أحمد رجب شلتوت - رحم الله الدكتور محمد عمارة وغفر للجميع

قرأت كتب الدكتور محمد عمارة في مرحلتى الجامعية، البداية كانت مع كتبه المنشورة في سلسلة كتاب الهلال عن المعتزلة وعن فلسفة الحكم في الإسلام، بحثت عن كتب أخرى للكاتب الذي وجدته مختلفا، وتوقفت كثيرا عند الثورة في الإسلام، والمعتزلة ومشكلة الحرية، في أمسيات المدينة الجامعية تحدثت عن كتبه فشاركني أصدقاء من المنتمين لليسار الإعجاب بالرجل، فوجئت أن بعضهم لم يقرأه لكن يرى فيه شيخا مستنيرا بدليل تمثيله لليسار الإسلامي في حزب التجمع، وفوجئت أيضا بعدد من الأصدقاء من ذوي التوجه الإسلامي يرفضون الرجل دون أن يقرأوه اعتمادا على مقال هاجمه فيه الشيخ محمد الغزالي، في مدينتي الصغيرة _ أبوالنمرس _لم يختلف الأمر عن الجامعة، خاصة بعدما سأل أحدهم الشيخ صلاح أبواسماعيل في درس ما بعد صلاة الجمعة عن رأيه في كتب الدكتور محمد عمارة، ففوجئت بالشيخ يقول بثقة وفي اختصار " فيها أفكار ضد الإسلام"، لم يذكر مثالا واحدا، ولا أظنه قرأ لعمارة كتابا واحدا، بعد سنوات حدث التحول، فقد منحه الشيخ محمد الغزالي "صك غفران" منشور في ثنايا مقال يعلن فيه الشيخ تغيير رأيه في الدكتور عمارة بعدما أمده صديق يثق فيه بكتب للدكتور عمارة، هالني أن الشيخ الذي امتلك شجاعة الاعتراف بالخطأ امتلك قبلها شجاعة ( لتكن شجاعة ) رفض كاتب لم يقرأ كتبه، تبع مقال الشيخ الغزالي تحول كبير في مواقف الاسلاميين تجاه الرجل الذي أعلن عن انضمامه لهم يوم المناظرة الشهيرة التي أدارها في معرض الكتاب بين الدكتور فرج فودة وفريق من الإسلاميين، يومها فوجئت بمن يدير المناظرة يخلع زي الحكم ويرتدى تشيرت الفريق الإسلامي، انتصر لفريق كان ينتمى اليه فعليا لكن لم يحسن اختيار لاعبيه، اختار نفر من المشاهير أصحاب الاراء الجاهزة الموجهة لجمهور مؤمن بها سلفا، ومعجب بأصحابها وارائهم مهما تناقضت، هؤلاء لا يجيدون المناقشة والمناظرة، لا يهتمون بالتدليل على صحة ما يعلنون من اراء لأنهم أسبغوا عليها قداسة لا تنبغي لفكر بشري فاستراحوا وأراحوا جمهورهم الذي يحسن التكبير والتهليل، وفي ذلك بعض أسباب تفوق فرج فودة عليهم، فلما استشعر الدكتورة عمارة هزيمة الفريق الذي يشجعه خلع زي الحكم وانضم لللاعبين، وشارك ربما دون قصد في وزر تكفير ثم اغتيال فرج فودة، المهم أن الاسلاميين بعد إعلان الغزالي ثم بعد المناظرة منحوا الدكتور عمارة اعترافهم، وذلك صاحبه سحب الاعتراف اليساري السابق بتميز الرجل، المهم أن الدكتور عمارة الذي انضم لفريق الحلول الجاهزة واليقين الثابت عادى عمليا أفكاره السابقة دون أن يتراجع عنها، كيف؟ ليس لدى تأويل أو تفسير، فقط استدل بأن الرجل أعاد طبع كتبه الأولى دون أن يغير شيئا فيها، ولو كان قد عدل عن أفكاره لما فعل ذلك، وأذكر أن لقاء وحيدا جمعني بالرجل _ في صالون المتنبي بالقاهرة في فبراير 2006_ حرصت فيه على التأكد من تلك الفرضية، فسألته عن المعتزلة والحرية والثورة فأعاد نفس الكلام الذي أعلنه في مرحلته اليسارية، أعتقد أن تفسير تحولاته التي لم يصحبها تغيير في مقولاته الأساسية بحاجة إلى دراسة لا يشارك فيها من غيروا موقفهم منه بتغير اليافطة التي يقف تحتها دون أن يقرأ له حرفا.. رحم الله الدكتور محمد عمارة وغفر للجميع
احمد رجب شلتوت
  • Like
التفاعلات: فائد البكري

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى