د. زياد الحكيم - أساليب التربية وأثرها في تنشئة الطفل

هناك العديد من اساليب تنشئة الطفل وتدريبه والعناية به في المراحل الاولى من حياته. ولكن ليس كل هذه الاساليب تفيد الطفل في جعله قادرا على مواجهة الحياة والتعامل معها والاستفادة من فرصها. على سبيل المثال يحرص بعض الاباء والامهات على مراقبة الطفل بشكل مفرط متتبعين حركاته وسكناته ولا يبخلون في تقديم النصح والتوجيه في كل كبيرة وصغيرة، ويحرصون على ازالة ما يعتبرونه عقبة في طريقه مدفوعين بخوف وقلق عليه غير مدركين ان هذا النمط من التنشئة يعود بالضرر على استقلالية الطفل وصحته العقليه والنفسية واحترامه لنفسه. ويقابل هذا النمط من التربية نمط اخر يهمل فيه الاهل الطفل بحجة انهم يريدونه ان يكتشف العالم بنفسه بحد ادنى من التوجيه والنصح.

ومن الواضح انه يجب ان لا نكتفي في تنشئة الطفل في السنوات الاولى من حياته بتجنب اساءة معاملته او اهماله او الافراط في العناية به. وعلينا العناية بتعزيز صحة الطفل وسلامته البدنية والعاطفية ومساعدته على اكتساب مهارات اجتماعية واعداده فكريا ليتمكن من التعاطي مع محيطه الاجتماعي بشكل يعود عليه بالنفع.

ومن المهم بشكل خاص ان يسعى الاهل الى ان تكون البداية على افضل ما يمكن ان تكون عليه. ولكن على الاهل ان يدركوا ايضا ان الاطفال يأتون الى هذا العالم بامزجة مختلفة وشخصيات مختلفة ويسعون الى تحقيق اهداف مختلفة. ولذلك يحسن بالاهل ان يساعدوا الطفل على تحقيق القدر الكافي من الاستقلال والنجاح في الطريق الذي يتناسب مع ميوله وذوقه وقدراته.

ومن اهم مهام الاهل في تنشئة الطفل هي مساعدته على تحقيق القدر الكافي من الشعور بالسعادة والمسؤولية والاندماج في المجتمع. ولهذا كله اساليب كثيرة لا عد لها. وتنشر في كل عام مئات الكتب التي تحاول تعليم الاهل اساليب مختلفة لتربية الطفل في المراحل الاولى من حياته. وهناك ملايين النصائح على شبكة الانترنت موجهة للمهتمين بتربية الاطفال. ولكن المشكلة تكمن في ان من يكتبون هذه المقالات لا يتفقون في العادة على الاساليب المثلى لتنشئة الطفل. فالبعض مثلا يقول ان حمل الطفل الذي يبكي يشعره بالامان في حين ان البعض الاخر يقول ان حمل الطفل الباكي يعزز انماطا غير مرغوب فيها من السلوك عند الطفل. يقول البعض ان تعنيف الطفل يفيد احيانا في تعليمه السلوك القويم في حين يقول البعض الاخر ان التعنيف يعلم الطفل اللجوء الى العنف في حل الخلافات. ويدعو البعض الى الثناء على الطفل في كل مناسبة. في حين ان البعض الاخر من الخبراء يقول ان الثناء على الطفل اكثر من اللازم يضعف رغبته في السلوك الحسن ويقلل من قيمة الثناء. يقول البعض ان على الاهل ان يعاملوا الطفل كما لو كان صديقا لهم. ويخالف البعض الاخر ذلك بالقول ان الطفل ليس صديقا وان الكلمة الاولى والاخيرة يجب ان تكون للاهل. يقول البعض ان على الاهل ان لا يعاقبوا الطفل عندما يسيء التصرف ولكن عليهم ان يتحدثوا اليه ناصحين وموجهين. ويخالف البعض ذلك بالقول انه يجب ان يدرك الطفل العواقب المترتبة على السلوك السيء.

وهذا التناقض في وجهات نظر خبراء التربية قد يدعونا الى الشك في قدرتهم على تقديم النصح للاهل. ولكن بامكاننا ان نتفهم هذا التناقض عندما ندرك ان ثمة اسبابا كثيرة لسلوك الطفل بطريقة معينة وان على الاهل ان يستجيبوا بطرق مختلفة تبعا لهذه الاسباب. وقد يظن البعض ان اسلوبا واحدا في التربية قد يفيد في كل الحالات. ولكن هذا غير صحيح. فعندما يتصرف الطفل تصرفا سيئا، فهذا يحدث لاسباب مختلفة كثيرة. ولذلك فان كل تصرف يستدعي طريقة مختلفة في الرد.

لندن - بريطانيا
z[email protected]
  • Like
التفاعلات: نقوس المهدي

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى