نبيل محمود - ( عيد المرأة العالمي) يوم الرياء الذكوري!

(أقرأ-ي... عن الموضوع أدناه)
أيوم عيد لمن هي كل العيد؟
أي رياء ذكوري!؟
يمنحها يوما من العام
ويحتفظ له ببقية العام!
يلاطفها يوما
ويلعنها، إلاّ يوما، كل العام
وكل هذا للتي تمدينت وتعلمت .
أما التي تكدح بريف أو بضاحية، ولم تسمع بيوم المرأة
فعليها وعلى الذي انجبها........
أي رياء ذكوري!؟
أبتكر عيدا يُلهيها عن عبوديّـتها
يوم للاحتفال
وبقية العام للامتثال!

****

((الثورة الذكورية ما زالت مستمرة !))
(( إنّ العلاقة الأكثر طبيعية بين الإنسان والإنسان، هي العلاقة بين الرجل والمرأة...)) ماركس.

حسب الويكيبيديا فإن المناسبة تعود الى عام (1857) و8 آذار (1908)، وشعار ((خبز وورود))، بدأت باحتجاج النساء العاملات في سبيل حقوقهن الاجتماعية ثم السياسية في نيويورك فأوربا، وصولا الى عام (1977) حيث تبنت الأمم المتحدة قرارا باختيار يوم عالمي للاحتفال بيوم للمرأة، فأختارت الدول يوم 8 آذار من كل عام لهذه المناسبة. والتواريخ لا تعنيني هنا بقدر ما يهمني التفكّر بأهم علاقة إنسانية في الوجود، أي العلاقة الإنسانية بين الرجل والمرأة وإشكاليتها الاجتماعية والسياسية والفكرية، والتي اراها وجها كاشفا لمأساة العلاقات الإنسانية عامة. أواخر العهد البابلي القديم (1400-1500) ق.م تاريخ اخر تدوين لملحمة الخلق البابلية (حينما في العلى ) ( طه باقر، مقدمة في أدب العراق القديم)، تكمن أهمية الملحمة في رأيي بتسليط الضوء على العلاقة بين الرجل والمرأة من الناحية التاريخية، باعتبارها أقدم نص أسطوري مدون ومعروف حتى اليوم. وما يهمني فيها هو العلاقة بين الرجل والمرأة ( وهي تحوي كذلك أصول القصص الدينية). والتاريخ أعلاه هو تاريخ آخر تدوين لها، أي أنها تعود الى ماض أقدم من ذلك بكثير حينما لم يكن للإنسان طريقة تدوين أو كتابة وأنما كان النقل من جيل الى آخر يعتمد المرويات الشفاهية اعتمادا على ذاكرة الأفراد، وهذا يجعلها عرضة لكل أشكال الحذف والإضافة والتحوير..الخ والتي أراها أصل وسبب وجود الفكر الأسطوري كله، أي غياب التدوين.
إن الأسطورة تتحدث عن زمن قديم كانت فيه الحياة الاجتماعية مشتركة على قدم المساواة بين الرجل ( الآله أبسو) والمرأة (الإلاهة تيامات) وأبنائهما (بقية الآلهة الأقل شأنا)، وقد كان القوم يتصورون آلهتهم كانعكاس ما، لصورالطبيعة وحياتهم الاجتماعية، وفي خلاف حول مصير الآلهة الصغار كان القرار لتيامات بعد حجب سلطة أبسو. إن الأسطورة تتحدث عن اضطراب ما طرأ على مجمل العلاقات بين الآلهة وتحول الى صراعات حافلة بالمؤامرات ( وهو ما يمكن النظر أليه على أن تغيرا اجتماعيا مهمَّاً قد حدث مما غيّر من صورة العلاقات الإلهية القديمة المستقرة وأشاع الأضطراب فيها)، وقد انقسمت الآلهة الى معسكرين وحسمت أمرها لخوض المعركة الكبرى، فكان الفريق الأول بقيادة تيامات ( ويصفها طه باقر بالآلهة القديمة )، والفريق المقابل (والذي يصفه طه باقر بالجيل الجديد من الآلهة ) كان محتاراً ومترددا حول القيادة، إلى أن استقر الأمر إلى اختيار (مردوخ) قائدا ، والذي اشترط للتصدي لهذه المهمة الخطرة أن يفوّض سلطات مطلقة، فكان له ما أراد، واندلعت المعركة الكبرى بضراوة وشراسة قلما نجد ما يضاهيها بقسوتها وعنفها.. وقد كانت النتيجة اندحاراً مأساوياً للآلهة تيامات ( المرأة)، وانتصاراً ساحقاً لمردوخ ( الرجل ) الذي رتب أمور الأرض والسماء وفق رؤيته ومستثمراً سلطاته التي خوّلت له. والطريف بالأمر أن قارئ الأسطورة سيجد تصوير المرأة (تيامات)بصورة سلبية ومعتمة، فيما سيجد تصويراً إيجابياً وبهياً للرجل (مردوخ)، فعلاً أن التاريخ يكتبه المنتصرون! إن الأسطورة تبيّن بجلاء ووضوح شديد أنها الأصل الأسطوري لولادة العصر الذكوري والسيادة الذكورية التفكير الذكوري! في التاريخ. وفي زمن ما يعاصر تلك المجتمعات السحيقة في القدم التي تحولت من مجتمعات محكومة بأعراف وتقاليد، يصفها البعض ب((الأمومية))، ويصفها البعض ب((الديمقراطية البدائية))، والفكر الماركسي يسميها ((بالمجتمعات المشاعية)) حيث لم يكن المجتمع قد انقسم بعد طبقياً وما تبعه من انقسامات لاحقة بين المدينة والريف والأفراد الى الحاكم والمحكوم والعلاقات البطرياركية. ويكاد الجميع يتفق على أن عهداً جديداً قد بدأ وما زال مستمراً حتى اليوم هو عهد سيادة الرجل، والفكر الذكوري وإن بدرجات متفاوتة، حيث بالكاد بدأت سيادة الرجل بالتراجع طردياً مع أتجاه التطور البشري باتجاه المجتمعات الصناعية الحديثة، وتطور الفكر السياسي وظهور فكرة المواطن وفكرة الفرد كوحدة أساسية في تكوين المجتمع الحديث، وليس العائلة البطرياركية التي تشكل الوحدة الأساسية في كافة المجتمعات ما قبل الصناعية، وهو يعيدنا الى نقطة بدء الحديث حيث بدء نضال الحركات النسوية الحديثة بتطور ونضج الأنظمة الصناعية الاجتماعية.
والآن لنبحث الجانب الفكري للموضوع، ولنأخذ نموذجين معاصرين لنا أحدهما من ((الغرب)) أي المجتمعات الصناعية المتطورة، والآخر من منطقتنا ولنر كيف يتم التعاطي فيهما مع موضوع العلاقة الإنسانية بين الرجل والمرأة، ومدى سطوة الفكر الذكوري فيهما جوهرياً، رغم الأختلاف بينهما. ولنأخذ جسد المرأة معياراً كثيمة وكيف يتم التعاطي معه. إن الثقافة ((الغربية)) في شرطها الصناعي الرأسمالي الذي حوّل كل شيء في المجتمع الى سلعة خاضعة للحساب العقلاني الكمّي (حسب تحليل ماكس فيبر) ومقذوفاً به في نشاط المجتمع الكلي حيث صار المكان الطبيعي لهذا النشاط هو السوق، يوجد فيه كل شيء ويكون، ولم تنجو منظمومة القيم والثقافة من هذا المصير، ومنها الرؤية الذكورية للمرأة باعتبارها جسدا موّظفاً للمتعة الحسية، فأخذ الخيال الذكوري بابتكار كل أشكال تداول هذا الموضوعة (جسد المرأة) بمنطق الربح والخسارة في السوق. وكان أوضح أشكال هذا التعاطي هو صناعة السينما والإعلان والمطبوعات، وحتى التعبيرات الفنية خضعت لهذا المنطق كما تجلّى في الفنون التشكيلية والآداب. وكان هذا التشيئ للمرأة ككائن إنساني مختزلاً في صورة (جسد جميل) قابلاً للتسويق. ولكن بما ان كل (كون) يحفل بالموضوع ونقيضه، فقد حفلت الثقافة ((الغربية)) باتجاهات نقدية لمجمل الوجود الاجتماعي، وكانت أهم التيارات النقدية تلك التي تأسسست على يد من يسميهم المفكر بول ريكور (بفلاسفة الريبة – الشك) وأسمّيهم الوجه النقدي لمجمل الحياة الرأسمالية ((الغربية))، ماركس ونيتشه وفرويد ، وإن أختلفت جذريا المبادئ والمعالجة لكل منهم لطريقة الحياة ((الغربية)). إذن سُجنت المرأة واختزلت في صورة (جسد) وخاصة العاري لأعتبارات العرض والطلب للسوق. ولكن ذلك لم يمنع من تحقق إنجازات هائلة للمرأة (وهذا أيضا خضع لاعتبارات السوق) بعد ان تحولت إلى فرد عامل في المجتمع وحازت الكثير من الحقوق الاجتماعية والسياسية.
أما في منطقتنا والتي لا تزال الهيمنة للصيغة البطرياركية للوجود الاجتماعي، نظرا لضعف التطور الصناعي وخضوعها لمنطق السوق العالمية باعتبارها، إما منطقة استهلاك رئيسة أو منطقة إنتاج للطاقة (النفط ، والمواد الأولية المعدنية أوالزراعية)، وفي المجمل تخضع لمنطق الاقتصاد الريعي والخدمي (خدمات التسويق والسياحة، أي غياب الشكل الإنتاجي الصناعي الفعلي)، مما استتبع أن يكون الطلب على قوة العمل في أدنى مستوياته، والضحية الرئيسة لضعف الطلب على الطاقة البشرية هي المرأة، والجانب الثقافي هنا يكمل ويعيد إنتاج ذاته في هذا الإطار العام. وبقي القسم الأعظم للنساء حبيسات البيت والعائلة أو عاملات في قطاعات إنتاجية تنتمي للأشكال البطرياركية (الزراعة)، أو أعمال الخدمات والسياحة، وكل ذلك على هامش الإنتاج الصناعي العالمي. في هذا الشرط الاجتماعي لن يكون للمرأة إلا دورها ((الطبيعي !)) الإنجاب والمتعة.. ولن يكون بمقدورها الارتقاء الى صفة الكائن الاجتماعي الذي يتمتع بالحقوق الإنسانية المماثلة للرجل، والاحتجاج بأن هناك نساء في مجتمعاتنا عاملات وطبيبات ومهندسات... وحتى سياسيات، لن يغيّب الحقيقة الناصعة حول كم من النساء يعمل خارج البيت والحقل؟ وما هي نسبة النساء العاملات المتعلمات قياساً للنساء (العاطلات إلا عن مهنة الإنجاب)؟! بالتأكيد الواقع هو الذي يجيب. هناك مقولة رائعة لشارل فورييه : (( إن تحضّرالمجتمعات يقاس بمدى تحرر النساء فيها)). إن الشروط الموضوعية لوجود مجتمعاتنا يجعلها مرتهنة للثقافة البطرياركية المتوارثة، ومن أهم تمظهراتها هي تعاطيها مع المرأة ليس ككائن يقف ندّا للرجل بل تابعاً وموضوع استحواذ وملكية خاصة له.. وكل من يمتلك ((شيئاً)) لابد من أن يحافظ عليه من السرقة والضياع. فنرى الرجل عندنا يسعى جاهداً للحفاظ على ما يملك، والمرأة من مقتنياته الأكثر قدرة على المراوغة و((المكر!)) بحكم كونها كائناً حياً وليس ((شيئاً))، والحفاظ عليها أصعب بكثير من الحفاظ على الأشياء، فابتكر أغرب ما يخطر في البال من أساليب أقصاء الجانب ((الحي)) لهذا ((الشيء)) العصيّ على لعب وظيفة الشيء، ومن ابتكارات الخيال الذكوري لرجلنا لفلفلة وتغطية المرأة ب((السواد)) ليس حفظاً لإنسانيته، كما يدّعي، بل طمساً وقمعاً لهذا النزوع الذى قد يبديه هذا ((الشيء)) ليكون إنسانا لا شيئاً، وهذا ما اسمّيه ((الرياء الذكوري)). الرجل أذْ يقوم بذلك يمارس فعلاً لتشييء المرأة ولا يراها إلا جسداً يقوم بوظيفته ((الطبيعية !)). إذن تعرية المرأة في الثقافة ((الغربية)) وتغطيتها في ثقافتنا لا يختلفان إلا في شكل التعاطي معها، وجوهرهما واحد وهو عدم الاعتراف بالوجود الحقيقي للمرأة ككائن مواز للرجل وله نفس الحقوق، إلا أنه هناك خاضع لمنطق السوق الرأسمالي وهنا خاضع لمنطق الإنتاج ما قبل الصناعي والمحكوم بأنظة الوجود الاجتماعي البطرياركي. هناك عرضة للتعرية وهنا عرضة للحجب، والسبب واحد في الحالين. إنه فعل انتهاك للكائن-الإنسان بالجسد-الشيء!؟ وعدم اعتراف بالكائن وحقوق وجوده الخاص بعيداً عن هيمنة الرجل.
ما نعيشه ، إذن، آثار لتلك الثورة ((الذكورية)) ضد المرأة في الأسطورة البابلية ونتيجة للشروط الاقتصادية والثقافية للوجود الاجتماعي. وها نحن في عالم لم يصل بعد لنظام اجتماعي متطور يمارس فيه الجميع إنسانيتهم بشكل كامل بعيداً عن الخضوع لأي شكل من أشكال الهيمنة والأستغلال. وما الأعياد التي يُحتفى بها عالمياً، يوما من كل عام، مرة للعامل ومرة للمرأة ومرة للطفل، إلا دليل على أنّ فئات واسعة من البشر مازالت تعاني من الحيف والقهر، وأن أنظمتنا الاجتماعية ما زالت في دائرة الظلم والعنف. وأخيرا أتمنى للجميع أياما كلها أعياد بلا رياء!

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى