أ. د. عادل الأسطة - يوميات المقتلة -ملف- الشهر الثامن (214..225)

الشهر الثامن من يوميات المقتلة


214- غزة ( ٢١٤ ) : اليوم الأول من الشهر الثامن: شايلوك الجديد "الرطل كاملا"

ذهبت ، على ما يبدو ، الأمنيات كلها في مهب الريح . وافقت حماس على المقترحات المصرية " الورقة المصرية المعدلة " ، ولم توافق إسرائيل ، فمجلس أركان حربها المصغر قرر بالإجماع بدء معركة رفح ، وفي الساعات الأخيرة من اليوم الأخير من الشهر السابع بدأ الاجتياح ، وكان الطيران الإسرائيلي ، منذ ساعات الصباح ، أسقط على أحياء محددة من رفح ، حددها للاجتياح ، المنشورات التي تطلب من سكانها النزوح إلى المواصي .
شبه بعض أهل مخيم النصيرات المفاوضات بين حماس والدولة العبرية بجاهة العرس . وافق أهل العروس ووضعوا شروطهم وهم ينتظرون موافقة أهل العريس عليها ، والأخيرون لم يوافقوا فتركوا لعريسهم أن يأخذ عروسه بالقوة - أن يغتصبها .
هل سيوزع معدو الحلوى حلواهم ؟ والمعركة لما تنته وإعلان النصر لم يتحقق وستتأخر حركة حماس في إهدائه للزعماء العرب كلهم .
هل حقا ستهدي الحركة نصرها للزعامة العربية ؟
من حق المقاومة أن تكرر لازمة قصيدة محمود درويش " نزل على بحر " وهي :
" لا تعطنا يا بحر ما لا نستحق من النشيد "
فقد صمدت وقاومت واستبسلت وقالت لحرب الأيام الستة :
- لم يعد لك ، في مخيلة الصهيوني ، حضور . صرت نسيا منسيا .
ومنذ صباح اليوم الأخير من الشهر السابع للمقتلة وحرب الإبادة وأنا أكرر :
- شايلوك يريد رطل اللحم كاملا .
والهجرة ، لأهل غزة ممن لجأوا إلى رفح ، هجرة أخرى ، ولسان حالهم :
" ماذا تبقى من بقايانا لنرحل من جديد ؟ "
و
" ونريد أن نحيا قليلا ، لا لشيء
بل لنرحل من جديد "
و
" نريد أن نحيا قليلا كي نعود لأي شيء "
و
" لا تعطنا يا بحر ما لا نستحق من النشيد " .
صباح الخير يا غزة
خربشات عادل الاسطة
الثلاثاء ٧ / ٥ / ٢٠٢٤

***

215- غزة ( ٢١٥ ) : هل كتب محمود درويش "مديح الظل العالي" في حرب ٢٠٢٣؟

في العاشرة صباحا قرأت في صفحة جبر جميل شعث الآتي :
" من نزوح إلى نزوح
هذا مكان النزوح الثالث ، شرق رفح ، الذي سنجبر على مغادرته اليوم ... ولكن إلى أين ؟
لا نعرف " .
وبعد أربع ساعات قرأت في صفحة Rezek Muzaanin الآتي :
" في رحلة نزوح جديدة
هذه المرة في اتجاه دير البلح .
هل تكون مقدمة للعودة إلى غزة الحبيبة وشمالها أم أن لأقدارنا ما تقتضيه ؟ "
وأما في صفحة د. هيا فريج التي لم تترك شمال غزة ومصرة على البقاء حتى انتهاء الحرب وبعدها يخلق الله ما لا تعلمون ، فقد أدرجت لها صورة وكتبت :
" مش ناويين على هدنة !
بدي أفيز " أي أن تحصل على تأشيرة الخروج / الدخول .
وأما أنا المقيم في نابلس / الضفة الغربية فوجدتني أكرر أسطرا شعرية لمحمود درويش ، منها ما ورد في قصيدة " مديح الظل العالي " ( ١٩٨٢ ) ومنها ما ورد في قصيدة " نزل على بحر " ( ١٩٨٤ ) ، وقد تساءلت :
- هل كتب الشاعر قصيدته في أيامنا هذه عن الحرب الدائرة حاليا في غزة ؟
" هي هجرة أخرى ، فلا تذهب تماما
.....
.....
هي هجرة أخرى إلى ما لست أعرف ...
ألف سهم شد خاصرتي ليدفعني أماما
لا شيء يكسرنا
....
...
هي هجرة أخرى ...
فلا تكتب وصيتك الأخيرة والسلاما . "
و
" أين نذهب
حين نذهب ؟ أين نرجع حين نرجع ؟ يا إلهي
ماذا تبقى من رياضة روحنا ؟ ماذا تبقى من جهات ؟
ماذا تبقى من حدود الأرض ؟ هل من صخرة أخرى
نقدم فوقها قربان رحلتك الجديد ؟
ماذا تبقى من بقايانا لنرحل من جديد ؟
هل تعود أصول ( سيزيف ) إلى قبيلة فلسطينية ؟
ويبدو أن النص الذي كتبه غسان كنفاني وينطبق أكثر من غيره على الفلسطينيين هو مسرحية " الباب " !
رد الطابة يا رداد . صار أهل غزة طابة يتلاعب بها أحفاد شعب الله المختار !!!
هل تعد المقاومة عملا ما يقلب الطاولة وفجأة نصحو ونستمع إلى خبر عن انتهاء الحرب وعودة اللاجئين الغزيين إلى أماكنهم الأولى الأصلية ؟
مساء الخير يا غزة
خربشات عادل الاسطة
٨ / ٥ / ٢٠٢٤

***

216- غزة ( ٢١٦ ) : أصوات من الداخل

أتابع صفحات معينة تصدر في غزة لأقرأ الصورة من مصادر مختلفة .
كتائب المقاومة تبث مشاهد توثق فيها ، بالصورة والصوت ، بطولات مقاتليها .
والجمعيات والمؤسسات الأهلية والناشطون الاجتماعيون يصورون مقاطع فيديو لواقع الحياة اليومية ،
والناطق الرسمي باسم وزارة الصحة يحصى عدد الشهداء والجرحى والمفقودين ،
والكتاب يكتبون عما آلوا إليه ويتحدثون عمن صمد وبقي في قلب الدرع وعمن غادر وهرب ،
وعبود بطاح يقدم مشاهد كوميدية في برنامجه ( آيس كريم كافيه ) ، وقد فقدت بريقها منذ شهرها الأول - لي على الأقل ،
والمشاهد هي هي :
- الدمار في كل مكان
- الخيام في رفح وغيرها
- مدارس إيواء اللاجئين الفلسطينيين تكتظ باللائذين إليها.
- وسائل النقل القديمة والحديثة جنبا إلى جنب ، الكارة / العربة التي يجرها حمار أو بغل إلى جانب السيارة
- الناس المرمية جثثها في الشوارع
- بياعو الفلافل والحلوى
- الصغار يغنون ويرقصون ويسبحون على شاطيء البحر
- الجنود الإسرائيليون القساة الذين يقتلون بلا رحمة
- إلخ... إلخ ... إلخ ...
وهناك أصوات أخذت تهاجم المقاومة وتلعن وتشتم وتخون وتكتب عن سنوات الحصار و ... و ... .
وبعض الناس ملوا وسئموا وصارت دعواتهم كلها أن يهبط عليهم من السماء فرج قريب واختصرت كتاباتهم بعبارات :
يا رب
فرجك
قربت
هانت
الهدنة قريبة
وهلم جرا .
احتمل اللاجئون برد الشتاء وها هم يستعدون لحر الصيف .
غزة على صفيح ساخن . هل يريد الغزيون العودة إلى ما قبل ٧ أكتوبر ؟
شخصيا لم أقرأ فيما ينشر من بنود الهدن المقترحة أي شيء عن الأقصى والقدس والاستيطان في الضفة الغربية ورفع الحصار عن غزة رفعا كاملا .
عندما هزم جمال عبد الناصر في حزيران ٦٧ أكثرت دار الإذاعة الإسرائيلية من بث أغنية " أبو سمرة زعلان " ، ويا خوفي أن تصبح أغنية أم كلثوم التي منها :
" وعاوزنا نرجع زي زمان .
- قل للزمان ارجع يا زمان " .
يا خوفي أن تصبح الأغنية الأكثر شهرة وبثا !!
ثمة أصوات من داخل غزة صارت ترتفع وتحن إلى ما قبل ٢٠٠٧ !!
الله المستعان به ولعله يمد المقاومين بجنود لا نراها ! لعله !
العلم الإسرائيلي حل ، في رفح ، محل العلم الفلسطيني ، وهناك أخبار أن المعبر ستسلمه إسرائيل إلى شركة أمريكية .
أين أنت يا معين بسيسو لتهتف :
" لا توطين ولا إسكان
يا عملاء الأمريكان "
هل كان لمصر دور فيما يجري ؟
كان إميل حبيبي يردد ويكتب إن طاقة الفرج لإخراج إسرائيل من مآزقها غالبا ما كانت عربية .
مساء الخير يا غزة
خربشات عادل الاسطة
٩ / ٥ / ٢٠٢٤

***

217- غزة ( ٢١٧ ) : الهجرات التي لا تنتهي:

ينهي محمود درويش قصيدة " الخروج من ساحل المتوسط " بالمقطع رقم - ٩ -ونصه :
" في غزة اختلف الزمان مع المكان
وباعة الأسماك باعوا فرصة الأمل الوحيد ليغسلوا
قدمي
أين المجدلية ؟
ذابت أصابعها مع الصابون
وانهمرت كتابات كتابات
وكان الجند ينتصرون ينتصرون
كانوا يقرأون صلاتها
ويفتشون أظافر القدمين والكفين عن فرح فدائي ،
وكانوا يلحقون حياتها
بدموع هاجر ، كانت الصحراء جالسة على جلدي
وأول دمعة في الأرض كانت دمعة عربية
هل تذكرون دموع هاجر - أول امرأة بكت في
هجرة لا تنتهي ؟
يا هاجر ، احتفلي بهجرتي الجديدة من ضلوع القبر
حتى آخر الكون أنهض
، بسكين الشهداء ، أضلاعي الطليقة
ثم أمتشق القبور وساحل المتوسط
احتفلي بهجرتي الجديدة " .
كما لو أن محمود درويش يكتب المقطع السابق اليوم ، فأشرطة الفيديو التي تبث قادمة من رفح تركز على الهجرة الجديدة - أي من الجنوب نحو الوسط ، وعما قريب ، إن شاء الله ، نحو الشمال .
آخر نص قرأته أرسله إلي الصديق Abdelrahman Barqawi وهو للكاتبة نعمة حسن تأتي فيه على إصرارها على البقاء مع أطفالها في الخيمة في رفح ، علما بأن من حولها قد غادروا حتى بدت المنطقة شبه مهجورة . البقالة أغلقت وبائع المياه المعدنية غادر و ... و ... و
إلى أين نذهب بعد الحدود الأخيرة ؟
إلى أين نذهب بعد السماء الأخيرة ؟
و
يا هاجر احتفلي بهجرتي الجديدة
من ضلوع القبر حتى آخر الكون .
وبين زمن كتابة القصيدة ١٩٧٤ وهجرة هاجر الفلسطينية الجديدة خمسون عاما .
في " دفاتر فلسطينية " لمعين بسيسو ، وفي " سنوات العذاب " لهارون هاشم رشيد قرأنا عن كنس المحتلين في العام ١٩٥٦ بعد احتلال دام ستة أشهر ، فمن سيكتب عن الكنس الجديد ؟
هل نحلم ؟
عادت أخبار المعارك كما كانت في بداية الحرب .
الله المستعان به ،
وبه يستعين أيضا رئيس الوزراء الإسرائيلي ( بنيامين نتنياهو ) كما سمعت للتو في خطاب له .
مساء الخير يا غزة
خربشات عادل الاسطة
١٠ / ٥ / ٢٠٢٤

***



218- غزة ( ٢١٨ ) : الآن وقد دخل البرابرة. وماذا بعد؟

في شريط فيديو ، قبل أن يدخلوا إلى رفح ، روت أم طارق حكايتها :
- أنا اسمي أم طارق . أعيل ستة أطفال وزوجي المريض نفسيا وهذا الطفل الذي نجا ومات والداه تحت الأنقاض وليس هناك من يرعاه ، فتبنيته . يوميا ألف على البيوت والخيام أجمع الخبز الناشف الذي يتخلص منه أصحابه ، ثم أفتته وأذهب إلى السوق أبيع الشوال بثلاثين أربعين خمسين شيكلا ، فيشتريه أصحاب الدواب علفا لدوابهم .
لقد زارني في الخيمة أناس عديدون ليتبنوا الطفل فيسهموا في النفقات ، ولكنهم لم يعودوا . ( والدة الطفل كانت جارة لأم طارق )
هل كان الطفل يفهم شيئا مما تقوله أمه بالتبني ، أمه التي ستربيه ، والحمد لله أنها ليست قادمة من بولندا مثل ( ميريام ) زوجة ( ايفرات كوشين ) في رواية غسان كنفاني " عائد إلى حيفا " ١٩٦٩ .
كان الطفل يحضن أمه ويعطيها خده لتبوسه ، وكان يمرح ويقفز ويلهو . أين بقية أبناء أم طارق وأين زوجها ؟ ربما في الخيمة المجاورة !
ماذا ستفعل أم طارق بعد أن جاء البرابرة ؟
هل ستظل في رفح أم ستغادر إلى المواصي أو خان يونس المدمرة والمسواة بالأرض ؟
عندما أصغيت ، في هذا الصباح ، إلى محمد الأسطل مراسل راديو " أجيال " تساءلت إن كانت القيامة في المواصي قامت . الناس على شط البحر يفرون من خيامهم ليتبردوا في مياهه ، ولا مياه صالحة للشرب ، واكتظاظ البشر لا يتصور . يقول محمد :
- إن الكلمات كلها تعجز عن وصف الحالة . شيء لا يتخيل ولا يصدق .
بعض أهل غزة ما زالوا يتساءلون إن كان ما يمرون به هو حقيقة أم كابوس ، ولعلنا لم ننس بعد الطفلة الجريحة التي أنقذت من تحت الأنقاض ووجدت نفسها في المشفى ، فتساءلت :
- عمو أنا في حلم ولا عن جد .
كان الأب الروحي للحركة الصهيونية ( ثيودور هرتسل ) يحلم بأن الدولة التي سينشئها خلال عشرين عاما ستضاهي حي الريفيرا في باريس وستفوق صناعتها الصناعة الألمانية وستصل قطاراتها إلى بيروت ودمشق ودولا عربية أخرى ، وأغلب الظن أنه لم يسمع بدولة الإمارات العربية المتحدة ، فلم يكن النفط جعل منها ذات شأن .
صدقت نبوءات ( هرتسل ) فقد جعل من يافا وحيفا وقرى عربية عديدة أماكن لا تصلح للعيش وأتبع بها يالو وعمواس وبيت نوبا ، والآن يلحق قطاع غزة وجنين ومخيمها ومخيمات طولكرم بها ، وبدلا من أن تصل إليها الكهرباء والقطارات و .. وصلت إليها الدبابات .
كان أبو سعد في رواية غسان كنفاني " أم سعد " يجلس على المقاهي وكانت أم سعد تخدم في البيوت ، وها هو أبو طارق لا يختلف عن أبو سعد ، وها هي أم طارق تواصل دور أم سعد .
هل نصدق فراشاتنا أم نستجيب لمحمود درويش في قوله :
" نخاف على حلم ، لا تصدق فراشاتنا ،
.....
.....
نخاف عليك ومنك نخاف . اتضحنا معا ، لا تصدق إذن صبر زوجاتنا ،
سينسجن ثوبين ، ثم يبعن عظام الحبيب ليبتعن كأس الحليب لأطفالنا
نخاف على الحلم منه ومنا ، ونحلم يا حلمنا . لا تصدق كثيرا فراشاتنا ،" .
الأوضاع أكثر من مأساوية .
كان الله في عون أهل غزة !!
مساء الخير يا غزة
خربشات عادل الاسطة
١١ / ٥ / ٢٠٢٤

***

219- غزة ( ٢١٩ ) : أهل غزة : " تضيق بنا الأرض"

وأنا أتابع صفحة مخيم النصيرات و النصيرات أتوقف عند العبارات القصيرة التي يدونها أسامة أبو عاصي Osama Abu Asi الذي ينتظر الفرج غير مؤمن على ما يبدو بما كتبه ( صموئيل بيكيت ) في مسرحيته " في انتظار غودو " .
" لا بد من أن يأتي الخلاص " . لا بد من أن يأتي فرج ما " ، علما بأنه كتب اليوم أنه آخر ٢١٨ يوما لم يعش ٢١٦ منها .
صارت عباراته كلها تصدر عن صدر مكلوم يتطلع إلى فرج ما ، طاقة ما من السماء ، فقد بلغت القلوب الحناجر ، وعبر اليوم عن ضيقه ، وتذكر آيات قرآنية ورد فيها هذا الدال (حتى إذا ضاقت عليهم الأرض بما رحبت ... )
ولم يورد بيت الشنفرى الشاعر الجاهلي الصعلوك :
" لعمرك ما بالأرض ضيق على امريء
سرى راغبا أو راهبا وهو يعقل "
قبل أن يكتب محمود درويش قصيدته " تضيق بنا الأرض " في ١٩٨٤ كتب قصيدة " رحلة المتنبي إلى مصر " التي عبر فيها عن تجربة شخصية فردية :
" هل غادر الشعراء مصر ؟ ولن يعودوا
إن أرض الله ضيقة ، وأضيق من مضائقها الصعود
على بساط الرمل "
ولكنه ، وقد غادرت الثورة الفلسطينية بيروت في آب ١٩٨٢ ، عبر عن ضيق الأرض بالفلسطينيين الخارجين ، وها هي الأرض تضيق ب ٢ ، ٢ مليون فلسطيني في غزة ، لا ببضعة مئات الآلاف كما كان الأمر في بيروت في حينه .
هل تنطق القصيدة بلسان أهل بيروت سابقا أم بلسان أهل غزة حاليا أم بلسان أهل الضفة الغربية مستقبلا ؟
" تضيق بنا الأرض تحشرنا في الممر الأخير ، فنخلع أعضاءنا كي نمر
وتعصرنا الأرض ، يا ليتنا قمحها كي نموت ونحيا ، ويا ليتها أمنا
لترحمنا أمنا .
...
إلى أين نذهب بعد السماء الأخيرة ؟ أين تنام النباتات بعد الهواء الأخير ؟
...
هنا سنموت هنا في الممر الأخير . هنا أو هنا سوف يغرس زيتونه .. دمنا "
ليس وراء أهل غزة إلا بيوت مهدمة وليس حولهم إلا الخراب وليس أمامهم إلا البحر ، ولا جدار يتكئون عليه ، ومنذ بدأ هجوم رفح ، قبل ثلاثة أيام ، لايجد قسم من الناس خيمة ، وإن وجدوها ، لا يجدون متسعا من الأرض لنصبها
إلى أين نذهب بعد الحدود الأخيرة ؟ أين تطير العصافير بعد السماء الأخيرة ؟ أين تنام النباتات بعد الهواء الأخير ؟
أهل غزة في ورطة ، ولعل الفرج قريب !
ضاقت استحكمت حلقاتها ، ونحن نظنها لا تفرج ، ولكن " ليس آت ببعيد ، بل قريب ما سيأتي " .
إن أشد ساعات الليل حلكة وسوادا هي أقربها للفجر .
لعل وعسى !!
ولا تلوموا مواطنا من غزة ، وما زال فيها ، عما يصدر عنه . ليست اليد وحدها في النار . عالمهم كله في بيت النار .
مساء الخير يا غزة
خربشات عادل الاسطة
١٢ / ٥ / ٢٠٢٤

***

220- غزة ( ٢٢٠ ) : الخيار النووي لإنهاء الحرب : أمريكا هي الطاعون

خطر ببالي في الأيام القليلة الماضية أن أتوقف عن كتابة يوميات مقتلة غزة وإبادتها وإهلاكها .
قلت:
- لعل توقفي عن الكتابة يكون بشارة خير ، فتتوقف الحرب ويعم السلام الذي قتل " على ربى وطني ، وفي وديانه " كما كتب سميح القاسم في ستينيات القرن ٢٠ . هل تذكرون قوله :
" ليغن غيري للسلام
ليغن غيري للمودة والوئام ،
فعلى ربى وطني ،
وفي وديانه ،
قتل السلام " .
ولم يثبت سميح على رأيه هذا ، فقد عاد وغنى للسلام ، وحذف هذا المقطع من طبعة أعماله الكاملة أو الناجزة كما أحب هو أن ينعتها .
السناتور الأمريكي الجمهوري ( ليندسي غراهام ) ، وهو أصغر مني بعام ، إذ ولد في ٩ تموز ١٩٥٥ ، اقترح ان تنهي الولايات المتحدة الحرب ، لا بفرض حل الدولتين ، وإنما بإلقاء قنبلتين نوويتين ؛ واحدة على غزة والثانية على إيران ، ويا دار ما دخلك شر . لقد فعلتها بلاده من قبل في الحرب العالمية الثانية في ( ناغازاكي ) و ( هيروشيما ) . ( Gaza shoud be nuked by occupation )
هل غاب عن ذهنه ما قام به الرجل الأبيض - أي أجداده - بالرجل الأحمر ؟
يبدو أن أن سي ( ليندسي ) يفضل بيع الجملة لا المفرق .
اليوم تتم الحرب يومها ال ٢٢٠ ، وقد اشتدت المعارك في جباليا من جديد ، وجيش الاحتلال الإسرائيلي يريد إنجاز مهمة الإبادة والمحو لا التهجير ، فالذين هاجروا إلى رفح ، باعتبارها منطقة آمنة ، أجبروا على مغادرتها .
بم صدر محمود درويش قصيدته " خطبة الهندي الأحمر ما قبل الأخيرة أمام الرجل الأبيض "؟
" هل قلت : موتى ؟
لا موت هناك ..
هناك ، فقط ، تبديل عوالم "
( سياتل ، زعيم دوامش ) .
ويبدو أن الأمر في نظر سي ليندسي غراهام ليس سوى تبديل يهود بعرب فلسطينيين ، ف " لن يفهم السيد الأبيض الكلمات العتيقة "!!
مساء الخير يا غزة
خربشات عادل الاسطة
١٣ / ٥ / ٢٠٢٤ .

***

221- غزة ( ٢٢١ ) : ولنا هدف واحد : أن نكون ( محمود درويش)

أصحو وأتابع ما انتهى إليه الأمس . الأجواء لا صافية تماما ولا شتائية أيضا . بين بين . واليوم كما الأمس . موت وتدمير ومقاومة وإبادة . الجثث في الشوارع والجرحى على قارعة الطريق وفي طائرات الهيلوكبتر وأبو يائير يلقي خطابه في عيدهم نكبتنا ونكبتنا عيدهم ، والعام 76 ينتهي أو يبدأ ( 1984 - 2022 ) والنكبة مستمرة ولا حلول في الأفق .
الأجواء خماسينية والدبابات في أزقة مخيم جباليا والمواجهات - يقال - وجها لوجه .
وما زال أبو يائير يصر : إنها حرب وجودية . لم يختلف الخطاب منذ 220 يوما .
أسير في شوارع نابلس . المدينة هادئة تماما وفواكه الصيف المسمنة على العربات والمشترون قليلون ، فلا فائض في الرواتب التي تنحف كل شهر شيئا فشيئا . 100 بالمائة . 80 بالمائة . 50 بالمائة ، ف ( سموتريش ) يحتفظ بأموال المقاصة والخزينة فارغة والسبع عجاف ، فماذا يفعل وزير المالية ؟ .
اشتعل أمس شمال قطاع غزة وتواصل اللهيب في رفح ، والهائمون على وجوههم يسألون عن خيمة أو عن مساحة أرض لنصب خيمة ، ولا تعدم كريما يوفر المساحة لمن يسأل وآخر يكتب : " تحذير : يرجى عدم نصب خيام هنا " .
أتابع صفحة " رفح : منطقة رفح تل السلطان أهالي حي تل السلطان { محافظة رفح } 🇵🇸 و صفحة مخيم النصيرات و النصيرات وصفحات أخرى تهاجم وتشكو .
هل أتابع أخبار مؤتمر القمة أم أقرأ قصيدة مظفر النواب " قمم . قمم " ؟
عدد القتلى بالعشرات .
هل السؤال :
- نكون أو لا نكون ؟
وفي " حالة حصار " 2003 كتب محمود درويش :
" واقفون هنا . قاعدون هنا . دائمون هنا .
خالدون هنا . ولنا هدف واحد واحد :
أن نكون .
ومن بعده نحن مختلفون على كل شيء :
على صورة العلم الوطني
[ ستحسن صنعا لو اخترت يا
شعبي الحي رمز الحمار البسيط ]
وفي مخيم جباليا ما زال قسم من المواطنين يردد :
" واقفون هنا . قاعدون هنا . دائمون هنا "
ولهؤلاء المجد كل المجد والتقدير كل التقدير والتحية كل التحية والاحترام كل الاحترام .
عندما عممت مقال الكاتبة العراقية إنعام كجه جي ( اسمي تايلور ) أول أمس سألتني عن السبب ، فأجبتها إنني في 3 آذار 2024 كتبت مقالا تحت عنوان " العالم بعيدا عن غزة والضفة الغربية " .
عالم ليس لنا .
مساء الخير يا غزة
خربشات عادل الاسطة
١٥ / ٥ / ٢٠٢٤ .

***

222- غزة ( ٢٢٢ ) : من دفاتر الشعر الجاهلي... ذكرى مختلفة تماما للنكبة 76

تزداد الحرب اتقادا وتتضاعف الخسائر والكل يشكو . ذهب تذاكي بعض مؤيدي اتفاقية أوسلو سدى . هل تتذكرون الرأي :
- ما لنا لنا ولكم ، وما لنا لنا وما لكم لكم وما لكم لنا ولكم و ...
هل هذا ما عناه محمود درويش في " سيناريو جاهز " :
" ولم نتحاور ،
تذكرت فقه الحوارات
في العبث المشترك
عندما قال لي سابقا :
كل ما صار لي هو لي
وما هو لك
هو لي ولك !
ومع الوقت ، والوقت رمل ورغوة صابونة
كسر الصمت ما بيننا والملل
قال لي : ما العمل ؟
هرب الوقت منا
وشذ المصير عن القاعدة
ههنا قاتل وقتيل ينامان في حفرة واحدة
... وعلى شاعر آخر أن يتابع هذا السيناريو
إلى آخره !! " .
غالبا ما يراودني السؤال :
- ما نماذج الشعر الجاهلي التي أراد الشاعر أن يعلمها لأعدائه ؟
في الحرب كتب زهير بن أبي سلمى :
" وما الحرب إلا ما علمتم وذقتم
وما هو عنها بالحديث المرجم
متى تبعثوها تبعثوها ذميمة
وتضر إذا ضريتموها فتضرم
فتعرككم عرك الرحى بثفالها
وتلقح كشافا ثم تنتج فتتئم
فتنتج لكم غلمان أشأم كلهم
كأحمر عاد ثم ترضع فتفطم فتغلل لكم ما لا تغل لأهلها
قرى بالعراق من قفير ودرهم "
ولقد بعثوها ذميمة فازدادت اتقادا وضراما واكتووا أيضا بنارها ، فحسب إحصائيات تكرر أمس وأول أمس الرقم ٧ ، وأقر الإسرائيليون بقتيل و ٩٥ جريحا ، وما بعد ٧ أكتوبر ليس كما قبله .
المعارك تزداد عنفا والمواجهات صار يقال عنها : وجها لوجه ، والمقاومون يغنون أغنية الثورة القديمة :
" طالع لك يا عدوي طالع
من كل بيت وحارة وشارع "
وأهل جباليا صامدون يرفضون الهجرة والرحيل .
مساء الخير يا غزة
خربشات عادل الاسطة
١٥ / ٥ / ٢٠٢٤

***

223- غزة ( ٢٢٣ ) : غزة قبل وغزة بعد :

اليوم انعقد مؤتمر القمة العربية ، ومنذ ستة عقود وهو ينعقد . ما بقي من لاءات الخرطوم ١٩٦٨ أية " لا " ، وصارت اللاءات كلها نعم وتحققت على أرض الواقع ؛ تفاوض قسم من العرب مع إسرائيل وتصالحوا معها ، بعد أن خاضوا حرب أكتوبر ١٩٧٣ ، وسالموها ، ولم يستعيدوا مناطق الاحتلال الثاني التي خسروها في حرب حزيران ١٩٦٧ .
اليوم يلقي القادة العرب كلماتهم المعدة سلفا ، واليوم يزداد القتال في قطاع غزة ضراوة . هل نستعيد ما قاله مظفر النواب " قمم قمم " ؟
هل نستعيد بعض مقاطع من قصيدة أمل دنقل " لا تصالح " ، بخاصة المقطع الذي يأتي على الشيوخ الشروخ الذين استطابوا الثريد ؟
قبل أيام كتبت أن المقاومة الفلسطينية ستهدي نصرها للزعماء العرب ، وقد ورد هذا على لسان قائد حمساوي ، فهل ما زال عند رأيه ؟
قبل أشهر تقريبا عرضت أشرطة فيديو لمدن قطاع غزة قبل تدميرها وبعده ، وقليلة هي الصور التي عرضت لأشخاص : ما كانوا عليه وما صاروا إليه ، وأمس نظرت في الصورة الأخيرة للكاتب الغزي طلعت قديح وقارنتها بالصورة التي كان عليها قبل ٧ أكتوبر . كان بضا ممتلئا وصار ذابلا نحيفا فعلت به الحرب ما فعلت . وكان من قبل عرض أكثر من شريط لمنزله . أيضا قبل وبعد ، ولله الأمر من قبل ومن بعد .
إن أصيب الغزيون بالجنون فقولوا :
لا غالب إلا الله وهو المستعان .
هل نواسيهم أم نواسي أنفسنا ؟
مساء الخير يا غزة
خربشات عادل الاسطة
١٦ / ٥ / ٢٠٢٤

***

224- غزة ( ٢٢٤ ) : من تل الزعتر إلى جباليا ، ومن قبل ومن بعد

أنفقنا عمرنا نتابع نشرات الأخبار وآخر أخبار المعارك في جبهات القتال ، وأنفق الإسرائيليون أعمارهم في الدبابات والطائرات والخنادق وأقبية السجون أيضا يحققون مع الفلسطينيين يلاحقونهم ويقصون أثرهم ويفتخرون بإنجازات تشبه إنجازات من لاحقوهم في ألمانيا وفي معسكرات الإبادة وفي .. .
انتهت فترة الحكم النازي ولم تدم أكثر من ثلاثة عشر عاما وطالت فترة الاحتلال الإسرائيلي لستة وسبعين عاما ولما تنته و ... .
ببساطة فلقد لاحقنا الملاحقون قبلنا سبعة أضعاف ملاحقة النازيين لهم ولما ييأسوا .
ما زالت المعارك في غزة في عنفوانها ، وأمس وصباح اليوم وجدتني أردد مقاطع من قصيدة محمود درويش " أحمد الزعتر " :
" ... وله انحناءات الخريف
له وصايا البرتقال
له القصائد في النزيف
له تجاعيد الجبال
له الهتاف
له الزفاف
له المجلات الملونة
المراثي المطمئنة
ملصقات الحائط
العلم
التقدم
فرقة الإنشاد
مرسوم الحداد
وكل شيء كل شيء كل شيء
حين يعلن وجهه للذاهبين إلى ملامح وجهه
يا أحمد المجهول !
كيف سكنتنا عشرين عاما واختفيت
وظل وجهك غامضا مثل الظهيرة
يا أحمد السري مثل النار والغابات
أشهر وجهك الشعبي فينا
واقرأ وصيتك الأخيرة ؟ "
والسؤال نفسه :
هل قال شاعرنا الوطني قصيدته في مخيم تل الزعتر أم في مخيم جباليا وقطاع غزة ؟
أغلب الظن أن الإسرائيليين يزدادون حماقة والفلسطينيين يزدادون شراسة في الدفاع عن حقهم .
ما أراني أكتب إلا معادا مكرورا وأعدل في متون الآخرين وأضيف هامشا في سرد الحكاية .
صارت الحكاية مملة وكذلك الكتابة .
صباح الخير يا غزة
خربشات عادل الاسطة
١٧ / ٥ / ٢٠٢٤

***

225- غزة ( ٢٢٥ ) : خزق وخوزق [خزقه و خوزقه]

العبارة اللافتة أمس ، وقد ترددت على الألسن وفي صفحات التواصل الاجتماعي ، هي عبارة المقاوم الفلسطيني الذي اصطاد جنود جيش الاحتلال في غزة :
- والله يا ولاد تخزقوا شفتهم بعيني . تخزقوا .
والعبارة للفلسطينيين وأبناء بلاد الشام عبارة مألوفة هي ومثيلتها " خردقوا / خردقتهم / تخردقوا " ومثلها " نخلوا / نخلتهم / تنخلوا " ومثلها " مزعوا / مزعتهم / تمزعوا " .
أدرج علاء الفزاع ، وهو معارض أردني يقدم حلقات يتابع فيها الحرب في غزة ، العبارة في حلقته أمس فسأل مواطن جزائري عن معناها ، وقد أوضح له بعض المتابعين ماذا تعني . أحدهم قال إنها تعني أنه أحدث ثقوبا في جسده ، وآخر قال إنها تعني الخازوق - والخازوق هو مسمار أو سيف يعاقب به عدو الحاكم ، وهي مفردة ذات دلالة تاريخية تعود إلى عصور سابقة ، وتعني نوعا من أنواع التعذيب والقتل ، وقراء رواية إميل حبيبي " المتشائل " يعرفونها ، وإن استخدمها بمعنى غير معناها الحرفي " الجلوس على الخازوق " - أي الرضا بما أنا فيه " ورضيت بخازوقي " . وأما علاء حليحل في روايته " اورفوار عكا " فقد استخدمها بمعناها التاريخي المعروف وأطنب في الوصف ، وأما مظفر النواب في قصيدته " تل الزعتر " : " خوزق . خوزق . خوزق . هذا ملك يستأنس بالخازوق " فقد استخدمها بالمعنيين ؛ الحقيقي والمجازي .
" خزقتهم " تعني أن الرصاص اخترق أجسادهم - أي نفذ منها ، فوقعوا صرعى ، وفي الشعر الجاهلي قال قيس بن الخطيم :
" طعنت ابن عبد القيس طعنة ثائر
لها نفذ ، لولا الشعاع ، أضاءها "
أي طعنه بالرمح طعنة اخترق السهم فيها جسد المطعون لدرجة أنك ، لولا الشعاع ، لرأيت خلالها الضوء .
جيش الاحتلال لم يكتف بإحداث ثقوب في مباني بيوت قطاع غزة ، لأنه سواها بالأرض ، ولم يخزق أجساد المقاتلين الفلسطينيين ، بل نخلها ونخل أيضا أجساد المدنيين ، وقتل المدنيين بلا رحمة . لقد هرس البيوت هرسا وقطع أوصال أجساد البشر و ... والله غالب على أمره ، ولا حول ولا قوة إلا به .
" خزقتهم . شفتهم بعيني . شفتهم بعيني " قال المقاوم ، وأما أنا فسمعت العبارة وحال ضعف النظر دون الرؤية ، ومساء أمس أغارت الطائرات الحربية الإسرائيلية على حارة الدمج في مخيم جنين فارتقى شهداء منهم إسلام خمايسي . هل بدأت معركة تسوية المباني في الضفة الغربية بالأرض ؟
الله المستعان !
صباح الخير يا غزة ويا جنين
خربشات عادل الاسطة
١٨ / ٥ / ٢٠٢٤

***


-------------------------
214- غزة ( ٢١٤ ) : اليوم الأول من الشهر الثامن: شايلوك الجديد "الرطل كاملا"
215- غزة ( ٢١٥ ) : هل كتب محمود درويش "مديح الظل العالي" في حرب ٢٠٢٣؟
216- غزة ( ٢١٦ ) : أصوات من الداخل
217- غزة ( ٢١٧ ) : الهجرات التي لا تنتهي
218- غزة ( ٢١٨ ) : الآن وقد دخل البرابرة. وماذا بعد؟
219- غزة ( ٢١٩ ) : أهل غزة: "تضيق بنا الأرض"
221- غزة ( ٢٢١ ) : ولنا هدف واحد: أن نكون (محمود درويش)
222- غزة ( ٢٢٢ ) : من دفاتر الشعر الجاهلي... ذكرى مختلفة تماما للنكبة 76
223- غزة ( ٢٢٣ ) : غزة قبل وغزة بعد
224- غزة ( ٢٢٤ ) : من تل الزعتر إلى جباليا ، ومن قبل ومن بعد
225- غزة ( ٢٢٥ ) : خزق وخوزق [خزقه و خوزقه]


.
.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى