وَتَرٍ = إذا ثغا رددته الرُوحُ تلحينا
ونَبحةٌ من كُليبٍ خَلتُ نبرتها = مِنْ زَخْرَفِ القوّلِ تحريكاً وتسكينا
وخُطبةٌ تُسمِعُ الرهطينِ مُلقيةٌ = في الذئبِ والحَمَلِ المرعوبِ مُصغينا
عَوي هَزيعاً فَردت عَنهُ ثاغِية = كانت تَقُولُ لَهُ آمينَ آمينا
وحولهِ الشاهُ رالمَعزي مُهَهَومَةٌ = تُزجي الأكارِعَ إو تَرخي العثانينا
تَهِشُ لِلمَرجٍ فيناناً وتُرعِدُها = رؤيا تُمَثِلُ جَزاراً وسِكِينا
أغفي ونَصّبَ خيشوماً يحس بِهِ = خُطي اللصوصِ ويستاف السراحينا
ولَفهُ وَهَجُ الأصوافِ يوقِدُها = عَنّْ صَرِّ كانون تنوراً وكانونا

ويا بِساطاً مِنَ الخضراءِ طَرّزَهُ = صَوبَ الغمامِ أفانيناً أفانينا
أوصِ المروجَ بِنا خيراً لعل بِها = من ضنْكَةِ الروحِ فينا ما يُداوينا
جئنا مغانيكِ نُساكاً يُبرّحُهمْ = لقيا حبيبٍ أقاموا حُبهُ دينا
ولاءمتنا شِعابٌ مِنكِ طاهِرَةٌ = كما تَضُمُ المحاريب المُصلينا
لَمْ ألفَ أحَفَلَ مِنها وهي مُوحِشَةٌ = بِالمؤنِساتِ ولا أزهي ميادينا
ولا أدقَ بياناً مِنْ مَجاهِلِها = ولا أرّقَ لِما توحيه تبيينا
حتي كأن الفِجاجُ الغُبر تفهَمنا = والمُبهماتُ مِنْ الوادي تُناغينا
تجاوبتْ بِصَدي الدُنيا مفاوِزُها = واستعرضت مِنْ بَني الدُنيا الملايينا
وانساب حَشدُ الرِمال السافياتِ بِها = يحصي الأُناسي منها والأحابينا

كَمْ لَمَتِ الشمسُ أوراساً وكَمْ قَطَفَتْ = مِنَ الأهلةِ عُرجوناً فعُرجونا
وكَمْ حَوَتْ مِنْ رَبيعِ الدَهرِ أخيلةً =٠ فطِرنَ رُعباً وأفراساً فَعُرينا
أحالَها النورُ شيئاً غيرَ عالَمِها = حتي كأنا بِوادٍ غير وادينا
حتي كأنا وضوءُ البدرَ يفرِشها = نمشي علي غَيمَةٍ مِنْهُ تُماشينا

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى