زكريا إبراهيم - السعادة في نظر ديكارت

كتب ديكارت إلى الأميرة اليزابيث رسالة بتاريخ أول سبتمبر سنة 1645، قال فيها: (إننا لسنا نجد فرداً واحداً لا يرغب في أن يكون سعيداً، ومع ذلك فإن عدد الذين ينالون السعادة فعلاً عدد ضئيل، لأن كثيرين من الناس لا يعرفون الوسيلة التي بها يحققون لأنفسهم السعادة). وليست سعادة الإنسان - في نظر ديكارت - متوقفة على الحظ أو الظروف الخارجية، وإنما تتوقف أولاً وبالذات على الفرد نفسه. ولذلك نرى ديكارت في رسائله التي كتبها إلى الملكة كريستين، يحاول أن يثبت لها أن (كل إنسان عاقل يجب أن يفحص عن خيره وسعادته إلا في نفسه، وأننا نستطيع أن نحْصل على كل ما يلزمنا بأقل جهد وأدنى تكاليف)

' - , ' ;

وكان تأثير ديكارت على الملكة كريستين تأثيراً قوياً فعالاً، حتى أنها كتبت تقول في 27 فبراير سنة 1654، بعد تنازلها عن عرش السويد: (إنني في هدوء واطمئنان، لأن خيري ليس في يد القدر، وسعادتي ليست تحت سلطان الحظ. أجل، فأنا سعيدة مهما تكنْ الظروف ومهما يحدث لي)

وقد كتب ديكارت إلى الأميرة اليزابيث، في شهر مايو سنة 1645، يقول (إنني أميل دائماً إلى أن أنظر إلى الأشياء التي تتمثل أمام ناظري، من (وجهة) نظر تبديها لي حسنة تجلب الرضى، بحيث أن في وسعي أن أقول: إن سعادتي الأولى تتوقف عليّ وحدي)، وفي هذه العبارة ينحصر سر السعادة في نظر ديكارت، لأنه (ليس هناك أحداث أليمة ممعنة في الشر - في نظر الناس -، إلا ويستطيع الإنسان بعقله وفطنته أن ينظر إليها من (وجهة) تُبدِيها له مواتية نافعةً) وفضلا عن ذلك فإنه (ليس ثمة شر، لا يستطيع المرء أن يستخرج منه وجهاً من الخير أو المنفعة، إذا كان لديه عقل سليم)

(. . . ' , , 55.

وأما خير وسيلة لتحصيل السعادة، فتلك هي أنه (إذا وجد الإنسان نفسه حيال اعتبارات مختلفة، كلها صحيحة، ولكن بعضاً منها يحملنا على أن نكون سعداء، والبعض الآخر - بخلاف ذلك - يحول دون تحصيل السعادة؛ فإنه يبدو لي أن الحكمة تتطلب أن نسارع إلى أن نأخذ بالاعتبارات التي توفر لنا السعادة وتكفل لنا الرضى. . . وإذا كانت كل أمور الحياة هي مما يمكن أن يُنْظَر إليه من جانب فيبدو حسناً طيباً، وينظر إليه من جانب آخر فيبدو ناقصاً معيباً، فإني أعتقد أنه إن وجب على المرء استخدام مهارته في أمرٍ ما، فذلك أولاً وبالذات في أن يعرف كيف ينظر إلى أمور الحياة من (وجهة) تبديها له محققة لفائدته ومصلحته، بشرط أن لا يكون في ذلك خادعاً لنفسه)
* (من رسالة إلى الأميرة اليزابيث بتاريخ 6 أكتوبر سنة 1645)

زكريا إبراهيم

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى