جعفر الديري - ندوة "واقع الفنون": البحث عن مفاهيم جديدة وإعادة تقييم تاريخ الحداثة

كتب - جعفر الديري

دعا المشاركون في ندوة "واقع الفنون في العالم العربي" الحكومات والقطاع الخاص والشركاء الاجتماعيين إلى تأمين البنى التحتية الفنية، لافتين إلى أن واقع الفنون في العالم العربي يطرح عددا من الاشكالات كواقع الفن العربي، وعلاقته بالفن المعاصر وحجم الحرية المنوحة للفنان لمزاولة ابداعه.

وشارك في الندوة التي جرت الأحد 20 نوفمبر تشرين الثاني 2005 ، بقاعة مجلس كلية الآداب بجامعة البحرين.عميد كلية الآداب بجامعة البحرين أ.د ابراهيم عبدالله غلوم، عضو هيئة التدريس بكلية الآداب د.فتحي أبو العينين، عضو هيئة التدريس بكلية الآداب د.نهى بيومي، الفنانة التشكيلية بلقيس فخرو، الموسيقي محمد حداد والمخرج السينمائي بسام الذوادي.

حوار مع العالم

وقال منسق الحلقة عضو هيئة التدريس بكلية الآداب د.فتحي أبو العينين: إن الابداع الفني عموما هو قيمة حياتية عزيزة وظيفتها الأساسية أن تثري الوجدان الانساني. والفن في النهاية ليس شكلا من أشكال المجون أو الفحش كما قد يتصور ذلك البعض من جماعات في بعض الدول العريبة تتبنى هذه النظرة الى الابداع الفني. فالفن حوار مع العالم عبر تجربة يمر فيها الفنان بلحظة حميمية لحظة توصله الى الوعي عندما يحدث التوجه والاضاءة أو الانارة. كما يقول نقاد الفن في الخبرة الفنية. نفس التجربة يمر بها العمل الفني وانفصاله عنه وتكون تجربته أيضا مراوحة بين انفعال ووعي.

وأضاف: إن الابداع الفني العربي يشمل فنونا متنوعة ومتعددة وهناك تاريخ طويل على الأقل لو تتبعنا ذلك منذ القرن التاسع عشر، فالجميع يعرف التطورات التي حدثت في فضاءات الشعر وفضاءات الأجناس الأدبية الأخرى كالموسيقى والمسرح والسينما الخ. ورؤيتي الفسيولوجية للفن هو أنه تعبير عن العالم يقوم بها الفنان باعتباره ربما أكثر من غيره من الآخرين الذين يعيشون في جماعته قدرة على طرح هذه الرؤية للعالم عير معرفته بالأدوات الجمالية التي يستخدمها في صياغة هذه الروية.

مسئولية الجميع

وحول المسئولية تجاه الفن العربي، قالت عضو هيئة التدريس بكلية الآداب د.نهى بيومي: إن الجميع يتقاسم المسئولية من مؤسسات وحكومات وجمعيات وأفراد. ولا يمكن أن تلقى تبعات أي تأخير في ذلك الى جهة واحدة. انها مسئولية جماعية، لأن تحمل هذه المسئولية هو الذي يمكننا من التفكير بطريقة أخرى في مختلف قضايانا القديم منها والجديد. وليس ذلك بعيدا أو مستبعدا اذا تجسد لدينا الوعي بأهمية ذلك. واذا خلصت النية والارادة في أهمية الفنون للدخول الى العصر الجديد. اذ انها صيرورة تجسد الانتقال في الانتاج والتلقي، في الأداة والمحتوى وانتقال الى الرؤية والتصور.
وذكرت مقترحاتها في هذا الشأن: تثمير أكبر في التعليم الفني النوعي، فهذا هو مفتاح تكافأ الفرص، فيجب أن تخصص الدول العربية جزءا مهما من مدخولها لتعليم الفنون، خصوصا وأن التنمية لا تتم الا بالعلم. ايجاد الشروط التربوية والتعليمية لتعميم المعارف الفنية الكلاسيكية والحديثة، وجعلها جزءا من حياة الناس اليومية، وتشجيع المواهب والكفاءات على التكوين والتطوير والتجاوز. تضافر عمل الحكومات والقطاع الخاص والشركاء الاجتماعيين في تأمين البنى التحتية الفنية. الاستثمار في الفنون الحديثة وتسويقها ووضع سياسات اصلاحية مشجعة على انتاج الفنون. تطوير التعامل مع الفنون والنظرة اليها، فهي تشارك في تكوين لغة العصر، ذلك عن طريق اهتمام وسائل الاعلام بها. دخول المثقفين والمفكرين والصحافيين والسياسيين والعلماء الى عوالم الفنون بقصد المساهمة في الابداع من خلالها، والعمل على تطويرها وتبادل الخبرات فيها. ولا نغفل في هذا المجال وجود تجارب على المستوى الرسمي والأهلي والفردي مميزة وترقى الى المستويات العالمية، لكننا نرغب في تعميمها واتاحة الفرص أمام جميع المواطنين للمشاركة والتفاعل والتثقف والتذوق.

خصوصية الفن العربي

من جهتها كشفت الفنانة التشكيلية فخرو عن بعض من خصوصيات الفن العربي في العالم المعاصر: ان الاعتراف بخصوصية الفن العربي في العالم المعاصر تأتي من خلال الاضافة الفنية الى العالمية بالتجارب المحلية الشرقية والمتفردة بخصوصية الفنان العربي من خلال تراثه وتقاليده وفلسفته الفكرية. فعندما نتجول في عالم الفن المعاصر في زمن العولمة نجد أن ما يدور في إطار تلك المعارض هو نقاشات عديدة أكثر تشويقا واثارة للجدل حول قيمة ووظيفة الفن في وقتنا الحالي وأهم الموضوعات التي تناقشها تلك المعارض هي : العولمة، العنصرية، الهوية، الحقوق المدنية، التشكيك في الواقع، تجسيد التصورات النظرية واحالتها الى أعمال فنية.

وأضافت فخرو: نستطيع تلخيص ذلك في مصطلح جديد في عالم الفن، ظهر في خضم العقد الأخير من القرن العشرين وهو ما يعرف بالثقافة البصرية. هذا المصطلح الجديد يشمل مجموعة واسعة من الاعلام المرئي يتعدى الأنظمة والاختصاصات الأكاديمية المعروفة مثل التصوير والسينما وتاريخ الفن والفنون الجميلة. فتحت تأثير التطور والمتغيرات السريعة في الأعلام المرئي، أصبحت الثقافة البصرية مجالا قائما بحد ذاته، مما أدى الى البحث عن مفاهيم جديدة واعادة تقييم تاريخ الحداثة بالنسبة لوسائل المرئيات تحت تأثير الوسائل الرقمية والالكترونية الحديثة المنتشرة على نطاق واسع في كافة المجتمعات.

تحت نير الظلم

فيما أكد الموسيقي حداد أن التجارب الموسيقية العربية متنوعة كما هي في العالم لكن مشكلتها أنها واقعة نير الظلم وعدم الاهتمام. حين أشار الى مجموعة من تلك التجارب بقوله: هناك تجارب مارسيل خليفة الموسيقية التي أصبحت في الفترة الأخيرة ثرية كثيرا بتوظيف آلة العود مع الأوركسترا وهي تجربة مميزة جدا، كذلك تجربة زياد رحباني في الدمج بين الموسيقى الشرقية وموسيقى الجاز اذ كون ما يسمى بالجاز الشرقي منذ بداية السبعينات، وهناك أيضا القواس وهي مؤلفة لبنانية وموسيقية ومغنية وقائدة أوركسترا ذات تجارب كثيرة. ولا يمكن اغفال ظافر يوسف وهو عازف عود تونسي قام بعمل مميز حين دمج بين الموسيقى الصوفية والموسيقى الالكترونية وهو مقيم بالنمسا وله تعاون مع الكثير من الفنانين النمساويين. أيضا عابد عزرية قام بعمل كبير في الموسيقى الملحمية كجلجامش وعمر الخيام، وهناك أيضا نصير شمّة الذي عمل أورسكترا للعود، اذ لاحظت في حفلته الأخيرة التي أحياها في البحرين وجود آلة عود غليظة وهي تعتبر جديدة بالنسبة لتفصيل آلة العود.

وعن الموسيقى في البحرين أضاف حداد: لا أعتقد بوجود تسمية (موسيقى بحرينية) وانما نستطيع أن نقول موسيقى في البحرين. لأننا لا توجد لدينا جمل موسيقية مشتهرة في البحرين وقد يكون عندنا "النهمة" "الفجري" وغيرها ولكنها تظل أمور مختلفة بعيدة عن الموسيقى. ثانيا نحن لدينا اشكال في مسألة الحلال والحرام ومسألة جرأة الوسط الفني في التعامل مع الموسيقى. فعندما يتقدم شخص لأداء عمل لعبدالوهاب أو لأم كلثوم نجده يقدمها كما كانت مكتوبة. والتجارب التي وصفت بقليل من الجرأة ووجهت من قبل الناس المهتمين بالموسيقى الكلاسيكية في الوقت الذي نجد فيه مثلا الموسيقي الألماني "شتوك هوزن" من نفس بلد باخ ليس مجبرا على تقديم باخ كما هو.


الإثنين 21 نوفمبر 2005م الموافق 17 ذي الحجة 1440هـ

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى