مزمل الباقر - من يوميات إعتصام القيادة العامة (1)

بالأمس 3 ديسمبر 2019م مرت ست شهور على مجزرة القيادة العامة وبالأمس وصل موكب القصاص العادل إلى محيط الاعتصام وأعتلى البعض الجسر الذي يسمى بنفق شارع الجمهورية في محاكة لمشهد أولئك الشباب الذين كانوا يهتفون ويقرعون بالحجارة على قضيب السكة الحديدية الذي يمر من فوق شارع الجمهورية فيما تواضع على تسميتهم بجمهورية أعالي النفق.

بمناسبة هذه الذكرى الحزينة والموجعة بحسابي بموقع تويتر بعض التغريدات التي كتبتها تلبية لرغبة صديقة طلبت مني أن أحكي عن الاعتصام ولأنني كتبتها بدارجية وسط السودان فسوف أقوم بإعادة صياغتها لتكون باللغة العربية الفصحى لعلها تكون يوميات غير مرتبة لأيام وليالٍ ونهارات إعتصام القيادة العامة لقوات الشعب المسلحة بالخرطوم.



ثورة ديسمبر المجيدة:


بتاريخ 13 ديسمبر 2019م ثار أهل مدينة الدمازين على النظام القائم في السودان والذي يترأسه الرئيس المخلوع عمر حسن أحمد البشير ولكن تم قمع تلك الهبة بكل قسوة لإسكات صوت الشعب هناك ولتفادي تكرار تلك الإحتجاجات في مكان آخر. ولكن خاب ظن نظام الإنقاذ ومنفذي سياساته القمعية فالإحتجاجات سرت كالنار في الهشيم متنقلة من قرية لأخرى ومن مدينة لأخرى وانتشرت الاحتجاجات في أزقة وشوارع السودان بشئ من التعميم لتصبح هبة فإنتفاضة فثورة . ولأن الشرارة التي تلقفتها مدينة عطبرة ذات الثقل النضالي تاريخياً في يوم 19 ديسمبر 2019 لم تنطفئء أبداً ولم تكن كسابقتها من الهبات المتقطعة .. لذلك اختير التاسع عشر من شهر ديسمبر للعام الماضي ليكون الإعلان الرسمي لثورة ديسمبر المجيدة .



القمع الممنهج بشروني وجاكسون :

خرجت من امدرمان باكراً ومعي علي إبن خالي وصديقي معتز لأن هنالك شائعة بأن الجسور سوف تغلق قبل الساعة الواحدة بكثير . فكان لزاماً علينا أن نكون متواجدين بالخرطوم قبل إطلاق موكب الساعة الواحدة والذي تكون إشارة بدايته كالعادة بزغرودة تطلقها إحدى الثائرات. ولعل هذه الإشارة تمثل إعترافاً وتقديراً من تجمع المهنيين السودانيين الذي رعى هذا المواكب النضالية لدور المرأة السودانية في التغيير منذ أمد بعيد وحتى تاريخ كتابة هذه السطور وفي المستقبل كذلك بكل تأكيد.

شكل جسر شمبات الذي يربط مدينتي امدرمان والخرطوم بحري نقطة الضعف بالنسبة للجانب الأمني وكثيراً ما اجتزت هذا الجسر مع غيري لنلحق بإحدى المواكب الخرطومية أو مواكب الخرطوم بحري ، ولكن هذه المرة علمنا بعد إجراء عدد من المكالمات أن جسر النيل الأبيض الذي يربط الخرطوم بأمدرمان لم يتم إغلاقه كليةً فيمكننا الولوج عبره للعاصمة الإدارية والسياسية والتي هي إحدى المدن الثلاث التي تشكل العاصمة الخرطوم.

كانت شوارع الخرطوم هادئة بالمنطقة التي تلي جسر النيل الأبيض وأعني بتلك المنطقة حي المقرن. في حين كان ميدان جاكسون مكتنز بكل أنواع السيارات التابعة لشرطة مكافحة الشغب وعربات الأمن التي ملئت بمن سماهم القائد الإخواني : علي عثمان محمد طه بكتائب الظل وتكرر نفس المشهد في ميدان شروني. وذلك لأن محطتي المواصلات بشروني وبجاكسون كانا إحدى نقاط التجمع لموكب 6 أبريل الذي دعى له تجمع المهنيين السودانيين إحياءاً لذكرى إنتفاضة 6 أبريل 1985م التي أطاحت بنظام المخلوع جعفر محمد نميري.

بالنسبة لميدان جاكسون علمنا لاحقاً أنه تم تطويقه بالكامل من الجهات الأمنية قبل موعد الموكب بنحو ساعة أو أكثر . أما في ميدان شروني فقط أطلقت نفس القوات الأمنية الغاز المسيل للدموع وقامت بإعتقالات عشوائية في محيط الميدان مما جعلنا ندخل – وكنا أربعة أشخاص بعد أن إنضمت لنا صديقة - دخلنا نحن الأربعة بالسيارة التي أقلتنا لمطعم أوزون بحي الخرطوم (2) متظاهرين بأننا نريد أن نطلب شيئاً للأكل والشرب حيث لازالت الأعتقالات العشوائية مستمرة بالخارج.


موكب 6 أبريل:

بعد الواحدة بدقائق أتانا صوت الهتافات فتهللت وجوهنا .. كانت قادمة من اتجاه الشرق الجغرافي فأجرينا بعد الاتصالات لنحدد المكان بصورة قطعية ، فعلمنا أن هنالك موكب اجتاز شارع إبراهيم المفتي بالخرطوم(2) فعجلنا باللحاق به وقبل أن نغادر أوزون اشرت على رفاقي بأنه في حالة أنني لحقت بركب شهدائنا أن لدي ديون فلابد أن يتم سدادها قبل دفني .. فضحكت صديقتي ونصحتني بأن اخبر الوصية لشخص آخر غيرنا نحن الأربعة لأننا قد نرتقي جميعاً للسماء فضحكنا كلنا وغادرنا المكان مسرعين.

عندما لحقنا بالموكب كان قد إنعطف شرقاً مجدداً في إتجاه شارع المطار. لقد كان موكباً مهيباً بكل ما يحمله هذا الوصف من معاني.


الخرطوم في 4 ديسمبر 2019م
- أواصل بإذن الله -

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى