مولود بن زادي - هل تستحق بيغوم شميمة "عروس داعش" الجنسية البريطانية؟!

مما لا شك فيه أنّ نساء كثيرات التحقن بأنظمة جهادية مثل تنظيم «الدولة الإسلامية» (داعش) ولم يثرن اهتمام الرأي العام ووسائل الإعلام، مثلما فعلت شميمة بيغوم، الملقبة بـ»عروس داعش»، فتاة بريطانية من أصل بنغالي، تبلغ من العمر 19 سنة.

الفتاة التي تمردت على الوطن الأم

بيغوم شميمة غادرت بريطانيا عام 2015 للالتحاق بتنظيم «الدولة الإسلامية» في سوريا، وانقطعت أخبارها إلى أن عُثر عليها في مخيم للاجئين السوريين بعد مغادرتها مدينة الباغوز في دير الزور، آخر معاقل تنظيم «الدولة» في سوريا. وأثناء وجودها في الدولة الإسلامية، تزوجت من رجل هولندي، هو أيضا جهادي، أنجبت منه طفلا مطلع شهر فبراير.
شميمة بيغوم أثارت أنظار الإعلام والجماهير في كامل أنحاء العالم، بعدما طلبت الإذن بالعودة إلى بريطانيا بحكم أنها مواطنة بريطانية ومولودة في بريطانيا بعد انهيار الدولة التي التحقت بها وخدمتها، لكن وزير الداخلية ساجد جاويد لم يتأخر في إصدار أمر بإزالة جنسيتها البريطانية يوم الثلاثاء 19 فبراير 2019، وهو قرار وصفته بيغوم بأنه «حطّم قلبها»، ملتمسة من الوزارة التعاطف معها، داعية الحكومة البريطانية إلى تقديم دليل على أنها تشكل خطرا على السلامة العامة.


القرار البريطاني يثير جدلاً لا سابق له

قرار وزارة الداخلية البريطانية أثار جدلا واسعا في الأوساط السياسية والإعلامية، وتساؤلات عن شرعية القرار وأحقية سحب الجنسية البريطانية من مواطنين يشتبه في ارتكابهم جرائم إرهابية، أو غيرها من الجرائم الدولية الخطيرة. لمحاولة فهم ما إذا كان القرار قانونيا، لا بد لنا أن نتأمل الأساس الذي اعتمدت عليه وزارة الداخلية لإصدار هذا القرار، الذي اعتبره بعض المراقبين والسياسيين سابقة خطيرة.


قرار بموجب القانون البريطاني

وزارة الداخلية البريطانية أكدت أنّ قرار سحب الجنسية اتخذ بموجب المادة 40 (2) من قانون الجنسية البريطاني الصادر عام 1981 الذي ينص على أنه «يحق لوزير الداخلية أن يصدر أمرًا بالحرمان من الجنسية، إذا ما اقتنع أنه في الصالح العام، وأن القيام بذلك لن يترك الشخص عديم الجنسية. إذا كان الحصول على حق المواطنة قد تم من خلال التجنس وتورَّطَ الشخص في سلوك خطير يهدد المصالح الحيوية للمملكة المتحدة، فإنه يمكن تطبيق إجراء الحرمان من المواطنة، حتى لو أدى ذلك إلى انعدام الجنسية».
ولفهم هذه المادة فهما صحيحاً، ينبغي أن نوضّح أنّ مصطلح «المصالح الحيوية»، في بريطانيا، يشمل أساساً الأمن الوطني والاقتصادي والسلامة العامة. وينبغي أيضا الإشارة إلى الشرط الأساسي المذكور في هذه المادة، للتمكن من تطبيق القرار وهو ألاّ يجد الشخص المعني نفسه عديم الجنسية، وهذا ما أكده وزير العدل البريطاني ديفيد جوك، الذي أعلن في أعقاب نشوب الجدل: «لا يمكننا أن نجعل الأشخاص عديمي الجنسية». والسؤال المثير للجدل الذي بات يتردد في وسائل الإعلام البريطانية والعالمية هو ما إذا كان القرار سيترك شميمة بيغوم عديمة الجنسية أم لا.


هل قرار الداخلية قانوني؟

كثير من المحللين يرجح أن تكون وزارة الداخلية قد اتخذت قرار إزالة الجنسية على أساس أنّ بيغوم مزدوجة الجنسية، بحكم أن والديها من جنسية بنغالية، ويُعتقد أنّ والدها موجود حاليا في بنغلاديش. لكن تسنيم أكونجي، محامي العائلة، صرّح لصحيفة «الإندبندنت» البريطانية أنها مواطنة بريطانية وليس لديها جواز سفر بنغالي. هذا الوضع الصعب يقودنا إلى التساؤل عن الخيارات المتوفرة لدى شميمة في الوقت الراهن. مما لا شك فيه أنّ الخيار الأول والأفضل لبيغوم شميمة وأسرتها هو استعادة الجنسية البريطانية والعودة إلى بريطانيا، وهو ما عبرت عنه أكثر من مرة، مؤكدة أنها مولودة في بريطانيا ولا تتقن اللغة البنغالية، ولم تسافر إلى بنغلاديش وأن قرار الوزارة غير عادل.


هل تستطيع الطعن في قرار الداخلية؟

تسنيم أكونجي، محامي العائلة، نشر بياناً جاء فيه: «نحن ندرس جميع السبل القانونية للطعن في هذا القرار».
حسب قوانين الهجرة البريطانية، يحق للشخص الموجود خارج تراب المملكة المتحدة التقدم بطلب استئناف في مدة لا تتجاوز 28 يوما من تاريخ استلام الرسالة. قضية بيغوم تبدو حالة خاصة معقدة بحكم أنّ وزارة الداخلية البريطانية لم تسلمها الرسالة مباشرة، وإنما من خلال عائلتها في بريطانيا مع صعوبة تواصل الأسرة معها لأنها بعيدة عنها في المخيم. الدفاع، من جهته، سيحاول بلا ريب التركيز على أنها لم تكن مقاتلة. وحسب الإعلام البريطاني، يرجح أيضا أن يشير الدفاع إلى حالات سابقة مماثلة لم تُسحب فيها الجنسية البريطانية مع مطالبة الوزارة الداخلية بتبرير ذلك.

خيارات شميمة الأخرى

*الخيار الثاني يتمثل في طلب الجنسية البنغالية من خلال والديها. لكن الحكومة البنغالية سارعت إلى رفض ذلك معلنة: «بنغلاديش تؤكد أنّ بيغوم ليست مواطنة بنغالية. إنها مواطنة بريطانية بالولادة ولم تطلب أبدا الجنسية المزدوجة لتكون بنغالية». لكن الوزارة البريطانية قد تقول إنه ما زال يحق لبيغوم شميمة التقدم بطلب للحصول على الجنسية البنغالية، حسب قانون بنغلاديش قبل أن تبلغ سن 21 سنة، حيث تفقد بصورة آلية هذا الحق إن لم تفعل.
*الخيار الثالث يتمثل في طلب الجنسية الهولندية وهو ما لم تستبعده شميمة بيغوم التي صرحت لمؤسسة (أي تي في) البريطانية أنها ربما ستطلب الجنسية الهولندية لأن زوجها من هناك.


قضية أكثر تعقيدا مما يتصور المتابعون

ومهما كان، فإنّ قضية شميمة بيغوم تبدو أكثر تعقيدا مما يتصور كثير من المتابعين. فالأمر يخضع لجملة من المعطيات، في مقدمتها ما ينص عليه قانون الجنسية البريطاني، وبالتحديد تفسير المادة 40 من قانون الجنسية لعام 1981، وأي إجراءات قانونية أو اقتراحات تكون الحكومة قد أصدرتها في السنوات الأخيرة للتعامل مع الجهاديين العائدين إلى بريطانيا. فالقضية ستنتهي لا محالة في المحاكم وستستغرق شهورا إلى سنوات، وسيُنظر إلى ظروف الفتاة وابنها (الذي تحق له الجنسية البريطانية) وأسرتها، وسيُنظر إلى القوانين البريطانية والبنغالية وكل الخيارات الممكنة، دون أن ننسى الأخذ في الحسبان القوانين الدولية التي لا تمنع القرارات المؤدية إلى انعدام الجنسية.


الوطن العربي نظر إلى المسألة من زاوية واحدة

الجدل في قضية شميمة انتشر لهيبه في بريطانيا والدول الغربية، وأيضا في الأوطان العربية حيث أبدت الجماهير بغير تحفظ تعاطفها مع الفتاة المسلمة من غير محاولة فهم الموقف البريطاني، وما اعتمدت عليه وزارة الداخلية البريطانية عندما اتخذت هذا القرار، وهو المادة 40 من قانون الجنسية لعام 1981 الذي يخوّل بريطانيا حق سحب الجنسية من الشخص الذي يشتبه في تورطه في جرائم إرهابية، أو اقتنعت الوزارة أنه يشكل خطرا على الأمن العام، على شرط ألاّ يؤدي ذلك إلى انعدام الجنسية، وهو قرار يخضع أيضا للقوانين الدولية، وهو ما سيحسم بطرق قانونية ديمقراطية في المحاكم الدولية.


شميمة بيغوم رفضت التعبير عن ندمها

وربما ما لم تنتبه إليه الجماهير العربية أيضا هو رفضها التعبير عن ندمها لالتحاقها بتنظيم «الدولة». رفضها التعبير عن ندمها لفت انتباه الإعلام البريطاني الذي حاور الفتاة أكثر من مرة، وهو ما أزعج الجماهير البريطانية وحكومتها، ويرجح أن يكون ذلك من الأسباب التي دفعت السلطات البريطانية إلى اتخاذ مثل هذا القرار المثير للجدل. ويبقى التساؤل: هل كانت شميمة بيغوم ستترك تنظيم «الدولة»، الذي التحقت به بإرادتها، لو لم ينهر؟ وهل تستحق الاحتفاظ بالجنسية البريطانية بعدما تمردت على بريطانيا والتحقت بتنظيم إرهابي معاد لبريطانيا والحضارة ومسؤول عن أعمال وحشية وقتل مواطنين بريطانيين، ولم تعبِّر حتى عن ندمها على ذلك في كل اللقاءات الصحافية التي أجريت معها؟


بريطانيا - مولود بن زادي (طيور مهاجرة حرة)

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى