علجية عيش - الحِوَارِيُّونَ و المُعَلِّم..

بين المعلم و تلميذه علاقة وطيدة، لا تعرف طريقها للخيانة و الإنقلاب على طرف أو آخر، علاقة يسدوها الإحترام و الصدق و المحبة و الإخلاص، و لذا كان الحواريون ينادون النبيُّ عيسى عليه السلام بـ: يا مُعَلّميِ..
تكاد هذه العبارة أن تكون مقدسة، لأنها تعبر عن المكانة التي وضعها الله في المعلم، ليس في قدسيتها فقط ، و إنما في إنسانيتها، لأن المعلم رمز للعطاء و التضحية لأنه يقوم بمهمة نبيلة و هي تربية الأجيال و تكوينها و تأطيرها، و إخراجها إلى برّ الأمان..
لا أتحدث عن المعلم داخل القسم، لأن هذا الأخير يتلقى راتبه مقابل ما يقدمه من خدمات للتلاميذ، و إنما عن الذي يقوم بمهام المعلم و هو ليس موظف في مؤسسة تربوية..أتحدث عن ذلك الذي يقتدي بالأنبياء و يضع نفسه خادما للشرية،
لم يكن النبي عيسى و لا النبي محمدا معلما في مدرسة كالتي نعيشها اليوم ، يرتدي مئزرا و يحمل طبشورا و يقف على مصطبة، لكنه كان معلما بأتم معنى الكلمة، معلما في سلوكه مع الآخر، في رؤيته للحياة، اتحدث عن ذلك الرعيل الذي ربى أجيالا و أجيالا، و أخرج قادة و فلاسفة و لم يقل لهم أعطوني "فلوس" مقابل ما أقدمه لكم، إنها مدرسة النبوّة التي نبحث عنها اليوم، مدرسة النبوة التي تولت عملية التنشئة الإجتماعية، فأخرجت رجالا صالحين..مستقيمين.. مخلصين ., و على استعداد تام للتضحية من أجل الإنسانية..
نقرأ هنا و هناك عن الشباب اليوناني، كان هؤلاء يرددون و يكررون أشعار هوميروس و هيزيود، نظرا للدور الأساسي الذي كان يلعبه الشاعر، فقد كان الشاعر بمثابة الذاكرة الجماعية، و كان الشاعر بمثابة "الكِتَاب" الذي دونت به المعرفة المكونة لقاعدة الجماعة بأكملها..
و نقف على حوار أفلاطون و هو حوار بين المعلم و التلميذ، لم يكن حوار أفلاطون حوارا "سفسطائيا" مبنيا على الكذب و الغش و المادة ( الفلوس)، و الإنقلاب، و لذا وقف افلاطون في وجه السفسطائيين، الذين اساءوا للمعلم و شوهوا صورته ..
الشاعر معلم و المربي معلم و الأديب معلم و الكاتب معلم أيضا، لأنه يقوم بعملية التنوير ، و يوجه الآخر بكتاباته و أفكاره، و..و..الخ ، فأن تنادي شخصا بـ: "يا معلمي.." فلأنك رأيت فيه الإستقامة ، و الإستعداد الروحي و الإرادي لدى الإنسان، و لكن ما أبشع أن تتغير تلك الصورة التي رسمتها له، و تكتشف أنه كان بوجه مقنع فتسقط تلك الصورة ، و تسقط معها تلك القيم التي كنت تراها فيه.
و شتان بين الملاك و الشيطان..
علجية عيش

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى