سفيان صلاح هلال - المدقدق اللغوي..

أخوكم صار عنده " فوبيا" من أهل اللغة خاصة المتبحرين لدرحة قُلْ ولا تقل، وفيها أراء عدة ... والحقيقة أنا شخص بسيط، غايتي من الكلام التعبير مثل الإنسان البدائي بالضبط، وبالرغم من هذا فأنا لست ضعيفا في اللغة العربية للدرجة التي أَخرجَ بها النشر الإقليمي ما أطلقوا عليه ديوان( أحجار ليست لرجم النهر) فالحقيقة هو كان " سلَطَة" من حروف مخلطة يذيق بعضها بأس بعض؛ حتى أنه لا فواصل بين النصوص، ولافرق بين العنوان الذي في منتصف الصفحة! وآخر سطر في القصيدة السابقة، وأول سطر في القصيدة الجديدة، والشهادة لله أنا حذفت الألف، فكلمة " سلاطة" ثقيلة الدم وتذكرني بسلاطة اللسان والبلطجية. ولما سألت عن القصة كلها، ألقوا بها على رأس " الكمبيوتر" وبرنامج "الوورد باد"، عليه لعنة الله والكتاب أجمعين، فهو يحوّل اللغة العربية للغة الصينية بامتياز. و على فكرة جملة عليه لعنة الله والكتاب أجمعين كلها غلط وفيها أقوال عدة!
المهم اعتبرت أن الديوان لم يخرج! وياليته! وأشار علي صديقي - الذي يصعد بي إلى السماء أحيانا، ويدفسني في سابع أرض أحيانا " محمد بن عبد الهادي"- أن نعيد طباعة الديوان فهذه فضيحة للشاعر، وللجنة التي أجازته لو كان بهذا الشكل عند تقييمه، وللمدقق اللغوي الذي وضع اسمه على الديوان، وللمنسق أن كان هناك من نسق... كما أشار أن أعطي الديوان لمدقق لغوي يجيد الكتابة والتنسيق على "الكمبيوتر"، ويجيد استخدام برامح حديثة من " الوورد" و" البي دي إف" الذي دقق أن أنسخ عليه نسخة بعد التوافق على صورة نهائية للديوان. ونظرا لجهلي بالكمبيوتر رضيت بهذا الاقتراح؛ وسألت الأصدقاء كثيرا؛ حتى وجدت واحدا مشهورا بل وشاعرا وهذا طمأنني جدا. أخذ الأستاذ الديوان مكتوبا بخط يدي على الأوراق، واتفقنا على كل شيء، مرت أسابيع عديدة وكلما سألته يقول لي: " لا تستعجل، أنا أعمل لك شغلا في الديوان سيجعله أيقونة الإصدارات"، عبر الموضوع الأشهر حتى استعحبت! وفي يوم لاقيته فسألته فأجابني لا تستعجل ..... قلت له:
"يا أستاذنا، اِنت لو بتكتب في اليوم 100 سطر كان الديوان خد منك أسبوعين، وِوِانت بتكتب لو قابلتك غلطة هتصلحها!" رد بالعربية : "ومن قال لك أني أكتب؟ يا شاعر، أنا أُخرج لك الديوان"
استعجبت من كلامه وضحكت في نفسي خاصة من طريقة كلامه الشامخة الواثقة، وقلت": لعله خير!
بعد شهور جاءني الأستاذ بالديوان مكتوبا، ومنسوخا على اسطوانتين؛ فرحت لقدومه وحاولت -بعد أن قبض المعلوم والمجهول...- أن اطّلع عليه أقسم أن أقرأ وأمخمخ في بيتنا، وأعطاني رقم تليفونه للاستفسار عند الضرورة.
حين ذهبت للمنزل لم استطع الانتظار حتى أفتح جهاز الكمبيوتر وأقرأ من الإسطوانات؛ وفتحت الأوراق فورا. من البداية أحسست أن الأستاذ أخطأ وأعطاني غير ديواني! فالعنوان يختلف تماما ويبدو أنه عن ناطحات السحاب اسمه ( البناء حتى عنان السماء) ثم قرأت في الداخل نصوصاغريبة! مكتوبة مثل أي كتابة نثرية، وكان كتابي أوزع علي صفحاته شعري مستغلا كل معارفي الموسيقية عن العروض الخليلي، وفزلكاتي عن استغلال البياض والسواد كما أُوحِيَتْ لعمنا " مالا ريمه" كما وجدت عناوين عجيبة مثل: مكياج على وجه الوطن، موسيقى بالحليب، سحالي تتدحلب خلف الكباري ، الغندورة تملأ بنعومتها فضاء المعمورة.. أخرجت رقم هاتف الأستاذ، وطلبته، لم أتذكر السلام حين فتح؛ لذا لم أسلّم عليه، وسألته فورا
- حضرتك غلطت واديتني كتاب حد تاني يا أستاذ؟
- لا، هو ديوانك
- ديواني كان اسمه "أحجار ليست لرجم النهر"
- لا، رجم إيه؟ وأحجار إيه؟ دي مفردات صحرا وخيِم وأهرام وتاريخ، وبعدين احنا دلوقت أيام الخرسانة والمسلح
- دا علاقته إيه بديواني؟ - انفجر يتكلم بثقة؛ حتى شعرت بانتفاخه
- يا أستاذ، أنا مش مجرد مدقق، أنا محرر إبداعي، أخرجت لك ديوانا سيسطر في قائمة الشعر الطليعي!
- ياأستاذ، ديوان إيه؟ دا اللي معاي دا كتاب عادي مكتوب زي موضوع التعبير!
- هذا هو الجديد، الغاء الفواصل بين الشعر واللا شعر، والشكل واللا شكل، واللغة واللا لغة، حضرتك لو صبرت ودققت؛ كنت ستقابل خروقات للنحو والإملاء أيضا، وتطعيم العربية بالعامية، وكل هذا لم يأت صدفة، إنه القصد الإبداعي لِلَفتِ عقل الذئب لما لم يدركه الراعي
- !
- يا أستاذ، لِفْتْ إيه، وجزر إيه؟ أنا عاوز ديواني
- ههههههه انسف ديوانك القديم واستمتع بتجليات أفكارك عليّ
- يا أستاذ أنا اللي هانسفك بالشكل دا
- كلنا فدا الإبداع يا شاعر....


تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى