جميل صدقي الزهاوي - دموعي وصباباتي.. شعر

دموعيَ يا ليلىَ إليك رسائل ... أبثّ صباباتي بها أو أحاول
ومن فشلت آماله في حياته ... فليس له غير الدموع وسائل
من السَّبْح قد كلًّت يداي وأرجلي ... أما لك يا بحر المحبة ساحل
أقول لقلبي يوم مات رجاؤه ... عزاَءك يا قلبي فإنك ثاكل
وقد أَتداعى للمنيَّة في غد ... كأني جدار ضعضعته الزلازل
على الأرض أيام الشقاء كثيرة ... تُمضّ وأيامُ السرور قلائل
تقرّبت يا نفسي من الهُلك بعدما ... تكلَّفتِ عمراً أفعمته الغوائل
دنا أنَ تكوني للمنايا فريسة ... فلا تجزعي مما بكِ الدهرُ فاعل
ولا تحزني إِمًّا أَلمَّ بكِ الردى ... فقبلكِ يا نفسي تردَّت فطاحل
وما قيمةُ القلب الذي تحت أضلعي ... فتُنصَبَ أشراكٌ له وحبائل
على الحق قد عَوَّلتَ يا قلب مؤثرا ... ومَن لك ألا يزُهِق الحق باطل
ومهما تزدني غيهباً فوق غيهبٍ ... فإنك عند الصبح يا ليلُ زائل
إذا كنتَ تستهدي بعقلك وحده ... فما أنت في يوم إلى الله واصل
وإن كان إيمان الفتى عن عقيدة ... فأضيعُ شيء في الحوار الدلائل
يلومونني في حب ليلى بشدة ... ومن حبّ ليلى لي عن النوم شاغل
لقاؤكِ يا ليلى لنفسي لبانةٌ ... فأيَّ رقيبٍ بيننا هو حائل
وإن تك روحي هذه ثمناً له ... فما أنا بالروح العزيزة باخل
ونفسي إذا فتَّشتِ نفسي وجدتِها ... كعصفورة قد هدّدتها الأجادل
ولِلْهَمَّ إمَّا جنّني الليل داجيا ... جحافلُ في آثارهن جحافل
إذا كان لي ذنبٌ به تأخذينني ... فإني لذاك الذنب بالدمع غاسل
سهامك يا دهرَ الأديبِ كثيرةٌ ... وكلّي إذا سدّدتَ سهماً مَقاتل
ويا طيف ليلى أنت أكرم من سرى ... إلى مغرمٍ قد أعجزته الوسائل
ويا طيف ليلى أنت في الأرض صنوُها ... وأنت لها في كل شيء تماثل
ويا طيفها مالي شكاةُ من النوى ... فإنك في عيني وقلبيَ ماثل
تمُاطلني ليلى إذا هي واعدت ... وأنت إذا واعدتني لا تُماطل
وإن بخلت ليلى فإنك محسنٌ ... وإن هجرت ليلى فإنك واصل
لقد جعل الدنيا إليّ حبيبةً ... هوًى هو في أعماق نفسيَ داخل
لئن كان يا نفسي شديداً بك الصدى ... لقد نضبت يا نفس تلك المناهل
وما هذه الدنيا سوى دارِ محنةٍ ... قليل بها مَن لم تصبه النوازل
إذا سلم الإنسان من غيظِ أرضهِ ... أصابته من صوب السماء القنابل
حياة إذا إِنفَتْ تُزايل أهلَها ... وموتٌ إذا استولى فليس يزايل
ولا تحسب الأخرى أقل قساوةً ... فأكثرنا منها على النار نازل
أراك تخاف النارَ نارَ جنمٍ ... وإنك أنت المؤمن المتُفائل
يقولون شيطانُ القريض موسوسٌ ... وهل مصدر الوسواس إلا الخلاخل
وما منتدى الآداب إلا كروضة ... محبّبة أبكارها والأصائل
وكل امرئ يصبو لما اختاره ذوقهُ ... وفي الروض غربانٌ وفيه عنادل
وللعندليب الزهرُ في الروض باسمُ ... وللزهر فيه العندليبُ يُغازِل
وأكبرُ مَن حاك القريضَ هو الذي ... يهزّ جماهيراً بما هو قائل
وأكبر منه مَن إذا قال أصبحت ... تَنَاقَلُ أقوال الحكيم المحافل
وأكبرُ من هذا وذلك شاعرٌ ... عن الحق في نظم القوافي يُناضل

بغداد

جميل صدقي الزهاوي



مجلة الرسالة - العدد 110
بتاريخ: 12 - 08 - 1935

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى